الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه دخل على النبي فقال: يا رسول الله رأيتُ فلاناً يشكرُ يذكرُ أنك أعطيتهُ دينارين، فقال رسول الله: لكن فلاناً قد أعطيتهُ ما بين العشرةِ إلى المائةِ فما شُكْرُهُ وما يقولهُ؟ إن أحدكم لَيَخْرُجُ من عندي بحاجته مُتأبِّطَهَا، وما هي إلا النار. قال: قلتُ: يا رسول الله لِمَ تُعْطِهمْ؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله ليَ البُخلَ" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد، وتقدم.
[متأبطها]: أي جاعلها تحت إبطه.
ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبوله
سيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله يُعطيني
= (ابتلاه ربه): اختبره بالغنى واليسر فأعطى لله، والثاني بالفقر والتقتير (أهانن) لقصور نظره وسوء فكره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه وروعه بقوله (كلا): أي بل فعلهم أسوأ من قولهم، وأدل على تهالكهم بالمال، وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والميرة ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلاً عن غيرهم (التراث) الميراث (لما): أي جمعاً بين الحلال والحرام، فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم (حباً جماً): كثيراً مع حرص وشره. أهـ بيضاوي ص 827.
فالمال إنما وجد لكسب المحامد، وغرس الصالحات، وتشييد المكرمات إذا أنفق بطيب نفس، والله أوجد بني آدم في الحياة ليكد، ويجاهد نفسه، ويعمل صالحاً، فيجازى خيراً كما قال سبحانه:"لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالاً لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة"(19 من سورة البلد).
(في كبد): تعب ومشقة ومنه المكابدة والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده، وهو تسليمه للرسول عليه الصلاة والسلام مما كان يكابده من قريش (مالاً لبدا): كثيراً لمن أنفق في سمعة أو مفاخرة أو معاداة للرسول (النجدين): طريقي الخير والشر أو الثديين (فلا اقتحم العقبة): أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة، وهو الدخول في أمر شديد، والعقبة: الطريق في الجبل استعارها بما فسرها به من الفك والإطعام لما فيهما من مجاهدة النفس، إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيماً أو مسكيناً. والمسغبة والمقربة والمتربة: مفصلات، من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب: إذا افتقر (وتواصوا): أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمته تعالى (ثم كان): عطف على اقتحم لاستقلال الإيمان، واشتراط سائر الطاعات به (الميمنة): اليمين. أهـ بيضاوي ص 828.
العطاء (1)، فأقولُ أعْطِهِ من هو إليه أفقرُ مني. قال فقال: خُذْهُ إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غيرُ مُشْرِفٍ (2) ولا سائلٍ، فخذهُ فَتَمَوَّلْهُ، فإن شئت كلهُ، وإن شئت تصدق به، وَمَا لا (3) فلا تتبعهُ نفسك. قال سالم بن عبد الله فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يَرُدُّ شيئاً أعطيه" رواه البخاري ومسلم والنسائي.
2 -
وعن عطاء بن يسارٍ رضي الله عنه: "أن رسول الله أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعطاءٍ فَرَدَّهُ عمر، فقال له رسول الله: لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فقال: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحدٍ شيئاً، فقال رسول الله: إنما ذلك عن المسألة (4)، فأما ما كان عن غير مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ يرزقكه الله، فقال عمر رضي الله عنه: أما والذي نفسي بيده لا أسألُ أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيءٌ من غير مسألةٍ إلا أخذتهُ (5) " رواه مالك هكذا مرسلاً. ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكر بنحوه.
3 -
وعن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَبٍ: "أن عبد الله بن عامرٍ بعث إلى عائشة رضي الله عنهما بنفقةٍ وكسوةٍ، فقالت للرسول: أي بُني لا أقبلُ من أحدٍ شيئاً، فلما خرج الرسول، قالت: رُدُّوهُ عليَّ، فردوه قالت: إني ذكرتُ شيئاً، قال لي رسول الله: يا عائشة من أعطاك عطاءً من غير (6) مسألةٍ فاقبليهِ فإنما هو
(1) فيه جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع. قال النووي: فيه منقبة لعمر رضي الله عنه، وبيان فضله وزهده وإيثاره. أهـ.
(2)
متطلع إليه حريص عليه.
(3)
ما لم يوجد فيه هذا الشرط لا تعلق النفس به. قال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور (فيمن جاءه مال) أنه يستحب في عطية السلطان، وأما عطية السلطان. فحرمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقال طائفة: الأخذ من السلطان واجب وغيره، وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره، والله أعلم. أهـ ص 135 جـ 7، وأنا أميل إلى التعفف عن أموال الحكام والتباعد عن عطاياهم والاجتهاد في مهنة تقيه شر السؤال.
(4)
السؤال والإلحاح.
(5)
يأخذه هدية ومودة وصلة.
(6)
كذا (د وع) ص 289، وفي (ن ط): بغير.
رزقٌ عَرَّضَهُ الله إليك" رواه أحمد والبيهقي، ورواة أحمد ثقات لكن قد قال الترمذي قال محمد: يعني البخاري لا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعاً من أحد من أصحاب النبي إلا قوله حدثني من شهد خطبة النبي، وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي.
[قال المملى] رضي الله عنه: قد روي عن أبي هريرة، وأما عائشة، فقال أبو حاتم: المطلب لم يدرك عائشة، وقال أبو زرعة: ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة، فإن كان المطلب سمع عائشة فالإسناد متصل، وإلا فالرسول إليها لم يسمّ، والله أعلم.
وما أتاك الله من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله
4 -
وعن واصل بن الحطاب رضي الله عنه قال: " قلتُ: يا رسول الله قد قلت لي إن خيراً لك أن لا تسأل أحداً من الناس شيئاً. قال: إنما ذاك أن تسأل. وما آتاك الله من غير مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ رزقكهُ (1) الله" رواه الطبراني وأبو يعلى بإسناد لا بأس به.
5 -
وعن خالد بن علي الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من بلغهُ عن أخيه معروفٌ (2) من غير مسألةٍ، ولا إشرافِ (3) نفسٍ فليقبلهُ ولا يَرُدَّهُ، فإنما هو رزقٌ ساقه الله عز وجل إليه" رواه أحمد بإسناد صحيح، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
6 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير أن يسأله فليقبله، فإنما هو رزقٌ ساقهُ الله إليه" ورواته محتج بهم في الصحيح.
7 -
وعن عابد بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي قال: "من عُرِضَ له من هذا الرزق شيءٌ من غير مسألةٍ (4)، ولا إشرافِ نفسٍ (5) فليتوسع به في رزقهِ، فإن كان غنياً فليوجهه إلى من هو أحوجُ إليه منه (6) " رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وإسناد أحمد جيد قوي. قال عبد الله بن أحمد حنبل رحمه الله: سألت
(1) كذا (ع وط)، وفي (ن د): رزقه، والمعنى إذا أرسل الله لك خيراً بلا طلب فاقبله محبة وفضلاً.
(2)
نعمة وهدية وهبة، وشيء جاءك عفواً وتفضلاً وإحساناً.
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
…
فحلو وأما طعمه فجميل
(3)
كذا (ع ود)، وفي (ن ط): إشراف فقط.
(4)
طلب.
(5)
تطلعها وإقبالها عليه بشره وطمع.
(6)
يقبله شاكراً، ثم يتصدق به على الفقير، وفيه قبول الهدية، والثناء على مهديها، والتفضل على المحتاج، وتبادل المحبة والمنفعة.
أبي ما الاستشراف؟ قال: تقول في نفسك سيبعث إليَّ فلان سيصلني فلان.
8 -
ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "ما المُعْطِي من سعةٍ بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجاً (1) " رواه الطبراني في الكبير.
9 -
ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي: "ما الذي يُعطي بسعةٍ بأعظمَ أجراً من الذي يقبلُ إذا كان محتاجاً" رواه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في الضعفاء.
(1) أي ليس المتصدق من مال وفير وخيرات كثيرة، أفضل عند الله من الفقير الذي يقبل الصدقة لله معتمداً على مولاه حامداً وشاكراً لله. الله ربهما، وأراد للأول الغني ليختبره، وأراد للثاني الفقر ليختبره سبحانه فعله لحكمة. قال تعالى:"ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد"(28 - 29 من سورة الشورى).
(لبغوا): لتكبروا، وأفسدوا فيها بطراً أو لبغى بعضهم على بعض استيلاءً واستعلاءً (بقدر): بتقدير كما اقتضت حكمته ومشيئته، سبحانه يعلم خفايا عباده وأمرهم، وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم. روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت، وقيل في العرب: كانوا إذا أخصبوا تحاربوا، وإذا أجدبوا انتحبوا.
فقه الباب:
بشاشة الفقراء للعطاء، وقبول الهدية بين المتحابين.
بَيَّنَ للمسلمين الحرص على الكسب الحلال، والتطلع إلى خيرات الله، وترك السؤال، والاعتماد على الله، ولكن إذا ساق الله خيراً لأحد فليتقبله، وله الخيار أن يأكله، أو ينتفع به، أو يتصدق به، وكان هذا دأب أصحاب رسول الله: لا يسألون ولا يردون، وحذر من الطمع والإلحاح في المسألة، ثم دعا إلى بذل المعروف وفعل البر والميل إلى تشييد الصالحات.
قال الحسن بن علي رضي الله عنه يحث الناس على مكارم الأخلاق: نافسوا في المكارم وسارعوا في المغارم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ولا تكسبوا بالمطل ذماً، واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحول نقماً، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين. أهـ.
لم تعجلوه: أي لا تعتدوا بمعروف لم تبادروا إلى عمله، ولا تماطلوا فتذموا، فترى ابن بنت رسول الله يحث على المسابقة في كسب الطيبات والمسارعة إلى عمل المحامد، وجلب المغانم، ويبين أن نعم الله وديعة وزكاتها بذلها للمحتاجين خشية أن تحول نقماً، والعياذ بالله.
عسى سائل ذو حاجة إن منعته
…
من السؤل يوماً أن يكون له غد
لا تهين الفقير علك أن تر
…
كع يوماً والدهر قد رفعه
سيدنا رسول الله المثل الأعلى في العطاء والسخاء.
قد رأيت أن سيدنا وقرة عيوننا، ووسيلتنا إلى ربنا عليه الصلاة والسلام والقدوة الحسنة، بعث هدية إلى حبيبه عمر رضي الله عنه هدية معطاة ورزقاً ميسراً هنيئاً مريئاً وتودداً ومحبة وعطفاً ورأفة، عسى أن يتودد المسلمون ويتزاوروا ويتهادوا، ولعبد الله باشا فكري:
ذو همةً دون أدنى شأوها قصرت
…
غايات من رام في أمر يدانيها =