الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قال الحافظ) رضي الله عنه: وستأتى أحاديث أخر تنتظم في سلك هذا الباب في الزكاة والحج وغيرها إن شاء الله تعالى.
الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع
1 -
عن أبي مالك الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأُ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأُ ما بين السماء والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجة لك، أو عليك. رواه مسلم وغيره، وتقدم.
2 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج في الشتاء، والورق يتهافت (1) فأخذ بغصنٍ من شجرةٍ. قال: فجعل ذلك الورق يتهافت، فقال: يا أبا ذر. قُلتُ: لبيك يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم ليصلى الصلاة يُريدُ بها وجه الله فتهافت (2) عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة. رواه أحمد بإسناد حسن.
3 -
وعن معدان بن أبى طلحة رضي الله عنه قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرنى بعمل أعمله يدخلنى الله به الجنة، أو قال قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك بكثرة السجود (3)، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك بها درجةً، وحط (4) بها عنك خطيئةً. رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
4 -
وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا كتب الله له بها حسنة ومحا (5) عنه بها
(1) يتمايل عنه ويسرة، ويتساقط وفيه يتهافتون في النار: أي يتساقطون من الهفت وهو السقوط قطعة قطعة.
(2)
مضارع حذف منه حرف المضارعة أي فتتهافت، وهذا مثل في توضيح فوائد الصلاة: إزالة الذنوب كما زال الورق الجاف من الشجرة الغضة المخضرة.
(3)
في نسخة زيادة: (الله) أي ألزم.
(4)
محا. وقد أمر سبحانه وتعالى بنى إسرائيل بكلمة: (وقولوا حطة) أي حط عنا أوزارنا - قيل لو قالوها حطت أوزارهم.
(5)
أزال.
سيئةً، ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود (1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
الترغيب في كثرة السجود وكثرة الدعاء فيه
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد: فأكثروا الدعاء. رواه مسلم.
6 -
وعن ربيعة بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كنت أخدمُ النبى صلى الله عليه وسلم نهارى، فإذا كان الليل آويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبِتَّ عنده فلا أزال أسمعه يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان ربى حتى أمل أو تغلبنى عينى فأنام، فقال يوماً يا ربيعة: سلنى فأعطيك؟ فقلت: أنظرنى حتى أنظر، وتذكرتُ أن الدنيا فانية منقطعة، فقلت: يا رسول الله أسئلُكَ أن تدعو الله أن ينجينى من النار، ويُدخلنى الجنة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من أمرك بهذا؟ قلت ما أمرنى به أحد، ولكنى علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذى أنت منه فأحببت أن تدعو الله لى، قال: إنى فاعلٌ فأعنى على نفسك بكثرة السجود (2).
رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن إسحق واللفظ له، ورواه مسلم وأبو داود مختصرا، ولفظ مسلم قال:
(1) الصلاة لله تعالى. ينصح النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين بأداء الفرائض، وزيادة النافلة، وكثرة التضرع إلى الله جل وعلا، ولن تجد أقرب مكان لإجابة الدعاء من السجود والخضوع إليه جل وعلا، وإظهار التذلل، والاحتياج للقادر العظيم.
(2)
المراد - والله أعلم - أن تكثر من الصلاة، وتتذلل إلى المولى، عسى أن يجيب طلبك ويقيك شر النار. (فأعنى على نفسك) هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب رضي الله عنه. تأمل فيه أيها المسلم وافقه معناه، وترو في مغزاه: خادم أحسن إلى سيده في خدمته، والمخدوم مثال الأدب وعنوان الكمال وخير من يكافئ ويجازى، فيقول صلى الله عليه وسلم:(سلنى فأعطيك) فطلب الخادم دعوة صالحة فوزاً بالجنة ونجاة من النار. لماذا؟ لأنه كما قال: (علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذى أنت منه) شهادة طيبة ورجاء مجاب وإخلاص في المحبة، ولكن السيد المجتبى أرشده إلى العناية في إتمام صلاته والزيادة فيها، والتغالى في حسن أدائها لأن فيها سجودا وخشوعا لله، وذلك آداب إجابة الدعاء.
ماذا تنتظر ياتارك الصلاة؟ ألا تستحى أن تطلب من ربك شيئا وأنت مخالف أوامره وكتاب الله يتكرر فيه: (أقيموا الصلاة)؟.انظر إلى نعم الله عليك: صحة، عينان، اذنان، رأس مفكر، عقل حركة، خيرات، وهكذا: فماذا أعددت لشكر الله وحمده، والثناء عليه. قال الشاعر:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه
…
هذا لعمرى في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
…
إن المحب لمن يحب مطيع
كنتُ أبِيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لى: سلنى؟ فقلت أسألك (1) في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، فأعني على نفسك بكثرة السجود.
الترغيب في كثرة السجود وما يترتب عليه
7 -
وعن أبي فاطمة رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله اخبرنى بعملٍ استقيم (2) عليه، وأعمله (3)؟ قال: عليك بالسجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. رواه ابن ماجه بإسناد جيد، ورواه أحمد مختصرا.
ولفظه قال: قال لى نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فاطمة (4): إن أردت أن تلقانى فأكثر السجود.
8 -
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حالةٍ يكون العبد عليها أحب إلى الله من أن يراه ساجداً يعفر (5) وجهه في التراب رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرّد به عثمان.
(قال الحافظ) عثمان هذا هو ابن القاسم ذكره ابن حبان في الثقات.
9 -
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوعٍ، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر. رواه الطبراني في الأوسط.
(1) أطلب مصاحبتك والرفقة: الجماعة ترافقهم في سفرك - وحديث الدعاء: (وألحقنى بالرفيق الأعلى) أي بالله تعالى - الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين - ومنه قوله تعالى: (وحسن أولئك رفيقاً) الرفيق: المرافق في الطريق - والله رفيق بعباده، من الرفق والرأفة.
(2)
أجعله منهجا: أتبعه وأمشى على ضوئه.
(3)
في نسخة: واعمل.
(4)
ينادى ذلك الصحابى الجليل الصالح، ويلزمه بكثرة الصلاة، نصيحة غالية، ليقرب مكانه في الجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة التقرب إلى الله بالصلاة. لماذا؟ لأن النبى صلىلله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة عاملا بقول الله تبارك وتعالى:(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب من الشرك والطعن في القرآن، والاستهزاء به فيرشده الرحيم به إلى الصلاة، عبادة الله حتى الموت فإنه متيقن لحاقه كل مخلوق حى، والمعنى كما قال البيضاوى: فاعبده مادمت حياً، ولا تخل بالعبادة لحظة أهـ.
(5)
يضع الغبار بوضع جبهته على التراب، والعافر الوجه في الصلاة: المترب وكذا المعفور. ومنه حديث أبى جهل: (هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم) يريد به سجوده على التراب أهـ نهاية.
10 -
وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرٍ فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلانٌ، فقال: ركعتان (1) أحبُّ إلى هذا من بقية دنياكم. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
11 -
وعن مُطَرِّفٍ رضي الله عنه قال: قعدت إلى نفرٍ من قريشٍ، فجاء رجلٌ فجعل يُصلى، ويرفع ويسجد، ولا يقعد، فقلت: والله ما أرى هذا يدرى ينصرف على شفعٍ (2)، أو على وترٍ (3)، فقالوا: ألا تقوم إليه فتقول له؟. قال: فقمت فقلت له: يا عبد الله ما أراك تدرى تنصرف على شفعٍ، أو على وترٍ؟ قال: ولكن الله يدرى (4)، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سجد لله سجدةً كتب الله له بها حسنةً، وحط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة، فقلت من أنت؟ فقال: أبو ذرً فرجعت إلى أصحاب، فقلت: جزاكمُ الله من جلساء شراً (5) أمرتمونى أن أُعلم رجُلاً من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: فرأيته يُطيل القيام، ويكثر الركوع والسجود، فذكرت ذلك له فقال: ما آلوت أن أُحسن، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ركع ركعة، أو سجد سجدةً رفع الله له بها درجةً، وحط عنه بها خطيئةً رواه أحمد والبزار بنحوه، وهو بمجموع طُرُقه حسن أوصحيح ما آلوت: أي قصرت.
(1) خير مقصد يجلب الخير كله ثواب صلاة ركعتين يعود عليه بالنعيم في قبره إشارة إلى أن الميت ينتفع بدعاء غيره.
(2)
ثنتين.
(3)
واحدة، والمعنى أنا أبا ذر رضي الله عنه يطيل الركوع والسجود حتى لا يعلموا أيصلى ركعتين أم واحدة؟.
(4)
يصلى لوجه الله وهو يعلم صلاته.
(5)
خشى مطرف شراً من سؤاله؛ وتوجس في نفسه خيفة، فأنت ترى نفراً من قريش يشهد بحسن صلاة أبى ذر، وكثرة ركوعه وسجوده، واطمئنانه؛ وهو الصاحب المقرب، ومع ذلك يصلى ركعات عديدة يحتار في عددها الرائون. الله أكبر: كلما تقرب العبد إلى ربه، سطع نور إيمانه، وزاد يقينه، وكثر خوفه منه جل وعلا واستكثر من الطاعات، واستزاد من الخيرات، وشعر برضوان حبيبه، ولذة طاعته، واستلذ بذكره، ولذا يقول أبو ذر:(في رواية) ماآلوت أن أحسن إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ركع ركعة ..) أي ما أوليت تقصيرا بحسب الطاقة، واجتهدت أن أحسن العمل بقوله صلى الله عليه وسلم. يقال ألوت في الأمر: قصرت فيه هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء، ألوت فلاناً: أي أوليته تقصيراً نحو كسبته: أي أوليته كسباً، وما ألوته جهداً: أي ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فقولك جهداً تمييز، وكذلك ما أولوته نصحاً أهـ غريب ص 20.
الترغيب في إسباغ الوضوء وإفراغ القلب لله في الصلاة
12 -
وعن يوسف بن عبد الله بن سلامٍ قال: أتيتُ أبا الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذى قُبض (1) فيه، فقال يابن أخى: ما علمت (2) إلى هذه البلدة، أو ما جاء بك؟ قال: قلت لا: إلا صلة (3) ما كان بينك وبين والدى: عبد الله بن سلامٍ، فقال: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الضوء، ثم قام فصلى ركعتين، أو أربعاً (يُشكُّ سهلٌ) يُحسن (4) فيهن الركوع والخشوع ثم يستغفر الله غفر له. رواه أحمد بإسناد حسن.
13 -
وعن زيد بن خالدٍ الجُهنىِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن وضوءهُ (5)، ثم صلى ركعتين لا يسهو (6) فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه أبو داود.
وفي رواية عنده: ما من أحدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين يُقبلُ بقلبه (7) وبوجهه (8) عليهما إلا وجبت له الجنة.
14 -
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنهما قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خُدام أنفسنا نتناوب (9) الرعاية رعاية إبلنا، فكانت على رعاية الإبل فرواحتها (10) بالعشى، فإذا رسول الله صلى الله عليه يخطب الناس فسمعته يوماً يقول: ما منكم من أحدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يُقبلُ
(1) مات.
(2)
في نسخة، ما أعمالك 132 ع. أي أي شئ علمته في هذه البلدة أو أي شئ أقدمك وشرفت.
(3)
لا شئ جديد أحضرنى إلا مودة قديمة بينك وبين والدى رحمه الله. هنا درس ألفة ومحبة ووداد سيدنا يوسف يراعى عهد أبيه، وأصحاب أبيه يزورهم ويبرهم ويذكرهم مودة أبيه، وتجد أن أبا الدرداء هش وبش وآنسه ودعا له، وذم الكاذب ومدح الصادق وأرشد إلى وقل خير البرية تذكرة ليوسف عسى أن يعمل، فيلبس عليه ربه ستره ويغدق عليه نعمه ويبوء مغفوراً له.
وللحارث بن عباس السلمى رضي الله عنه:
أكرم خليل أبيك حيث لقيته
…
ولقد عققت أباك إن لم تفعل
(4)
يتمم.
(5)
في نسخة: الوضوء.
(6)
لا يخطئ ولا يوسوس، ولا تحدثه نفسه بمشاغل الدنيا بل يخضع ويفكر فيما يقرأ، ويتذكر جلال الله، وأنه واقف بين يديه (أن تعبد الله كأنك تراه) إحسان.
(7)
يفرغ قلبه لإتمام القراءة، وأدائها على الوجه الأكمل، لا يجد الشيطان عليه سبيلا في وساوسه.
(8)
يتجه للقبلة، ويبعد عن الحركات.
(9)
يوزعون زمن الحفظ والرعاية فيأخذ كل قسطه وزمنه.
(10)
في نسخة: فروحناها، أي أحضرناها إلى منازلنا وقت العشاء.
عليهما بقلبه ووجهه، فقد أوجب، فقلت: بخٍ بخٍ (1) ما أجود هذه!. رواه مسلم وأبو داود واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وهو بعض حديث، ورواه الحاكم إلا أنه قال:
ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ (2) الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلم (3) ما يقول إلا انفتل (4)، وهو كيوم ولدته أُمُهُ. الحديث، وقال صحيح الإسناد.
(أوجب) أي أتى بما يوجب له الجنة.
15 -
وعن عاصم بن سفيان الثقفى رضي الله عنه أنهم غزوا غزوة السلاسل ففاتهم الغزو فربطوا ثُمَّ رجعوا إلى معاوية، وعنده أبو أيُّوب، وعقبة بن عامرٍ، فقال عاصم: يا أبا أيوب، فاتنا الغزو العام، وقد أُخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فقال يابن أخى: ألا أدلك على أيسر من ذلك: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أُمر، وصلى كما أُمر. غفر له ما قدم من عمل كذلك يا عقبة. قال: نعم. رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وتقدم في الوضوء حديث عمرو بن عبسة، وفي آخره:
فإن هو قام فصلى فحمد الله، وأثنى عليه، ومجدهُ بالذى هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه. رواه مسلم، وتقدم في الباب قبله حديث عثمان، وفيه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارةً (5) لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ (6) كبيرةً، وكذلك الدهر (7) كله. رواه مسلم، وتقدم أيضاً حديث عبادة.
(1) كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ، وتكرر للمبالغة، وهى مبنية على السكون كبل، فإن وصلت جررت ونونت. فقلت بخ بخ، وربما شددت، وبخبخت للرجل، إذا قلت له ذلك، ومعناه: تعظيم الأمر وتفخيمه أهـ نهاية.
(2)
يتوضأ وضوءا كاملا تاما.
(3)
يفرغ قلبه وعقله وسمعه وبصره للصلاة، ولا يفكر في شئ غير أداء القراءة كاملة، ويفهم معناها، ويطمئن ويتئد.
(4)
انتهى أمره نقيا، من فتلت الحبل فتلا فانفتل، وهو ما تفلته بين أصابعك من خيط أو وسخ، ويضرب به المثل في الشئ الحقير، وسمى ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته، قال تعالى:(ولا يظلمون فتيلا).
(5)
مزيلات.
(6)
في نسخة: ما لم تؤت، فعل مضارع مبنى للمجهول، وكبيرة نائب فاعل 133 ع.
(7)
بمعنى أنه إذا حافظ على حسن أداء الصلوات في أوقاتها غفر الله له الصغائر مدة عدم غشيان الكبائر وفعل الموبقات.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم رُكوعهن، وسجودهن، وخشوعهن كان له على الله عهد (1)
أن يغفر له، ويأتى في الباب بعده حديث أنس إن شاء الله.
(1) إن الله تعالى تفضل أن يطمئن عبده، ويشرح صدره بضمان غفرانه جل وعلا إذا حافظ على أداء الفرائض. قال تعالى:(ومن أوفى بعهده من الله؟).
الخلاصة: إن الصلاة ركن الدين وعماده المتين، وعنوان الاستقامة، ومثال الكمال، وباب التقوى، ومعين الإخلاص وشمس الهداية، وكواكب السعادة ونور الإيمان ومنبع العرفان ومجلبة الإحسان، ومظهر الإسلام، وهى تنقى صحيفة المسلم من الذنوب كالمستحم في نهر مراراً، وهى تزيل ما اقترفه الإنسان من الخطايا وتغسل أدران المعاصى، وتطفئ نار غضب الرب تبارك وتعالى، ومن حافظ عليها كما أمر الله أوصلته إلى درجة الصديقين، بل سبق نعيمه الشهداء والصالحين، وتتحات خطايا المصلى كما تقع أوراق الشجرة الذابلة البالية المصفرة غير النضرة الخضراء، وقد بشر صلى الله عليه وسلم بالجنة مدة اجتنابه الكبائر، والمحافظة على صلاة الفجر، نضارة، وصحة واستنشاق النسيم العليل، وذلك ما يدعو إلى البهجة، وطول العمر، وزيادة الرزق، والاستظلال برحمة الله ورعايته طول يومه. هذا إلى أن الملائكة تورد أخبار صلاته إلى ربه كاملة تامة، مستوفاة الأجور، والصلاة مطهرة، وداعية إلى النظافة والطيب، وتجميل الهيئة وتكميلها، واتخاذ الزى الحسن، والدثار البديع، والشعار النظيف، ومن صلى جعل له مع الله سهماً ونصيباً في المعاملة مع خالقه وقد أقسم صلى الله عليه وسلم أن الله يجعل له نصيباً من نعيم الآخرة يوم القيامة، على أن الصلاة أول ما يحاسب عليها العباد، وهى عنوان عمله الصالح أو الطالح لأنها أفضل الأعمال عند الله، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان (إذا أردت أن تلقانى فأكثر السجود)، وشاهد مطرف، ونفر من قريش صلاة أبى ذر وإتمام ركوعه وسجوده ابتغاء رفع الدرجات، وكذا نصح أبو الدرداء زائره يوسف رضي الله عنهما بحسن الوضوء والصلاة رجاء مغفرة الله.
ويخطب الناس صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى صلاة ركعتين بوضوء حسن مفرغاً قلبه ووجهه لربه لينال المصلى الجنة، والصلاة كالجهاد في سبيل الله تعالى: اللهم وفقنا وهب لنا السعادة.
أخى: هذا أبو ذر، وأبو الدرداء، وربيعة بن كعب، وأبو فاطمة يكثرون من الصلاة، وهم في الدين الذروة، والقمة في العمل الصالح، وقد نقل لنا رواة الأدب قلا من كثر أعمال أبى فاطمة، وغيضا من فيض خلاله الحميدة وصفاته المجيدة ومع ذلك يقول له السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم:(إن أردت أن تلقانى فأكثر السجود) هؤلاء سحابة فضلاء، والإمام على رضي الله عنه مع جلالة قدره، عظيم عمله يشكو من قلة الزاد ويخاف الله.
أريد أن أنقل لك بهذه المناسبة وصف الإمام على كرم الله وجهه الذى أجاد ضرار وصفه.
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنى العكلى عن الحرزى عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائى: يا ضرار، صف لي علياً رضي الله عنه؟ قال: اعفنى يا أمير المؤمنين. قال لتصفنه، قال: أما إذا لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته =