المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

فيه حديث ابن عمر وغيره

1 -

عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: بُنِىَ (1) الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن غير واحد من الصحابة.

2 -

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما (2)

نحن جلوس عند

(1) معنى بنى: أقيم وأسس، والإسلام والإيمان في هذا الحديث على سبيل الترادف والتوارد، قال تعالى:(فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ولم يكن باتفاق إلا ببيت واحد، وقال تعالى:(ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين).

وفي حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس (تدرون ما الإيمان)؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت) قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال أهـ.

(2)

في نسخة: بينا 121 ع.

قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوى الشافعي رحمه الله: جعل النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام إسما لما ظهر من الأعمال وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هى كلها شئ واحد وجماعها الدين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا. يدل عليه قوله سبحانه وتعالى:

(أ - إن الدين عند الله الإسلام.

ب - ورضيت لكم الإسلام دينا.

جـ - ومن و - يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) فأخبر سبحانه وتعالى أن الدين رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا التصديق إلى العمل أهـ.

وقال الأصبهاني الشافعي رحمه الله: الإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان، وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص، وهو مذهب أهل السنة، فالخلاف في هذا على التحقيق، إنما هو أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بمواجب الإيمان هلى يسمى مؤمناً مطلقاً أم لا؟، والمختار عندنا أنه لا يسمى به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لايزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق.

وقال الإمام أبو الحسن على بن خلف بن بطال المالكى المغربى في شرح صحيح البخاري: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصه ما أورده البخاري من الآيات. يعنى قوله عز وجل:(ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وقوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) وقوله تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) قوله تعالى (أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزداتهم إيمانا) وقوله تعالى: (ومازادهم إلا إيمانا وتسليما). =

ص: 229

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد

= قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص. فإن قيل الإيمان في اللغة التصديق. فالجواب أن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص. فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زاد الإيمان كمالا. هذا توسط القول في الإيمان. وأما التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينقص أهـ.

قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا: سفيان الثورى، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر والأوزاعى، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعى والحسن البصرى وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذى يستحق به العبد المدح، والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة.

أولا: التصديق بالقلب. ثانيا: الإقرار باللسان. ثالثا: العمل بالجوارح. وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمنا بالإطلاق، وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق، فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى لقول الله عز وجل:(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زداتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفاته. قال المهلب: الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذى عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذى لا ينفع عند الله تعالى غيره أهـ.

فالإيمان: التصديق الباطن، والإسلام: الاستسلام، والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما صلى الله عليه وسلم الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده، او اختلاله أهـ. من كلام ابى عمرو بن الصلاح رحمه الله. فسائر الطاعات، والأعمال الصاحلة ثمرات للتصديق الباطن الذى هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له، والإسلام يتناول التصديق بالباطن، وسائر الطاعات. ويطلق اسم الإيمان على الأعمال، قال (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم. انظر ص 148 - 1 شرح صحيح مسلم.

قال النووي: اتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا إذا عجز عن النطق لخلل فى لسانه. أو لعدم التمكن منه لمعالجة النية، أو لغير ذلك. أهـ وإذا أقر بالشهادتين بالعجمى، وهو يحسن العربية يصير مسلما على الصحيح، وإذا أقرَّ بوجوب الصلاة، أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها، قال النووي: وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلما قال: كل ما يكفر المسلم بانكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلما أهـ.

قال النووي رحمه الله: واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء، والبدع، وإن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام: أو نشأ ببداية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة. والله أعلم بالصواب، وله الحمد والمنة والنعمة وبه التوفيق والعصمة. أهـ ص 150. =

ص: 230

الشعر لا يُرَى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبى صلى الله

= وأنا أقول: الإيمان عقيدة راسخة في النفس توجد الثقة بالله، وتؤكد الاعتماد على الله، والتفويض إليه في تصريف الأمور كما يشاء بلا اعتراض، أو جزع، والشمس المشرقة في القلب تضيئه ليعمل صالحاً، ويتقنه ويراقب فيه فيما ابتغاء رضاه، وخوفا منه جل وعلا، وهو الضمير الذى يعبر عنه أهل المدينة الحديثة بسلوك مناهج الصالحين في نياتها حبا في الله، وأما الإسلام: فمظاهر الدين، وأعمال محسوسة ملموسة تتمثل في إقامة الصلاة، وترى في إخراج الزكاة، ومثلها كطلاء مزخرف تنظر إليه عينك وهو الذى يعنيه الله جل وعلا في قوله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلمارزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) 26 من سورة البقرة. قال البيضاوى: المقصود عطف حال من آمن بالقرآن العظيم ووصف ثوابه على حال من كفر به وكيفية عقابه، وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة بأن يبشرهم، والبشارة: الخبر السار، والصالحات: جمع صالحة وهى من الأعمال ما سوغه الشرع وحسنه، والإيمان عبارة عن التحقيق والتصديق: أس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا غناء بأس لابناء عليه، ولذك قلما ذكرا منفردين أهـ ص 19.

اقرأ القرآن كله تجد تكرار (آمنوا وعملوا الصالحات) لماذا؟ لأن الإيمان شجرة ثمرتها الإسلام، والعمل الصالح زهرته اليانعة، والإيمان كالكهرباء، وأعنى به السر المكنون في قلوب المتقين، ويتجلى نوره بالعمل الصالح الذى يتلألأ، ومصداق ذلك قوله تعالى:

أ - (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) 23 من سورة الزمر. الله تعالى وفقه حتى تمكن الاسلام في صدره ييسر، قال البيضاوى: عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث إن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق للنفس القابلة للإسلام، ونور ربه المعرفة، والاهتداء إلى الحق، وعنه عليه الصلاة والسلام:(إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقيل: فما علامة ذلك؟ قال الإنابة إلى دار الخلود، والتجافى عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله) أهـ ص 639.

أ - عمل صالح.

ب - قناعة

جـ - حذر تورع أحكم أموره بالتقوى.

ب - (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) 126 من سورة الأنعام. يتسع صدره للعمل الصالح ويفسح مجاله فى مشروعات الخير، ويميل إلى البر، والمجرم الفاسق ينبو عن قبول الحق، ويبعد عن أوامر الله ولا يدخله الإيمان الباعث على الصالحات والمكرمات (كأنما يصعد في السماء) شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود، وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق، وتباعداً في الهرب منه كذلك يجعل الله العذاب أو الخذلان على الكسالى المقصرين في حقوق الإسلام.

ياتاركي الصلاة: أمعنوا في هذه الآية، واعلموا أن أعمال الخير التي أنتم عليها كما تظنون ناقصة، تجادلونني بحسن نياتكم، وعظيم إخلاصكم لربكم، وتجتنبون الإشراك بالله والإضرار بالناس، وتخافون الله فلا تؤذون أحداً، وتقولون: يسامحنا الله في الصلاة، حقا إن الدين معاملة، وحب الخير، والنية الصالحة، ولكن الصلاة عماد الدين، وعبر عنه النبى صلى الله علي هوسلم بركن من أركان الإسلام فأعمالكم كما تظنون - قصر فخم هدمت منه جهة وجسم انشل منه ركن ومنزل تصدع منه جانب؛ وذلك عيب فاضح في منظر المهندسين، أفلا تتوبون إلى الله معى (تبنا إلى الله وعزمنا على طاعة الله وندمنا على ما فعلنا) وتقيمون هذا الركن عسى الله أن يتمم إيماننا =

ص: 231

عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى رُكبتيه (1)، ووضع كفيه على فخذيه، فقال: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تشهد (2) أن لا إله إلا

= ويكفر عنا سيئاتنا، وهل تجد فائدة للإسلام أكثر من فك رقاب الذين أحسنوا في الدنيا وعملوا صالحا، ووقوف المجرمين في المحشر، ونفوسهم مرهونة عند الله تعالى، وقد حكى الله عن المؤمنين والفاسقين في قوله جل شأنه في جهنم:(إنها لإحدى الكبر. نذيراً للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر. كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين: في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين. حتى أتانا اليقين. فما تنفعهم شافعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين، كأنهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة. بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة. كلا بل لا يخافون الآخرة. كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره. وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) من سورة المدثر، وإن سقر إحدى البلايا الكبيرة، وكبرت منذرة العاصين ليطيعوا الله ويتقدموا إلى اتباع الكتاب والسنة، ويتأخروا عن الفسوق والمجون والكذب خشية أن يموتوا فلا شفيع لهم عند الله، وقد شبههم الله تعالى في إعراضهم عن استماع الحق، واتباع القرآن بالحمر النافرة والوحوش الضارية التى فرت وهربت من الأسد القاهرة (قسورة) فعولة من القسر وهو القهر، والله تعالى حقيق بأن يتقى عقابه ويستمع كلامه، وحقيق بأن يغفر لعباده سيما الذين آمنوا وعملوا صالحا، والصلاة من العمل الصالح لأنها مدرسة الأخلاق الكاملة، ومعهد التربية يعالج تذليل النفس ومرونتها فتتعود الصبر والحلم، وتحمل الشدائد، ومصداق ذلك قوله تعالى:(إن الإنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعاً. إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم بشهادتهم قائمون. والذين هم على صلاتهم يحافظون، أولئك في جنات مكرمون) 36 من سورة المعارج. أعرفت استثناء القادر الخالق للمصلين، والإنسان بفطرته شديد الحرص كثير الطمع قليل الصبر ويكثر الجزع ويشح ويبخل إلا الموصوفين بالأوصاف الدالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخق والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وإيثار الآجل على العاجل. أولئك لا يشغلهم عن الصلاة شاغل، وكذا الزكوات والصدقات لمن يسأل ومن لا يسأل فيحسب نفسه غنياً فيحرم. قال البيضاوى: وتكرير ذكر الصلاة؛ ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها وإنافتها على غيرها، ومعنى (يحافظون): يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها أهـ 789.

ياأخى: الصلاة واجبة الأداء حال المسايفة والاضطراب في المعركة، ووعد المؤمنين بالنصر، وأمرهم بالحزم (وخذوا حذركم) لتقوى قلوبهم، ويحافظوا على ذكر الله، والتيقظ والتدبر؛ ويتوكلوا على الله سبحانه وتعالى. قال جل شأنه:(فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم، فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) 104 من سورة النساء، أي فرضاً محدد الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في أي حال من الأحوال.

(1)

يريد القرب من النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل الداخل وضع كفيه على فخذى نفسه، وجلس على هيئة المتعلم المتأدب.

(2)

تعتقد أن الله واحد، ومحمداً رسول الله، بأن تعمل بكتابه وسنة حبيبه، ولا تسأل إلا الله ولا تخف إلا من الله.

ص: 232

الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم (1) الصلاة، وتؤتى (2) الزكاة، وتصوم (3) رمضان، وتحج البيت (4) الحديث، رواه البخاري ومسلم، وهو مروى عن غير واحد من الصحابة في الصحاح وغيرها.

3 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيتم لو أن نهراً (5) بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسَ مراتِ هل يبقى من درنه (6) شئ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شئٌ. قال: فكذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو (7) الله بهن الخطايا. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ورواه ابن ماجه من حديث عثمان.

(الدرن) بفتح الدال المهملة والراء جميعاً: هو الوسخ.

4 -

وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1) تؤديها في أوقاتها.

(2)

تعطى زكاة المال والحبوب والثمار والحيوان، وتتصدق على الفقراء وتحسن إلى جيرانك وتساعد على إقامة مشروعات الخير لتنفع بنى وطنك. إن الغنى مطالب أمام الله بإيجاد أعمال لأبناء جنسه الخالين من العمل بفتح مصانع أو إصلاح الأرض، وهكذا طلباً لرضا الله ووجود الألفه وعظيم المحبة (والله في عون العبد

):

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استبعد الإنسان إحسان

(3)

تقوم بصيامه خير قيام، وتكثر فيه من الصدقات وتشييد الصالحات.

(4)

تؤدى فريضة الحج وتزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

مجرى الماء الفائض.

(6)

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس تذهب الخطايا كما يذهب الماء الدرن).

(7)

يزيل، فأنت ترى المحافظة على أداء الصلوات تكفر الذنوب الصغيرة، وتحتم على اجتناب الكبيرة، ومتى حافظ العبد على الصلوات تاب الله عليه وسامحه وعفا عنه.

أيها المسلمون: إن نبيكم خير الخلق صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا أعلى في التربية، ويعطى درساً شيقاً بوسائل محسوسة ليبين فائدة الصلاة، وقد سبق علماء التربية الألمان والإنجليز في إعطاء الدرس الحسن الشيق الجذاب بالغ النهاية في السمو والإيضاح، موضوعه: - بجوار منزلكم نهر حافظتم على الاستحمام فيه خمس مرات هل توجد وساخة على أجسامكم؟ - فهموا السؤال وأحسنوا الإجابة - قالوا: لا - هكذا أداء الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ينقى صحائفكم. ويطهر أعمالكم، ويرضى عنكم ربكم كما جعل تعالى (النهر) مثلا لما يدر من فيضه وفضله في الجنة على الناس. قال عز شأنه:(إن المتقين في جنات ونهر. في مقعد صدق عند مليك مقتدر) من سورة القمر. وقال تعالى (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً)(جنات تجرى من تحتها الأنهار) وأرى أن النبى صلى الله عليه وسلم يحث على النظافة ويدعو إلى الاستحمام والطهارة ويذكر المسلمين أن المحافظة على الصلاة في الدنيا توصل إلى نعيم الجنة وأنهارها.

ص: 233

الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارةٌ (1) لما بينهن ما لم تغش (2) الكبائر (3) رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

الصلوات الخمس كفارة لما بينها

5 -

وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: الصلوات الخمس: كفارةٌ (4) لما بينها، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو أن رجلا كان يعتمل (5)، وكان بين منزله وبين معتمله خمس أنهارٍ، فإذا أتى معتمله عمل فيه ما شاء الله فأصابه الوسخ أو العرق، فكلما مر بنهرٍ اغتسل، ما كان ذلك يُبقى من درنه، فكذلك الصلاة كلما عمل خطيئةً فدعا واستغفر غفر له ما كان قبلها. رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بإسناد لا بأس به، وشواهده كثيرى.

6 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الصلوات الخمس: كمثل نهرٍ جارٍ غمرٍ (6) على باب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات. رواه مسلم.

(والغمر): بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم بعدها: هو الكثير:

7 -

وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحترقون تحترقون (7)، فإذا صليتم الصبح غسلتها (8)، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليت العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون، فلا يكتب (9) عليكم حتى تستيقظوا. رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وإسناده حسن، ورواه الكبير موقوفا عليه، وهو أشبه، ورواته محتجّ بهم في الصحيح.

(1) مزيلة الصغائر التي ترتكب من وقت الصبح إلى الظهر وهكذا، أو من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة الآخر.

(2)

تفعل، من غشى الشئ: لابسه.

(3)

كالإشراك وقتل النفس والزنا والسرقة وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات والربا والباطل وضياع الحق وأخذ أموال الناس ظلماً وهكذا.

(4)

في نسخة: كفارات.

(5)

يلى عملا، وفي نسخة: يعمل.

(6)

كثير يغمر من دخله ويغطيه.

(7)

تكثرون من ارتكاب الذنوب وتقترفون ما يحبط أعمالكم الصالحة حتى تزيلوا حسناتكم وتكون الصحيفة كالمحروقة المتقدة خطايا.

(8)

فإذا صليتم الفريضة أزالت هذه الخطايا ورجعت صحيفتكم طاهرة نقية.

(9)

يأتى الليل والملائكة الكتبة لا يقيدون لكم ذنوبا حتى تقوموا من نومكم.

ص: 234

ما يقوله المنادى عند كل صلاة

8 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملكاً (1) ينادى عند كل صلاةٍ: يا بنى آدم قوموا إلى نيرانكم التى أوقدتموها فأطفئوها. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به يحيى بن زهير القرشى.

(قال المملى) رضي الله عنه: ورجاله كلهم محتجّ بهم في الصحيح سراة.

9 -

وروى عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يُبعثُ منادٍ عند حضرة كل صلاةٍ، فيقول يا بنى آدم: قوموا فأطفئوا ما أوقدتم (2) على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون (3) ويصلون الظهر فيغفر لهم ما بينهما فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة (4) فمثل ذلك فينامون فمُدلجٌ (5)

في خيرٍ، ومدلجٌ في شرٍّ. رواه الطبراني في الكبير.

10 -

وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان الفارسي رضي الله عنه لينظر

(1) منادياً من بنى آدم أن ينهض فيصلى الفريضة رجاء أن يسد طاقة من جهنم فتحت عليه تنتظر موته ولا يعلم أحد نهاية عمره إلا الله، فالعاقل من أسرع إلى تأدية الفرض في أول وقته ليسد باب جهنم المنتظرة، وليطفئ ما أعد الله له من العذاب إذا تأخر عن الصلاة ولم يؤدها.

(2)

مما جلبه عليكم لسانكم من غيبة أو نميمة أو تقصير في واجبات الله.

(3)

يتوضئون.

(4)

المراد العشاء والفجر.

(5)

أدلج: سار من أول الليل، والمعنى بعد صلاة العشاء ينام الإنسان أو يسير في طريق الخير، ويسهر في السمر البرئ والأنس الذى يرضي الله جل وعلا، أو يقضى باقى ليله في طاعة وعبادة. والصنف الثانى: يتم ليله في لهو ومحرمات وسهر يغضب الله جل وعلا وينسى واجب زوجه ويعربد ويسكر، ويذهب إلى الملاهى والمواخير ومحال الفجور والدعارة، أو يقطع الطريق ويسلب أموال الناس أو يسرق، وهكذا من أفعال الشر ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يرشد المسلمين إلى أن الصلوات الخمس أزالت ما اقترفوه، ويوصيهم أن ينتهى ليلهم كما يحب الله ورسوله، ولا يتخلل زمنه ما يكثر من السيئات ويحبط الحسنات. قال تعالى:

أ - (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) 26 من سورة الأحزاب.

ب - (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم 13 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) 14 من سورة النساء.

ما أسعد من ينتهى ليله في طاعة، ينام ليستريح أو يؤنس أهله ويسرى عنهم متاعب الحياة، ويمتعهم برؤيته وحديثه العذب ويكرم ضيوفه ويؤدى واجب زوجه حتى لا تنظر إلى غيره، ويتفقد مصالحه ويرعى طعام ماشيته، هل أدى الخدم ما يلزم لها من سقى أو علف أو نظافة؟ ويقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه البخاري أنه عليه الصلاة والسلام:(كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها) وأعنى بالحديث الذى يجلب غضب الرب، ويذهب في لهو ولغو أو في مجالس الفسوق، نسأل الله السلامة.

ص: 235

ما اجتهاده. قال: فقام يصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذى كان يظنُّ فذُكرَ ذلك له فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفاراتٌ لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة. رواه الطبراني في الكبير موقوفا هكذا بإسناد لا بأس به، ويأتى بتمامه إن شاء الله تعالى.

11 -

وعن عُمر بن مرة الجهنى رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله وصليت الصلوات (1) الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته (2) فممن أنا؟ قال: من الصديقين؟ قال: من الصديقين (3) والشهداء (4). رواه البزّار، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لابن حبان.

12 -

وعن أبي مسلم التغلبى قال: دخلت على أبى أُمامه رضي الله عنه وهو في المسجد، فقلت يا أبا أُمامة؟ إن رجلا حدثنى عنك أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ الوضوء، فغسل (5) يديه، ووجهه، ومسح على رأسه، وأُذنيه، ثم قام إلى صلاةٍ مفروضةٍ غفر (6) الله له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجلاه، وقبضت عليه يداه، وسمعت إليه أُذناهُ، ونظرت إليه عيناه، وحدث به نفسه من سوءٍ. فقال: والله قد (7) سمعته من النبى صلى الله عليه وسلم أمراً (8). رواه أحمد، والغالب على سنده الحسن، وتقدم له شواهد في الوضوء، والله أعلم.

13 -

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يصلي وخطاياهُ مرفوعةٌ على رأسه كلما سجد تحات (9) عنه فيفرغ من

(1) في نسخة: الصلاة.

(2)

شغلت أوقات ليله في طاعة وذكر وتسبيح وتحميد وتكبير وتهجد.

(3)

قوم أقل من الأنبياء في الفضيلة، لأنهم صدقوا بقولهم واعتقادهم وحققوا صدقهم بالفعل؛ ومنه قوله تعالى:

أ - (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبياً).

ب - وقوله تعالى: (وأمه صديقة).

جـ - وقوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً).

(4)

الذين جاهدوا في سبيل الله حق جهاده حتى ماتوا في حومة الوغى.

(5)

في نسخة: وغسل.

(6)

محا الذنوب التى ارتكبتها رجلاه أو يداه أو أذناه أو عيناه.

(7)

في نسخة: لقد.

(8)

في نسخة: مراراً 124 ع.

(9)

تتساقط بذلته لربه، وخضوعه لخالقه وشكره.

ص: 236

صلاته، وقد تحاتت (1) عنه خطاياه. رواه الطبراني في الكبير والصغير، وفيه أشعثُ بن أشعث السعدانى لم أقف على ترجمته.

14 -

وعن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرةٍ فأخذ غصناً يابساً (2)، فهزَّهُ حتى تحاتَّ (3)

ورقه، ثم قال: يا أبا عثمان ألا تسألنى لِمَ أفعلُ هذا. قلتُ: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرةٍ، وأخذ منها غصناً يابساً (4) فهزَّهُ حتى تحات ورقه. فقال: يا سلمان ألا تسألنى لم أفعل هذا. قلت: ولم تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء (5) ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما تحاتَّ (6) هذا الورق، وقال:(أقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) رواه أحمد والنسائي والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم في الصحيح إلا علىَّ بن زيد.

15 -

وعن أبي هريرة وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: والذى نفسى بيده ثلاث مراتٍ، ثم أكبَّ فأكَبَّ (7) كلُّ رجل منَّا يبكى، لاندرى على ماذا حلف، ثم رفع رأسه، وفى وجهه البُشرى (8)، وكانت أحب إلينا من حُمْرِ (9) النعم: قال: ما من رجلٍ (10) يصلى الصلوات الخمس،

(1) زالت وسقطت كما يتحات ورق الشجر: أي ينتثر ويقع.

(2)

صلباً.

(3)

يتحات: يتساقط.

فعل مضارع حذف منه حرف المضارعة منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد حتى.

(4)

يقال: حطب يبس. قال ابن السكيت جمع يابس كراكب وركب أهـ، واليبس: المكان يكون رطباً ثم ييبس، ومنه قوله تعالى:(فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركا ولا تخشى)، وهذا مثل آخر ضربه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في درس فوائد الصلاة: حرك الغصن بقوة وعنف فنزلت أوراقه. هكذا أيها المسلمون المحافظة على الصلوات في أوقاتها تسقط الخطايا، فتنجون وتفلحون.

(5)

أتمه: أي راعى فروضه وسننه واستاك.

(6)

وفى نسخة: يتحات.

(7)

أكب الرجل يكب على عمل عمله: إذا لزمه، من كببته فأكب أي ألزمته. أي استمر البكاء منا ومنه صلى الله عليه وسلم خشية وخوفا من الله جل وعلا.

(8)

هى الخبر السار المفرح. قال تعالى (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة) وقال تعالى (لابشرى يومئذ للمجرمين). (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى). (يابشرى هذا غلام) يا بشارة.

(9)

الحمار. جمعه حمر كقفل، وحمر بضمتين العير، وحمارة للأتان، والنعم واحد الأنعام وهى المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. قال الفراء، هو ذكر لا يؤنث، يقولون، هذا نعم وارد وجمعه نعما، كحمل وحملان، والأنعام يذكر ويؤنث. قال الله تعالى (مما في بطونه) وقال (مما في بطونها) وجميع الجمع أناعيم، والمعنى أن بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم زادتنا فرحاً أكثر من المال الوفير، والنعم السارة، وبيض الإبل وغيرها.

(10)

في نسخة: عبد.

ص: 237

ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويتجنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصطفق (1)، ثم تلا (إن تجتنبوا كبائر (2)

ما تنهون (3) عنه نكفر (4) عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريماً). وقال الحاكم صحيح الإسناد.

16 -

وعن عثمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا، أراه قال العصر. فقال: ما أدرى أُحدثكم أو أسكت؟ قال: فقلنا يا رسول الله إن خيراً فحدثنا، وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم. قال: ما من مسلمٍ يتطهر فيُتم الطهارة التى كتب الله عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفاراتٍ (5) لما بينها.

وفي رواية: أن عثمان رضي الله عنه قال: والله لأُحدثكم حديثاً لولا آية (6) في كتاب الله ما حدثتكموه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتوضأٌ رجلٌ

(1) ينتشر ضوؤها وتضطرب أبوابها ومنه حديث أبى هريرة رضي الله عنه (إذا اصطفق الآفاق بالبياض) أي اضطرب وانتشر الضوء، وهو افتعل من الصفق أي التتابع. صفق الباب: رده، وأصفقه أيضا والريح تصفق الأشجار فتصطفق: أي تضطرب.

(2)

الكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظيم عقوبته، والجمع الكبائر قال تعالى:(ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى .. الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذْ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا على أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) 33 من سورة النجم، أي سبب الأعمال الحسنة دخلوا الجنة. والإثم ما كبر عقابه، وصعب وعيده والفواحش أقبح الذنوب: كالزنا وقتل النفس والله يغفر الحسنة أي ما قل وصغر.

(3)

وفى غريب القرآن: قيل أريد به الشرك؛ لقوله: (إن الشرك لظلم عظيم). وقيل هو الشرك وسائر المعاصى الموبقة، كالزنا وقيل النفس المحرمة ولذلك قال (إن قتلهم كان خطئا كبيراً) أهـ ص 432.

(4)

نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم. قال البيضاوى: الكبيرة: كل ذنب رتب الشارع عليه حدا، او صرح بالوعيد فيه، وقيل: ما علم حرمته بقاطع، وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنها سبع:(الإشراك بالله، وقتل النفس التى حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (والكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع) والمدخل الكريم: الجنة، أو ما وعد من الثواب. أو إدخال مع كرامة.

(5)

مزيلات الصغائر.

(6)

مثل قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) 161 من سورة البقرة. أحبار اليهود يخفون الآيات الشاهدة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وما يهدى إلى وجوب اتباعه والإيمان به، وفي التوراة أدلة ذلك، ومن ذا جاءت الشريعة المحمدية، وألزمت العالم أن يجود بعلمه.

ص: 238

فيحسن وضوءَهُ، ثم يصلى الصلاةَ إلا غفر الله له ما بينها وبين الصلاة التى تليها. رواه البخاريّ ومسلم.

17 -

وفي رواية لمسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ للصلاة، فأسبغ (1) الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس (2) أو مع الجماعة (3)، أو في المسجد غفر له ذنوبه.

18 -

وفي روايةٍ أيضا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرِئٍ مسلمٍ تحضرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ (4)، فيحسن وضوءَها وخشوعها وروكوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ (5) كبيرةٌ، وذلك الدهر كله (6).

19 -

وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن كل صلاة تحطُّ (7) ما بين يديها من خطيئةٍ. رواه أحمد بإسناد حسن.

20 -

وعن الحارث مولى عثمان قال: جلس عثمان رضي الله عنه يوماً وجلسنا معه فجاء المؤذنُ فدعا بماءٍ في إناءٍ أظنهُ يكون فيه مُدٌّ (8) فتوضأَ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتوضأُ (9) وُضُوئى هذا، ثم قال: من توضأ وضوئى هذا (10) ثم قام يصلى صلاة الظهر غُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعلَّهُ يبيت يتمرغ (11) ليلته، ثم إن قام فتوضأ فصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهنَّ: الحسنات يُذهبنَ

(1) أتم.

(2)

منفردا في منزله، أو سوقه، أو مصنعه. (يصح تعدد أو شك من الراوى).

(3)

أو صلاها جماعة.

(4)

مفروضة.

(5)

في نسخة: ما لم يأت، والفاعل المصلى.

(6)

من حافظ مدة حياته على الصلاة، ولم يفعل الكبائر، عفا الله عنه وسامحه ودخل الجنة.

(7)

تبعد، من حط الشئ يحطه: إذا أنزله وألقاه، وفيه من ابتلاء الله ببلاء في جسده فهو له حطة أي تحط عنه خطاياه وذنوبه.

(8)

المد في الأصل ربع الصاع، أي رطل ماء قدر قلة أو إبريق.

(9)

في نسخة: توضأ.

(10)

في نسخة: هكذا 125.ع

(11)

ينقلب، من مراغ دواب الجنة المسك، أي الموضع الذى يتمرغ فيه من ترابها، يرجو سيدنا عثمان رضي الله عنه أن يبيت المسلم على توحيد الله وذكره، وترقب اليقظة لعبادته ورجاء رحمته.

ص: 239

السيئات. قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات (1)

يا عثمان؟ قال: هى: لا إله الله، وسبحان الله، والحمد الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رواه بإسناد حسن، وأبو يعلى والبزار.

يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل الخ

21 -

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة (2) الله فلا يطلبكم (3) الله من ذمته بشئٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشئٍ يدركه ثم يكُبُّهُ (4) على وجهه في نار جهنم. رواه مسلم واللفظ له وأبو داود والترمذي وغيرهم. ويأتي في باب صلاة الصبح والعصر إن شاء الله تعالى.

22 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح (5)، وصلاة العصر، ثم يعرج (6)

الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: كيف

(1) أي الثابت ثوابها، المورق غصنها، المزهرة حسناتها، الخالد أجرها. قال الله تعالى:

أ - (المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا) 47 من سورة الكهف. يتزين بهذا العرض الإنسان في حياته وتفنى به عما قرب، ولكن أعمال الخيرات هي التي تبقى ثمراتها له أبد الآباد، ويندرج فيها الكلام الطيب والأمر. بالمعروف، وينال صاحبها المحافظ على ذكر الله بها النعيم في الآخرة. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: إن أثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها، ولكون مافي الآخرة دائما. قال عز وجل:(ما عند الله خير وأبقى)، ومعنى الباقيات الصالحات: ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال، وقد فسر بأنها الصلوات الخمس، ولكن أرشدنا إلى مئات منها صباح مساء ليغرس له في الجنة أشجاراً، وينتظر ثمارها بعد موته إن شاء الله - وفى غريب القرآن: والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى أهـ، وعلى هذا قوله تعالى:

ب - (بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) أي ما أبقاه الله لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم، فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة، وذلك مشروط بالإيمان.

(2)

عهد الله وأمانه وضمانه ورحمته.

(3)

في نسخة: فلا يطلبنكم.

(4)

الكب: إسقاط الشئ على وجهه، قال تعالى:(فكبت وجوههم في النار) والأكباب: جعله مكبوبا على العمل، قال تعالى:(أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى)، وفيه يطلب النبى صلى الله عليه وسلم من المسلم أن يحافظ على صلاة الصبح قبل طلوع الشمس جماعة ليرعاه ربه، ويقضى حاجاته، ويسهل أموره، ويزيد في رزقه، ويفرج كربه، وبقيه شره يومه، ومن لم يحافظ فقد يلحظه الله برحمته تفضلا، ولكن إن مات زج في جهنم والعياذ بالله تعالى.

(5)

في نسخة: الفجر.

(6)

يصعد الحراس الذين يستلمون أعمال العبد من الفجر إلى العصر، والفريق الثانى: يتعهد من العصر إلى الفجر. ما شاء الله كتبة مهرة ذوو يقظة مقسمة أعمالهم بنظام الحكيم العليم الخبير بشئون عباده ليحصوا أعمال =

ص: 240

تركتم عبادى؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيانهم وهم يُصلون. رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي.

خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة الخ

23 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم: الصلاة، وآخر ما يبقى: الصلاةُ، وأول ما يُحاسب به: الصلاة، ويقول الله: انظروا في صلاة عبدى، فإن كانت تامةً كُتبت تامةً، وإن كانت ناقصة يقول: انظروا هل لعبدى من تطوعٍ (1)، فإن وُجِد له تطوعٌ تمت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا: هل زكاته تامةٌ؟، فإن كانت تامة كتبت تامةً، وإن كانت ناقصةً. قال: انظروا هل له صدقةٌ؟، فإن كانت له صدقة تمت له زكاته. رواه أبى يعلى.

24 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسٌ من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وُضُوئهن، ورُكوعهن، وسجودِهن، ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وآتى (2) الزكاة طيبةً بها نفسه، وأدى الأمانة. قيل يا رسول (3) الله: وما أداءُ الأمانة؟، قال: الغسل (4)

من الجناة، إن الله لم يأمن ابن آدم على شئٍ من دينه غيرها. رواه الطبراني بإسناد جيد.

= العباد باذن الله جل جلاله. فالعروج: ذهاب في صعود، قال تعالى:(تعرج الملائكة والروح) وسميت ليلة المعراج لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) - وفيه المحافظة أيها المسلمون على صلاة الفجر، وصلاة العصر جماعة.

حدثنى والدى رحمه الله أن الرجل لا يعد صالحاً إلا إذا حافظ على هاتين الصلاتين في إبان وقتهما، وداوم مراراً، على أن هذا العمل يجدد النشاط، ويزيد في القوة، ويصحح الجسم، وقيام الفجر يطيل العمر، ويجلب البهاء والنضارة، ويقوى الدورة الدموية، ويزيل البلغم ويذهب الحزن ويدعو إلى الفرح، وزيادة الرزق وطيب الكسب، والبركة في البكور.

(1)

نافلة.

(2)

في نسخة: وأعطى 126 ع.

(3)

في نسخة: يا نبى الله، والأمانة طمأنينة النفس على أداء الواجب عليها، أو حفظه وصيانته، وزوال الخوف من التقصير في رعايته، قال تعالى:(وتخونوا أماناتكم) أي ما ائتمنتم عليه، وقوله تعالى:(إنا عرضنا الأمانة) قيل: هى كلمة التوحيد، أو العدالة، أو حروف التهجى، أو العقل الذى يدرك به توحيد الله وطاعته.

(4)

لأن الغسل منها سر بينه وبين ربه وفتح الغين المصدر. =

ص: 241

25 -

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهنَّ كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه.

26 -

وفي رواية لأبى داود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم رُكوعهنَّ وسجودهن، وخشوعهن (1) كان له (2) الله عهدٌ (3) أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس على الله عهدٌ، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.

27 -

وعن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلةً، فذكرت فضيلة الأول منهما عند رسول الله

= أخى المسلم: قد رأيت أداء الأمانة موصلا إلى الجنة، وسئل صلى الله عليه وسلم عنها، فقال عليه الصلاة والسلام:(الغسل من الجنابة) لعمرى تلك معجزة جديدة في القرن العشرين. قائد الشرع سبر غور المسلمين، وقدر بمخبار الحكمة، وسداد الرأى والفطنة، والفراسة حال المؤمنين بمراعاة الطهارة من الحدث الأكبر. كأن من يحافظ على الطهارة يكاد يكمل إيمانه، ويسهل عليه أداء واجب الله من ذكر وصلاة، ويقشعر قلبه من خشية الله، وهو صالح للعبادة أنى شاء. أما الآن فلاحظت رجالا يذهبون إلى محال أعمال، ويتبجحون أنهم جنب ولا يصلون ولا يصومون، وهذا من التهاون، وغفلة القلب عن الله التى جرت عليهم ارتكاب كثير من الموبقات وهم ساهون لاهون مغفلون لا يدرون أن الدنيا زائلة وفيه جنة للصالحين ونار للفاسقين والعاصين (إن ربك لبالمرصاد) قال تعالى:

أ - (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) أي غافلون غير مبالين بها. إن الإنسان لا يضمن أن يعيش ثانية من حياته فكيف يتجرأ ذلك الخائن، ويستمر جنباً ردحا من الزمن والملائكة تسخط عليه وتذمه. لقد علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا أتى الإنسان أهله ليلا، وأراد أن ينام يتوضأ خشية أن يموت، فيقابل ربه طاهراً حتى مطلع الفجر، ثم يستيقظ فيغتسل، ويصلى الصبح. وفي حديث البخاري (كان صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة).

ب - وقال تعالى: (وإن كنت جنباً فاطهروا) أي فاغتسلوا.

(1)

تفريغ القلب لإتمام أركان الصلاة وسننها.

(2)

في نسخة: عند، فليس له عند الله.

(3)

قال في غريب القرآن: العهد: حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال، وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهداً، قال تعالى:(وأفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) أي أوفوا بحفظ الإيمان قال الله: (لاينال عهدى الظالمين) أي لا أجعل عهدى لمن كان ظالما، قال تعالى:(ومن أوفى بعده من الله) أهـ ص 356.

ص: 242

صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يكن الآخرُ مسلماً؟ قالوا بلى (1) وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: وما يدريكم ما بلغت به صلاته إنما مثل الصلاة كمثل نهرٍ عذبٍ بباب أحدكم يقتحم (2) فيه كل يومٍ خمس مراتٍ فما ترون في ذلك يُبْقِى من درنه (3)، فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته (4). رواه مالك واللفظ له، وأحمد بإسناد حسن، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال:

سمعت سعداً وناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كان رجلان أخوان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحدهما أفضل من الآخر، فتوفى الذى هو أفضلهما، ثم عُمر الآخرُ بعد أربعين ليلة ثم توفى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم يكن يصلى؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وماذا يدريكم ما بلغت به صلاته. الحديث.

28 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بُلَى حَىٍّ من قُضاعةَ أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما، وأُخر الآخرُ سنةً. قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد (5)

فتعجبت لذلك

(1) إنه مسلم. بلى يجاب بها عند النفى.

(2)

يخوض: يجوز.

(3)

وسخه.

(4)

أرى والله أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بزيادة درجات من عمر، وعلو مركزه في الجنة من جراء كثرة ركعاته، وثواب صلاته.

(5)

أولا: الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل: ثانيا: الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقى النظر في الحجج والآيات، وأخرى بمعارج التصفية والرياضيات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء، وأخبروا عنها على ما هى عليها. ثالثاً: الذين أدى بهم الحرص على الطاعة، والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى. رابعاً: الصالحون: الشهداء الذين صرفوا أعمارةم في طاعته، وأموالهم في مرضاته، ولك أن تقول: المنعم عليهم هم العارفون بالله، وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين =

ص: 243

فأصبحت فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد صام بعد رمضان، وصلى ستة آلاف ركعةٍ، وكذا وكذا ركعةً صلاة سنةٍ. رواه أحمد بإسناد حسن، وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقى، كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه، وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره: لما بينهما أبعد من السماء والأرض.

ثلاث لا أحلف عليهن الخ

29 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث أحلف عليهن (1) لا يجعل الله من له سهم (2) في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم، والزكاة، ولا يتولى (3)

الله عبداً في الدنيا فيوليه

= درجة العيان، أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان والأولون: إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشى قريبا، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولا: فيكونون كمن يرى الشئ بعيداً، وهم الصديقون والآخرون: إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة، وهم الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم، وهم الصالحون. وحسن كل واحد منهم رفيقاً.

روى أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه يوما، وقد تغير وجهه، ونحل جسمه، فسأله عن حاله فقال: مابى من وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فخفت أن لاأراك هناك لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبداً، فنزلت:(ذلك الفضل من الله) إشارة إلى ماللمطيعين من الأجر، ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم - أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم - وهوعز شأنه خبير بجزاء مَنْ أطاعه - أن بمقادير الفضل، واستحقاق أهله أهـ ص 144. لقد زال العجب بفهم تفسير هذه الآية وذلك من حسن العبادة. هنيئاً لك يا ثوبان تتمتع برؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم، ثم يزيدك الإيمان تعلقا بجوار منزلته في الجنة. رب إنى أحب سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدى الحب، فهل تتفضل على عبدك الخاضع الذليل الحقير أن تمن عليه بالرؤيا الصالحة لأتمتع بمشاهدة محياه، ولأطفئ حرارة الشوق إلى جماله وكماله ومحامده ومحاسنه، قال صلى الله عليه وسلم:(من رآنى فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوننى) ويقول العارفون إن كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب الرؤية مع الاستقامة.

(1)

أقسم بالله وجودهن، وصحة إدراكهن.

(2)

السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهى القداح، ثم يفوز به الفالج سهمه، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما ويجمع السهم على أسهم وسهام وسهمان، ومنه حديث بريدة: خرج سهمك بالفلج والظفر. أي إن الله جل جلاله يعطى ثوابه الكثير لمن له نصيب في أعمال الإسلام، ويجعل المقصر، والكسلان محروما من الأجر خاليا من الحسنات، وعد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أركان الإسلام، فإن أخلص المسلم في أدائها فاز، وحظى بنعيم الله ورضوانه، وإلا فياخيبته، ويا حسرته يوم توزع الأجور، ويحاسب على الأعمال.

(3)

يجعله عماده في أعماله، ووجهته في حاجاته، فيسأله، ويستعين به، ويخاف منه. =

ص: 244

غيره يوم القيامة (1) ولا يُحبُّ رجل قوماً إلا جعله الله معهم (2)، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا إثم (3) لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره يوم القيامة. رواه أحمد بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود.

30 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مفتاح الجنة الصلاة. رواه الدرامىّ، وفي إسناده أبو يحيى القتات.

31 -

وعن عبد الله بن قُرطٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت (4)

صلح سائر عمله،

= ويدعوه رغبا ورهبا، ويخشى بأسه، وله عليه السلطان، والحول والطول دون سواه سبحانه، والولاية تولى الأمر والنصرة، قال تعالى.

أ - (الله ولى الذين آمنوا) ب - (إن وليي الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين). جـ - (والله ولى المؤمنين) د - (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). هـ (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) أي جعل للشيطان في الدنيا على العصاة سلطانا.

(1)

يطمئنه ربه وينعمه ويكرمه، ولا يجعل لغيره رياسة عليه يتصرف فيه.

(2)

المرء مع من أحب يحشر في زمرتهم.

(3)

لا ذنب، والمعنى: إذا تكرم الله بعدم فضيحة عبد خاضع ومطيع له، سامحه وعفا عنه وستره في المحشر. ومحبة المرء أن لا يذكر قبائحه ويغض عن هفواته، ويدارى عوراته، ولا يذيع شيئا من شؤونه الخاصة في نفسه أو منزله فلكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة، ولكل إنسان زلة وفي إذاعتها تشهير وتسميع للمسلمين وإثارة للأحقاد والضغائن وهنا قال علماء الحديث: وليس مما يجب ستره والإغضاء عنه الجرائم التى تضر بالمجتمع كالسرقة، والمؤامرة على الإجرام، وقتل النفس وشهادة الزور، لا يصح الإغضاء عنها بل يجب الأخذ على يد مرتكبيها تأديباً لهم، وردعا لغيرهم قال تعالى (ولكم في القصاص حياة ياأولى الألباب لعلكم تتقون).

(4)

أي أثمرت الاستقامة ودعت إلى التحلى بآداب الدين والتجمل بالكمالات، والتخلى عن الرذائل وأرسلت أشعة الإحسان والخوف من الله جل وعلا في قلب المصلى، وحينئذ تشرق شمس القبول، والإتقان، ورضا الله في سائر أفعاله. الصلاة: جسر السعادة، ومعين السيادة، ونور الإيمان الذى ينبعث من فاعلها، روى أن فتى من الأنصار كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف له عليه الصلاة والسلام، فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب، ومصداق ذلك قوله تبارك وتعالى:(اتل ما أوحى إليك من الكتاب، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) 46 من سورة العنكبوت، يأمره الله تعالى أن يقرأ كتابه تقربا إليه وتحفظا لألفاظه، واستكشافا لمعانيه .. فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه، ولا تقبل صلاة عند البارئ جل وعلا إلا إذا غرست الهيبة والخشية، وكانت سببا للانتهاء عن المعاصى حال الاشتغال بها وغيرها عند البارئ جل وعلا إلا إذا غرست الهيبة والخشية، وكانت سببا للانتهاء عن المعاصى حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله، وتورث النفس خشية منه جل وعلا (ولذكر الله أكبر) وللصلاة أكبر من سائر الطاعات لأنها العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات، أو ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته، والله الذى يجازيكم بعملكم أحسن المجازات: (من لم تنهه صلاته =

ص: 245

وإن فسدت فسد سائر عمله. رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس بإسناده إن شاء الله.

الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها

32 -

وروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ينظر في صلاته، فإن صلحت فقد أفلح (1) وإن فسدت خاب (2) وخسر. رواه في الأوسط أيضاً.

33 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان (3) لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور (4) له، ولا دين (5) لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به الحسين بن الحكم الحبرى.

34 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أُمته: اكفلوا (6) لي بستٍّ أكفل لكم بالجنة. قالوا (7) وماهى

= فلا صلاة له) وعمله فاسد، وهنا درس قاس للذين يصلون ويخدعون الناس ويكذبون ويسرقون ويؤذون ويقطعون الرحم وهكذا إن صلاتهم تزيدهم خطايا وتحملهم ذنوبا للجراءة على الله؛ والتهاون بالوقوف أمامه وقلة الأدب مع الخالق الحليم الصبور المنتقم الجبار.

عجبا لك ياابن آدم؟ تقف أمام مخلوق ضعيف مثلك خائفا وجلا مجملا بأبهى الثياب، ويقشعر جسمك عند طلبه لك (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه).

(1)

فاز بالجنة.

(2)

ضاع عمله وخسر الدنيا والآخرة وعذب.

(3)

اعتقادا موصلا إلى الله جل وعلا ولا قول صدق وعمل صالح للخائن المجرم - قال في غريب القرآن: يراد بالإيمان: إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى:(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) أهـ.

(4)

وضوء وطهارة.

(5)

في غريب القرآن والدين: يقال للطاعة والجزاء واستعير للشريعة، والدين كالملة لكنه يقال اعتبار بالطاعة والانقياد للشريعة قال:(إن الدين عند الله الإسلام. ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) أي طاعة وأخلصوا دينهم لله فالنبى صلى الله عليه وسلم نفى الخضوع لله والانقياد لأوامره عن تارك الصلاة وقد شبهها صلى الله عليه وسلم في الجسم بالرأس. وإذا عدم الرأس فنى الجسم، كذلك تارك الصلاة خربت ذمته، وفسد عمله، وحبط ثوابه، وانتزعت البركة منه، وحاد عن الحق وأغضب الرب وأظلم قلبه، وعميت بصيرته، وغوى ونأى عن الصواب، ومات ذكره في الناس.

(6)

اضمنوا، والكفيل: الضامن، والكافل: الذى يكفل إنسانا يعوله، قال الله تعالى، (وكفلها زكريا)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(انا وكافل اليتيم في الجنة).

(7)

في نسخة: قلت.

ص: 246

يا رسول الله؟ قال: الصلاة، والزكاة، والأمانة (1)، والفرج (2)، والبطن (3)، واللسان (4)، رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لا يُروى النبى ? إلا بهذا الإسناد.

(قال الحافظ): ولا بأس بإسناده.

35 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة. قال: ثم مه (5)؟ قال: ثم الصلاة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الصلاة ثلاث مراتٍ. قال: ثم مه؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فذكر الحديث. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه واللفظ له:

الترغيب في فضائل الأعمال وهى الصلاة الجهاد

36 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولاعلة له سوى وهم أبى بلال، ورواه ابن حبان في صحيحه من غير طريق أبى بلال نحوه، وتقدم وهو وغيره في المحافظة على الوضوء، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث سلمة بن الأكوع، وقال فيه:

واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة.

37 -

وعن حنظلة الكاتب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حافظ على الصلوات الخمس: رُكوعهن وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حقٌّ من عند الله دخل الجنة، أو قال: وجبت له الجنة، أو قال: حَرُمَ (6) على النار. رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة الصحيح.

38 -

وعن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من علم أن الصلاة حق مكتوب (7) واجب دخل الجنة. رواه أبو يعلى، وعبد الله بن الإمام أحمد على المسند، والحاكم، وصححه، وليس عنده ولا عند عبد الله لفظة (مكتوب).

(1) حفظ الوديعة وأداء ما ائتمنت عليه كما يرضى الله ورسوله.

(2)

يحفظه من الزنا.

(3)

لا يأكل حراما، ولا يدخله إلا حلالا.

(4)

يحفظه من الغيبة والنميمة والكذب والسب، والشتم والدس وكل النقائص.

(5)

اسم فعل بمعنى زدنى.

(6)

في نسخة: حرام، بمعنى أن جسمه لا يعذب أبدا.

(7)

فرضه الله جل وعلا وأداها تامة كاملة.

ص: 247