المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل، وتثبت ملائكة الهار، ويجتمعون في صلاة العصر، فتصعد ملائكة النهار، وتبينت ملائكة الليل فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهو يصلون، وتركناهم وهم يصلون فاغفر لهم يوم الدين.

‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

1 -

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح (1) في جماعةٍ، ثم قعد (2) يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى

= صلاة العصر ملأ الله بيوتهم ناراً) وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها، واجتماع الملائكة - ومعنى قانتين ذاكرين له في القيام. والقنوت: الذكر فيه، وقيل: خاشعين، وقال ابن المسيب: المراد القنوت في الصبح ولذا قيل: الوسطى الفجر لأنها بين صلاة الليل والنهار. أسأل الله جل جلاله أن يعيننا على أداء الصلاة، ويرزقنا القبول والإقبال. وبهذه المناسبة أذكر طرفة من تفنن رجال الأدب في اليقظة صباحا، والميل إلى التبكير. قال الشاعر:

غرد الطير فنبه من نعس

وادكر كأسك فالعيش خلس

سل سيف الفجر من غمد الدجى

وتعرى الصبح من ثوب الغلس

وأنجلى في حلة فضية

ما بها من ظلمة الليل دنس

وقال أبو فراس:

مددنا علينا الليل والليل راضع

إلى أن تردى رأسه بمشيب

بحال ترد الحاسدين بغظيهم

وتطرف عنا عين كل رقيب

إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه

مبادى نصول في عذار خضيب

ومن رسالة للقاضى الفاضل

فلما قضى الليل نحبه، وأرسل الصباح على دهمه شبهه شمل الليل إزاره، ووضع النجم أوزاره، ونزح بالطيف طاردا، وظل وراء الصبح ناشدا، وفجر الفجر، نهر النهار، واسترد البنفسج، وأهدى البهار، فمواكب الكواكب منهزمة وغرة الفجر مبتسمة.

وتزوج بعض الأعراض بأربع نسوة، فأراد أن يختبر عقولهن، فقال لإحداهن: إذا دنا الصبح فأيقظنى فلما دنا الصبح قالت له: قم غارت صغار النجوم، وبقى أحسنها وأضوؤها وأكبرها، وبرد الحلى على جسدى واستلذذ باستنشاق النسيم. وقالت الثانية في ليلتها: قم ضحكت السماء من جوانبها، ولم تبق نابتة إلا فاحت روائحها، وعينى تطالبنى بإغفاءة الصباح، وقالت الثالثة، في ليلتها: قم لم يبق طائر إلا غرد، ولا ملبوس إلا برد، وقد صار للطرف في الليل مجال، وليس ذلك إلا من دنو الصباح.

(1)

في نسخة: الفجر 151 ع.

(2)

جلس في مصلاه وهو متوضئ نال ثواب حجة وعمرة - حجة تؤدى أركان الحج في وقت عرفة - ويوم عرفة، والوقوف به ركن من أركان الحج - والعمرة كذلك أركان الحج - =

ص: 294

ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامةٍ تامةٍ تامةٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

2 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقعد أُصلى مع قومٍ يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة (1) حتى تطلع الشمس أحبُّ إلى من أن أعتق أربعة (2) من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعةً. رواه أبو داود وأبو يعلى. قال في الموضعين: أحبُّ إلى من أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، دية كل واحدةٍ (3) منهم اثنا عشر ألفاً. رواه ابن أبى الدنيا بالشطر الأول إلا أنه قال: أحب إلى مما طلعت عليه الشمس.

3 -

وعن سهل بن معاذٍ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يُسبح (4) ركعتى الضحى لا يقول إلا خيراً غفر له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر. رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى، وأظنه قال:

= وليس فيها الوقوف بعرفة، وليس هذا يسقط فرض الحج على المسلم القادر المستطيع بل له ثوابه، وإن استطاع الحج ولم يحج نقص ركناً من إسلامه.

(1)

الزمن من الفجر كما فسروا الغدوة ما بين الغداة إلى طلوع الشمس.

(2)

في نسخة: رقبة أي ينال ثواباً جزيلا من الله جل وعلا مثل من أعتق أربعة من بنى آدم وأزال عنهم الرق، وفك العبودية، وتركهم أحرارا.

(3)

في نسخة: رجل: أي الثواب الذى يناله المصلى المنتظر من العصر إلى المغرب جزيل جداً كأنه أنفق في سبيل الله عشرة ألفا من الدراهم أو الجنيهات، وهذا ترغيب في جلوس المرء في مصلاة يكثر من ذكر الله وتسبيحه، والاستغفار، والصلاة على المختار صلى الله عليه وسلم، فالدنيا فانية، وهذا سبيل إرضاء المولى جل وعلا.

(4)

في نسخة: يصلى: أي الذى صلى الصبح، وجلس على مكان طاهر يعبد الله حتى ارتفعت الشمس قدر رمح وصلى ركعتى الضحى غفر الله ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر أي رغواته وفقاقيعه وذراته الدقيقة. فأقبل رعاك الله على العمل بهذا الحديث الصحيح، وصل الصبح في وقته، واعبد ربك في هذا الوقت البديع رجاء أن تمحى سيئاتك، فتستقبل أعمال نهارك بصدر منشرح، وتغر باسم والله عنك راض، ولست من الذين يعنيهم النبى صلى الله عليه وسلم: في قوله (من أصبح والدنيا أكبر همه، فليس من الله فى شئ، وألزم الله قلبه أربع خصال: هما لا ينقطع عنه أبداً، وشغلا لا يتفرغ منه أبداً، وفقراً لا يبلغ عناء ابداً، وأملا لا يبلغ منتها أبدا) ماذ تنتظر أيها الغافل تارك صلاة الصبح؛ قد خيم عليك الكسل ونسج عليك العنكبوت، واستحوذك عليك الشيطان حتى أنساك اليقظة والقيام مبكراً، فأصبحت كما قال صلى الله عليه وسلم:(خبيث النفس كسلان) هل لك أن تجاهد نفسك وتستيقظ لصلاة الصبح في وقته لتستنشق نسيم الحياة، وتؤدى حق الله، وتشترى الجنة بانتظارك مدة على مصلاك تذكر الله سبحانه وتعالى.

ص: 295

من صلى صلاة الفجر ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة.

(قال الحافظ) رواه الثلاثة من طريق زبان بن فائد عن سهل، وقد حسنت، وصححها بعضهم.

4 -

وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه يرفعه قال: من صلى الفجر ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين أو أربع ركعاتٍ لم تمس جلده النار (1) وأخذ الحسن بجلده فمدّهُ. رواه البيهقى.

5 -

وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أقعد أذكر الله، وأُكبرهُ، وأحمدهُ، وأُسبِّحُهُ وأُهَلِّلُهُ حتى تطلع الشمس أحبُّ إلى من أن أعتق رقبتين من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع رقبات من ولد إسماعيل (2) رواه أحمد بإسناد حسن.

6 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة في جماعةٍ، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجرِ حجةٍ وعمرةٍ. رواه الطبراني وإسناده جيد.

7 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة، وقال: من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة بمنزلة عمرةٍ، وحجةٍ متقبلتين. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق ففيه كلام.

(1) لم يحرق، أي فعلك هذا يبعد جسمك عن النار. يا عجباً لابن آدم وغفلته عن ثواب الآخرة! يتعب في الدنيا ويشقى، وهذا وعد الله ورسوله لمن ذكر الله غدوة، وأخلص لله في طاعته، وحافظ على صلاة الصبح ثم صلى ركعتى الضحى.

(2)

معناه المحافظة على ذكر الله، وتمجيده في هذا الوقت أكثر في الثواب وأحب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من فك رقبة أربعة من بنى آدم، وإن إعتاق النفس من ربقة الذل تنجى الإنسان من شدائد الدنيا والآخرة، وتجعله يعبر عقبة يوم القيامة ظافراً منصوراً. قال الله تعالى (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذى مسبغة يتيما ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) 18 من سورة البلد. انتظارك بعد صلاة الصبح تذكر الله كأنك فككت أربع رقاب في سبيل الله، ونالوا الحرية، وإحياء النفوس متطلعة إلى الحياة السعيدة، إذ المعنى كما قال البيضاوى فلا فك رقبة، ولا أطعم يتيما، أو مسكيناً، والمسغبة، والمقربة، والمتربة: مفعلات من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب إذا افتقر، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمة الله تعالى. أهـ.

ص: 296

8 -

وعن عبد الله بن غابرٍ أن أُمامه وعُتبة بن عبد رضي الله عنهما حدثاهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة الصبح في جماعةٍ ثم ثبت (1) حتى يُسبح لله سُبْحَهَ الضُّحى كان له كأجر حاجٍّ ومعتمرٍ تاما له حجه وعمرته. رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة.

9 -

وروى عن عمرةَ رضي الله عنها قالت: سمعت أُم المؤمنين، تعنى عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الفجر (2) أو قال الغداة فقعد في مقعده فلم يلغ (3) بشئٍ من أمر الدنيا، ويذكر الله حتى يُصلى الضحى أربع ركعاتٍ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له (4) رواه أبو يعلى واللفظ له والطبراني.

10 -

وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً قبل نجدٍ فغنموا غنائم كثيرةً وأسرعوا الرجعة، فقال رجلٌ منا لم يخرج: ما رأينا بعثاً أسرع رجعةً ولا أفضل غنيمةً من هذا البعث، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على قومٍ أفضل غنيمة وأسرع رجعةً: قومٌ شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس، أُولئك أسرع رجعةً وأفضل غنيمةً (5). رواه الترمذي

(1) جلس على مصلاه يذكر الله حتى جاء وقت الضحى، فصلى لله تعالى ركعات الضحى من اثنتين إلى ثمانية أعطاه الله ثواب حاج ومعتمر.

(2)

أول الوقت يسمى فجراً لأنه شق الليل شقاً واسعاً، ومنه قوله تعالى:(والفجر وليال عشر)(إن قرآن الفجر كان مشهودا) أي تشهده ملائكة الرحمة، وكلمة الغداة تستمر إلى طلوع الشمس.

(3)

يهذ ويتحدث كلاما لا فائدة فيه.

(4)

يقوم من مصلاه وصحائفه نقية قد غفر الله له.

(5)

يحاربون الأعداء، ففازوا بالظفر وانتصروا، وكسبوا مغانم وذخائر وعددا حربية وأموالا جمة، فرجعوا بسرعة فرحين مسرورين بما اكتسبوا، وقد ضرب لهم صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى يشبه هذا الفوز والنصر والكسب بقوم صلوا صلاة الصبح جماعة في وقته، ثم انتظروا يذكرون الله جل وعلا، ويسبحونه حتى مطلع الشمس، ثم قاموا إلى بيوتهم، والبشر يعلوا وجههم والنور يسطع في جباههم، والفوز حليفهم. لماذا؟ لأنهم أرضوا ربهم وعبدوه وسألوه واستغفره، فهذا تشبيه بديع، كما رجع المحاربون بالخيرات، آب المصلون بالحسنات والبركات، وكما جاهد الأولون في حرب الأعداء كذلك المصلون جاهدوا النفس في عبادة الله وطاعته، وهذا عمل صالح سهل إدراكه أيها المسلمون أود أن تصلوا الصبح في المسجد جماعة، ثم تنتظرون تكثرون: من تحميد الله وتمجيده، ثم تذهبون إلى إدارة أعمالكم، ومحال تجارتكم، أو صناعتكم.

ص: 297

في الدعوات من جامعه، ورواه البزار وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة بنحوه، وذكر البزار فيه أن القائل ما رأينا هو أبو بكر رضي الله عنه، وقال في آخره: فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ألا أدُلكَ على ماهو أسرعُ إياباً (1) وأفضل مغنماً (2): من صلى الغداة في جماعة، ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس.

11 -

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع (3) في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً (4).

رواه مسلم وأبو داود.

(1) عودة.

(2)

شيئاً نالوه من المال، والذخائر، والثواب.

(3)

التربيع: جعل الشئ مربعا ومنه تربع أي جلس متربعاً.

(4)

طلوعاً حسناً، بمعنى يعم ضوؤها المعمورة.

فقه الباب

أ - السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم يدلك على تجارة رابحة وخطة ناجحة، أن تستيقظ مبكراً ثم تصلى الصبح وتستمر على مصلاك حتى مطلع الشمس، وتتنفل بركعتين ليكتب لك ثواب أجر حجة تامة، وثواب من أحسن إلى المسلمين بالحرية المطلقة، وفك أسر المأسورين، وأزال كرب المكروبين.

ب - ثم إذا انتظرت نحو نصف ساعة من طلوع الشمس، وصليت ركعتى الضحى طهرت، من الدنس ونقيت صحيفتك من الخطايا وإن كانت مثل رغوات البحر وزبده، وأوجب الله لك الجنة عدلا ورأفة وأخذت لنفسك جائزة البراءة من النار، والنجاة من الأشرار، وحسبانك مع الأبرار الأطهار، وبسط الله لك في رزقك وشعرت بالفرح وذهبت إلى عملك قرير العين مثلوج الفؤاد. باسم الثغر. ممتلئاً قوة ونشاطا وثقة بالله، واعتمادا عليه لأنك تحس برضا مولاك، وإحاطة رحمته بك كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث (أولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة) لعمرى. شعور الإنسان بأداء واجب ربه محور السعادة ومجلس السيادة والسرور، ومدعاة لرضا المخلوق، وهذا معنى الحديث. وقد قال الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تليهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، لجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضه؛ والله يرزق من يشاء بغير حساب) 39 من سورة النور.

أي كمشكاة في بض بيوت، والمراد بها المساجد. إن هذا تمثيل لصلاة المؤمنين الذين ينزهونه ويصلون له في المساجد بالغدوات والعشيات. لا تشغلهم معاملة رابحة عن الله، ويحافظون على الصلوات، وإخراج المال للمستحقين خشية هول يوم تضطرب فيه القلوب. فلا تفقه، وتتغير الأبصار، فلا تبصر، فتنقلب من توقع النجاة، وخوف الهلاك، والأبصار تطيش من أي ناحية يؤخذ بهم، ويؤتى كتابهم. رحماك اللهم رحماك الآن تجنى ثمرة الأعمال في النيا. فيتجلى الله على المسبحين الخائفين منه جل وعلا، ويجزيهم أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنة (ويزيدهم من فضله) أي يعطيهم أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم، ولم تخطر ببالهم (والله يرزق) تقريراً لزيادة، وتنبيها على كمال القدرة، ونفاذ المشيئة، وسعة الإحسان.

إن شاهدى في الآية (يسبح له فيها بالغدو والآصال) والغدو: وقت الصبح، والآصال: جمع أصيل بعد العصر، ويسمى العشايا، وكان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يصلون الفجر، وينتظرون على =

ص: 298

والترمذي والنسائي والطبراني، ولفظه: كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع

= مصلاهم يسبحون الله حتى مطلع الشمس حتى اندهش أحدهم حينما ظن أنه ليس على مصلاه (أظننتم أن بآل عبدة غفلة) ونحن في هذا الزمن زاد السهر والسمر ويتأخر الغافل في النوم حتى تطلع الشمس وأرى أن الله تعلى يعنيه بقوله: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال البيضاوى: أي غافلون غير مبالين بها أهـ. من سورة الماعون، فحذار أيها المسلم من رقدة الصبح وتكاسل الشيطان في وسوسة لذة نومه، واتق الله واستيقظ عسى أن يزول عنك النفاق ولا تكون من الذين قال الله فيهم:(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا)144. من سورة النساء.

قد يبعد عنك النفاق (والحمد لله) المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر جماعة ومصداق ذلك قوله تعلى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة) فإقامة الصلاة نور الإيمان يزداد في قلوب الصالحين، وهو خصلة من خصال المؤمنين، وفعلة لازمة لهم، ومطمح آمالهم، ومنتهى رجائهم، ووصلة بينهم لربهم، وكثيراً ما ذكر الله المؤمنين في كتابه، وعد من أعمالهم المحافظة على الصلاة. قال تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) - وقال تعالى:(والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وقال تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) 3 من سورة البقرة. وقال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) 28 من سورة الرعد. والصلاة ذكر قال تعالى: (وأقم الصلاة لذكرى) وفسر العلماء (ساهون) يؤخرون الصلاة عن وقتها؛ وأوعدهم الله بعذاب جهنم عن هذه الغفلة، فما بالك بالتارك لها بتاتاً. إن عذابه شديد وعقابه أليم، ويا ويله من ربه الذى أغدق عليه نعمه في حياته فإنها ألهته عن مولاه وقد قال تعالى ينادى المؤمنين العاملين:(يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم وأموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) 9 من سورة المنافقون. هل تعاهدنى أخى على الصلاة في أوقاتها حتى لا تغفل عن الله، وتجيب داعى هذه الآية. اللهم وفقنا واقبلنا وساعدنا واشفنا إنك قدير ولى جدير بالإجابة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ولعلك عرفت يا أخى أفعال الموفقين في الحياة الذين جمعوا بين العمل لطلب الرزق وطاعة الله بأداء الحقوق وتسبيح الله صباحاً ومساء. وهنا أزيد دليلا آخر. قال الله تعالى لحبيبه سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) 29 من سورة الكهف.

ياعزيزى: احبس نفسك مع المطيعين المسبحين الذاكرين، وثبتها على العمل الصالح، وملازمة طاعتى، وكن قائداً لهؤلاء، وسباقا للمكرمات معهم في مجامع أوقاتهم (بالغداة والعشى) أو في طرفي النهار ويوافق نص الكتاب السنة في أن المطلوب ذكر الله في أول بدء العمل وآخره ابتغاء رضا الله وطاعته.

وما الحياة بأنفاس نرددها

إن الحياة حياة العلم والعمل

وانظر إلى هذا النهى البديع، يريد الله جل وعلا أن ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعظ المسلمون خشية أن يزدروا بفقراء المؤمنين، ويحتقروا رثاثة ثيابهم طموحا إلى طرواة زى الأغنياء، فلا ينظرون إلى نعم الأغنياء بل ينظرون إلى الأعمال الصالحة فيحصلونها. هذا إلى نبذ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش، وفي تنبيه على أن الداعى له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفى عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان =

ص: 299

الشمس، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: عن سماكٍ أنه سأل جابر بن سمرة كيف كان

= مثله في الغباوة (وكان أمره فرطا) أي تقدما على الحق ونبذاً له وراء ظهره. يقال: فرس فرط، أي متقدم للخيل، ومنه الفرط. أهـ بيضاوي.

وهل تجد أحسن عمل من عطف الله على عبده الذى يعبده صباح مساء، ويصلى عليه: أي يرحمه، وملائكته تدعو له بالتوفيق والغفران، وسعة الرزق ومصداق قوله تعلى في الترغيب الثالث:(ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما) 45 من سورة الأحزاب. إن شاهدنا بكرة وأصيلا أي أول النهار وآخره وأمر تعالى بذكره يغلب الأوقات، ويعم الأنواع بما هو أهل له من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد، ورتب على ذلك صلاة الله: عطفه وإحسانه، وصلاة ملائكته اهتمام بمصالح العباد. قال البيضاوى: المراد بالصلاة المشترك، وهو العناية بصلاح أمركم، وظهور شرفكم مستعار من الصلو، وقيل: التراحم والانعطاف المعنوى. مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصورى الذى هو الركوع والسجود، واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم سيما وهو السبب الرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة أهـ 588. هذا إلى مدد الله وإخراج العابد المسبح من ظلمات الكفر والفسوق، والغفلة والمعصية إلى نور الإيمان وطاعة الله، والثقة به الاعتماد عليه، والجمع بين عبادته، والعمل للدنيا، وأعظم فائدة يجنيها المسبح إكرام الله عند الموت وتحيته وبشراه بالنعيم المقيم في الجنة وإخباره بالسلامة من كل مكروه وآفة، والترغيب الرابع قوله تعالى: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً، واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا، ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) 27 من سورة الدهر. داوم على ذكره صباحاً وظهراً وعصراً (ومن الليل فاسجد له) لعل المراد به المغرب والعشاء (وسبحه ليلا) أي تهجد له طائفة طويلة من الليل، ولا تطع الكفرة والفسقة واصبر وانتظر فرج الله ونصره وسعة رزقه، وهذا تعليم لأمته كى تتأسى به صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة عماد الدين وعصام اليقين، ورأس القربات، وغرة الطاعات، ثم تذكر الله بعد أدائها.

المعانى الباطنة التى تتم بها حياة الصلاة كما في إحياء علوم الدين

قال الإمام الغزالي:

أولا: حضور القلب، ونعنى به أن تفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقروناً بهما، ولا يكون الفكر جائلا في غيرهما: ثانياً: التفهم لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب فربما حاضراً مع اللفظ، ولا يكون حاضراً مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذى أردناه بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعانى للقرآن والتسبيحات، وكم من عانى لطيفة يفهمها المصلى في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أموراً تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة. ثالثاً: التعظيم أمروراء حضور القلب والفهم زائد عليهما. رابعاً: الهيبة عبارة عن خوف منشؤه التعظيم، والهيبة خوف مصدرها الإجلال. خامساً: الرجاء يرجو مثوبة، والعبد ينبغى أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله عز وجل كأنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل.

سادساً: الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده تقصير، وتوهم ذنب. وحضور القلب سببه الهمة، ولا يحضر إلا فيما يهمك، فلتهمك الصلاة لأنها وسيلة إلى الآخرة مع العلم بحقارة الدنيا. والتفهم سببه إدمان الفكر، وصرف الذهن إلى إدراك المعنى مع التشمر لدفع الخواطر، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره =

ص: 300

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاهُ إذا صلى

= والتعظيم سببه معرفة جلال الله عز وجل وعظمته، وهو من أصول الإيمان، ثم معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبداً مسخراً مربوبا حتى تتولد والانكسار، والخشوع لله سبحانه وتعالى والهيبة والخوف فحالة النفس تتولد من المعرفة بقدرة الله تعالى وسطوته، ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة. هذا مع مطالعة ما يجرى على الأنبياء والأولياء من المصائب، وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض؛ وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.

والرجاء سببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه، وعميم إنعامه، ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل اليقين بوعده، والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة.

والحياء، فباستشعاره التقصير في العبادة، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها، وقلة إخلاصها، وخبث دخلتها، وميلها إلى الخط العاجل في جميع أفعالها مع العلم بتعظيم مايقتضيه جلال الله عز وجل، والعلم بأنه مطلع على السر، وخطرات القلب، وإن دقت وخفيت وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً انبعث منها الحياء، ومعنى اليقين هنا انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب ولذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه أهـ ص 168 جـ 1.

البلسم الشافى والدواء الكافى في الصلاة

إن الله تعالى جعل الصلاة مفرجة للكروب مزيلة للهموم ميسرة للرزق مجلبة للخير، ومعين البر، وسبب الرحمة والقناعة، ومفتاح الصحة والسلامة، ومزيلة للهلع الناجم عن الركون لزخارف الدنيا وحظوظها، والتطلع إلى ما في أيدى الناس، وإيثار العاجل على الآجل، وهى سبب توطين النفس على الثبات، وقوة الجأش لعلم المصلى أن كل شئ من الله جل أو دق وهى وسيلة إلى الركون إلى الله وتغيير قبيح الأخلاق من التباغض والتحاسد والتنابذ والتراشق، وضعف العزيمة، والخور في الإرادة، والتردد والخمول والضعف وكونه ألعوبة مشاغل الدنيا، وتبع شهواته. على أنها مجمع الغنى والفقير والجليل والحقير، فيجتمعون في الصلاة لتتحد كلمتهم، وتتوثق عرا الصداقة والمودة والمحبة، فيتعاونوا على ما يجلب لهم الخير، ويدفع عنهم الضير، وبذا تتأصل الرحمة والشفقة فيتزاورون ويتشاورون، ويعودون المرضى، ويمدون المحتاج، ويغيثون الملهوف. فقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تفقدوا إخوانكم في الصلاة، فإن فقدتموهم، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا أصحاء فعاتبوهم. هذا إلى تعويد المؤمنين الحرية، وإشراب قلوبهم المساواة والإخاء فترى وقوف السيد بجانب المسود والمخدوم قريباً من الخادم، وتغرس في نفوس المسلمين حب الطاعة، والانقياد إلى الرؤساء، وفى المثل الكامل لجاد المولى بك: قد فطن لهذا السر (رستم) قائد جيش الفرس حين رأى الصحابة يصلون خلف إمامهم ويتحركون لحركته، ويسكنون لسكونه. أهـ ص 157:

فأنت ترى وصلة الإنسان إلى ربه الصلاة كما قال لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) أي أنت تتألم يا محمد من أقوال الكافرين، وطعن الفاسقين، وشرك الجاحدين واستهزاء المجرمين فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بالتسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك، أو فنزهه عما يقولون حامداً له على أن هداك للحق؛ وكن من الساجدين أي من المصلين، وعنه =

ص: 301

الصبح حتى تطلع الشمس.

= عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فاعبده مادمت حياً؛ ولا تخل بالعبادة لحظة حتى يأتيك الموت، فإنه متيقين لحاقه كل حى مخلوق. أهـ بيضاوى.

عليك أخى بالصلاة إذا أصابك مكروه: فالجأ إلى مولاك، وقف بخشوع وخضوع أمام عظمته واسأله يجب طلب، وتضرع إليه يزل غمك، واقصده بغثك، وادعه يجبك، واشك إليه يرحمك، وتوكل عليه يقودك، واعتمد عله يعنك وسبحه يرحمك، واستعن به يمدك بروحه، واقتد بالأنبياء ينفحك الله بنفحاته، وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك عسى أن تكون أسوة حسنة، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً للحق وطاعة الله وافقه قوله تعالى (فمن يعمل من الصلحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) 59 من سورة الأنبياء. شرطان لعدم تضييع ثواب الله.

أولا: عمل صالح. ثانياً وإيمان بالله ورسله. وتجد الله العظيم يؤكد بجلاله، وإنا لسعيه مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما. اللهم وفقنا وأعنا.

الدواء النافع في حضور القلب كما في إحياء علوم الدين

قال الإمام الغزالي: اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظماً لله عز وجل وخائفا منه وراجياً له ومستحيياً من تقصيره، فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه، وإن كانت قوتها بقدرة قوة يقينه، فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر: وغيبة القلب عن المناجاة، والغفلة عن الصلاة ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة؟ فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر، ولا يدفع الشئ إلا بدفع سببه، فلتعلم سببه وسبب موارد الخواطر. إما أن يكون أمراً خارجاً أو امرا في ذاته باطناً. أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر البصر، فان ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سبباً للافتكار: ثم تصير بعض تلك الأفكار سبباً للبعض، ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه، ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم، أو لايترك بين يديه ما يشغل حسه، ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويحترز من الصلاة على الشوارع، وفي المواضع المنقوشة المصنوعة، وعلى الفرش (المبسوطة) المصبوغة ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهم، والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد، ويغضون البصر، ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفاً ولا سيفاً إلا نزعه، ولا كتابا إلا محاه. وأما الأسباب الباطنة فهى أشد، فإن من تشبعت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه، فان ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل، فهذا طريقه أن يرد قهراً إلى فهم مايقرؤه في الصلاة ويشغلها بها عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وتعالى، وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان ابن أبى شيبة (إنى نسيت أن أوقل لك أن تخمر القدر الذى في البيت فإنه لا ينبغى في البيت شئ يشغل الناس عن صلاتهم) فهذا طريق تسكين الأفكار فان كان لا يسكن هائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذى يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في الأمور =

ص: 302