الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة
الترغيب في الأذان وما جاء في فضله
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في النداء (1)، والصف الأول (2)، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستقبوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة (3) والصبح لأتوهما ولو حبواً (4). رواه البخاري ومسلم.
(قوله) لاستهموا: أي لاقترعوا، والتهجير: هو التبكير إلى الصلاة.
2 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما في التأذين (5) لتضاربوا (6) عليه بالسيوف، رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة.
3 -
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن أبيه أن أبا سعيدٍ الخدريَّ
= لسيدنا جبريل عليه السلام حين سألك ما الإحسان؟ قال عليه الصلاة والسلام: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والفلاح في الآية: الظفر بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.
وقال ابن عباس: قد سعد المصدقون بالتوحيد، وبقوا في الجنة أهـ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وجبت له الجنة) ومعنى خاشعين خائفين بالقلب ساكنون الجوارح، وروى الحاكم أنه موضع سجوده.
(1)
فضل الأذان.
(2)
ثواب المبادرة إلى إدراك مكان في الصف الأول في الجماعة. قال النووي: النداء الأذان والاستهام الاقتراع، ومعناه أنهم لوعلموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان،، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله! ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه. وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها أهـ 158 جـ 4.
(3)
العشاء.
(4)
ماشين على الركب، أي إذا علموا فضل المحافظة على صلاة العشاء وصلاة الفجر لأدوهما في المسجد، ولو على ضعف الخطأ؛ وتثاقل المشى: وعدم القدرة على السعى. قال النووي: وفيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين والفضل الكثير في ذلك بما فيهما من المشقة على النفس من تنقيص أول نومه وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاتين على المنافقين أهـ.
(5)
حب رفع الصوت بألفاظ الأذان لتحصيل ثواب الله، وشهادة كل شئ له بالتوحيد.
(6)
أي لحصل نزاع شريف، وتقاتل بسيط على النصر والفوز في المنافسة الخيرية، والفضل لمن سبق ونال وهذا من باب الترغيب في الخير. وإن حصل شقاق ونفور، فمنعه أولى.
رضى الله عنه قال له: إنى أراك تُحبُّ الغنم والبادية (1)، فإذا كنت في غنمك. أو باديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد: ولا حجرٌ ولاشجرٌ إلا شهد له، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يسمع صوته شجرٌ، ولا مدرٌ (2)، ولا حجرٌ، ولاجنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له.
4 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُغفرُ (3) للمؤذن مُنتهى أذانهِ، ويستغفر له كل رطبٍ (4) ويابس سمعه. رواه أحمد باسناد صحيح، والطبراني في الكبير، والبزار، إلا أنه قال: ويُجيبهُ كلُّ رطبٍ ويابسٍ.
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المؤذنُ يُغفرُ له مدى صوته، ويصدقُهُ كل رطبٍ ويابس. رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في صحيحه، وعندهما: ويشهد له كل رطبٍ ويابسٍ. والنسائي، وزاد فيه: وله مثل أجرِ من صلى معه. وابن ماجه، وعنده: يغفر له مدَّ صوتهِ، ويستغفر له كل رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ (5) الصلاة تكتب له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكفَّرُ (6) عنه ما بينهما.
(قال الخطابي) رحمه الله: مدى الشى غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.
(قال الحافظ) رحمه الله: ويشهد لهذا القول رواية من قال: يُغفرُ له مدَّ صوته. بتشديد الدال: أي بقدر مدّه صوته.
(1) الصحراء، وهذه نصيحة لمن لم يحضر أذان المسجد أن يرفع صوته بالأذان لينال شهادة ما خلق الله وحده.
(2)
المدر: الطين المتماسك لئلا يخرج منه الماء، من حديث (ثم مداره) أي طيناه وأصلحاه بالمدر. والمدر: البلد، من حديث (أما إن العمرة من بلدكم).
(3)
أي إتمام غفران الله للمؤذن، ودرك رحمته تعالى له بقدر الفراغ الذى يملؤه صوته.
(4)
اللين الذى لا شدة فيه، وهو ما لا يدخر، ولا يبقى كالفواكه والبقول والأطبخة. واليابس: الجامد.
(5)
حاضرها ومؤديها.
(6)
بمعنى أن الله تعالى يتفضل على من أجاب النداء بكتابة حسنات مضاعفة الثواب له، وحط عنه الخطايا، وأزال الأوزار تكفيرا له على ما اقترف بين الوقتين.
(قال الخطابي) رحمه الله: وفيه: وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريدأن الكلام الذى ينتهى إليه الصوت لو يقدِّر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذى هو فيه ذنوب تملا المسافة غفرها الله، انتهى.
6 -
وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلُّون (1) على الصف المُقدَّم، والمؤذَّنُ يُغفرُ له مدى صوته، وصدَّقهُ (2) من سمعه من رطبٍ ويابسٍ، وله أجرُ من صلى معه (3). رواه أحمد والنسائي باسناد حسن جيد، ورواه الطبراني عن أبي أمامة، ولفظه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذن يُغفرُ له مدَّ (4) صوته، وأجرهُ مثلُ اجر من صلى معه.
7 -
وروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد (5) الرحمن فوق رأس المؤذن، وإنه ليغفر له مدى صوته أين (6) بلغ. رواه الطبراني في الأوسط.
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامنٌ (7)، والمؤذن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين. رواه أبو داود والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، إلا أنهما قالا: فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين. ولابن خزيمة رواية كرواية أبى داود.
9 -
وفي أُخرى له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذنون أمناءُ (8) والأئمةُ
(1) يدعون لم أدرك الصف الأول. والدعاء من الله الرحمة والرضوان.
(2)
لبى نداءه أوردد معه وذكر الله.
(3)
يتكرم الله كثير العطايا الذى لا تنفد خزائنه أن يعطى ثوابا للمؤذن مثل ثواب من أدرك الصلاة معه.
(4)
مثل إمتداد ونهاية.
(5)
رحمته وعونه ومساعدته وإحسانه.
(6)
في أي مكان سار ووصل تحيط به رحمته تعالى.
(7)
في أي مكان سار ووصل تحيط به رحمته تعالى، وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم بصحة صلاتهم. أهـ ص 26 أي متصف بالأمانة وصدق القول وممتع بثقة الناس، فمن سمعه تلزمه الإجابة. وانظر رعاك الله إلى بداعة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ودماثتها، يطلب من مولاه جل وعلا أن يفقه الأئمة، ويعلم الرؤساء ليعلموا، ويستر عورات المؤذنين ويقيهم شر السوء خشية ظن الناس بهم شرا، والله أعلم.
(8)
تضع الناس الثقة بهم فيصدقون أن الوقت حان فيفطرون إن صاموا أو يقبلون على الصلاة المكتوبة.
ضُمناء، اللهم اغفر للمؤذنين، وسدد الأئمة (1) ثلاث مراتٍ. ورواه أحمد من حديث أبى أمامة بإسناد حسن.
الترغيب في الأذان
10 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وعفا (2) عن المؤذنين. رواه ابن حبان في صحيحه.
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نُودى بالصلاة أدبر (3) الشيطان وله ضراطٌ حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضِىَ الأذان أقبل، فإذا ثُوِّب (4) أدبر، فإذا قُضِىَ التثويبُ أقبل حتى يخطر (5) بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا لما لم (6) يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدرى (7) كم صلى. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي.
(قال الخطابي) رحمه الله: التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خيرٌ من النوم، ولمعنى التثويب الإعلام بالشئ والإنذار بوقوعه، وإنما سميت الإقامة تثويباً لأنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة.
12 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء. قال الراوى: والروحاءُ من المدينة على ستةٍ وثلاثين ميلاً. رواه مسلم.
13 -
وعن مُعاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) القادة. دعاء من النبى صلى الله عليه وسلم بطلب المغفرة للمؤذنين وإرشاد الأئمة إلى الحكمة والصواب.
(2)
سامح - ولعل هذا سر، وأرى أن المؤذن مقصر في حقوق الله، ومضيع واجباته، فيطلب المصطفى (وهو بالمؤمنين رءوف رحيم) العفو والغفران له - اللهم اغفر لنا وسامحنا.
(3)
فر وجرى.
(4)
أقام المؤذن الصلاة.
(5)
يدخل ويوسوس، ويترك عنان غوايته. يخطر بالضم: يدنو منه، فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه؛ وبالكسر: يوسوس.
(6)
في نسخة لما لم يذكر.
(7)
يقع عليه الخيال، وتزول خشية الصلاة، وينسى عدد الركعات - وفي هذا ضياع الثواب وعدم قبول الفرض - وقد قال تعالى:(إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وقال تعالى على لسانه (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين).
قال النووي: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه، وقيل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد أهـ ص 92 جـ 4.
يقول: المُؤَذِّنُونَ أطول الناس أعناقاً (1)
يوم القيامة. رواه مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
14 -
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أقسمت لبررتُ، إن أحبَّ عبادِ الله لَرُعاةُ الشمسِ والقمرِ (2) يعنى المؤذنين، وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم. رواه الطبراني في الأوسط.
15 -
وعن أبن أبى أوفَى رضي الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن خيار عباد الله الذين يُراعون الشمس والقمر (3) والنجوم لذكر الله. رواه الطبراني واللفظ له والبزّار والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ثم رواه موقوفا، وقال: هذا لا يفسد الأول لأن ابن عيينه حافظ، وكذلك ابن المبارك انتهى، ورواه أبو حفص بن شاهين، وقال: تفرّد به ابنعيينة عن مسعر، وحدّث بن غيره، وهو حديث غريب صحيح.
16 -
وروى عن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) قامة: أي أكثر الناس تشوفا إلى رحمة الله تعالى لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب. وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل أكثر اتباعا وقال ابن الأعرابى: معناه أكثر الناس أعمالا، قال القاضى عياض وغيره ورواه بعضهم إعناقا بكسر الهمزة أي إسراعا إلى الجنة من سير العنق، وقال العلماء: وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له يوم القيامة بذلك. وفيه فضيلة الأذان والمؤذن. واختلف هل الأذان أفضل أم الإمامة؟ كل له رأى، والله أعلم، إنما المدار على إخلاص العمل لله. وأرى إن الإمامة أفضل على شريطة القيام بحقوقها، وجميع خصالها كما قال العلماء، وإلا فالأذان أفضل. إن الإمام أينما وجد قدوة حسنة فيجب أن يكون عنوان الأدب ومثال الكمال، وقد واظب على الإمامة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، والأئمة بعدهم رضي الله عنهم. قال بعض السلف: ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين.
قال الغزالي: أمانة الإمام الطهارة باطنا عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر، فالمترشح للإمامة ينبغىن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد، والشفيع للقوم، فينبغى أن يكون خير القوم، وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث والبث، فإنه لا يطلع عليه سواه؛ فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا، أو أخرج منه ريح فلا ينبغى أن يستحى بل يأخذ بيد من يقرب منه ويستخلفه، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة، فاستخلف واغتسل، ثم رجع، ودخل في الصلاة. أهـ ص 157 جـ 1.
وقال سفيان: صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر، أو معلناً بالفسوق؛ أو عاقا لوالديه، أو صاحب بدعة، أو عبداً آبقا.
(2)
أي الذين يترقبون حركات الكواكب لترشدهم إلى أوقات عبادة الله م صبح وظهر وعصر ومغرب وعشاء وصلاة السنة كالضحى والسحر
(3)
في نسخة: يراعون الشمس والنجوم.
إن المؤذنين والملبين يخرجون من قبورهم يُؤَذِّنُ المؤَذِّنُ (1) ويلبى المُلبىِّ. رواه الطبراني في الأوسط.
17 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة على كثبان (2) المسك. وأراه قال: يوم القيامة. زاد في روايةٍ: يغبطُهُمْ (3) الأوَّلُونَ والآخرون: عبدٌ (4) أدَّى حق الله وحقَّ مواليه، ورجل أمَّ (5) قوماً وهم به راضون، ورجلٌ (6) ينادى بالصلوات الخمس في كل يومٍ وليلةٍ. رواه أحمد والترمذي من رواية سفيان عن أبي اليقظان عن زاذان عنه، وقال: حديث حسن غريب.
(قال الحافظ): وأبو اليقظان واهٍ، وقد روى عنه الثقات، واسمه عثمان بن قيس، قاله
(1) أي إن الذين يحافظون على أداء وظيفة الأذان في الدنيا يحييهم الله مؤذنين فيذهبون إلى المحشر يهللون ويكبرون ويترنمون بذكر الله، وكذا الملبون الذين يجيبون داعى الله لفريضة الحج، ويكثرون من التلبية (لبيك اللهم لبيك) أي إجابتى لك يارب، وقيل معناه أتجاهى وقصدي يارب إليك؛ من قولهم: دارى تلب دارك أي تواجهها، وقيل معناه أخلاص لك، من قولهم: حسب لباب إذا كان خالصا محضا: ومنه لب الطعام ولبابه. أهـ نهاية ص 44 - 3، فالأذان من خصائص هذه الأمة، وشرع في السنة الثانية من الهجرة وشروطه الإسلام، والتمييز، والترهيب، والولاء بين كلماته، وعدم بناء غيره. ولجماعة: جهر، ودخول الوقت، والذكورة يقينا، ويسن الترجيع فيه (يأتى بالشهادتين سرا قبل الجهر) والترتيل فيه، والتوجه للقبلة، والتثويب في أذان الصبح (بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم) مرتين، ويسن للمؤذن والسامع أن يصلى ويسلم على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من أذانه، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذى وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
(2)
جمع كثيب، وكثب الرمل المستطيل المحدودب.
(3)
يتمنون أن يكونوا مثلهم، وينالوا حظهم.
(4)
خادم ملكه سيده، فأدى فروض الله وواجباته، ثم أتقن أعمال سيده وأخلص في واجبه، وأطاعه وحافظ على حقوقه، فالله وسيده راضيان عنه، وفي هذا الزمن الأجير أو الخادم تلزمه طاعة الله وطاعة مخدومه ليرضى الله عنه.
(5)
صلى إماما، وفي هذا المعنى كتب الغزالي: وظائف الإمام قبل الصلاة.
واحدها: أن لا يتقدم للإمامة على قوم يكرهونه، فإن اختلفوا كان النظر إلى الأكثرين، فإن كان الأقلون هم أهل الخير والدين، فالنظر إليهم، وينهى عن التقدمة إن كان وراءه من هو أفقه منه إلا إذا امتنع من هو أولى منه، فله التقدم، ويكره عند ذلك المدافعة، فقد قيل: إن قوما تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يؤثرون من رأوه أنه أولى بذلك، أو يخافون على أنفسهم السهو وخطر ضمان صلاتهم، فإن الأئمة ضمناء. ثانيهما: إذا خير بين الأذان والإمامة يختار الإمامة. ثالثها: يصلى الامام في أول الوقت ليدرك رضوان الله سبحانه وتعالى. رابعها: يؤم مخلصاً لله عز وجل مؤديا أمانة الله تعالى في طهارته. خامسها: أن لا يكبر حتى تستوى الصفوف فليلتفت يمينا وشمالا فإن رأى خللا أمر بالتسوية. سادسها: أن يرفع صوته بتكبير الإحرام، وسائر التكبيرات، ولا يرفع المأموم صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه أهـ ص 157 جـ 1.
(6)
المؤذن.
الترمذي، وقيل عثمان بن عمير، وقيل عثمان بن أبى حميد، وقيل غير ذلك، ورواه الطبراني في الأوسط، والصغير بإسناد لا بأس به.
18 -
ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولاينالهم الحساب، هم على كُثُبٍ (1) من مسكٍ حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجلٌ قرأ القرآن ابتغاءَ (2) وجه الله، وأمَّ به قوماً وهم به راضون، وداعٍ (3) يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبدٌ أحسن فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين مواليه. ورواه في الكبير.
19 -
ولفظه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرَّةً ومَرَّةً ومرَّةً، حتى عدَّ سبع مراتٍ لما حدثتُ به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم (4) الفزع، ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل علم القُرآن فقام به يطلب به وجه الله وما عنده، ورجلٌ نادى في كل يومٍ وليلةٍ خمس صلواتٍ يطلب وجه الله وما عنده، ومملوك لم يمنعه رقُّ من طاعة ربه.
20 -
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو في مسيرٍ (5)
له يقول: الله أكبر الله أكبر فقال نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرج من النار، فاستبق القومُ إلى الرَّجُلِ. فإذا راعى غنمٍ حضرته الصلاة فقام يُؤذنُ. رواه ابن خزيمة في صحيحه وهو في مسلم بنحوه.
21 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ذرات دقيقة كالرمل.
(2)
طالباً ثواب الله عز وجل، يفيد نفسه، ويعظ قومه.
(3)
مؤذن.
(4)
هاله الشئ: أفزعه، وبابه قال: وهاله فاهتال، أي أفزعه ففزع.
(5)
في عمل له.
انظر يا أخى راعى غنم يتقى الله ويواظب على طاعة الله ويتقن، ولما حضرت الصلاة أذن، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراءة من النار: هل لنا أن نعمل مثله؟ فمن كان في حقله، أو في مصنعه، أو متجره، ولم يتمكنه بعد المسجد من الذهاب إليه يتوضأ ويؤذن ويصلى، ولا تنس ثواب الخطا إلى المساجد.
فقام بلالٌ ينادى. فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل (1) هذا يقيناً دخل الجنة. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
ماجاء في فضل الأذان
22 -
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: علمنى أو دُلنى على عملٍ يُدخلني الجنة؟ قال: كُنْ مُؤَذِّناً قال لا أستطيع قال: كن إماماً، قال لا أستطيع، فقال: فقم بإزاء الإمام (2): رواه البخاري. في تاريخه والطبراني في الأوسط.
23 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المُؤذنُ المحتسب (3) كالشهيد المُتشحطِ (4) في دمه يتمنى على الله ما يشتهى بين الأذان والإقامة (5). رواه الطبراني في الأوسط، ورواه في الكبير.
24 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذنُ المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه، إذا مات لم يُدَوَّدْ (6) في قبره وفيهما إبراهيم بن رستم، وقد وُثِّقَ.
25 -
وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
(1) نطلق مع المؤذن، واعتقد صدق قوله مع اتباع أوامرالله المأخذوة من الكتاب والسنة.
(2)
علق الغزالي على هذا الحديث، فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته، إذ الأذن إليه، والإمامة للجماعة وتقديمهم له ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها ص 156 - 1، ولكن عنده الإمامة أفضل بدليل تقديم أبى بكر للخلافة، وقال الصحابة، نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، وقد قدم الصحابة بلالا احتجاجا على أنه رضية للأذان أهـ.
(3)
الذى يطلب أجره من الله تعالى أكثر ثوابا من المؤجر، وأصبح الأذان الآن مهنة يحترف بها الملايين من الفقراء، فالله يثيبهم ويهب لهم الأجر الجزيل، والأذان خير عمل ينفع دنيا وأخرى، ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يحث المؤذنين على الزهد والصبر، وحسن العمل، وأدائه بإخلاص، وتحمل المشاق، والرضا بالقليل مع القناعة.
(4)
المتخبط فيه: المضطرب المتمرغ.
(5)
أفضل وقت الرحمات والإحسان ما بين الأذان والإقامة فالدعاء مستجاب، وباب فضل الله مفتوح حينئذ على مصراعيه.
(6)
من داد الطعام يدود: أي جسمه يحفظ ولا يبلى، يكافئ الله المؤذن الذي يحافظ على إيقاظ الناس أن يحيا في قبره، ويشعر بنعيم ربه، وينقى، ويتطهر جسمه: ولا ينتن، ولا يقذر، ويسلم من الدود الذى ينشأ من عفونة الجسم: لكن الشرط (المحتسب) أما إذا كان مؤذنا وفاسقا وطماعا ومخاتلا، فيطلق الله عليه الحشرات في قبره تنهشه نهشا، ويبلى جسمه ويعذب عذابا أليما.
فاتق الله أيها المؤذن وتوضأ وصل بإخلاص وعامل ربك وأحسن معاملتك.
عليه وسلم: إذا أُذنَ في قريةٍ أمَّنها الله عز وجل من عذابه ذلك اليوم. رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة.
26 -
ورواه في الكبير من حديث مَعقِل بن يسار، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّما قَوْمٍ نُودِىَ فيهم بالأذانِ مساءً إلا كانوا في أمانِ الله حتى يُصبحوا (1).
27 -
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يعجبُ (2) ربُّكَ من راعى غنمٍ على رأس شظيةٍ للجبلِ (3) يُؤذنُ بالصلاة ويُصلى. فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا، يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف منى، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة. رواه أبو داود والنسائي.
(الشظية) بفتح الشين وكسر الظاء معجمتين وبعدهما ياء مثناة تحت مشددة، وتاء تأنيث، هي: القطعة تنقطع من الجبل ولم تنفصل منه.
28 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أذن ثنتى عشرة سنةً (4) وجبت له الجنة، وكُتِبَ له بتأذينه في كل يومٍ ستون حسنةً وبكلِّ إقامةٍ ثلاثون حسنةً. رواه ابن ماجه والدارقطنى والحاكم، وقال صحيح على شرط البخاريّ.
(قال الحافظ) وهو كما قال، فإن عبد الله صالح كاتب الليث، وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاريّ في الصحيح.
(1) يطلب النبى صلى الله عليه وسلم من الراعى صاحب الكلمة النافذة على القرية أو المدينة أن يتعهد بإقامة الشعائر رجاء أن الله تعالى يشمله برحمته وحفظه صباح مساء.
(2)
معنى يعجب ربك: أي يعظم ذلك عنده هذا العمل الصادر من الراعى، فيتجلى عليه بغفران ذنبه، ويمتعه بنعيم جنته، ويكبر لديه.
قال في النهاية: أعلم الله أنما يتعجب الآدمى من الشئ إذا عظم موقعه عنده، وخفى عليه سببه، فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقال معنى عجب ربك: أي رضى وأثاب، فسماه عجباً مجازاً، وليس بعجب في الحقيقة، والأول الوجه أهـ ص 69.
(3)
في نسخة. في رأس شظية الجبل.
(4)
أي دام على ذلك، وكان في خلال هذه المدة رجلا صالحا. وأرى أن الأجر على هذا العمل الآن مباح لأن المؤذن رب أسرة ينفق عليها، ويطعم أهله، ويرى أولاده، وليس له عمل آخر، فأجرة المؤذن مكروهة إذا كان لديه عمل آخر يقتات منه، والله فضله عميم يسامح ويصفح، ويثيب من يشاء تفضلا وتكرما ولا يمنع ثواب الله اتخاذ الأجر بل الذى يمنع الغش والكذب والتقصير في حقوق الله، والله أعلم.