المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

ثلاثةٌ لا تُجاوز صلاتهم آذانهم: العبد (1)

الآبق حتى يرجع، وامرأَةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، وإمام قومٍ وهم له كارهون. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1) المملوك الذى فر من خدمة سيده وهام على وجهه، صلاته مردودة وطاعته لله ناقصة لأن الله تعالى أمر بإخلاص المملوك لسيده وخدمته بأمانة، والصبر على أعماله، والتفويض إليه جل وعلا.

فأنت تجد زهرة الصلاة في إبراز العمل الصالح وشجرتها تذكو إن تحلى صاحبها بالخلال الحميدة، فالإمام المصلى وأهله وجيرانه كارهون: ناقصة صلاته ومردودة عليه، وكذا العاصية زوجها والمتقاطعان، والخادم اللئيم الخداع الخائن، والمملوك الهارب من خدمة سيده.

كنت قاطناً في الحلمية، وسكنت في الناصرية بجوار الجامع الإسماعيلى، فشاهدت إماما أحسن الصلاة، وأدى أمانة الله، واستقام في عمله، وحافظ على أوقاته وراقب ربه في خلواته، ووعظ فآثر قال فأبدع، ودرس فعلم، وأفاد وأجاد، فكانت النتيجة زيادة المصلين وإقبال المسلمين عليه زرافات ووحدانا، وضاق الجامع بالمصلين على اتساعه، فإذا حضرت أي مكتوبة فكأنها جمعة، صفوف منتظمة متراصة وقلوب متآلفة متحابة، ونفوس مشرئبة خاضعة خاشعة وآذان صاغية للنصيحة، وحينئذٍ فهمت سر قوله صلى الله عليه وسلم (رحل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله، وأم به قوما وهم به راضون وثواب ربه له أن يظله تحت ظله ويؤمنه من هول القيامة، فيقف على مسك ويشاهد النعيم، ويبعد عن الجحيم. لماذا؟ لأنه قام بوظيفته كما يحب الله ورسوله، فأحبه الله وأقبل عليه المسلمون ينتفعون به، وأضاء الله بصيرته، ففقه وتفقه، وعلم وتعلم وأثمر. أما الثانى والعياذ بالله، فالمتغطرس المتكبر، والمتفيقه المتجبر، والكسلان في عبادة ربه، والمظلم قلبه يؤدى الوظيفة ليكسب المرتب ويرغد، ويزيد على من تحت يده. وإن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن صلاته مردودة لا يقبلها الله. لماذ؟ لأنه لم يحسن باطنه أمام مولاه عالم السرائر، فأبغضه المسلمون، فأمهم وهم كارهون.

فعليك أخى بالصدق وجنى المكارم والتخلق بالمحامد، واعمل بالكتاب والسنة، واجتهد أن تحسن عملك أمام الله فقط، وشاور أهل الخير والدين رجاء أن تشعر برضاهم عنك. وحذار أن تتقدم إذا كان وراءك من هو أفقه منك إلا إذا امتنع فلك التقدم، واحذر المدافعة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يخشون الإمامة، فيتدافعون خشية السهو، أو شعور من هو افضل، أو خطر ضمان صلاتهم، وتلك منزلة سامية لهم، وفقنا الله للعمل على منهجهم، والسير على ضوئهم، والاقتداء بأفعالهم إنه قدير، إن الأنبياء أئمة، وقد قال الله تعالى فيهم:(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) 91 من سورة الأنبياء أي يبادرون إلى أبواب الخير، راغبين في الثواب للإجابة وفى الطاعة، وخائفين العقاب والمعصية مخبتين دائبين الوجل، والمعنى نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال.

ص: 315

لو يعلمُ الناس منا في النداء (1) والصف الأول (2)، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا (3) عليه لاستهموا. رواه البخاري ومسلم.

وفي روايةٍ لمسلمٍ: لو تعلمون ما في الصف المقدم لكانت قُرعةٌ.

2 -

وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها (4) وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها (5) وشرها أولها. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وروى عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله وغيرهم.

3 -

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر (6) للصف المقدم ثلاثاً، وللثاني مرةً، رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرّجا للعرباض، وابن حبان في صحيحه، ولفظه.

كان يُصلى على الصف المقدم ثلاثاً، وعلى الثاني واحدةً. ولفظ النسائي كابن حبان إلا أنه قال:

كان يُصلى على الصف الأول مرتين.

4 -

وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن

(1) الاذان من الخير والبركة وزيادة رحمة الله.

(2)

الذى يلى الإمام من انصباب فضل الله وخيراته، ثم لم يجدوا سبيلا لتحصيل فضل ذلك.

(3)

يقترعوا، ووضع المضارع موضع الماضى لإفادة استمرار العلم، وفي الحديث: الحث على منصب الأذان والصف الأول، والتهجير للصلاة.

(4)

الصف الأول لما فيه من التبكير إلى الصلاة بشرط عدم تخطى رقاب الناس. يقال: إن رحمة الله تنزل على الصف الأول ثم تعم المصلين.

(5)

الصف الأخير لعدم اختلاط الرجال بالنساء. وفي الجامع الصغير: (خير صفوف الرجال) أي في الصلاة أي أكثرها أجراً (أولها) لاختصاصه بكمال الأوصاف كالضبط عن الإمام والتحفظ من المرور بين يديه، (وشرها) أي أقلها ثوابا (أولها) لما فيه من مقاربة الرجال، وهذا في حق النساء ليس على إطلاقه وإنما هو حيث يكن مع الرجال فإن تميزن عن الرجال فكالرجال ص 249 جـ 2.

(6)

أي يطلب المغفرة والرضوان لمن سارع فأدرك الجلوس في الصف الأول، وحاز الأفضلية، ونال نصب السبق في مضمار الحسنات والرحمات.

ص: 316

الله وملائكته يُصلون (1)

على الصف الأول. قالوا: يا رسول الله وعلى الثانى. قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول. قالوا: يا رسول الله وعلى الثانى؟ قال وعلى الثانى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَوُّوا (2) صفوفكم، وحاذوا (3) بين مناكبكم ولينوا (4) في أيدى إخوانكم، وسُدُّوا الخلل (5) فإن الشيطان يدخل فيما بينكم

(1) الله تعالى وملائكته يدعون بالغفران والرضوان لمن سبق فأدرك أول صف في المسجد، وفي الجامع الصغير: يستغفرون لأهله، فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه، ثم الذى يليه، وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله، وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال، وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال. أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة وليس بينهما حائل فأفضل صفوف النساء آخرها أهـ ص 327 جـ 1.

فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى تلبية المؤمن. وإجابة الداعى فوراً حالا، والسبق ليدرك مكانا في الصف الذى يلى الإمام رجاء كثرة الثواب وإحسان الله. وهل تجد أدق نظام وأجل ترتيب من صفوف الصلاة في الجماعة، ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقد رأى تأخرا:(تقدموا فائتموا بى وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه أبو سعيد الخدرى من رواية مسلم. وقال النووي: معنى وليأتم بكم من بعدكم: أي يقتدوا بى مستدلين على أفعالى بأفعالكم. ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذى لا يراه؛ ولا يسمعه على مبلغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعا للإمام، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يزال قوم يتأخرون) أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم. أهـ ص 159 جـ 4.

قال الله تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) 5 من سورة الصف أي مصطفين صفوفا منتظمة مرتبة ثابتين في تراصهم من غير فرجة -. والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه. وهذا درس للمجاهدين في سبيل نصر دين الله يحاربون أعداء الدين، ومنه أخذ المصلون تسوية لصفوف لأنهم واقفون بين يدي الله يرجون المغفرة ويجاهدون النفس عسى أن تذل لربها، وتضخع لبارئها وتتضرع بإخلاص إلى سيدها.

(2)

اجعلوها معتدلة متساوية كالخط المستقيم المعتدل.

(3)

أي وازوا، من حذوته وحاذيته. يقال رفع يديه حذو أذنيه، وحذاء أذنيه - ومناكب جمع منكب، وهو مجتمع رأس العضد والكتف لأنه يعتمد عليه، والمعنى: قفوا متوازين متراصين حذوك الكتف بالكتف، والنعل بالنعل. كما قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).

(4)

أي اتبعوا إشارة إخوانكم ورأى أصحابكم، ويكون المؤمن هيناً ليناً سهلا متواضعاً قابلا للإرشاد، وتسوية الصف - واللين ضد الخشونة، من لا، الشئ يلين ليناً، وفي حديث ابن عمر:(خياركم ألا ينكم مناكب في الصلاة) قال في النهاية: هى جمع ألين وهو بمعنى السكون والوقار والخشوع. ومنه: (يتلون كتاب الله ليناً) أي سهلا على ألسنتهم.

(5)

املأوا الفرجة، وسدوا الثغرة في صفوفكم. والخلل: الفرجة بين الشيئين، والجمع خلال، أي أقيموا الثلمة المتروكة؛ ومنه: اللهم اسدد خلته، وأصلها من التخلل بين الشيئين. ما شاء الله. قائد ماهر يحسن القيادة ويبدع الرياسة يعلم المسلمين التكاتف على الخير والتعاون على البر واتحاد القلوب قبل الأجسام، وتذليل الأخلاق، ولين الجانب، وبقاء الضمائر من المكاره والمحارم، والالتجاء إلى الرب الرقيب المطلع على السرائر =

ص: 317

بمنزلة الحذف، يعنى أولاد الضأن الصغار، رواه أحمد بإسناد لا بأس به والطبراني وغيره.

(الحذف): بالحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين وبعدهما فاء.

5 -

وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون (1) على الصف الأول أو الصفوف الأول. رواه أحمد بإسناد جيد.

6 -

وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى ناحية الصف، ويُسوى بين صدور القوم ومناكبهم، ويقول: لا تختلفوا فتختلف (2) قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول (3). رواه ابن خزيمة في صحيحه.

7 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: سَوُّوا (4) صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم.

وفي رواية للبخارى: فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة. ورواه أبو داود ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رُصُّوا (5) صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذى نفسى بيده: إنى لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف. رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما نحو رواية أبى داود.

(الخلل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراصّ.

8 -

وروى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

= وإزالة سلطة الشيطان، وطرده من معابدهم حتى قال الله تعالى في البشرى: بفوزهم: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون).

(1)

يستغفرون ويدعون.

(2)

فتتغير، أي لا تعوج صفوفكم، ولا يختل نظامكم خشية ميل قلوبكم: وعدم إخلاصكم، وإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة وتمامها. كما قال صلى الله عليه وسلم.

(3)

على أهل الصف الأول المبكرين المسرعين لإدراكه بلا تخطى رقاب، أو إيذاء أحد بالمرور عليه ومضايقته.

(4)

أي أقيموها وعدلوها وتراصوا فيها.

(5)

ضموها إلى بعضها، وتقاربوا وتحاذوا جنباً لجنب.

ص: 318

عليه وسلم: استووا تَسْتَو قلوبكم، وتماسُّوا تزاحموا. قال شريح: تماسوا، يعنى تزاحموا (1)، أو في الصلاة، وقال غيره: تماسُّوا تواصلوا. رواه الطبراني في الأوسط.

9 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولينوا بأيدى إخوانكم، ولا تذروا (2) فرجات الشيطان، ومن وصل صفا وصله (3) الله، ومن قطع صفا قطعه (4) الله. رواه أحمد وأبو داود، وعند النسائي وابن خزيمة آخره.

(الفرجات): جمع فرجة، وهى المكان الخالى بين الاثنين.

10 -

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تُصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يُتِمُّونَ الصفوف الأول، ويتراصُّون في الصف. رواه أبو مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

11 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم إلينكم مناكب في الصلاة (5).

رواه أبو داود.

12 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا

(1) في نسخة: ازدحموا 159 ع ومعنى استووا: استقيموا وقفوا معتدلين كالخط المستقيم الذى لا يميل بمنة ولا يسرة.

(2)

ولا تتركوا الثغرات والفتحات، وتصدع الصفوف بوجود جزء خال بين اثنين.

(3)

رحمه الله وأنعم عليه بخيراته، ورضى عنه.

(4)

غضب عليه، ولم يضاعف حسناته، وأبعده عن حظيرة قدسه.

(5)

قال المناوى: أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع، ويحتمل أن يكون معناه أي لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف لسد الخلل، ولضيق المكان بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه، أو أنه يطاوع من جره ليصطف معه إذا لم يجد فرجة أهـ جامع صغير ص 242 فتجد الحديث يشمل ثلاثة:

أولا: التؤدة ترك العبث والخشوع لله.

ثانياً: إذا كان هناك فرجة ضيقة لا تسع شخصاً، فجاء شخص ضم نفسه، ولين منكبه حتى وسعه، وهذا معنى جميل يدعو المسلمين إلى اتساع الصدر، والترحيب بالطائع، والمشاركة في الخير والتحمل والصبر. وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.

ثالثاً: إذا جره شخص ليصطف معه لين منكبه وطاوعه. تلك خلال المؤمنين (هينون لينون أيسار ذوو كرم).

ص: 319

رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه (1)، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصُّوا (2)، فإنى أراكم من وراء ظهرى (3). رواه البخاري، ومسلم بنحوه.

وفى رواية للبخارى: فكان أحدنا يلزق (4) منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه.

الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف الخ

13 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أحسنوا إقامة (5) الصفوف في الصلاة. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح.

14 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون (6)

على ميامين الصفوف. رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن.

15 -

وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمنيه يُقبل علنا بوجهه، فسمعته يقول:

(1) ينظم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوفهم. وفيه: السنة أن يراقب الإمام الصفوف قبل الدخول في الصلاة فيصلح معوجهم. ويرشد حائرهم.

(2)

انضموا وقفوا متضامنين متجاورين، وفيه الأمر بالتراض.

(3)

قال النووي: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت له العادة صلى الله عليه وسلم: بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضى: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة أهـ 149 جـ 4.

(4)

يقرب ويضم. من لزق بالشئ، ولزقته فعلته من غير إحكام ولا إتقان فهو ملزق أي غير وثيق.

(5)

وقوف المأمومين بانتظام.

(6)

الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار: أي يستغفرون لمن على يمين الإمام من كل صف. وفي النهاية: يمن الله الإنسان بيمينه يمناً، فهو ميمون والله يامن ويمين كقادر وقديرأهـ: أي جعلك مباركا ويامن فلان وياسر: أخذ ذات اليمين وذات الشمال: وتيامن بهم تياسر.

قال العلقمى: قال الغزالي وغيره: ينبغى لداخل المسجد أن يقصد ميمنة الصف، فإنها يمن وبركة، وإن الله تعالى يصلى على أهلها أهـ. وفي الجامع الصغير قلت: وهذا إذا كان فيها سعة. ولم يؤذ أهلها، ولا تتعطل ميسرة المسجد. فإن قلت ينافيه: أي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر). قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازى ذلك أو يزيد. قد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بحسب نيته وإخلاصه. وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات، فما حث النبى صلى الله عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها، فتعطلت الميسرة، فقال ذلك. أهـ ص 372 جـ 1.

وأنا أقول: يأتى المأموم، فيجلس حيث ينتهى به المكان الخالى، ولا يزاحم: ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يضايق من سبق وأدرك الصف الأول، ويخلص نيته لربه، يتقى الله في سره وجهره ويتطهر، ويعمل صالحاً حتى تنفعه صلاته، وبذا يدرك رحمة ربه، ويحظى بثوابه، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

ص: 320