الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر
1 -
عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى البردين دخل الجنة. رواه البخاري ومسلم.
(البردان): هما الصبح والعصر.
2 -
وعن أبي زهيرة عمارة بن روينة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يعنى الفجر والعصر. رواه مسلم.
3 -
وعن أبي مالك الأشجعى عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله وحسابه على الله. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورواته رواة الصحيح إلا الهيثم بن يمان، وتكلم فيه، فللحديث شواهد.
= إذا ما لقيت الله عنى راضيا
…
فإن شفاء النفس فيما هنالك
فحسبى بقاء الله من كل ميت
…
وحسبى حياة الله من كل هالك
وقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا
…
ونحن نذوق الموت من بعد ذلك
فإن مت فاذكرنى بذكر محبب
…
فقد كان جما في رضاك مسالكى
وإلا ففى دبر الصلاة بدعوة
…
يلقى بها المسجون في نار مالك
عليك سلام حيا وميتاً
…
ومن بعد ما تحيا عتيقاً لمالك
ثم دخل عليه أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعى، وقال: كيف ترى مابك يا حجاج من غمرات الموت وسكراته؟ فقال: يا يعلى، غما شديداً وجهداً جهيداً وألما مضيضاً، ونزعا جريضاً؛ وسفراً طويلا وزاداً قليلا، فويلى ويلى إن لم يرحمنى الجبار، فقال له يا حجاج: إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولى الرحمة والرأفة والتحنن والتعطف على عباده وخلقه. أشهد أنك قرين فرعون وهامان لسوء سيرتك، وترك ملتك، وتنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين، قتلت صالحى الناس فأفنيتهم، وأبرت عثرة التابعين فتبرتهم، وأطعت المخلوق في معصية الخاق، وهرقت الدماء، وضربت الأبشار، وهتكت الأستار، وسست سياسة متكبر جبار. لا الدين أبقيت، ولا الدنيا أدركت، أعززت بنى مروان، وأذللت نفسك، وعمرت دورهم، وأخربت دارك، فاليوم لا ينجونك ولا يغيثونك، إذا لم يكن لك في هذا اليوم ولا لما بعده نظر، لقد كنت لهذه الأمة اهتماما واغتماما وعناء وبلا، فالحمد لله الذى أراحها بموتك، وأعطاها مناها بخزيك (قال) فكأنما قطع لسانه عنه، فلم يحر جوابا، وتنفس الصعداء، وخنقته العبرة، ثم رفع رأسه، فنظر إليه، وأنشأ يقول:
رب إن العباد قد أيأسونى
…
ورجائى لك الغداة عظيم
أهـ ص 174 أمالى النوادر. اللهم قنا عذابك، ونجنا من الهول، ووفقنا للعبادة إنك المستعان، واجعلنا من المعتبرين أولى الأبصار الموحدين الأبرار يارب.
(أبو مالك): هو سعد بن طارق.
4 -
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشئٍ يدركه، ثم يكُبُهُ على وجهه في نار جهنم (1). رواه مسلم وغيره.
5 -
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة (2) فأُصيبت ذمته، فقد أصتبيح حمى الله (3) وأُخفرت (4) ذمته وأنا طالب بذمته (5). رواه أبو يعلى.
6 -
وعن أبي بصرة الغفارى رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، وقال: إن هذه الصلاة عُرضت على من كان قبلكم (6) فضيعوها، ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين، الحديث. رواه مسلم والنسائي.
(المخمص) بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً، وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها، وفي آخره صاد مهملة: اسم طريق.
(1) يرميه في النار، معناه والله أعلم أن الذى أدى صلاة الصبح في أول وقته جماعة، فهو في أمان الله وعهده ورعايته وحفظه وصيانته، والله تعالى القوى المعتمد. ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يقصر أي مسلم في تأدية هذا الفرض خشية أن يقع تارك صلاته تحت عقاب الله، ويكون مطالباً بالوفاء والأداء، والله إن شاء أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأخرجه من كنف رحمته، وسياج رأفته، ورماه في جهنم على وجهه منكساً مدحوراً.
(2)
الصبح، فأصاب في عمله، ووفى عهده بينه وبين ربه، وأتبع الرشاد، وسلك الصواب وأصبح في حمى الله ورعايته، ومشى في أمانه، ورعى أوامره، بمعنى أن ما نهى الله عنه من ترك الصلاة صار في إباحة ومنع عنه الحذر، رضي الله عنه، وحمى الله مباح له الآن، وقد فسر صلى الله عليه وسلم بقوله:(ألا إن حمى الله محارمه).
الله أكبر: أباح الله له طيبات الرزق يسرح ويمرح في حلال، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا حمى إلا لله ولرسوله) قال في النهاية: كان الشريف في الجاهلية إذا نزل بأرض في حيه استعوى كلباً فحمى مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأضاف الحمى إلى الله ورسوله أي ما يحمى للخيل التى ترصد للجهاد أهـ.
(3)
أمانه ورضاه.
(4)
تم وفاؤه وانتهى عهده مع الله وأدى أمانته ومنه الخفير: الحامى الكفيل.
(5)
وأنا أسأله أداء الأمانة: أي النبى صلى الله عليه وسلم بريد الوفاء بما عاهد الله عليه من أداء صلاة الصبح وإلا فقد خان ونكث ونقض.
(6)
من الأمم السابقة، ولهم صلاة بنظام مخصوص غير صلاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تفضل تعالى فخفف أداءها، وقلل عددها وضاعف أجرها إكراما لحبيبه صلى الله عليه وسلم. شكراً لك يارب قبلت سيدنا ومولانا، وفرضت خمس صلوات في كل يوم وليلة ولكن في الثواب خمسون الحسنة بعشر أمثالها.
المحافظة على الصبح والعصر
7 -
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح في جماعةٍ فهو فى ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه. رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير واللفظ له، ورجال إسناده رجال الصحيح.
8 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله تبارك وتعالى، فلا تخفروا (1) الله تبارك وتعالى في ذمته، فإنه من أخفر ذمته طلبه الله تبارك وتعالى حتى يُكبه (2) على وجهه. رواه أحمد والبزار، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه.
(وفى أول قصة) وهو: أن الحجاج (3) أمر سالم بن عبد الله (4) بقتل رجل، فقال له سالم: أصليت الصبح؟ فقال الرجل نعم فقال له انطلق، فقال له الحجاج: ما منعك من قتله؟ فقال سالم: حدثنى أبى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الصبح كان في جوار الله يومه: فكرهت أن أقتل رجلاً أجاره الله، فقال الحجاج لابن عمر: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عمر: نعم.
(قال الحافظ) وفى الأولى: ابن لهيعة، وفي الثانية: يحيى بن عبد الحميد الحمانى.
(1) فلا تنقضوا عهد الله في أمانة الذى واثقكم به، إذ جمع الذرارى في عالم الأرواح وقال تعالى (ألست بربك؟ قالوا بلى. شهدنا) أخفره: نقض عهده وغدر: الاسم الخفرة: أي الذمة، والخفير: المجير خفر الرجل: أجاره، وتخفر بفلان استجار به وسأله أن يكون له خفيراً ص 182 مختار الصحاح.
(2)
يصرعه ويرميه بقسوة، وكبكبه: أي كبه، والفعل اللازم أكب هو على وجهه فانكب. قال تعالى (فكبكبوا فيها).
(3)
والى العراق وقد كتبنا لك أيها القارئ حالة الحجاج عند احتضاره لتنهض بنفسك في إبان قوتك بأن تصلى وتعمل صالحا.
(4)
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. موظف تحت إمرة الحجاج فجئ إليه بمتهم استحق القتل في نظر الوالى الحاكم المنفذ أوامر الدولة؛ ولكن نور الله تعالى سطع على جبين هذا المتهم ظلما وعدوانا. فأدركه ذلك العالم التقى ابن الورع سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله: أصليت الصبح؟ سؤال بديع خارج عن تنفيذ القانون، ولكن أخذ منه حفيد عمر الاستقامة في ذلك الرجل وإنكار الإجرام لماذا؟ لأنه فقهه أبوه وأفهمه الحكمة فوعى، واسترشد بهداية الله وقد أقنع الحاكم الراعى بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت فراسة صائبة ونظرة حكيمة وتؤدة، وخوف من الله في تنفيذ حدوده، ولعلك يا أخى تفهم إذا: السر في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أوى إلى الله أواه) ولا تظنن أن صلاة الصبح مع ارتكاب الجرائم والإصرار على الأذى يمنعك من عقاب الله وعقاب أولى الأمر. بل إن صلاة الصبح مدعاة للتوبة. والإقلاع عن المعاصى، وبذا تعمك رحمة الله، ويشرق قلبك في شموس هدى الله وعونه وحفظه فهل تعاهدنى على صلاة الفجر مع العمل الصالح؟ لتأمن من الزلل دنيا وأخرى وفقنا الله تعالى.
9 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون (1) فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج (2)
الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهم أعلم بهم - كيف ترتكم عبادى؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون. وأتيانهم وهو يصلون. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه في إحدى رواياته قال:
(1) قال النوى: فيه دليل لمن قاله من النحويين يجوز إظهار ضمير الجمع، والتثنية في الفعل إذا تقدم وهى لغة بنى الحارث، وحكموا فيه أكلونى البراغيث، وعليه حمل الأخفش، ومن وافقه قول الله تعالى:(وأسروا النجوى الذين ظلموا) وقال سيبويه: وأكثر النحويين لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل، ويتأولون كل هذا، ويجعلون الأسم بدلا من الضمير ولا يرفعونه كأنه لما قيل: وأسروا النجوى. قيل: من هم؟ قيل: الذين ظلموا، وكذا يتعاقبون، ونظائره، وأما اجتماعهم: تأتى طائفة من بعد طائفة ومنه تعقب الجيوش، وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجئ آخرون، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عبادتهم، واجتماعهم على طاعة ربهم، فيكون شهادة لهم بما شاهدوه من الخير، وسؤاله تعالى تعبد منه لملائكه كما أمرهم بكتب الأعمال، وهو أعلم بالجميع. أهـ ص 133 جـ 5.
قال القاضى عياض رحمه الله: وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب، قال: وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة، أهـ.
(2)
يصعد إلى السموات نظام شرطة يحافظون على تبليغ أعمال العباد، فتتسلم طائفة من الملائكة العبد في إبان الفجر، وترافقه أنى شاء، فيكتب أهل اليمين حسناته، وأهل الشمال سيئاته وتنتهى نوبة مراقبتهم في إبان وقت العصر، وهكذا دواليك. والله تعالى الملك الرقيب السميع البصير يسأله تشريفاً للصالح، وتبكيتاً للفاسق، فياسعادة من وصل خيره بأداء حق مولاه عسى أن ينال المغفرة، ودعوات الملائكة الصالحات.
فقه الباب
إن دخول الجنة بسبب المحافظة على صلاة الصبح والعصر، وذلك العمل حصن حصين يقيك النار. هذا إلى استظلال المصلى. برضوان الله وأمانه، وإن تارك صلاة الصبح بعيد من رحمة الله، وكاد يكب في جهنم. وصلاة الصبح تبرئ ذمة من أداها وتبيح له حمى الله يرتع في خيراته (وأخفرت ذمته) أي وقت، ونهى صلى الله عليه وسلم عن تأخيرها حتى تطلع الشمس (فلا تخفروا الله) أي لاتنقضوا عهده. وفيه حادثه سالم بن عبد الله الذى نجى مصلى الصبح من القتل ووافقه الحجاج. هذا إلى توريد صحائف المصلى مملوءة حسنات إلى بارئها جل وعلا لتدخر كنزاً له يوم العرض والحساب. ولعلك عرفت سر عمران الدنيا ببنى آدم، وأن الله جل وعلا أعطاه الحول والطول فيها، واصطفى جملة منهم يعبدون الله جل وعلا ويباهى ملائكته ويسألهم سؤال عظمة وإجلال وسؤال إحاطة وشمول وحكمة (كيف تركتم عبادى) فالمؤمن من حافظ على الصلوات ليذكر اسمه في الملأ الأعلى عصراً وفجراً. قال تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) 338 من سورة البقرة. أي داوموا عليها، وأدوها في وقتها. قال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى =