المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

الرابع: من الاحتمالات أنه إنما منع منه في حديث الأسورة والفتخات لما رأى من غلظه فإنه مظنة الفخر والخيلاء، وبقية الأحاديث محمولة على هذا، وفي هذا الاحتمال شيء ويدل عليه ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا، وروى أبو داود والنسائي أيضاً عن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله نهى عن ركوب النمار، وعن لبس الذهب إلا مقطعا، وأبو قلابة لم يسمع من معاوية ولكن روى النسائي أيضاً عن قتادة عن أبي قتادة عن أبي شيخ أنه سمع معاوية فذكر نحوه، وهذا متصل، وأبو شيخ ثقة مشهور. وفي الترمذي والنسائي، وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:"جاء رجلٌ إلى النبي وعليه خاتمٌ من حديدٍ فقال: مالي أرى عليك حِلْيَةَ أهل النار، فذكر الحديث إلى أن قال: من أي شيء أتَّخِذُهُ؟ قال من وَرِقٍ، ولا تُتِمَّهُ مِثْقَالاً" والله أعلم.

‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى

والترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه

وما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

1 -

عن رافعِ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "العاملُ (1) على الصدقةِ بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجعَ إلى أهلهِ" رواه أحمد، واللفظ له، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن عوف ولفظه: "قال رسول الله: العاملُ إذا استُعْمِلَ فأخذَ الحق (2)، وأعطى الحقَّ

(1) الذي يبذل جهده في جمع الزكاة من المسلمين ليوصلها إلى بيت المال. فينصرف الإمام في إنفاقها في المصالح العامة والمساعدة والإعانة والإحسان، وثوابه ثواب المجاهد لنصر دين الله المضاعف أجره.

(2)

راعى الله وأخذ الزكاة على قدر نصابها، وما حدده الشرع.

ص: 559

لم يزل كالمُجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته".

2 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: "إن الخازنَ المسلم الأمين الذي يَنْقُلُ ما أُمِرَ به فَيُعْطِيهِ كاملاً موفراً طيبةً به نفسهُ فيدفعهُ إلى الذي أُمِرَ به أحد المتصدقين (1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

3 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "خيرُ الكسبِ كَسْبُ العاملِ (2) إذا نَصَحَ" رواه أحمد ورواته ثقات.

4 -

وعن مسعودٍ بن قَبيصةَ، أو قبيصة بن مسعود رضي الله عنه قال:"صَلَّى هذا الحيُّ من مُحَارِبٍ (3) الصبحَ فلما صَلَّوْا قال شابٌ منهم: سمعت رسول الله يقول: إنه ستفتح عليكم مشارقُ الأرضِ ومغاربها، وإن عُمَّالها (4) في النار إلا من اتقى الله عز وجل، وأدى الأمانة" رواه أحمد، وفي إسناده شقيق ابن حبان، وهو مجهول، ومسعود لا أعرفه.

5 -

وعن سعد بن عُبادةَ رضي الله عنه أن رسول الله قال له: "قُمْ على صدقةِ بني فلانٍ، وانظر أن تأتي يوم القيامة بِبِكْرٍ تَحْمِلُهُ على عاتقك أو كاهلك له رُغاء يوم القيامة. قال يا رسول الله: اصرفها عني، فصرفها عنه" رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواة أحمد ثقات إلا أن سعيد بن المسيب لم يدرك سعداً، ورواه البزار أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله سعد بن عبادة فذكر نحوه، ورواته محتج بهم في الصحيح.

[البكر] بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف: هو الفتىّ من الإبل، والأنثى بكرة.

6 -

وعن عبد الله بن بُريدةَ عن أبيه رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم

(1) معناه: الله تعالى يعطي ثواباً للذي حفظ زكاة المسلمين، وتعهد المخزن، وراعى الأمانة وحفظها.

(2)

المجد.

(3)

كذا (ع)، وفي (ن د): محراب ص 296

(4)

يريد أولئك الذين يظلمون في أخذ الزكاة، ويتعدون على الحقوق، ويتغالون شيئاً من الغنيمة، ويجبون فيخفون شيئاً عن الإمام.

ص: 560

قال: "من استعملناهُ على عملٍ فرزقناهُ رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُولٌ (1) " رواه أبو داود.

(1) تدرع الخيانة، وإنقاص الوديعة، وغل يغل: خان، وأغللت فلاناً نسبته إلى الغلول. قال تعالى:"ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" عبارة عن الخيانة في المغنم والسرقة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وسميت غلولاً لأن الأيدي فيهما مغلولة. أي ممنوعة مجعول فيها غل: أي الحديدة التي تجمع يدي الأسير في عنقه. وهذا تعبير جميل يدعو إلى من أسند إليه عمل وأخذ أجرة عليه أن يتقي الله في حفظه ويرعاه بأمانة ويخشى الله في أدائه كاملاً ولا يسرق.

الزكاة ثمرتها اجتماع وتآلف وخلاصة أدائها علم ضمان الاقتصاد، وقد رأيت - أعزك الله - الزكاة مطهرة من البخل، ومدعاة للمحبة والمودة، وأنها سبب زيادة الرزق، وتقربك إلى الله، والناس بالسخاء، والإنفاق لله، وهي إحدى الخصال الست التي كفل النبي الجنة لمن أداها، وتبعد عن النار وأذى الجار، وحصن منيع من الضياع والسرقة، وهي باسم التقرب إلى المولى جل وعلا ليجيب الدعاء، ويشفي المرض (داووا مرضاكم بالصدقة) ومنعها شح، ونزع الثقة، والبركة من أصحاب الأموال فيوصفون بالشره والطمع، وقلة الدين والجهل والجنون. وحسبك رجل مر على قوم لا يزكون فاحتقرهم، ونبذ صحبتهم (إن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل ولن تجد أجدى عاقبة من إخراج الزكاة فهي تنمي مالك، وتجلب بركة الله لأولادك، وتخلد ذكرك، وخلاصة قواعد علم الاقتصاد جمعتها فوائد الزكاة، وسراة أوروبا وأمريكا بل والعالم عملوا بآداب الزكاة وجادوا بأموالهم في إنشاء مشروعات الخير، ووجود طرق البر والعطف على الفقراء، فعاشوا في اطمئنان، وكسبوا ثقة مواطنيهم، وراجت تجارتهم، ووفرت أموالهم حتى تعد بالآلاف. بنوا المستشفيات للمساكين المرضى فخففوا آلامهم، فضاعف الله رزقهم، وهكذا من أعمال صالحات نافعات في الحياة، والله لا يضيع عمل عامل.

حدثني رجل أمريكي أن القرية لا تعدم أغنياء فيقوم أولئك الأفراد بحاجات هذه القرية من مصحات تنشأ ومعاهد تقام ومن أدوية تصرف وهكذا كل مدينة فيها المحسنون الذين يؤدون واجب المواساة، فيعيش الموسرون في عز وسعادة ورضا وكسب محبة مواطنيهم وثناء جميل فتتبادل الثقة، وتتجدد المودة، ويزول الحقد والشحناء وتنتشر الأعمال الحرة والصناعات المثمرة، ويتجه الكل إلى عمل في الحياة يرقى به وطنهم وتسعد أمتهم، والحمد لله قام عهد الجهمورية يتتبع سنن الإسلام في وزارة الشئون الاجتماعية وتنفيذ معونة الشتاء بمراعاة أوامر الحكومة الرشيدة. نصرها الله تعالى.

الآداب الباطنة في الزكاة عند الإمام الغزالي:

أولاً: فهم وجوب الزكاة وأنها من مباني الإسلام، وهي امتحان درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة فيظهر الإيمان بإنفاقها في حب الله. قال تعالى:"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" وهو مسامحة بالمهجة شوقاً إلى لقاء الله عز وجل، والمسامحة بالمال أهون.

ثانياً: التعجيل في إخراجها لإدخال السرور على الفقراء.

ثالثاً: الإسرار والبعد عن الرياء والسمعة. قال: (أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر).

رابعاً: أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيباً للناس في الاقتداء به، ويحرس سره من داعية الرياء.

خامساً: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى، والمن: أن يذكرها، والأذى: أن يظهرها، وقال سفيان: =

ص: 561

7 -

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "أن رسول الله بعثه

= مَنْ مَنَّ فسدت صدقته فقيل له: كيف المنّ؟ فقال: أن يذكره، ويتحدث به، وقيل: المنّ أن يستخدمه بالعطاء. والأذى: أن يعيره بالفقر، وقيل: المنّ أن يتكبر عليه لأجل عطائه، والأذى: أن ينتهره، أو يوبخه بالمسألة.

سادساً: أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها، والعجب من المهلكات، وهو محبط للأعمال. قال تعالى:"ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً" ويقال: إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل، وقيل: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تصغيره وتعجيله وستره.

سابعاً: أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة:

(أ) فيطلب الأتقياء المعرضين عن الدنيا المتجردين للتجارة للآخرة. قال: "لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي" لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكاً له في طاعته بإعانتك إياه. قال: "أطعموا الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين".

(ب) أن يطلب أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة لهم على العلم، والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية.

(جـ) أن يكون صادقاً في تقواه، وعلمه بالتوحيد، وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه، ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد إليه سبحانه وتعالى، وهو أن يرى أن النعمة كلها منه، وفي وصية لقمان لابنه: لا تجعل بينك وبين الله منعماً، وإعداد نعمة غيره عليك مغرماً، ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم، ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله عليه دواعي الفعل، ويسر له الأسباب، فأعطى وهو مقهور، ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله، والله تعالى خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها، ومسخر للقدرة للانتهاض بمقتضى البواعث.

وقد رويَ أن رسول الله أرسل صدقة لأحد الفقراء، فقال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره، ثم قال: اللهم لم تنس فلاناً (يعني نفسه) فاجعل فلاناً لا ينساك (يعني بفلان نفسه) فأخبر فَسر، وقال: علمت أنه يقول ذلك: فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده.

(د) أن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل. قال الله تعالى: "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً" أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء يبقيهم أعزة بصبرهم، وهكذا ينبغي أن يتفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أهل الخير والتجمل، فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال.

(هـ) أن يكون معيلاً أو محبوساً بمرض، أو سبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله تعالى:"للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" أي حبسوا في طريق الآخرة بعلة أو ضيق معيشة، وكان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها، وكان يعطي العطاء على مقدار العيلة. وسئل عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال:"كثرة العيال وقلة المال".

(و) أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم. قال علي رضي الله عنه: لأن أصِلْ أخاً من إخواني بدرهم أحب إليَّ من أن أتصدق بعشرين درهماً ولأن أصله بعشرين درهماً أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحب إليَّ من أن أعتق رقبة. أهـ.

والأصدقاء وإخوان الخير يقدمون على المعارف كما يتقدم الأقارب على الأجانب، تلك صفات كبرى مطلوبة وذخيرة وغنيمة عظمى تشوقه إلى لقاء الله عز وجل. أهـ ص 198 جـ 1. =

ص: 562

على الصدقة فقال: يا أبا الوليد: اتقِ الله لا تأتي يوم القيامة ببعيرٍ تحملهُ له رُغاء، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٍ لها ثُغَاءٌ. قال: يا رسول الله إن ذلك لكذلك؟ قال: إي والذي نفسي بيده. قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعملُ لك على شيء أبداً" رواه الطبراني في الكبير، وإسناده صحيح.

[الرغاء]: بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوت البعير.

[والخوار]: بضم الخاء المعجمة: صوت البقر.

[والثغاء]: بضم الثاء المثلثة، وبالغين المعجمة ممدوداً: هو صوت الغنم.

8 -

وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من استعملناهُ منكم على عملٍ فكتمنا مخيطاً فما فوقهُ كان غلولاً لا يأتي به يوم القيامة، فقام إليه رجلٌ أسود من الأنصار كأني أنظرُ إليه، فقال: يا رسول الله اقْبَلْ عني عملك. قال: ومالك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقولُ الآن:

= وظائف قابض الزكاة كما قال الغزالي، وإخفاؤها أحسن أو إظهارها؟

أولاً: أن يعلم أن الله تعالى أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ولتزيده عبادة وحمداً.

ثانياً: أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون ذلك بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه.

ثالثاً: أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".

رابعاً: أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا القدر المباح.

خامساً: أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق الثمن، فلا يأخذه منه.

فوائد إخفاء الصدقة:

أولاً: أبقى للستر.

ثانياً: أسلم لقلوب الناس وألسنتهم.

ثالثاً: إعانة المعطي على إسرار العمل.

رابعاً: إن في إظهار الأخذ ذلاً وامتهاناً.

خامساً: الاحتراز عن شبهة الشركة.

أما إظهارها:

(أ) يدعو إلى الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبس الحال والمراءاة.

(ب) إسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، والتبري عن الكبرياء، ودعوى الاستغناء، وإسقاط النفس من أعين الخلق.

(جـ) هو أن المعارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل، والسر والعلانية في حقه واحد.

(د) إن الإظهار إقامة لسنة الشكر، وقد قال تعالى:"وأما بنعمة ربك فحدث" والكتمان كفران النعمة، وقد ذم الله تعالى ما كتم من آتاه الله عز وجل، وقرنه بالبخل. قال تعالى:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" وقال: (إذا أنعم الله على عبده نعمة أحب أن ترى نعمته عليه). رواه أحمد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهم بسند صحيح. أهـ ص 285 جـ 1.

ص: 563

من استعملناه منكم على عملٍ فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتيَ منه أخذ وما نُهيَ عنه انتهى" رواه مسلم، وأبو داود وغيرهما.

9 -

وعن أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل النبي رجلاً من الأزْدِ يُقالُ له ابن الُّلتْبِيَّةِ على الصدقةِ، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهديَ إليَّ. قال: فقام رسول الله، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ فإني أستعملُ الرجل منكم على العمل مما ولَاّني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هديةٌ أُهديتْ لي، أفلا جلس في بيتِ أبيه وأمهِ حتى تأتيهُ هديتهُ إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقهِ إلا لقيَ الله يحملهُ يوم القيامة فلا أعرفنَّ أحداً منكم لقيَ الله يحملُ بعيراً له رغاءٌ، أو بقرة لها خوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ، ثم رفع يديه حتى رُؤِيَ بياضُ إبطيه يقول: اللهم هل بلغت" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود.

[اللتبية]: بضم اللام، وسكون التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة، بعدها ياء مثناة تحت مشددة ثم هاء تأنيث: نسبة إلى حيّ يقال لهم: بنو لتب. بضم اللام، وسكون التاء، واسم ابن اللتبية: عبد الله.

[وقوله تيعر]: هو بمثناة فوق مفتوحة، ثم مثناة تحت ساكنة، ثم عين مهملة مفتوحة وقد تكسر: أي تصيح، واليعار: صوت الشاة.

10 -

وعن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله ساعياً، ثم قال: انطلق أبا مسعودٍ: لا أُلْفِيَنَّكَ تجيء يوم القيامة على ظهرك بعيرٌ من إبل الصدقة له رُغاءٌ قد غَللتهُ. قال فقلت: إذاً لا أنطلقُ قال: إذاً لا أُكرهك" رواه أبو داود.

11 -

وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب. قال: أبو رافعٍ: فبينما مُسرعٌ إلى المغرب مررنا بالبقيع، فقال أفاً لك أفاً لك: فَكَبُرَ ذلك في ذَرْعِي، فاستأخرتُ وظننتُ أنه يريدني، فقال:

ص: 564

مالك؟ امشِ، فقلتُ أأحْدَثْتُ حَدَثاً؟ قال: ومالك؟ أففتَ بي، قال: لا، ولكن هذا فلانٌ بعثتهُ ساعياً على بني فلانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ علي مثلها من النار" رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.

[النمرة] بكسر الميم: كساء من صوف مخطط.

12 -

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إني مُمسكٌ بِحُجَزِكُمْ عن النار هَلُمَّ عن النار هلم عن النار، وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفَرَاشِ أو الجنادبِ فأُوشِكُ أن أُرسلَ بِحُجَزِكُمْ، وأنا فَرَطُكُمْ على الحوض فَتَرِدُون عليَّ معاً وأشتاتاً فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله، ويُذْهَبُ بكم ذات الشمالِ، وأناشد فيكم رب العالمين فأقولُ: أي ربِّ قومي: أي رب أمتي، فيقولُ: يا محمد: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري على أعقابهم، فلا أعرفنَّ أحدكم يوم القيامة يحملُ شاةً لها ثُغاءٌ، فَيُنَادِى يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له رُغاءٌ، فينادي: يا محمد يا محمد، فأقولُ: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فَرَسَاً له حَمْحَمَةٌ، فينادي: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحملُ سِقَاءً من أدَمٍ ينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك" رواه أبو يعلى والبزار، إلا أنه قال: قَشَعاً مكان سِقَاءٍ، وإسنادهما جيدٌ إن شاء الله.

[الفرط]: بالتحريك: هو الذي يتقدم القوم إلى المنزل ليهيئ مصالحهم.

[والحجز]: بضم الحاء المهملة، وفتح الجيم بعدهما زاي: جمع حجزة بسكون الجيم، وهو معقد الإزار، وموضع التكة من السراويل.

[والحمحمة]: بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس، وتقدم تفسير الثغاء، والرغاء.

[والقشع]: مثلثة القاف، وبفتح الشين المعجمة: هو هنا القربة اليابسة، وقيل: بيت من أدم، وقيل: هو النطع، وهو محتمل الثلاثة غير أنه بالقربة أمس.

ص: 565

13 -

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "المعتدي في الصدقة، كمانعها" رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه كلهم من رواية سعد بن سنان عن أنس، وقال الترمذي: حديث غريب، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان، ثم قال:[وقوله] المعتدي في الصدقة كمانعها: يقول على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع.

[قال الحافظ]: وسعد بن سنان، وُثِّقَ كما سيأتي.

14 -

وعن جابر بن عَتِيكٍ رضي الله عنه أن رسول الله قال: "سيأتيكم رَكْبٌ (1) مُبَغَّضُونَ، فإذا جاءوكم فَرَحِّبُوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم وأرضوهم، فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم" رواه أبو داود.

فصل

15 -

عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: "لا يدخل صاحبُ مَكْسٍ (2) الجنة. قال يزيد بن هارون: يعني العَشَّارَ (3) " رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، كلهم من رواية محمد بن إسحق، وقال الحاكم

(1) طائفة مكروهة كذا (ع ص 272)، وفي (د)، أما في (ط): ركيب.

(2)

المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس (ومنه حديث أنس بن سيرين) قال لأنس: تستعملني على المكس: أي على عشور الناس فأماكسهم ويماكسونني، وقيل: معناه تستعملني على ما ينقص ديني لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك (وفي حديث جابر) قال له: "أما ترى أنما ماكستك لآخذ جملك" المماكسة في البيع: استنقاص الثمن واستحطاطه والمنابذة بين المتبايعين وقد مَاكَسَهُ يماكسه مكساً ومماكسة، ومنه حديث ابن عمر:"ولا بأس بالمماكسة في البيع" أهـ. نهاية.

(3)

الجابي: الذي يأخذ غير الصدقة، وفيه:"إن لقيتم عاشراً فاقتلوه" قال في النهاية: أي إن وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيماً على دينه فاقتلوه لكفره أو لاستحلاله لذلك إن كان مسلماً وأخذه مستحلاً تاركاً فرض الله، وهو ربع العشر، فأما من يعشرهم على ما فرض الله تعالى فحسن جميل، قد عشر جماعة من الصحابة للنبي وللخلفاء بعده فيجوز أن يسمى آخذ ذلك عاشراً لإضافة ما يأخذه إلى العشر كربع العشر ونصف العشر كيف وهو يأخذ العشر جميعه وهو زكاة ما سقته السماء وعشر أموال أهل الذمة في التجارات، يقال: عشرت ماله أعشره عشراً فأنا عاشر وعشرته فأنا معشر وعشار: إذا أخذت عشره، وما ورد في الحديث من عقوبة العشار فمحمول على التأويل المذكور. أهـ ص 97 جـ 3.

ص: 566

صحيح على شرط مسلم كذا قال، ومسلم إنما خرّج لمحمد بن إسحق في المتابعات. قال البغوي: يُريدُ بصاحب المكس الذي يأخذُ من التجار إذا مروا عليه مكساً باسم العُشْرِ.

[قال الحافظ]: أما الآن فإنهم يأخذون مَكْساً باسم العُشْرِ ومُكُوساً أُخَرَ ليس لهم اسمٌ، بل شيء يأخذونه حراماً، وَسُحتاً (1) ويأكلونه في بطونهم ناراً حجتهم فيه داحضةٌ (2) عند ربهم وعليهم غضب (3) ولهم عذابٌ شديدٌ.

16 -

وعن الحسن رضي الله عنه قال: "مَرَّ عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه على كِلَابِ بن أمية وهو جالسٌ على مجلس العاشرِ بالبصرةِ، فقال: ما يجلسك هاهنا؟ قال: استعملني على هذا المكان، يعني زياداً، فقال له عثمان: ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله؟ فقال: بلى، فقال عثمان: سمعت رسول الله يقول: كان لداود نبي الله عليه السلام ساعةٌ يُوقظُ فيها أهلهُ، يقول: يا آل داود قوموا فَصَلُّوا فإن هذه الساعة يستجيب الله فيها الدعاء إلا لساحرٍ (4)

أو عَاشِرٍ، فركب كِلَابُ بن أمية سفينةً، فأتى زياداً فاستعفاهُ (5) فأعفاهُ" رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ولفظه: "عن النبي قال: تفتحُ أبواب السماء نصف الليل فينادي منادٍ هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائلٍ فيعطى، هل من مكروبٍ (6) فيفرج عنه، فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانيةً (7) تسعى بفرجها أو عَشَّاراً".

17 -

وفي روايةٍ له في الكبير أيضاً: سمعت رسول الله يقول:

(1) رشوة ومالاً باطلاً لا يحل كسبه وأخذه لأنه يسحت البركة: أي يذهبها ومنه حديث ابن رواحة وخرص النخل أنه قال ليهود خيبر لما أرادوا أن يرشوه أتطعموني السحت: أي الحرام، سمى الرشوة في الحكم سحتاً، وماله سحت: أي لا شيء على من استهلكه.

(2)

واهية تجر إلى الزلق غير ثابتة: أي باطلة زائلة كما قال تعالى: "ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق" يقال: أدحضت فلاناً في حجته فدحض.

(3)

انتقام الله وعذابه.

(4)

(أ) خداع ومشعبذ يصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده ونمام تزخرف في القول، ويعوق من إسماع الخير. قال تعالى:"سحروا أعين الناس واسترهبوهم".

(ب) أو معاون الشيطان في الغواية والإضلال. قال تعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر".

(5)

طلب الإقالة من هذا الجبي الحرام.

(6)

ذي ضيقٍ وَهمٍّ.

(7)

تفعل الفاحشة القبيحة.

ص: 567

"إن الله تعالى يدنو من خلقه فيغفر لمن يستغفر إلا لبغيٍّ (1) بفرجها، أو عَشَّارٍ" وإسناد أحمد فيه علي بن يزيد، وبقية رواته محتج بهم في الصحيح، واختلف في سماع الحسن من عثمان رضي الله عنه.

صاحب المكس في النار

18 -

وعن أبي الخير رضي الله عنه قال: "عَرَضَ مَسْلَمَةُ بنُ مَخلَدٍ وكان أميراً على مصرَ على رُوَيْفِعِ بن ثابتٍ رضي الله عنه أن يوليه العُشورَ فقال: إني سمعتُ رسول الله يقول: إن صاحبَ المكسِ في النار" رواه أحمد من رواية ابن لهيعة والطبراني بنحوه، وزاد يعني العاشر.

19 -

ورويَ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله في الصحراء، فإذا منادٍ يناديه: يا رسول الله فالتفت فلم يَرَ أحداً، ثم التفت فإذا ظَبْيَةٌ مُوثقةٌ (2)، فقالت: ادْنُ (3) مني يا رسول الله، فدنا منها، فقال: ما حاجتك؟ قالت: إن لي خِشْفَيْنِ (4) في هذا الجبل فَحُلَّنِي حتى أذهب فأرضعهما، ثم أرجعَ إليك. قال: وتفعلين؟ قالت: عَذَّبَنِي الله عذاب العَشَّارِ إن لم أفعل، فأطلقها فذهبت فأرضعت خِشفيها، ثم رجعت فأوثقها (5)، وانتبهَ الأعرابي فقال: ألك حاجةٌ يا رسول الله؟ قال: نعم تُطلق هذه، فأطلقها (6) فخرجت تَعْدُو (7)، وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله" رواه الطبراني.

ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمناء

20 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ويلٌ (8)

(1) ظالمة خارجة عن المروءة وإباحة فرجها للزنا، وامرأة بغي: أي فاجرة جمع بغايا بغت بغاء: زنت ودمل جرجه على بغي: أي فساد، والبغي: مجاوزة الحد "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً" أي فلا يبقى لكم عليهن طريق إلا أن يكون بغياً وجوراً.

(2)

موضوعة في حبل كقيد تشد به، ورجل موثق: أي مأسور مشدود في الوثائق.

(3)

أقرب.

(4)

ولدي الغزال، يطلق الخشف على الذكر والأنثى، والجمع خشوف مثل حمل وحمول.

(5)

ربطها كما كانت، فانظر قد وفى الحيوان بوعده.

(6)

فكها من أسرها إجابة لرسول الله، وهنا الرحمة تتمثل والشفقة والرأفة ..

(7)

تجري بسرعة، وتنطق بتوحيد الله، وتقر برسالته.

(8)

واد في جهنم لمن يلي.

ص: 568

للأمراء (1)، ويلٌ للعُرفاء (2)، ويلٌ للأمناء (3)، ليتمنين أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم (4) مُعلقةٌ بالثريا (5) يتذبذبون (6) بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء" رواه أحمد من طرق رواة بعضها ثقات.

21 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ويلٌ للأمراء، ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمناء، ليتمنين أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم مُعلقةٌ بالثريا يُدلون بين السماء والأرض، وإنهم لم يَلُوا (7) عملاً" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.

22 -

ورويَ عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إن في النار حجراً يُقالُ له ويلٌ يصعدُ عليه العُرفاء وينزلون (8) " رواه البزار.

23 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه: "أن النبي مرت به جنازةٌ فقال: طوبى (9) له إن يكن عَرِيفاً" رواه أبو يعلى، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى.

24 -

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: "أن رسول الله ضرب على منكبيه، ثم قال: أفلحت يا قُدَيْمُ إن مُتَّ ولم تكن أميراً

(1) الحكام الظالمين الذين لا يعدلون ولا يخافون الله، ويستعملون الرشوة وأعمالهم مختلة معتلة لم يراعوا الله في أماناتهم وفي وظائفهم.

(2)

النقيب، وهو دون الرئيس في العمل، وفي النهاية: القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منهم أحوالهم. فعيل بمعنى فاعل. والعرافة عمله، وقوله:"العرفاء في النار" تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقه أثم، واستحق العقوبة.

(3)

الذين تسند لهم الأشياء ليحفظوها، ولا يقومون بأدائها كاملة، جمع أمين.

(4)

شعور رؤوسهم، ومنه يذؤب رأسه: أي يرفع ذوائبها.

(5)

نجم في السماء، والمعنى يودون أن يعقلوا ويعذبوا في الدنيا بالتمثيل بهم والتنكيل، ولا يعذبون عذاب الله في الآخرة، ولا يحاسبون حساباً عسيراً من عدم القيام بالحق، ومن تولى الرياسة في العمل فظلموا وأساءوا.

(6)

يصعدون وينزلون ويتحركون، ولا يثبتون على حال.

(7)

لم يسند لهم عمل يقومون فيه بالعدل والأمانة بمعنى أنهم بعدوا عن الرياسة.

(8)

بمعنى أن الله تعالى يجعل لهم عذاباً دائماً حجراً كالأرجوحة في جهنم يعلو ويسفل انتقاماً منهم على حب الرياسة في عمل لم يخشوا الله في أدائه، ولم يرحموا المرءوسين، ولم يتبعوا فيه ما يرضي الله، ونسوا الكبرياء لله، والعظمة لله، والمعطي الله، والحاكم الله، والولي الله، وإن الإنسان حادث لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فالعاقل من اتقى الله في عمله، وعدل واتبع أوامر الكتاب والسنة، وأقام الحق، واقتدى بالصالحين.

(9)

شجرة في الجنة مسافة ظلها طويلة يستظل بها الموعود بنعم الله وإحسانه في الجنة إن لم يكن رأس قوماً وظلم وخان.

ص: 569

ولا كاتباً (1)، ولا عريفاً" رواه أبو داود.

25 -

وعن مودود بن الحارث بن يزيد بن بن كُرَيْبِ بن يزيد بن سيف بن حارثة اليربوعي عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله إن رجلاً من بني تميمٍ ذهب بمالي كلهِ (2)، فقال لي رسول الله: ليس عندي ما أعطيكهُ، ثم قال: هل لك أن تَعْرُفَ على قومك، أو ألا أُعَرِّفُكَ على قومكَ؟ قلت: لا. قال: أما إن العريف يُدْفَعُ في النار دفعاً" رواه الطبراني ومودود لا أعرفه.

26 -

وعن غالب القطان عن رجلٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أن قوماً كانوا على مَنْهَلٍ (3) من المناهلِ، فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائةً من الإبل على أن يُسلموا فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبدا له أن يرتجعها، فأرسل ابنه إلى النبي، فذكر الحديث، وفي آخره، ثم قال: إن أبي شيخٌ كبيرٌ وهو عريفُ (4) الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافةَ بعدهُ. قال: إن العرافةَ حقٌّ (5) ولابد للناس من عرافةٍ، ولكن العُرفاء في النار" رواه أبو داود، ولم يُسَمِّ الرجل ولا أباه ولا جده.

27 -

وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله: "ليأتين عليكم أُمراء (6) يُقَربون شرارَ الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً، ولا شُرطياً (7)، ولا جابياً (8)،

(1) يريد صاحب عمل رأسه وكتب فيه وعزل وولى وأدار وحكم.

(2)

كذا (ع ود)، وفي (ن ط): بمأكله.

(3)

مورد، وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي، وتسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء، والناهل: العطشان والريان، والنهل: الشرب الأول، وبابه طرب. أهـ مختار.

(4)

رئيس هذه البئر يتولى إدارة السقي منها.

(5)

انتظام العمل، وحفظ الشيء من رياسة وهذا حق، ولكن حذره أن يرأس فيظلم فيجور فيرتشي.

(6)

حكاماً رؤساء أعمال.

(7)

رجل الحفظ، وحارس الأمن، والجمع شرط والواحد شرطة وشرطي، جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها ويميزون. والمعنى لا تكن حارساً فلا تعدل، وجندياً فتظلم، وفي النهاية: شرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده. أهـ.

(8)

جامعاً الخراج، والعامل على تحصيل الأموال.

ص: 570

ولا خازناً (1) ". رواه ابن حبان في صحيحه.

(1) حافظه في مخزن وخزانته، وأمين صندوقه. والمعنى أن تنتبه فلا تلي عملاً فتحيد عن الجادة فتسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة. وفيه الحث على العدل والأمانة والصدق، وخوف الله دائماً، والتنحي عن رياسة العمل، وأداء الصلاة في وقتها.

خلاصة فقه الفصل: يحذر عن جمع المال الحرام، وينهى عن أكل أموال الناس بالباطل وينصح رؤساء الأعمال بخوف الله، قد بَيَّنَ النبي الزكاة، وفضل إخراجها وأردف ذلك بتحذير أخذ أموال الناس بالباطل، وعد أن ما يخالف قوانين الزكاة لا يصح أخذه، وبين أن صاحب المكس يحرم عليه نعيم الجنة ومأواه جهنم. وجمع المال بلا حق شرعي سحت، ويكون جامعه متصفاً بصفات اليهود الذين قال الله فيهم:"سماعون للكذب أكالون للسحت" أي يجمعون المال الحرام: "أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم"(42 من سورة المائدة).

وقد رأيت حديث رجل صالح كان يجمع المال من طرق تغضب الله تعالى فطلب الإقالة واعتكف، وتحرى الحلال، وترك منصبه خائفاً من الله تعالى، ومن عقابه. لماذا؟ لأن العاشر عليه غضب الله، ولا تجاب له دعوة، وعذابه شديد عند الله، فاختار العزلة عن هذا المنصب المحاط بالشكوك والجور (فاستعفاه فأعفاه) وإن داود عليه السلام نصح آل بيته أن يتهجدوا رجاء رحمة الله، واستثنى اثنين عليهما لعنة الله (ساحر أو عاشر) وفي الرواية الزانية لهما ثالث (زانية) وأنت تجد حيواناً استرحم رسول الله، وطلب منه فك الأسر ليرضع ولديه، ثم يأتي وإلا عذب عذاب العشار، فهذا الحيوان يعلم أن العشار في عذاب شديد، وتعوذ بالله من عقابه (عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل)، ثم توعد رؤساء الأعمال الجائرين الذين لم ينفذوا أوامر الله، ولم يستعملوا أحكامه سبحانه في وظائفهم (ويل للأمراء والعرفاء والأمناء) فالذي ليس أميناً عليه وزر الخيانة، ويحاسبه الله تعالى على ما فعل وإن الله تعالى يعطي الخازن الأمين والجابي الأمين بما فعلا صدقا أجر صاحب المال المتصدق كما قال:"أحد المتصدقين" قال القرطبي: معناه أن الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق آخر فهما متصدقان. أهـ.

وقال الشوكاني: والحديث يدل على أن المشاركة في الطاعة توجب المشاركة في الأجر. أهـ. أي كل ينال ثواباً. قال ابن رسلان: ويدخل في الخازن من يتخذه الرجل على عياله من وكيل وعبد وامرأة وغلام، ومن يقوم على طعام الضيفان. أهـ. ثم بيَّنَ أن كل موظف في عمل، ويأخذ أجراً يراعى الأمانة، ويتقي الله في عمله، وإن أخذ شيئاً خفية فقد سرق (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد فهو غلول) رواه أبو داود. قال الشوكاني: فيه دليل على أنه لا يحل للعامل زيادة على ما فرض له من استعمله وأن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول، وذلك بناء على أنها إجارة، ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل. أهـ. وفيه دليل على أخذ العامل حقه من تحت يده فيقبض من نفسه لنفسه. أهـ.

فعليك أخي بالأمانة، وكسب المال الحلال، وخدمة الناس لله؛ فقد قال:"من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا" وقال الحسن في قوله تعالى: "أكالون السحت" هم حكام اليهود يستمعون الكذب ممن يأتيهم برشوة، وقال عمر رضي الله عنه: رشوة الحاكم من السحت، وقال ابن مسعود: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة فأهدى إليه هدية فقلبها فذلك السحت فقيل له: كنا نرى أن السحت الرشوة في القضاء، فقال ذلك الكفر وتلا قوله تعالى:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وإنما أراد أن من أكل الرشوة في القضاء أكل السحت وكفر.

وروي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي: "أنه لعن الراشي =

ص: 571