الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ناداه مولاه فزاده إجلالا وإكراما (ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا، ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) فأدّى صلى الله عليه وسلم الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، ونطق بالحكمة وفصل الخطاب، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والعاملين بسنته الأبرار الصالحين المتقين.
أما بعد: فيقول الله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) 78 من سورة النحل.
ياابن آدم خلقك الله جاهلا لاتعرف شيئا من الحياة، وهيأ لك ثلاثة أمور للفهم والإدراك لعلك تصغى إلى ما ينفعك، وترى ما يقدِّمك، فتحمد الله تعالى على ما وهب لك من كمال العقل.
قال البيضاوي: جهالا مستصحبين جهل الجمادية، سبحانه جعل أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزيئات الأشياء فتدركونها، ثم تنتبهون بقلوبكم لمشاركاتها ومباينات بينها بتكرّر الإِحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها (لعلكم تشكرون) كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه أهـ.
ذكرت هذه الآية استدلالا على أن الإنسان في حاجة إلى البحث وكثرة الاطلاع ليغذي نفسه بلبان العلوم والمعارف ويذكرها بالموعظة الحسنة، ولن أجد نبراسا مضيئا، وسراجا وهاجا ومصباحا منيرا ادعي إلى الهداية والإرشاد، مثل كتاب الله جلّ وعلا، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديان الناس إلى المحجة الواضحة، ويبصرانهم مواطن الحجة الناصعة، وجماع الخير كله (الترغيب والترهيب) عكفت على قراءته من سنة 1349 من هجرة سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخرجت مختارات تزيد عن ألفين ولما تطبع. ثم راجعت الكتاب كله وضبطت ألفاظ أحاديثه ضبطا وافيا وأسماء الرواة رضي الله عنهم، ثم عقبت كل باب من أبوابه بذكر طائفة من الآيات القرآنية التي تناسب أن يذكره الواعظ المرشد، والناصح الأمين، والمهدى المخلص، والشارح الوافى كما ذيلتها بشرح (فتح جديد) كما ألهم الله سبحانه وتعالى يفسر غريب ألفاظها، ويحلّ مستغلق كلماتها، وأوردت كل ما تمس إليه الحاجة في فهمها، والاستدلال بعرضها، فجاء والحمد لله كتابا جميلا حوى آيات بينات، وحكما خالدات، وقرآنا عربيا مبينا، شنف آذان المسلمين بآيه الناطقة، وأثلج صدورهم بحكمه البالغة، وأفاض على القلوب من عظاته المؤثرة، فكان مصدر خير، ومبعث نور، وشمس هداية أضاءت للعالم سبل المصالح، وهدتهم خطط العمل الناجح.
ثم حوى جملة من كلام خير البشر عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله على حين فترة من الرسل، وحاجة من البشر، فأهاب بالعقول من سباتها، وأخذ بالنفوس عن غيها، وعرض على الأنظار خيالة تمثلت فيها آى الكون الصامتة صلى الله عليه وسلم، أدّبه ربه فوصفه سبحانه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) فكان تكوينه خير تكوين وتثقيفه أوّل تثقيف صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وإنها لأحاديث منتقاه متخيرة آية في الإبداع والإرشاد، تفصل شؤون الحياة، وتوضح مجمل المحامد، وتجلب كل المحاسن، وتضرب في صميم المنكرات والقبائح، فتزيل كل معوجّ، وتجارى العصر الحاضر ونهضته المباركة في الاستقامة والكدّ والجدّ والاشتغال بالأعمال الصالحة، وشرحتها بعبارة سهلة يلمحها الأديب فيروقه وصفها، ويقرؤها المربي فيسايره نهجها، وينظرها القارئ الساذج فيسهل عليه فهمها، وتروى منا نفسه. تراه يا أخى لكل واعظ غنية، ولكل تقّى بغية، ولكل راغب في الدين منية، ولكل خلق ثمرة غضة (وجنى الجنتين دان) مالئا نفس الراغب، سادّا جوعه الناهم، وأعدّ هذا إلهاما، راجيا من العليم سبحانه أن يهب لى توفيقا، ويرزقني الهداية والصحة والعافية، ويمدّني بروح منه، ويظلني في ظلال السعادة، ويمدني بعنايته لأبعد من الزلل، فهو الهادى المستعان (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب).
وحسبك قول الحافظ المنذري في فائدة هذا الكتاب المستطاب سألني بعض الطلبة الحذاق أولو الهمم العالية ممن اتصف بالزهد في الدنيا على الله عز وجل بالعلم والعمل، زاده الله قربا منه وعزوفا عن دار الغرور، أن أملى كتابا جامعا في الترغيب والترهيب مجردا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل؛ فاستخرت الله وأسعفته بطلبته؛ لما وقر عندي من صدق
نيته؛ وإخلاص طويته، وأمليت عليه هذا الكتاب صغير الحجم، غزير العلم؛ حاويا لما تفرّق في غيره من الكتب) أهـ.
أعجبني هذا القول العذب فأكثرت الإمعان فيه، والنظر إلى مراميه، وعقلت معانيه، وأشعر بانشراح صدر، والحمد لله لجنى ثماره، وقطف أزهاره، ونحن الآن في حاجة إليه لأنا في زمن كثر الانصراف فيه عن الدين، وحبب إلى الناس الدنيا وزخارفها، وغرّتهم المدنية الحديثة بسرابها الخادع وبعدوا من السنة وآدابها، ولنا رجاء في المولى جلّ وعلا أن يشمل المسلمين برحمته فيعملوا بالكتاب والسنة ليسعدوا، ولعل هذا السفر ينال حظا وإقبالا على قراءته وينظر إليه المؤمنون، فينقع غلة الصادى، ويشفى علة المرتاب.
وإني أمدّ أكف الضراعة إلى من يجيب دعوة المضطرّين أن ينفع به كأصله ويرزقنى فيه الإخلاص، ليكون لى كفيلا في الآخرة بالخلاص، وإني أشكر لله مدده ورعايته إذ أشرقت شموس الوعظ والإرشاد في ربوع العالم وتصدّى للعلم وتعليمه العلماء الأكفاء، والسادة الفضلاء، وقاموا بقسط وافر، وعمل زاخر، جزاهم الله خيرا. والفأل الحسن اليوم 27/ 5/ 1373 هـ إقبال قادة المسلمين على الاطلاع عليه والاستضاءة بأنوار أحاديث صلى الله عليه وسلم.
وإن أشكر لرجال دار الكتب الملكية عنايتهم المضاعفة، وهمتهم العالية، فقد يسروا لنا الطرق المعبدة في البحث والتنقيب والمراجعة والتصحيح على عدة نسخ مخطوطة من كتاب (الترغيب والترهيب) وقد اعتمدت على كتاب محضر من جامع شيخون في 5 يونيه نمرة 120 حديث، وقفه المرحوم محمد صالح أفندى شرمى زادة لطلبة العلم سنة 1262 هـ، وفي آخر هذه العبارة (ووافق الفراغ من كتابه نهار الثلاثاء تاسع عشر المحرّم سنة 825 هـ بصالحية دمشق المحروسة على يد المرحوم على بن يوسف البانياسى الشافعي غفر الله له).
ثم راجعت على نسخة ثانية في آخرها هذه العبارة (كتبها الشيخ محمد ابن الشيخ محمد ابن أحمد زهران الأجهورى في عشرة من صفر سنة 1202 هـ).
ثم قام حضرة أخى العزيز المحترم الفاضل (مصطفى أفندى محمدعبد القادر) المدرس بالمدارس الأميرية بالمراجعة وضبط ألفاظ الأحاديث على النسخ المخطوطة بدار الكتب.
وقد ساعدنى حضرة الأستاذ المحدث التقى الشيخ أحمد بن الصديق المغربى نزيل مصر الآن على شراء نسخة مخطوطة من سنة 849 هـ.
أراجع عليها الآن مرة ثانية في أثناء الطبع انظر (ص 376 جـ أول من الترغيب).