الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس كلبٍ (1).
(قال الخطابي): اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فروى عن ابن عمر أنه قال: لا صلاة لمن فعل ذلك، وأما عامةُ أهل العلم فإنهم قالوا: قد أساء وصلاته تُجزئه غير أن أكثرهم يأمرون بأن يعود إلى السجود، ويمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك انتهى.
2 -
وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الذى يخفض (2) ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطانٍ. رواه البزار والطبراني بإسناد حسن، ورواه مالك في الموطأ فوقفه عليه ولم يرفعه.
الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود
وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع
1 -
عن أبي مسعود البدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُجزئُ (3) صلاة الرجل حتى يُقِيمَ ظهره في الرُكوع والسجود. رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له، والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ورواه الطبراني والبيهقي، وقالا: إسناده صحيح ثابت، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2 -
وعن عبد الرحمن بن شبلٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله
(1) سبحانه، يغضب على ما سبق الإمام فيجعله على صرة كلب انتقاما منه، وتأديبا لغيره، ولكنه حلم وصبور وغفور وعفو.
(2)
أي الإمام يعتدل من الركوع فيخالف المأموم ويسجد، أو الإمام يسجد فيقف المأموم. والمعنى من خالف حركات إمامه وسبقه، فإن الشيطان قائده إلى بطلان الصلاة، ويحرمه من ثواب الله، ويضيع عليه ثواب الجماعة، ويلعب به، ويدخل على قلبه الوسواس والفكر، وهموم الدنيا حتى لايعقل شيئاً من صلاته نسأل الله السلامة.
فاتق الله أيها المصلى واستحى أن تناجى مولاك بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس الشيطان وخبائث الشهوات وإن الله تعالى مطلع على سريرتك وناظر إلى قلبك، وقد انعقد اجماع العلماء على أنه لا يكتب لك من صلاتك إلا ما عقلت منها، رأى رسول الله صل الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال:(لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) وقال النووي: من لم يخشع فسدت صلاته.
(3)
لا تؤدى ولا تصح حتى يعتدل ويطمئن، ويستوى ظهره.
عليه وسلم عن نقرة الغراب (1)، وافتراش (2) السَّبُعِ وأن يوطن (3) الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
3 -
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسوأُ (4) الناس سرقةً، الذى يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله كيف يسرق من الصلاة؟ قال: لا يُتمُّ ركوعها، ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
4 -
وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرق الناس (5) الذى يسرق صلاته. قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل (6) من بخل بالسلام رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة بإسناد جيد.
(1) التقاط، يريد صلى الله عليه وسلم تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. أهـ نهاية.
(2)
هو أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه والافتراش افتعال، من الفرش والفراس. أهـ نهاية.
(3)
في نسخة: وأن يوطئ، والوطء: الإثبات والغمز في الأرض. قال في النهاية: وأن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير، قيل معناه: أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصاً به يصلى فيه كالبعير لا يأوى من عطن إلا مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا، وقيل: معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير. يقال: أوطنت الأرض ووطنتها واستطونتها: أي اتخذتها وطناً ومحلا، ومنه الحديث (أنه نهى عن إيطان المساجد) أي اتخاذها وطنا، وفي صفته صلى الله عليه وسلم كان لا يوطن الأماكن: أي لا يتخذ لنفسه مجلساً يعرف به أهـ.
(4)
أكثر شرا وأجلب أذى وضررا، وبينها صلى الله عليه وسلم في نقص الركوع أو السجود أو نقص الاعتدال فيهما، وعدم الطمأنينة لهدم ركنى الصلاة وإبطالها وعدم الإحسان فيها، ووقوفه أمام ربه خائباً خاسراً غير مؤدب، وغير مهذب.
(5)
أشد الناس سرقة وأكثر الناس نصباً وخداعا ولؤما ومكراً واحتيالا. المسرع في صلاته المختلس في ركوعه أو سجوده غير المطمئن في صلاته. لماذ؟ لأنه يتجارأ على ربه، وفقد الخشية منه، وبعد عن التأنى ومال إلى الإجحاف والإسراع، فباء بالخسران، والعياذ بالله.
(6)
أكثر الناس شحاً ومنعاً للخير: من بخل بالسلام على المسلمين يمر عليهم، ولا يقول لهم: السلام عليكم ورحمة الله. لماذا؟ لأنه يتكبر على الناس ويتجبر، ويظهر الغطرسة والجفاء، ويتباعد عن الألفة والمودة، ولا يتقرب لهم بتحية المسلمين. والسلام من الله: النجاة والأمن والاطمئنان، والسلامة من كل مكروه، والسلام: المؤمن المهيمن. قال تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) أي السلامة، وقال تعالى: =
5 -
وعن على بن شيبان رضي الله عنه قال: خرجنا حتى قدمنا (1) على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبايعناه (2) وصلينا خلفه (3) فلمح (4) بِمُؤَخَّرِ عينه رجلاً لا يقيم صلاته، يعنى صُلبه في الركوع، فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم صلاته قال: يا معشر المسلمين: لا صلاة لمن لا يُقيم صلبه في (5) الركوع والسجود. رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما.
6 -
وعن طلق بن على الحنفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر (6) الله إلى صلاة عبدٍ لا يُقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات.
7 -
وعن أبي عبد الله الأشعرى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يُتم ركوعه، وينقرُ (7) في سجوده وهو يصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمدٍ (8) صلى الله عليه وسلم ثم قال صلى الله عليه وسلم: مثل الذى لا يُتم ركوعه، وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئاً. قال أبو صالح: قلت لأبى عبد الله: من حدَّثَ بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُمراءُ الأجنادِ عمرو بن العاصى وخالد بن الوليد، وشُرحبيلُ بن حسنة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الكبير، وأبى يعلى بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه.
= (والله يدعو إلى دار السلام - يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) وفيه أن المؤمن الكريم من بذل السلام وحافظ على أداء تحية المسلمين.
(1)
أتينا إليه صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخذنا عليه العهد والمواثيق أن نطيع الله ونعمل بكتابه ونهتدى بهديه.
(3)
وصلينا وراءه صلى الله عليه وسلم.
(4)
فنظر.
(5)
في نسخة: من: أي لا يعتدل، وفيه لابد من الاعتدال والطمأنينة وإلا بطلت صلاته.
(6)
لا ينظر الله نظر رحمة وعطف وقبول، ويرد صلاته.
(7)
يسرع في سجوده كما ينقر الديك ولم يتم، ويقال هو يصلى النقرى.
(8)
لأنه لا يتم أركان صلاته فبطلت فانهدم ركن من إسلامه فخرج منه، والعياذ بالله، لماذا؟ لأنه يخطف ركوعه وسجوده: وزال منه الخشوع والخضوع لربه سبحانه وتعالى، وهو غير مكترث بحسن أدائها، وقلبه غافل عن الله، وأساء معاملته مع مولاه، لأنه أقدم على عمل فأنقصه وغيره وأراده، وقد شبه صلى الله عليه وسلم المصلى الذى لا يطمئن في ركوعه وسجوده بجوعان أكل تمرة أو اثنين لم يردا جوعه ولم يزيلا توقاتنه للطعام.
الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليُصلى ستين سنةً، وما تُقبلُ له صلاة لعله يُتم الركوع ولا يُتم السجود، ويُتم السجود ولا يُتم الركوع (1). رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظر سنده.
9 -
وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه، وأنا حضارٌ: لو كان لأحدكم هذه السَّارية (2) لكره أن تُجدع كيف يعمد أحدكم فيجدع صلاته التى هى لله، فأتموا صلاتكم، فإن الله لا يقبل إلا تاماًّ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
(الجدع): قطع بعض الشئ.
10 -
وعن بلالٍ رضي الله عنه أنه أبصر رجلاً لا يُتم الركوع ولا السجود فقال: لو مات هذا لمات على غير ملة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني ورواته ثقات.
(1) الرجل يصلى طول عمره وصلاته ترد، وإسلامه ناقص: وحبط عمله، لماذا؟ لأنه لم يتم ركنا من أركانها، وهو عايش بين ظهرانى العلماء ولم يتعلم وهنا يجب أن يتفكر المسلمون في معنى هذا الحديث، وليتقدموا على معرفة أركان الصلاة وشروط صحتها عسى أن يعبدوا الله على ضوء العلم.
(2)
أسطوانة على شكل عمود جميل، تخيل أيها القارئ قصراً فخماً يقام أحد أركانه على سارية بديعة الصنع جميلة النقش حسنة الهيئة ثم تجدع: أي يقطع جزء منها، ماذا يحصل لمنظرها البهيج؟ كذلك المصلى الذى لا يتم جميع أركانها ولا يتئد في حسن أدائها، وبذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمامها وتكميل واجباتها والعناية بصحتها، وفقه مرماها، وفهم مغزاها، والعمل بمقتضاها، والسير على قبسها: وأكد أن الله جل جلاله لا يقبل إلا تاما. لماذا؟ لأنه خالف أمر الله تعالى في قوله:
أ - (فاسجدوا لله واعبدوا).
ب - (واسجد واقترب).
جـ - (ألا يسجدوا لله) أي يا قوم اسجدوا.
د - (وخروا له سجدا) أي متذللين، والسجود: عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد.
هـ (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها).
و- (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون).
قال في النهاية: وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجرى مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: وأدبار السجود، أي أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى سبحة الضحى، وسجود الضحى (وسبح بحمد ربك) قيل أريد به الصلاة. أهـ. ص 223.
ولعلك فهمت أن ناقص أركان الصلاة إن مات على حالة صلاته هذه فهو على غير الإسلام على شرط أن يعيش بين العلماء، لأنه غافل عن العلم وتعلمه وكسلان، أما الجاهل البعيد عن أهل العلم فمعذور. وأصبح الدين كالشمس تعاليمه واضحة، فلا عذر لجاهل أو مقصر.
النهى عن القراءة في الركوع
11 -
وروى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن للصلاة المكتوبة عند الله وزناً (1) من انتقص منها شيئاً حُوسب به فيها على ما انتقص. رواه الأصبهاني.
12 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاينظر الله إلى عبدٍ لا يُقيم صُلبه بين ركوعه وسجوده. رواه أحمد بإسناد جيد.
13 -
وروى عن علىٍّ رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه أن أقرأ وأنا راكعٌ، وقال: يا عليُّ مثل الذى لا يقيم صُلبه في صلاته كمثل حُبلىَ حملت فلما دنا نفاسها أسقطت، فلا هى ذات حملٍ، ولا هى ذات ولدٍ (2). رواه أبو يعلى والأصبهاني، وزاد:
مثل المُصلى كمثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص له رأسُ ماله، وكذلك المصلى لا تُقبل نافلته حتى يُؤدى الفريضة.
14 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسوأُ الناس (3) سرقةً الذي يسرق صلاته. قال: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يُتم ركوعها ولا سجودها. رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.
15 -
وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مُصلٍّ: إلا وملكٌ عن يمنيه، وملكٌ عن يساره، فإن أتمها عرجا (4) بها،
(1) نظاما وقوانين خاصة يجب اتباعها، وقد فصلها الفقهاء رحمهم الله في كتب الفقه، فمن أهمل في شئ منها وإن قل حوسب حسابا عسيراً على تركه.
(2)
يشبه صلى الله عليه وسلم المصلى الذى لا يؤدى الأركان كاملة، ولا يعتدل صلبه تماما بحبلى سقط جنينها وهى على وشك الولادة، وأسفا صبرت على تحمل الحمل وأثقاله وأتعابه ولم تجن ثمرته فنزل الولد ميتاً، كذلك المصلى الجاهل الغر الذى لا يعتنى بحسن الأداء تعب، ولكن خاب وتكلف العمل ولم ينفع، وبطلت صلاته فخسر ثواب الله، فلا استراح ولا هو أحسن صلاته. فعليك أخى بإتمام أركان الصلاة والخشوع لله تعالى.
(3)
أكثر الناس جرما وسلبا ونهبا وشرا المصلى، وصلاته ناقصة الأركان: أي يسرع في ركوعه وسجوده.
(4)
صعدا إلى السماء.
وإن لم يُتمها ضربا بها على وجهه (1). رواه الأصبهاني.
الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود
16 -
وعن النعمان بن مرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في الشارب، والزانى، والسارق؟ وذلك قبل أن تنزل فيهم الحدود قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هُنَّ فواحش، وفيهن عقوبة، وأسوأُ السرقة الذى يسرق صلاته (2) قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يُتم ركوعها ولا سجودها. رواه مالك، وتقدم في باب الصلاة على وقتها حديث أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم، وفيه:
ومن صلاها لغير وقتها، ولم يُسبغ (3) لها وضوءها، ولم يُتم لها خشوعها، ولا رُكوعها، ولاسجودها، خرجت وهى سوداء مُظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتنى حتى إذا كانت حيث شاء الله لُفَّتْ كما يُلَفُّ الثوب الخلق، ثم ضُرِبَ بها وجهه. رواه الطبراني.
17 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في ناحية المسجد فصلى (4) ثُمَّ جاء فسلَّم عليه، فقال له
(1) أخبر صلى الله عليه وسلم أن ملكين يرافقان المصلى وينتظران أداءها، فإن صلى صلاة كاملة صعدا بها إلى الرب سبحانه وتعالى لتحفظ في سجله، ويتفضل المولى بإغداق الحسنات والرحمات على عبده، وإن لم يتمها غضبا عليه، وصفعا بها وجهه، ومصداق ذلك قوله تعالى:
أ - (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
ب - وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا).
جـ - وقوله تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعملون ما تفعلون. إن الأبرار لفى نعيم. وإن الفجار لفى جحيم يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين) 17 من سورة الانفطار.
قال البيضاوى: تحقيق لما يكذبون به، ورد لما يتوقعونه من التسامح والإهمال، وتعظيم الكتبة بكونهم كراما عند الله تعظيم الجزاء، ويقاسي الفجار حرها (يوم الدين وما هم عنها بغائبين) أي خلودهم فيها، وقيل معناه وما يغيبون عنها قبل ذلك إذ يجدون سمومها في القبور.
(2)
الصلاة يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفواحش أقل عقوبة من أداء الصلاة ناقصة، وسماها صلى الله عليه وسلم (أسوأ السرقة).
(3)
لم يحسن ولم يتم فروض الوضوء وسننه، ثم زال الخشوع في صلاته وملكه الشيطان، وسلط عليه وساوسه وهمومه، ولم يوف ركوعها وسجودها، ثم تصعد الصلاة إلى بارئها شاكية متألمة داعية عليه متمنية ضياعه وخيبته وخسارته، ثم بعد ذلك ترجع في هيئة رثة، وشكل مخيف، وتلف وتكور، وتصيب وجهه منتقمة آخذه بثأرها معذبة له، هذا كناية عن عدم أدائها، والفرض باق عليه أداؤه وعقابه:
(4)
لاحظ صلى الله عليه وسلم أن ذلك الرجل لم يتم أركان الصلاة فصلاته باطلة، وأرجعه صلىلله عليه وسلم نحو أربع مرات يصلى، وهو لا يزال يسئ، وينقص الطمأنينة، ثم علمه صلى الله عليه وسلم الطريقة المثلى للصلاة من إتمام الوضوء، واستقبال القبلة بكل آدب وخشوع، ثم الدخول في الصلاة بنية تكبيرة الإحرام وهكذا مما سأذكره إن شاء الله.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم، فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال في الثانية: أو في التى تليها علمنى يا رسول الله: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاته كلها.
وفي رواية: ثم ارفع تستوى قائما، يعنى السجدة الثانية. رواه البخاري ومسلم، وقال في حديثه:
فقال الرجل: والذى بعثك بالحق ما أُحسن غير هذا فعلمنى، ولم يذكر غير سجدةٍ واحدةٍ. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي رواية لأبى داود: فإذا فعلت ذلك (1)، فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك.
18 -
وعن رفاعة بن رافعٍ رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ فدخل المسجد فصلى، فذكر الحديث إلى أن قال فيه: فقال الرجل: لا أدرى ما عبت على؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إنه لا تتمُّ صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء، كما أمره الله، ويغسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ويسمح رأسه ورجليه (2) إلى الكعبين، ثم يكبر الله، ويحمده ويمجده ويقرأُ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، ثم يُكبرُ ويركعُ، فيضعُ كفيه على رُكبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخى، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوى قائماً حتى يأخذ كل عظيم (3) مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد، ويمكن جبهته من الأرض
(1) راعيت أركانها، وأديت شروط صحتها، وحافظت على الخشوع، وبعدت عن وساوس الشيطان.
(2)
أي ويغسلهما.
(3)
في نسخة: عضو.
حتى تطمئن مفاصلة وتسترخى، ثم يكبر فيرفع رأسه، ويستوى قاعداً على مقعدته ويُقيم صُلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: لا تتم صلاةُ أحدكم حتى يفعل ذلك. رواه النسائي، وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال في آخره.
فإن فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منها شيئاً انتقصت من صلاتك. قال أبو عمر بن عبد البر النمرى: هذا حديث ثابت.
19 -
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل لينصرف، وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاته تُسعها ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُها ثُلُثُها نِصفُهَا (1). رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بنحوه.
20 -
وعن أبي اليسر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: منكم من يصلى الصلاة كاملةً، ومنكم من يصلى النصف، والثلث، والربع، والخمس حتى بلغ العشر. رواه السنائى بإسناد حسن، واسم أبى اليسر بالياء المثناة تحت والسين المهملة مفتوحتين: كعب بن عمر السلمى، شهد بدرا.
21 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة (2) ثلاثة أثلاثٍ: الطهور ثلثٌ، والركوع ثلثٌ، والسجود ثلثٌ. فمن أداها بحقها قُبلت منه، وقبل مه سائر عمله، ومن رُدت عليه صلاته رُدَّ عليه سائر عمله. رواه البزار، وقال: لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث المغيرة بن مسلم.
(قال الحافظ): وإسناده حسن.
22 -
وعن حُريثِ بن قبيصة رضي الله عنه قال: قدمت المدينة وقلت: اللهم ارزقنى جليساً صالحاً. قال: فجلست إلى أبى هريرة فقلت: إنى سألت الله أن
(1) يبين صلى الله عليه وسلم ثواب المصلى بقدر طمأنينته وخشوعه؛ وبعد وساوسه. فهذا مؤمن أدى الأركان والسنن، فنال الثواب كله وهذا نقص، فنال أقل.
(2)
ثواب الصلاة موزع على أداء ثلاثة:
أ - الاستنجاء والنقاء، والطهارة من النجاسة، والوضوء الكامل.
ب - الطمأنينة في الركوع، وزيادة التسبيح والتحميد.
جـ - الطمأنينة في السجود والتسبيح والتمجيد.
يرزقنى جليساً صالحاً فحدثنى بحديثٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنى به فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة عن عمله صلاته، فإن صلحت (1) فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر (2)، وإن انتقص من فريضته (3). قال الله تعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع يكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك. رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن غريب.
23 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، ثم انصرف فقال يا فلان: ألا تُحسن صلاتك، ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يُصلى، فإنما يُصلى لنفسه، إنى لأُبصر من ورائى كما أُبصر من بيدى يديَّ (4). رواه مسلم والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فما سلم نادى رجلاً كان في آخر الصفوف، فقال يا فلان: ألا تتقى الله (5).
ألا تنظر كيف تصلى؟
(1) إن أداها المصلى تامة فاز بكثرة الثواب، وزيادة الحسنات، ورفع الدرجات، وقبول الأعمال، وغرس في قلبه حب الله وخشيته، واتجهت سفينته إلى النجاة، ووصلت إلى بر السلامة.
(2)
فعل ولم تقبل، وامتلأ قلبه عن غفلة عن الله، ونسى الله فنسيه سبحانه.
(3)
إن لم يحسن الفريضة يأمر الله تعالى ملائكته أن تنظر إلى أداء السنة ليتفضل عليه بزيادة الأجر ولعل المصلى أحسن أداءها، وخشع فيها واطمأن. وفيه الحث على طلب الجليس الصالح الذى يرشدك إلى مسائل العلم ويحببك في العمل الصالح، وفيه الترغيب في إتمام الصلاة وأداء السنن والنوافل.
(4)
قال النووي: معناه أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت له العادة صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضى: قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة. وفيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود أهـ ص 149 جـ 4.
صلى الله عليك يا رسول الله. اختصك الله بكمالات، فحرصت على أمتك، فأحسنت تعليمها، وأجدت تربيتها، ونسأل الله القدوة بك، والعمل بشريعتك، فقد أديت الرسالة، وحفظت الأمانة.
(5)
ألا تخاف الله في أداء الصلاة، وتخشى عذابه، وتفكر في الإخلاص له، وإنك واقف أمام عظيم قادر قهار جبار وهاب عزيز. والله أحق أن تخشاه وتناجيه بتأدب، وتعبده بخشوع. =
إن أحدكم إذا قام يُصلى إنما يقوم يناجى ربه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم
= حسن الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم وشرحه علماء الفقه
يكون على طهارة، ثم يتوضأ، ويجوز شروط صحة الصلاة، وهى:
أولا: طهارة الأعضاء من الحدثين الأكبر والأصغر.
ثانياً: طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة.
ثالثا: ستر العورة، وهى للرجل مابين السرة والركبة - وللأمة كذلك، وللحرة جميع جسمها ما عدا الوجه والكفين.
رابعا: العلم بدخول الوقت يقينا أو ظنا.
خامساً: استقبال القبلة يقينا بالصدر، ويجوز ترك استقبال القبلة في شدة الخوف في الحرب لنصر دين الله وفي النافلة فقط في السفر المباح قصيرا أو طويلا.
ويراعى أركان الصلاة، وهى:
أولا: النية، ومحلها القلب، ويجب أن تكون مقرونة بتكبيرة الإحرام. وإن كانت الصلاة فرضاً، فشروطها ثلاثة:
أ - أن يقصد هيئة الصلاة.
ب - أن يعين اسمها.
جـ - أن يصف الصلاة بالفرض.
وإن كانت نفلا، فالشرطان الأولان فقط.
ثانيا: تكبيرة الإحرام بشرط:
أ - إيقاعها بعد الانتصاب في الفرض - وهنا أعتب على الجهلة الذين ينوون، وهم ماشون.
ب - إيقاعها حال الاستقبال.
جـ - أن يقرن النية بجزء منها.
د - وعدم مد همزة الله.
هـ عدم واو قبل لفظ الجلالة.
و- وعدم مد همزةأو باء أكبر.
ثالثا: القيام:
أ - من قادر.
ب - والصلاة فرض، ولو خاف راكب سفينةغرقا أو دوران رأس صلى من قعود ولا إعادة عليه.
رابعا: قراءة الفاتحة بشرط أن يسمع نفسه، وألا تسقط حرفا منها ولا شدة من شداتها، وأن يرتب القراءة ويواليها وبالعربية.
خامسا: الركوع.
سادسا: الطمأنينة فيه (سكون بين حركتين بحيث تستقر أعضاؤه).
سابعا: الاعتدال: العود إلى الحالة التى كان عليها من قيام قادر، وجلوس قاعد.
ثامنا: الطمأنينة فيه.
تاسعاً: السجود مرتين في كل ركعة بشرط انكشاف الجبهة، والسجود على الأعضاء السبعة، وهى: الجبهة والركبتان. وباطنا الكفين: أطراف بطون أصابع القدمين في آن واحد.
قال ابن العربى: لما جعل الله لنا الأرض ذلولا نمشى في مناكبها، ونطؤها بأقدامنا، وذلك في غاية الذلة أمرنا أن نضع عليها أشرف الأعضاء، وهو الوجه جبراً لانكسارها، وقد قال تعالى:(أنا عند المنكسرة قلوبهم) أهـ.
عاشراً: الطمأنينة في السجود.
الحادى عشر: الجلوس بين السجدتين يجلس مستقيما.
الثانى عشر: الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين.
الثالث عشر: الجلوس الذى يعقبه السلام.
الرابع شعر: التشهد، وأقله: التحيات لله. سلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. بشرط ألا يسقط حرفا منه ولا تشديدة.
الخامس عشر: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، وأقلها: اللهم صلى على سيدنا محمد. =
ترون أنى لا أراكم، إنى والله لأرى من خلف ظهرى كما أرى من
= السادس عشر: التسليمة الأولى، وأقلها: السلام عليكم، ويلتفت حتى يرى خده الأيمن.
السابع عشر: ترتيب الأركان، فإن قدم ركناً عن محله عامداً بطلت صلاته.
سنن الصلاة
هى أبعاض تجبر بسجود السهو.
أولا: التشهد الأول.
ثانيا: الجلوس له.
ثالثا: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده.
رابعا: الجلوس لها.
خامسا: الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير، والجلوس لها.
سادساً القنوت في الصبح في اعتدال الركعة الأخيرة يطلب من الله ما شاء، ويثنى عليه، وفي الوتر في النصف الثانى من شهر رمضان.
سابعاً: القيام له.
ثامنا: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيه.
تاسعاً: القيام لها، والصلاة على الآل فيه والصحب، والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم، والسلام على الآل والصحب، والقيام له.
ولفظ القنوت: (اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم).
هيئات الصلاة
وهى: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مكشوفتين منشورتى الأصابع مفرقة تفريقاً وسطاً محالة أطرافها جهة القبلة محاذية أطرافها للأذنين؛ وإبهاماه لشحمتيهما، وأن يرفعهما للركوع، وللرفع منه، وللقيام من التشهد الأول بالكيفية المقتدمة، ووضع يده اليمنى على ظهر اليسرى تحت صدره، وفوق سرته قابضاً بيمينه كوع يساره، وبعض ساعدها، ورسغها مائلا إلى جهة يساره، والنظر إلى موضع السجود مائلا برأسه قليلا في جميع الصلاة، ولو كانت في الكعبة إلا في التشهد، فلا يجاوز بصره إشارته بالسبابة عند قوله: إلا الله، ودعاء الافتتاح سراً لمتمكن إن لم يتعوذ، ولم يجلس مع إمامه بعد التحرم بنحو:(وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). وأن يسكت بينه وبين تكبيرة الإحرام سكتة يسيرة بقدر سبحان الله، وبين الافتتاح والتعوذ، وبينه وبين البسملة، وبين آخر الفاتحة وآمين، وبينه وبين السورة، وبينها وبين تكبيرة الركوع وبين التسليمتين كذلك، وأن يسكت الإمام في الجهرية بعد آمين بقدر قراءة المأموم الفاتحة، وأن يشتغل في هذه السكتة بقراءة أو دعاء، والتعوذ في كل ركعة سراً، والتأمين عقب الفاتحة، ويجهر المصلى به إماماً كان أو مأموماص أو منفرداً في الجهرية، والمأموم إنما يجهر به من تأمين إمامه لقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وأما ندب الجهر فللاتباع. رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان وغيره مع خبر (صلو كما رأيتمونى أصلى) وعن وائل بن حجر أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، ومد بها صوته أهـ ص 147 تنوير القلوب، والجهر بالقراءة في الصبح والجمعة والعيدين، وخسوف القمر والأولين من المغرب والعشاء، والاستسقاء، والتراويح، ووتر رمضان، وركعتى الطواف ليلا، ولو أدرك ركعة من الصبح في وقتها والأخرى خارجه جهر في الأولى وأسر في الثانية، نعم يجهر الإمام فيها بالقنوت =
بين يدىَّ.
= هذا كله في المؤداة. أما الفائتة فالعبرة فيها بوقت القضاء، فيجهر من غروب الشمس إلى طلوعها، ويسر فيما سوى ذلك، ويتوسط في نافة الليل المطلقة إذا لم يشوش على نائم أو مصل، والمرأة والخنثى يجهران، ويتوسطان في محلهما حيث لا يسمع أجنبى، وإلا استحب لهما الإسرار، وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن في الصلوات كلها، وكان المشركون يؤذونه، ويسبون من أنزله ومن أنزل عليه؛ فأنزل الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا). والتكبير عند كل خفض ورفع إلا من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، وقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شئ بعد. ومد التكبير حتى يصل إلى الركن المتنقل إليه، وإن أتى بجلسة الاستراحة ولم يمكنه مد التكبير لم يأت بتكبيرة ثانية، بل يشتغل بذكر، ووضع راحتيه على ركبتيه في الركوع، وتفرقة أصابعه للقبلة، وتسوية ظهر وعنق في الركوع، والتسبيح بأن يقول سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا في الركوع، وسبحان ربى الأعلى ثلاثا في السجود، ويكره تركه. ومن داوم على تركه في الركوع والسجود سقطت شهادته. ويزيد منفرد وإمام محصورين التسبيح إلى إحدى عشرة مرة، ويقول في الركوع والسجود سقطت شهادته. ويزيد منفرد وإمام محصورين التسبيح إلى إحدى عشرة مرة، ويقول في الركوع: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعى، وبصرى، ومخى، وعظمى، وعصبى، وشعرى، وبشرى، وما استقلت به قدمى لله رب العالمين. ويقول في السجود بعد التسبيح: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهى للذي خلقه وصوره، وشقه سمعه وبصره، بحوله وقته تبارك الله أحسن الخالقين. وأن يضع في سجوده ركبتيه مفرقتين بقدر شبر، ثم يديه ثم جبهته وأنفه وأن يضع كفيه حذو منكبيه ويضم أصابعه جهة القبلة، وأن يجافى الرجل عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده؛ وأن يفرق بين قدميه في قيامه وسجوده قدر شبر. أما المرأة والخنثى فيضمان بعضهما إلى بعض لأنه استر لها وأحوط له، وإبراز قدميه من ذيله في السجود، والدعاء في الجلسة بين السجدتين وهو: رب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارزقنى واهدنى وعافنى واعف عنى. وافتراش في كل جلوس لا يعقبه سلام بأن يجلس على كعب يسراه وينصب يمناه وجلوس استراحة ومحله بعد سجدة ثانية يقوم عنها، واعتماد على الأرض بيديه عند قيامه. وتورك في جلوس يعقبه سلام بأن يلصق وركه الأيسر بالأرض، وينصب رجله اليمنى على أصابعها، ويخرج يسراه من تحت يمناه. والحاصل أن جلسات الصلاة سبعة: يفترش في ست منها، وهى الجلوس بين السجدتين، وجلوس الاستراحة، وجلوس المسبوق، وجلوس التشهد الأول، وجلوس المصلى قاعدا للقراءة، وجلوس التشهد الأخير لمن أراد سجود السهود أو أطلق، ومثلها الجلوس لسجود التلاوة والشكر قبل السجود، ويتورك في واحدة، وهى الجلوس للتشهد الأخير إذا لم يطلب منه سجود السهود، ووضع كفيه في تشهديه على طرف ركبتيه، وقبض أصابع اليمنى إلا المسبحة فيشير بها منحنية عند قوله إلا الله وينوى بالإشارة الإخلاص بالتوحيد، وينشر أصابع اليسرى مضمومة إلى جهة القبلة، والتعوذ من العذاب والفتن بعد التشهد الأخير، فيقول: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. اللهم اغفر لى ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، فاغفر لى مغفرة من عندك، وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم. أهـ ص 153 تنوير القلوب.
يا أخى: قد ذكر العلماء شروط صحة الصلاة وأركانها وسننها وهيئاتها، فافقه معناها، واعلم مغزاها وأد الصلاة كما يحب الله ورسوله، واحذر أن تصلى صلاة ناقصة كما قال صلى الله عليه وسلم:(لا يتم ركوعها وسجودها) وتأمل معنى ما تقرأ رجاء ألا تكون ممن قال فيه هذا الشاعر: =
24 -
وعن عثمان بن أبى دهرشن رضي الله عنه عن النبى صلى الله
= تُصَلِّى بِلَا قَلْبٍ صَلَاةً بمثْلِهَا
…
يَكُونُ الفَتَى مُسْتَوْجِباً لِلعُقُوبَة
تظلُّ وقد أتممتها غير عالمٍ
…
تزيدُ احتياطاً ركعةً بعد ركعة
فويلكَ تدرى من تناجيه معرضاً
…
وبين يدى من تنحنى غير مُخبِت
تخاطبه إياكَ نعبدُ مُقبلاً
…
على غيره فيها لغيره ضرورة
ولو رد من ناجاك للغيرِ طرفه
…
تميزتَ من غيظٍ عليه وغيره
أما تستحى من مالك الملكِ أن يرى
…
صدودك عنه يا قليل المُرُوءَة
إلهى اهدنا فيمن هديت وخذ بنا
…
إلى الحق نهجاً في سواء الطريقة
فصل: في مكروهات الصلاة
وهى: الإسراع إلى الصلاة وجعل يديه في كميه. وتشمير كميه. ووضع يديه على فيه لغير حاجة وغرز العذبة، والصلاة في ثوب واحد من غير أن يجعل على عاتقه شيئاً إن وجد غيره، ورفع البصر إلى السماء والتفات بوجهه لا حاجة، وإشارة مفهمة بنحو عين أو حاجب أو شفة ما لم تكن على وجه اللعب، وإلا بطلت صلاته، واختصار بأن يجعل يده على خاصرته، واشتغال قلب بدنيوى وإسراع في صلاته إن لم ينقص ركناً وإلا بطلت صلاته، واهتزاز وهوالتمايل يمنة ويسرة ما لم يكثر وإلا بطلت، وقيام على رجل واحدة لغير عذر، وجهر بمحل إسرار وعكسه، وجهر خلف الإمام، وتغميض البصر إن خاف ضرراً فإن تقينه حرم، وقد يجب كأن كان العراة صفوفا، وقد يسن كما إذا صلى لحائط مزوق، ويسن فتحهما في السجود ليسجد معه البصر، وكذا في الركوع، وإلصاق عضدى الرجل بجنبيه في الركوع والسجود، وإلصاق بطنه بفخذيه فيهما، والاضطباع وهو أن يجعل وسط ردائه تحت أحد منكبيه وطرفيه على الآخر ولو فوق الثياب سواء الأيمن والأيسر، بخلافه من الطوائف كما سيأتى، وشد الوسط إلا السروال فيندب، أو لخوف ظهور العورة فيجب. أما إذا كان لابساً فوقه ثوبا آخر كقباء ورداء فلا كراهة، وصلاة مع حصر ببول، أو غائط أو ريح، أو عند حضور أو قرب طعام يشتاق إليه، ولم يخف خروج الوقت، والمبالغة في خفض الرأس أو رفعه عن الظهر في الركوع، وإطالته التشهد الأول، وترك السور في الركعتين الأوليين من كل صلاة وترك تكبير الانتقالات، وترك أذكار الركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين، والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر أقل الجلوس بين السجدتين، وترك الدعوات في التشهد الأخير، وبصاق قبل الوجه أو اليمين ولو في غير الصلاة، فان كان خارج الصلاة غير مستقبل القبلة لم يكره له البصاق قبل وجهه وكرهة البصاق في غير المسجد أما فيه فيحرم مطلقا ما لم يكن في نحو ثوبه وتشبيك الأصابع وتفرقعها وإرخاءالثوب على الأرض، وكف الثوب والشعر: أي ضمه وجمعه وإقعاء بأن يجلس على وركيه ناصباً ركبتيه، ونقر الغراب مع الطمأنينة، وإلا بطلت، وافتراش يديه في سجوده، وإيطان المكان: أي ملازمته، وهذا لغير الإمام في المحراب. أما هو فلا يكره له، ومسح الجبهة في الصلاة وبعدها. وتكره الصلاة في الحمام ولو في موضع خلع الثياب، وطريق وسوق ومقبرة ونحو مزبلة وكنيسة وعند غلبة النوم. =
عليه وسلم قال:
= فصل فيما يفسد الصلاة
وهى عشرون، الأول: الحدث عمداً أو سهواً سواء الأكبر أو الأصغر.
الثاني: ملاقاة نجاسة غير معقو عنها رطبة أو يابسة لثوب المصلى أو بدنه من غير إزالتها في الحال.
الثالث: كشف العورة عمداً ولو سترها في الحال، أو سهواً ولم يسترها في الحال. أما إذا سترها في الحال فلا تبطل صلاته.
الرابع: الكلام العمد غير قرآن وذكر ودعاء بحرفين، وإن لم يفهما أو بحرف مفهم ولا يضر يسير كلام، وهو ست كلمات فأقل: سبق لسانه إليه أو تكلم ناسياً للصلاة وجهل تحريمه فيها، وكان معذوراً كأن نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريب عهد بالإسلام.
الخامس: الفعل الكثير عرفا كثلاث خطوات أو ضربات متواليات بأن يكون بين الضربتين أقل من ركعة بأخف ممكن؛ وخرج بالمتواليات المتفرقات، بأن يكون بين الفعل الأول والثانى قدر ركعة والوثبة وتحريك جميع البدن ولو من غير نقل قدميه حكمهما كحكم الفعل الكثير، وأما الفعل القليل كخطوتين أو ضربتين، فلا تبطل به الصلاة.
السادس: الانحراف عن القبلة ولو بصدره يمنة أو يسرة، حتى لو حرفه إنسان قهراً بطلت صلاته ولو عاد عن قرب.
السابع: الإتيان بمفطر كأن أكل أو شرب قليلا أو كثيراً عمدا أو أوصل عوداً أو نحوه وإن قل إلى جوفه من فمه، أو أذن أو دبر، ولو بلا حركة وحدها فعل يبطل كثيره كالمضغ.
الثامن: الأكل والشرب الكثير عرفاً ناسياً للصلاة، أو مكرهاً أو جاهلا تحريم ذلك معذوراً بأن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء النسيان أو الجهل أو الإكراه، والفرق بين الصلاة والصوم حيث بطلت بما ذكر دون الصوم أن الصائم لا تقصير منه بذلك. إذ ليس بعبادته هيئة تذكره ولا هى ذات أفعال منظومة بخلاف الصلاة، فإن لها هيئة مذكرة، وهى ذات أفعال منظومة، والفعل الكثير يقطع نظمها. أما إذا أكل أو شرب قليلا ناسيا. أو جاهلا معذوراً، فلا تبطل صلاته، بخلاف المكره فتبطل صلاته لندرة الإكراه فيها.
التاسع: القهقهة وهى الضحك بصوت، أو البكاء أو النفخ أو الأنين أو التأوه أو السعال أو النحنح أوالعطاس أو التثاؤب، فتبطل الصلاة بواحد من هذه إن ظهر به حرفان بلا غلبة. أما إذا غلبه فإن كان ماظهر به من الحروف قليلا بحيث لو جمع لم يزد عن سلت كلمات لم يضر؛ وإن كان كثيراً متوالياً ضر إلا التنحنح في قراءة الفاتحة أو التشهد الأخير إذا امتنع من قراءتهما سراً بسبب بلغم ونحوه فيعذر في التنحنح لذلك وإن كثر ماظهر به من الحروف.
العاشر: قطع ركن عمداً كأن اعتدل عامداً قبل تمام الركوع أو سجد عامداً قبل تمام الاعتدال أو جلس للتشهد عامداً قبل تمام السجدة الثانية. أما إذا كان ناسياً فان تذكره قبل فعل مثله تداركه، وإن لم يتذكره إلا بعد فعل مثله من ركعة أخرى قام مقامه ويلغى ما بينهما.
الحادى عشر: زيادة ركن فعلى عمداً كزيادة ركوع أو سجود من غير مسبوق لمتابعة إمامه، أما إذا نسى أنه فعل مثله فلا تبطل صلاته وأما لو كرر ركنا قوليا غير تكبيرة الإحرام كفاتحة وتشهد فلا تبطل صلاته.
الثاني عشر: تطويل الركن القصير عمدا، وهو الاعتدال والجلوس بين السجدتين. وضابط التطويل أن يطول الاعتدال بقدر الفاتحة زيادة على الدعاء الوارد فيه، وأن يطول الجلوس بين السجدتين بقدر أقل من التشهد زيادة عن الذكر الوارد فيه، فإن كان دون ذلك لم يضر.
الثالث عشر: تخلف المأموم عن إمامه بركنين فعليين عمداً لغير عذر.
الرابع عشر: تقدمه بهما عليه كذلك.
الخامس عشر: الردة، والعياذ بالله، وهى قطع الإسلام بقول أو فعل أو اعتقاد.
السادس عشر: ظهور بعض مايستر بالخف من الرجل، أو خروج وقت مسحه لبطلان بعض طهارته. =
لا يقبل الله من عبدٍ عملاً حتى يُشهد قلبه مع بدنه (1). رواه محمد بن صر المروزى في كتاب الصلاة هكذا مرسلاً، ووصله أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس بأبىِّ بن كعب. والمرسل أصحّ.
25 -
وعن الفضل بن العباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة مثنى مثنى (2) تشهد في كل ركعتين، وتخشع وتضرعُ، وتمسكنُ وتقنع يديك تقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول: يارب يارب، من لم يفعل ذلك فهى (3) كذا وكذا. رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، وتردد في ثبوته، رووه كلهم: عن ليث بن سعد حدثنا عبد ربه بن سعيد، عن عمران بن أبى أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل، وقال الترمذي: قال غير ابن المبارك في هذا الحديث: من لم يفعل ذلك فهى خداج، وقال سمعت محمد بن إسماعيل
= السابع عشر: الشك في النية أو في شئ من شروط الصلاة كالطهارة أو هل نوى ظهراً أو عصراً، ومضى على ذلك زمن يسع قدر الطمأنينة، وهو في الصلاة، أما لو زال الشك سريعاً كان خطر له خاطر، وزال سريعا فلا.
الثامن عشر: نية الخروج من الصلاة قبل السلام إما حالا أو بعد ركعة مثلا، فانها تبطل حالا؛ كما لو نوى أنه يكفر غداً فإنه يكفر حالا.
العشرون: صرف نية صلاة إلى غيرها سواء كانت فرضاً أو نفلا. نعم لو كان يصلى منفردا ورأى جماعة سن له صرف فرض إلى نفل مطلق ليدرك فضيلة الجماعة بشروط ستة:
الأول: أن يتحقق إتمامها في الوقت لو استأنفها وإلا حرم القلب.
الثاني: أن تكون ثلاثية أو رباعية فإن كانت ثنائية لا يندب القلب بل يجوز، لأن النفل المطلق يجوز فيه الاقتصار على ركعة.
الثالث: أن لايشرع في ركعة ثالثة، فان شرع في الثالثة من الثلاثية أو الرباعية لا يندب القلب بل يجوز.
الرابع: أن لايرجو وجود جماعة غيرها، فان رجا وجود غيرها لا يندب القلب بل يجوز.
السادس: أن تكون الجماعة مطلوبة في تلك الصلاة فلو كان يصلى فائتة لم يجز قلبها نفلا ليصليها في جماعة حاضرة او فائتة ليست من نوعها؛ فلو كانت الجماعة في فائتة فوت حاضرة وجب قلبها نفلا فعلم أن القلب تارة يسن وتارة يجب وتارة يحرم وتارة يكره وتارة يجوز.
(1)
أي يشارك قلبه وعقله الي أداء هذا العمل.
يبين صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى لا يقبل عملا، ويثيب عليه إلا إذا صحبته نية خالصة لله، وفكر القلب في تقوى الله، وبعد هموم الدنيا وأكدارها، ونأى عنه الشيطان فلا يحدثه بسوء.
(2)
ركعتين ركعتين فيهما التشهد ووجود الخشوع والتذلل لله، وطلب المغفرة منه جل وعلا والرحمة وترفع يديك، وتسأل مولاك وناصرك.
(3)
أي الصلاة ناقصة.
يعنى البخاري يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه، فأخطأ في مواضع، قال: وحديث ليث بن سعد أصح من حديث شعبة.
(قال الحافظ): وعبد الله بن نافع بن العمياء: لم يرو عنه غير عمران بن أبى أنس، وعمران ثقة، ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق شعبة، عند عبد ربه، عن ابن أبى أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد المطلب بن أبى وداعة. ولفظ ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الصلاةُ مثنى مثنى، وتشهد في كل ركعتين، وتبأس، وتمسكن (1)، وتقنع، وتقول: اللهم اغفر لى، فمن لم يفعل ذلك فهى خداجٌ.
(قال الخطابي): أصحاب الحديث يغلِّظون شعبة في هذا الحديث، ثم حكى قول البخاري المتقدم وقال: قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري، وخطأ شعبة، وصوّب ليث ابن سعد، وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: وقوله تبأس معناه إظهار البؤس والفاقة، وتمسكن من المسكنة، وقيل معناه: السكون والوقار، والميم مزيدة فيها، وإقناع اليدين: رفعهما في الدعاء والمسئلة، والخداج: معناه هاهنا: الناقص في الأجر والفضيلة انتهى.
26 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها (2) لعظمتى، ولم يستطل (3) على خلقى، ولم يبت مُصراً، على (4) معصيتى، وقطع النهار في ذكرى (5)،
(1) أي تذل وتخضع، وهو تمفعل من السكون، والقياس أن يقال تسكن وهو الأكثر والأفصح، وقد جاء على الأول: أحرف قليلة. قالوا: تمدرع، وتمنطق وتمندل، واستكان: إذا خضع، وتمسكن: تشبه بالمساكين أهـ نهاية.
(2)
خفض جناحه لجلالى، وتذلل لكبريائى، وخضع لعزتى ووثق بى.
(3)
لم يترفع عليهم، ولم يتجبر، ولم يتكبر. يقال: طال عليه واستطال وتطاول إذا علاه، وترفع عليه ومنه الحديث (أربى الربا: الاستطالة في عرض الناس) أي استحقارهم، والترفع عليهم، والوقيعة فيهم أهـ نهاية.
(4)
ولم يقض ليله معلنا الفجور، وعازما على الفسوق، وموطداً عزيمته على العصيان.
(5)
في نسخة، في ذكره: أي مضى يومه في طاعة مولاه من ذكر وتسبيح وعمل صالح ولا يغفل عن ربه في عمله، يؤدى واجبه وقلبه متعلق بالله والاعتماد عليه، وتقديسه وتنزيهه، والتفويض إليه، ويتقن عمله، ولا يخشى إلا الله، ولا يرجو إلا الله، يتأنى ويجد ويتعب كما أمر الله: (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه - فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا =
ورحم المسكين (1)، وابن السبيل (2)، والأرملة، ورحم المصاب (3) ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه (4) بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلقى كمثل الفردوس (5) في الجنة. رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحرّانى، وبقية رواته ثقات.
27 -
وروى عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا صلى فلم يُيتمَّ خشوعها (6)، ولا رُكوعها وأكثر الالتفات لم تُقبل (7) منه، ومن جر ثوبه خُيلاء (8) لم ينظر الله إليه (9)،
= لعلكم تفحلون) أرأيت أمر الله؟ إن الله تعالى يطلب من عبده: أن يحترف أي يختار له مهنة، أن ينظم نفسه في سلك العاملين. والعمل عبادة على شريطة عدم الغفلة عن ذكر الله وخشيته (وقطع نهاره في ذكرى) رب رجل في عمله يسعى لكسب رزقه، وهو واثق بربه وذاكره بقلبه نال ثوابا أكثر من عابد في مسجد يعوله غيره.
(1)
رأف بالمسكين؛ وأحسن إليه، وتصدق عليه.
(2)
ومد المسافر سفر طاعة بماله، وأكرمه وأطعمه وساعد السيدة التى مات زوجها وأنفق عليها من ماله، وتصدق عليها، أو رعاها أو أتم لها مصلحة، أو قدم لها خدمة لله.
(3)
عطف على المصاب بحادثة، أو المتألم من كارثة أو خفف لوعة المحزون، أو شارك في المأثم والمغرم يسطع نوره يوم القيامة كما يظهر ضوء الشمس.
(4)
أرعاه بجلالى وأمده برعايتى، وأجعل ملائكتى له حفظة وحراساً، وإذا وقع في شدة أنجيته، أو في كارثة حفظته أو في ضيق فرجت عنه أو ظلمة أضأت له السبل وأنرت له طرق الخير ورزقته الحكمة، وألهمته الصواب وأنطقته بالرشاد وعصمته من الأخطاء، وأسدلت عليه الحلم والجود وكرم الأخلاق ليعيش سعيدا محبوبا. قرير العين. مثلوج الفؤاد. ممتعاً برضاى، ويتبع هذا رضا الناس.
(5)
شبهه صلى الله عليه وسلم: في الناس بأعلى مكان في الجنة فكما أن الفردوس قطعة جميلة بديعة راقية أبهى وأسمى من غيرها، كذلك المتحلى بالأخلاق الكاملة أجل من غيره، ومعنى الفردوس: البستان الذى فيه الكرم والأشجار والجمع فراديس، ومصداق ذلك قوله تعالى:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) أي سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها وعن النبى صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم توضع له المحبة في الأرض) اللهم وفقنا لتحبنا.
(6)
لا يكمل خشوع صلاته، وينقص من ركوعها، ويشتغل قلبه بالدنيا وأعمالها، ويكثر من الحركة، والالتفات يمنة ويسرة، ويلعب بأصابعه، ويحك جسمه، ويحرك أعضاءه، ولا يجعل لوقوفه أمام الله رغبة أو رهبة.
(7)
صلاته لمتجاوز مكانه، ويردها الله عليه، ولا ثواب له، والفرض لازال في ذمته يحاسب الله عليه لتقصيره في أدائه.
(8)
من مشى متكبراً، وتعاظم بحسن ملابسه، وطول ثيابه، وحرها تفاخراً وتعظماً. والخيلاء: بالضم والكسر الكبر والعجب.
(9)
لم يرحمه، ولم يرأف به.
وإن كان على (1) الله كريماً (2). رواه الطبراني.
28 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أول شئٍ يُرفعُ من هذه الأُمة: الخشوع (3) حتى لا ترى فيها خاشعاً. رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه في آخر حديث موقوفاً على شداد بن أوس، ورفعه الطبراني أيضاً، والموقوف أشبه.
29 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال: مثل الصلاة المكتوبة (4) كمثل الميزان من أوفى استوفى. رواه البيهقى هكذا، ورواه غيره عن الحسن مرسلاً وهو الصواب.
30 -
وعن مطرفٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى وفي صدره أَزيزٌ كأزيز الرحى من البكاء. رواه أبو داود والنسائي، ولفظه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل، يعنى يبكى. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما نحو رواية النسائي إلا أن ابن خزيمة قال: ولصدره أزيزُ الرحى. بزايين: هو صوتها، والمرجل: بكسر الميم، وفتح الجيم: هو القدر، يعنى أن لجوفه حنينا كصوت غليان القدر.
(1) في نسخة: عند، والمعنى: أن الله جل جلاله يكره اثنين:
أ - مؤدى الصلاة ناقصة الأركان.
ب - المتغطرس المتكبر الذى يتغالى بطول ثيابه، ويتفاخر وهو حقير ذليل، ويعجب بنفسه، ويغتر بها.
(2)
أي وإن كان صالحاً كريما محبوباً عند الله زالت هذه الدرجات بنقص صلاته وكبره.
(3)
المعنى: يتكرم الله على الأمة الإسلامية بالخشوع والتواضع والذلة لله والميل إلى التعليم وحب الخير وهدوء النفس، وإذا أراد عقابها ونزع البركة من أعمالها أزال الخشوع من أبنائها وبعث فيهم القسوة والعظمة الفارغة والغطرسة الكاذبة، والجدل والنزاع والنفور.
(4)
ثواب أداء المفروضة على قدر تمامها وحسن كمالها؛ وشبه صلى الله عليه وسلم عمل المصلى بالميزان الذى يبين الكامل والناقص، فمن أوفى أركانها نال أجرة مساوية لإخلاصه وحسن أدائه، ووفاه الله تعالى بقدر خشوعه وتذلله وتؤدبه، ومصداق ذلك قوله تعالى:(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) 46 من سورة الأنبياء. الله تعالى يضع موازين العدل توزن بها صحائف الأعمال ويظهر فيها مقادير إخلاص العباد لذى الجلال والإكرام.
وهذا كناية عن شمول العباد وإحاطتهم ومعرفة خيرهم وشرهم وظلمهم وعدلهم، ويتجسم ذلك للعبد ليرى جزاء ما اقترفت يداه، وما ناله في حياته أو عمله في دنياه إن حقا وإن باطلا. قال البيضاوى: قيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوى، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل، وإفراد القسط لأنه وصف به للمبالغة؛ وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة أحضرناها، وقرئ آيتنا: بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا - أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال، وأتاهم بالجزاء، إلا مزيد على علمنا وعدلنا أهـ ص 459.
31 -
وعن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارسٌ يوم بدرٍ غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ يُصلى ويبكى (1) حتى أصبح. رواه ابن خزيمة في صحيحه.
32 -
وعن عبد الله بن أبى بكرٍ أن أبا طلحة الأنصارى رضي الله عنه كان يُصلى في حائطٍ (2) له، فطار دُبْسِىٌّ (3) فطفق (4) يتردد يلتمس مخرجاً فلا يجد، فأعجبه ذلك فجعل يُتْبِعه (5) بصرة ساعةً، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدرى (6) كم صلى، فقال: لقد أصابنى في مالي هذا فتنةٌ (7)، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذى أصابه في صلاته، وقال: يا رسول الله هو صدقةٌ فضعه حيث شئت (8). رواه مالك، وعبد الله بن أبى بكر لم يدرك القصة، ورواه من طريق آخر فلم يذكر فيه أبا طلحة ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظه:
أن رجلاً من الأنصار كان يُصلى في حائطٍ له بالقف، وادٍ من أودية المدينة في زمان الثمر، والنخلُ قد ذُللت (9) وهى مقطوفةٌ بثمرها فنظر إليها فأعجبته، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدرى كم صلى؟ فقال: لقد أصابنى في مالى هذا فتنةٌ فجاء عثمان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفةٌ، فذكر ذلك له، وقال هو صدقةٌ (10)
فاجعله في سبيل الخير، فباعه بخمسين ألفاً فسمىَّ المال الخمسين.
(الحائط): هو البستان.
(1) يتضرع ويتذلل لمولاه، ويعبده بإخلاص ويتهجد ويذكر ربه.
(2)
بستان.
(3)
الدبسى: طائر صغير.
قيل: هو ذكر اليمام، وقيل إنه منسوب إلى طير دبسى، والدبسة: لون بين السواد والحمرة، وقيل إلى دبس الرطب؛ وضمت داله في النسب كدهرى وسهلى، قاله الجوهرى أهـ نهاية ص 12.
(4)
استمرار يحوم يبحث عن مكان يخرج منه.
(5)
في نسخة: فتبعه.
(6)
لا يعلم عدد ركعات صلاته من اشتغاله بالنظر إليه.
(7)
اختبار وشغل عن الله؛ ونقص في الخشوع.
(8)
أعطاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبعده عن مصلاه، وفيه التفرغ للصلاة وإحضار القلب وإبعاد أي شاغل أمامه وإخلاص القلب لربه.
(9)
آن جنيها، وسهل قطفها، وزها ثمرها.
(10)
هذه الحديقة الغناء بما فيها من أشجار وأثمار تصدق بها لمشروعات الخير، إذ شظته في صلاته عن ربه بخ بخ ذلك مال رابح، انفتل خرج نقيا. =
(والدبسىّ): بضم الدال المهملة، وسكون الباء الموحدة، وكسر السين المهملة بعدها ياء مشددة: هو طائر صغير، قيل: هو ذكر اليمام.
= فقه الباب وخلاصته
إن الصلاة لا يتم واجب أدائها إلا بالاعتدال والطمأنينة في الركوع والسجود، ونهى صلى الله عليه وسلم عن السرعة في الصلاة وعدم الطمأنينة وافتراش كالسبع في الصلاة وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسرع في صلاته لصا بل هو أشد ضررا على نفسه وأكثر أذى لها.
وإن الله تعالى لا ينظر إليه نظر رحمة ورأفة. هذا إلى الإخبار عن نقص إسلامه وثلم إيمانه وزيغه عن الملة وإلحاده على هذه الحال لقابل ربه مجرماً عاصياً على غير الملة المحمدية وشبه عمله الناقص في الصلاة بالثغرة في الجدار والثلمة في القصر المشيد، والتصدع فيه.
شبه صلى الله عليه وسلم: الذى لا يطمئن في اعتداله بالحبلى التى تمخضت عن جنين ميت لم ينتفع به، ولم تتوفر المشقة عليها، ولم تذق طعم الراحة من تعب الحمل ولم تذق ثمرة حملها.
وأخبر صلى الله عليه وسلم: بوجود ملكين يرافقان العبد، فإذا أحسن في صلاته صعدا بها وإلا فيلفان الصلاة كثوب خلق ويضربان بها وجهه. قال نابغة بن شيبان:
إن من يركب الفواحش سرا
…
حين يخلو بسره غير خال
كيف يخلو وعنده كاتباه
…
شاهداه، وربه ذو المحال
عن أبي عبيدة. قال معنى قوله عز وجل: (وهو شديد المحال) أي شديد المكر والعقوبة، ومنه قول عبد المطلب بن هاشم:
لا هم إن المرء يمـ
…
نع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم
…
ومحالهم غدراً محالك
لاهم: أي اللهم، والحلال بالكسر المقيمون يريد بالقوم سكان الحرم.
وأخبر أيضاً صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة تؤدى ناقصة تذم مصليها وتسخط عليه وتدعو عليه بالويل والثبور، وتخرج سوداء مظلمة كالدخان، وقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلا مسرعا فأمره بإعاده الصلاة مرارا حتى أتمها كاملة، وأرشده إلى النهج القويم، والطريقة المثلى. الحديث.
ثم أفاد صلى الله عليه وسلم أن ثواب الصلاة مقسم ثلاثة:
أ - للطهارة.
ب - للركوع.
جـ - للسجود.
وأن المفلح الفائز الناجح المصلى صلاة كاملة، وأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله قوة الإبصار فيرى المأمومين وأن الصلاة عبارة عن توحيد وتشهد وتواضع وذلة، ومسكنة لله وطلب واستغفار ودعاء بالقبول وإنك تجد أيها القارئ حديثاً قدسياً عن الرب تبارك وتعالى يبين شرائط قبول الصلاة.
أ - التواضع لجلال الله، وطرح الكبر والعجب، والادعاء بالكذب.
ب - المودة والألفة، وعدم الشقاق والفخر، والتطاول على خلق الله.
جـ - الندم، والتوبة، والرجوع عن المعاصى، والإقلاع عن فعل الدنايا.
د - عدم الغفلة عن الله، وذكر الله دائما سراً وجهراً.
هـ - حب المساكين، والتودد إليهم، والإحسان، والشفقة، والرأفة بهم والصدقة عليهم وإكرامهم. =
33 -
وعن الأعمش قال: كان عبد الله، يعنى ابن مسعودٍ: إذا صلى كأنه ثَوْبٌ
= و - مساعدة الغريب والمسافر في طاعة.
ز - العطف على من مات زوجها، وإدارة شئونها، وحفظ مالها مع إيوائها وإكرامها.
ح - تخفيف ويلة المصاب، وإغاثته، وإقالته من عثرته، والتسرى عنه، وتفريج كروبه وإزالة همومه.
رجاء أن الله يحفظ عليه نوره ورعايته ويمده بعنايته، وحسبك إرشاد الله له، وإزالة جهله فيتحلى بالحلم، والأخلاق الكاملة فترتفع درجته:
وإذا العناية لاحظتك عيونها
…
ثم فالمخاوف كلهن أمان.
آه. وأنذر صلى الله عليه وسلم المسلمين بأخذ الخشوع، وبذا انعدمت البركة وقل الصلاح ودب دبيب الفساد وساد الجهل واغتر العامل بعمله، وانتزعت الشفقة والرغبة في أعمال الخير، فقال صلى الله عليه وسلم (حتى لا ترى خاشعاً) فعليكم أيها المسلمون بالخشوع والتواضع والتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن الله يمن علينا بنور الإسلام فيطمئن الخشوع في قلوبنا، ويغرس التواضع في نفوسنا، وينمو الإيمان في أفئدتنا، وحسبك أن الصحابة أدركوا غليان الإيمان في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوا أزيز خوفه من ربه وتضرعه، وصوت الذلة والمسكنة للجبار القهار ذى الملك والملكوت رب السموات والأرض ومن فيهن، يكثر التهجد والذكر والتسبيح والتمجيد، والبكاء من خشية الله.
وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (أما والله إنى لأخشاكم لله) وتتورم قدماه في العبادة فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) قالها لمن ذكر أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه. وأن يرأف بنفسه وهل تقتدى يا أخى بسيدنا أبى طلحة الأنصارى الذى رفرف عليه وهو يصلى فأبعده عن حديقته وتصدق به على الفقراء وأهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أكثر من هذا رجل له ضيعة قد طاب ثمرها ودنا قطفها وسهل جنيها وأدرك رطبها فأعجبته وهو يصلى فقال: لقد أصابنى في مالى هذا فتنة وذهب إلى أمير المسلمين سيدنا عثمان بن عفان ووقفه لمصالح المسلمين، هذا هو الإيمان أينع ثمره في قلب ذلك الأنصارى المسلم، فهل تقارن يا أخى أعمالك به لتسير غور إسلامك، وتعرف مقدار ضعفك.
وتتبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فتسلك طريق الصالحين مهما بعدت الشقة، والله ولى التوفيق
إن الصحابة رضي الله عنهم أتموا الصلاة وأدوها كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا قال الله تعالى فهم: (تراهم ركعا سجداً) من قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود) أشداء جمع شديد رحماء جمع رحيم والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم ويكثرون الخشوع ويطمئنون، ويعملون الصالحات طلباً للثواب والرضا. وعلامة ذلك السمة التى تحدث في جباههم من كثرة السجود ولعمرى هذا السبب في التشديد على التأنى في الركوع والسجود منه صلوات الله وسلامه عليه. لماذا؟ لتسعد الأمة بطاعة الله والخشوع له، وتنال الشرف والعزة وتحسن صلتها بربها وتظهر بمظهر المتحدين المتآلفين المتعاونين، وتتجلى القوة والرهبة، وبذا يشير:
أ - (أشداء على الكفار) ولتوجد روابط المحبة، وتتجدد أواصر المودة وتوثق العلاقات بين أفرادها بالتراحم والتزاور، واجتلاب الخيرات ومدافعة السيئات، ومد المساعدة للمحتاج، وبذا يشير:
ب - (رحماء بينهم) يقرأ صلى الله عليه وسلم القرآن، فيهز قلوبهم ويلين طباعهم ويطهر أرواحهم ويقيم عقولهم، ويعودهم محامد الأفعال وبذا يشير:
جـ - (تراهم ركعاً سجداً) يتواضعون، وبالله يتقون والله يسألون، وفي ثوابه يرغبون ومنه يرهبون وبذا بشير سبحانه وتعالى: =
مُلْقىً. رواه الطبراني في الكبير، والأعمس لم يدرك ابن مسعود.
= د - (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) صلى الله عليه وسلم: هو خير مظهر للأدب العالى والتعليم السامى والإرشاد الواقى، وأخلاقه طبقة، وأعماله وفقة، وعقائده صدقة. خلق من كلماته أمة وبنى أشمخ بناء المجد والعظمة، وسر ذلك الاستقامة والصلاة التى هى التسلية والرياضة البدنية والحصون المانعة من المكاره لمن أداها تامة، فقد روى أن أبا جهل قال: لو رأيت محمداً ساجداً لوطئت عنقه، ثم نكص على عقبيه، فقيل له: مالك؟ فقال: إن بينى وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. هذه شهادة عدو اعترف بفائدة الصلاة. الوقاية من السوء وحفظ الله للمصلى من الكيد والدس. ولذا نزل قوله تعالى: (أرأيت الذى ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب) 10 - 19 من سورة العلق. كلا: حرف ردع وزجر وقريع لأبى جهل الناهى والله إن لم ينته عن معاكسته لك يا رسول الله لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، ونقبض على أم رأسه، ونجذبه بشدة ونؤذيه ونؤلمه، فليطلب أهل ناديه ليعينوه، وهو المجلس الذى ينتدى فيه.
روى أن أبا جهل لعنه الله مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فقال: ألم أنهك، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتهددنى؟ وأنا أكثر أهل الوادى ناديا، فنزلت (سندع الزبانية) سنوجه أهل جهنم ليجروه إلى النار، وهنا شاهدنا (لا تطعه واسجد واقترب) أي اثبت أنت على طاعتك ودوم على سجودك وأكثر من صلاتك وتقرب إلى ربك، وفي الحديث:(أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد) ولعلك فهمت يا أخى الحكمة من تشديد النبى صلى الله عليه وسلم على الاطمئنان في الركوع والسجود والاعتدال فيهما، ولعل العرب كانوا يأنفون من الركوع والسجود ويرونهما ذلة وخضوعا، فجاء الإسلام فذللك هذا الخلق لله تعالى وجعل السجود صفة ملازمة لعباد الرحمن الأولياء الصالحين المحافظين على الصلاة ليل نهار. قال تعالى عنهم (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) 65 من سورة الفرقان: يظلون الليل يعبدون الله تعالى ويتهجدون وخص البيتوتة لأن العبادة بالليل أدعى إلى الإجابة، وأبعد عن الرياء. وقد أمر الله سبحانه وتعالى اللاهين المتكبرين المغترين بالدنيا وزهرتها:
أ - (فاسجدوا لله واعبدوا). وكذا أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم:
ب - (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص). وكذا أمر المسلمين المؤمنين:
جـ - (ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) 78 إلى قوله تعالى:
د - (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) من سورة الحج تحد أعزك الله الأمر بالصلاة والزكاة، وطلب الثقة به في مجامع الأمور حتى لا يطلب المسلمون الإعانة والنصر إلا منه جل جلاله لأنه سبحانه مولانا وناصرنا وحافظنا وراحمنا ومحسن إلينا، ورءوف بنا، ولا مولى ولا نصير سواه. وقد سمعت شهادة أبى جهل بالحصون المنيعة حول محمد صلى الله عليه وسلم. حاشا! إنه عليه الصلاة والسلام أول من يعتصم بربه فصانه من كيد أعدائه ورد خنجرهم في نحرهم وسيفهم في جسومهم، وباءوا بالفشل والهزيمة، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى:(فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيما) تجد يا أخى التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات سبب فضل الله، وزيادة الدرجات، وقيل المكارم، وجماع ذلك الكلام (لمن أتم ركوعها وسجودها) وإن الله تعالى أمر غير المسلمين أولاد سيدنا يعقوب عليه السلام:(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) 44 سورة البقرة. =
34 -
وعن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
= قال البيضاوى: يعنى صلاة المسلمين وزكاتهم، فإن غيرهما كلا صلاة ولا زكاة. أمرهم بفروع الإسلام بعد ما أمرهم بأصوله وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بها والزكاة من زكاة الزرع إذا نما، فإن إخراجها يستجلب بركة في المال، ويثمر للنفس فضيلة الكرم - أو من الزكاة بمعنى الطهارة فإنها تطهر المال من الخبث، والنفس عن البخل (واركعوا مع الراكعين) أي في جماعتهم فإن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لما فيها من تظاهر النفوس، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازاً عن صلاة اليهود، وقيل الركوع: الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع. قال الأضبط السعدى:
لاتهين الفقير علك أن تر
…
كع يوما والدهر قد رفعه
أهـ ص 28. وأنا أذكر لك آيات أصول الدين كما فسر البيضاوى. قال تعالى (يابنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون 41 وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتوا بآياتى ثمنا قليلا وإياى فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) 43 من سورة البقرة.
أ - أمرهم بالتفكير في النعم والقيام بشكرها.
ب - القيام بالإيمان والطاعة ليحسن إثابته. إنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أوفوا بعهدى باتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم في رفع الآصار والأغلال، وعن غيره: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب - أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم.
جـ - خشية الله تعالى - والرهبة خوف مع تحرز، والمؤمن ينبغى ألا يخاف أحداً إلا الله سبحانه وتعالى.
د - الإيمان بالمنزل المصدق لما معهم من الكتب الإلهية لأنه يدعو إلى التوحيد، والأمر بالعبادة والعدل بين الناس، والنهى عن المعاصى والفواحش، ولذا قال عليه الصلاة والسلام:(لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعى).
هـ الواجب اتباعه، والتصديق به للتثبت في معناه، وأنهم كانوا أهل النظر في معجزاته، والعلم بشأنه، والمستفتحين به، والمبشرين بزمانه.
ع - ولا تستبدلوا بالإيمان بها والاتباع لها حظوظ الدنيا.
ز - اقصروا الخوف منى على والرهبة لى، واتبعوا الحق، واخشوا عرض الدنيا.
ح - لا تخلطوا الحق المنزل عليكم بالباطل الذى تخترعونه، أو بالخط الذى تكتبونه في خلاله.
الاستعانة بالصلاة كما أمر الله تعالى
بعد الأمر بترك الكلفة والرياسة والاستعداد للمكارم، والإعراض عن المال، والبعد عن الدنايا، عالج تعالى نفوس المسلمين بخلتين وشفاهم بأمرين (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) 47 من سورة البقرة.
وشاهدنا إيها السادة الصلاة؛ لأنها كما قال البيضاوى: جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما والتوجه إلى الكعبة والعكوف للعبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان ومناجاة الحق وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطيبين حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب، وجبر المصائب. =
ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلم مايقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وهو في مسلم وغيره بنحوه، وتقدم.
= روى أنه عليه الصلاة والسلام: (كان إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة). ويجوز أن يراد بها الدعاء والاستعانة بها أو بالصلاة لاستجماعهما ضروبا من الصبر، أو جملة ما أمروا به ونهوا عنه (وإنها لكبيرة): أي ثقيلة، ولذا يقال: الخشوع بالجوارح، والخضوع بالقلب أهـ ص 29.
وقد وصف تعالى الخاشعين بصفتين:
أ - يعتقدون بلقاء الله ويتوقعون ويرجون نيل ما عنده.
ب - يجزمون أنهم يحشرون إلى ربهم فيجازيهم ويثيبهم.
ومن محاسن البديع: يظنون أي يعلمون علم اليقين وتضمن معنى التوقع. قال أوس بن حجر:
فأرسلته مستيقن الظن أنه
…
مخالط ما بين الشراسيف جائف
هل تفقه الاستثناء؟ (إلا على الخاشعين): أي الذين لم يستثقلوا الصلاة بل حافظوا على أدائها لماذا؟ لأنهم ذللوا نفوسهم لله، وأطلقوا عنانها حبا في الله وجعلوها مرتاضة. بأمثالها متوقعة في مقابلتها ما يستحقر لأجله مشاقها ويستلذ بسببه متاعبها، ومن ثمة قال عليه الصلاة والسلام:(وجعلت قرة عينى في الصلاة)، وهى عنوان التقوى، وبها تحدث الشعراء:
لم يجدك الحسب العالى بغير تقى
…
مولاك شيئاً فحاذر واتق الله
والكرامة في نيل الفخار به
…
فأكرم الناس عند الله أتقاها
وقال صالح بن عبد القدوس:
عليك بتقوى الله فالزمها تفز
…
إن التقى هو البهى الأهيب
واعمل بطاعته تنل منه الرضا
…
إن المطيع لربه لمقرب
فعليك أخى بالمداومة على أداء الصلوات لتقوى وتحظى بما تهوى ويلحظك ربك بجلاله؛ ويرعاك بكماله ودليل ذلك عطف الله جل وعلا من أقاموا الصلاة على من يتقون. قال تعالى:
أ - (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 129 والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) 130 سورة الأعراف. قال البيضاوى: (أجر المصلين) على تقدير منهم أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع، وقرأ أبو بكر يمسكون بالتخفيف وأفرد الإقامة لإنافتها على التمسكات أهـ.
ب - (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا (1) بعد إذ هدانا الله (2) كالذى استهوته الشياطين في الأرض حيران (3) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين 72 وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون) 73 سورة الأنعام. =
_________
(1)
نرجع إلى الشرك.
(2)
رزقنا الإسلام.
(3)
متحيراً ضالا عن الطريق. أي سلم يا محمد لهداية الله وتوفيقه. وأن هدى الله الإسلام وما عداه ضلال (وأن أقيموا الصلاة واتقوه) قال البيضاوى: عطف على لنسلم: أي للإسلام ولإقامة الصلاة أو على موقعه؛ كأنه قيل: وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا الصلاة. روى أن عبد الرحمن بن أبى بكر دعا أباه إلى عبادة الأوثان فنزلت، وعلى هذا كان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القول إجابة عن الصديق رضي الله عنه تعظيما لشأنه وإظهاراً للاتحاد الذى كان بينهما، عليك بالإسلام وإقامة الصلاة والتقوى. هكذا أمرنا. هذا التعليم الإلهى لمحمد صلى الله عليه وسلم.