الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها
1 -
عن سعد بن أبى وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سعادةِ ابن آدم استخارته الله عز وجل. رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم، وزاد: ومن شقوةِ ابن آدم: تركه استخارة الله. وقال: صحيح الإسناد كذا قال، ورواه الترمذي، ولفظه:
من (1) سعادة ابن آدم: كثرة استخارة الله تعالى، ورضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله له.
وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبى حميد، وليس بالقوىّ عند أهل الحديث، ورواه البزار، ولفظه:
= فيه أن الإنسان يتذلل إلى الله ويتضرع، ويكثر من سؤاله والثناء عليه جل وعلا ليجيب طلبه. قال تعالى:
أ - (وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لايشكرون. وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) 73 - 75 من سورة النمل. الله تعالى. صاحب النعم العظيمة على عباده عليم بالخافى والظاهر مقرر في اللوح المحفوظ.
أيها المسلم: افقه هذا الباب واحفظ هذا الدعاء وثق أن ربك خزائنه لا تنفد واطلب منه جل جلاله ما تشاء واملأ قلبك إيمانا به، وثقة بوجوده، ونصره لمن التجأ إليه تعالى واحتقر ما سوى الله، واعلم كما قال صلى الله عليه وسلم:(أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك) وعليك بأداء حقوق الله وواجباته. قال الله تعالى:
أ - (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور) 22 من سورة لقمان.
ب - (لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغنى الحميد) 26 من سورة لقمان.
(1)
يبين الله تعالى للمسلم عسى أن يلجأ إليه سبحانه وتعالى في مهام أموره صغيرها وكبيرها جليلها ودقيقها كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن علامات السعادة ودلائل الخير، وطرق النجاح أن تلجأ للتفويض لمولاك، وتسلم إليه جل جلاله زمام أمرك. وتجعل نفسك منقادة له ذليلة مطاعة منتظرة رحمته، وثابة إلى عبادته راغبة في إحسانه؛ ومن الخيبة والخسران الجموح عن استشارة الله واستخارته في أعمالك قبل البدء فيها، ومن الطرد والبعد والجفاء والغلظة نكران فضل المنعم، والتبجح بثاقب رأيه، وحسن إدارته، ولا يلجأ إلى مولاه يستخيره. أهذا خير يارب فأقدم أو شر فأحجم؟ وإن من الحكمة أن ترضى بفعل الله، وتتقبل الحوادث بثغر باسم، ونفس مطمئنة، وصدر منشرح. لماذا؟ لأنك تعتقد في وجود الله الفعال (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) أما إعلانك الحرب على الله، والسخط بقضاء الله، فهذا قلة أدب وفجور وفسوق وكفران مع أن السخط لا يجدى شيئاً ولا يدفع ضرا، ومن رأفته صلى الله عليه وسلم بأمته إرشاده صلى الله عليه لسبل استخارة الله تعالى (يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) قال الشوكاني: دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره، وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم، أو في تركه. أهـ 62 جـ 3.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة، وسخطه بعد القضاء، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والأصبهاني بنحو البزار.
2 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلمنا السورةَ (1) من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع (2) ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل (3): اللهم إنى أستخيرك (4)
بعلمك، وأستقدرك (5) بقدرتك، وأسئلك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لى في دينى ومعاشى (6)، وعاقبة أمرى (7)، أو قال: عاجل أمرى وآجله فاقدره لى، ويسره لى، ثم بارك لى فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ
(1) أي أنه صلى الله عليه وسلم يشرح لنا طريق استخارة المولى جل وعلا كما يعلمنا السورة من كتاب الله تعالى ويهتم بالإرشاد. قال الشوكاني: فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغوب فيه أهـ.
(2)
الأمر للندب: أي يسن له أن يصلى ركعتين بنية الاستخارة، ويتذلل لمولاه عسى أن يرشده إلى الصواب، ويقيه شر الزلل، ويلهمه التوفيق، ويسدد خطاه، ويمنع عنه السوء، ولا تجزئ الركعة الواحدة ولا تضر الزيادة على الركعتين كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبى أيوب:(ثم صل ما كتب الله لك) أي صل الركعتين بعد أن تؤدى الواجب عليك من صلاة فريضة أو سنة مؤكدة أو راتبة: أي تنتهز فرصة صلاتها بعد إتمام ما عليك. قال الشوكاني: فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة والسنن الراتبة، وتحية المسجد، وغير ذلك من النوافل، وقال النووي في الأذكار: إنه يحصل التسنن بذلك. وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر، فإذا صلى راتبة أو فريضة، ثم هم بأمر بعد الصلاة، أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة. قال العراقى: إن كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتبة ونحوها، ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة، فالظاهر حصول ذلك. أهـ.
(3)
فيه أنه لايضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل، وأنه لا يضر الفصل بكلام آخر. يسير خصوصاً إن كان من آداب أبواب الدعاء.
(4)
أطلب منك الخير والهداية إلى الرشد لأمشى في طريق ترضاها، وعاقبتها نجاحى وفلاحى ويمنى ويسرى لأنك أعلم ..
(5)
أطلب منك قوة تساعدنى على المضى في الخير، وتمنعنى عن السير لأنك قادر ومريد.
(6)
حياتى، وما يؤنس به، ويزيدنى كمالا وجمالا.
(7)
نهاية حالى.
لى في ديني (1)
ومعاشى، وعاقبة أمرى، أو قال: عاجل أمرى وآجله، فاصرفه عنى (2) واصرفنى عنه، واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى (3) به. قال: ويُسمِّى حاجته. رواه البخاري، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
(1) في ن د: ودنياى. قال الشوكاني: هو طلب الأكمل من وجوه انصراف ما ليس فيه خيرة عنه ولم يكتف بسؤال صرف أحد الأمرين لأنه قد يصرف الله المستخير عن ذلك الأمر بأن ينقطع طلبه له، وذلك الأمر الذى ليس فيه خيرة لطلبه فربما أدركه، وقد يصرف الله عن المستخير ذلك الأمر، ولا يصرف قلب العبد عنه بل يبقى متطلعاً متشوقاً إلى حصوله، فلا يطيب له خاطر إلا بحصوله، فلا يطمئن خاطره فإذا صرف كل منهما عن الآخر كان ذلك أكمل، ولذلك قال: واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به لأنه إذا قدر له الخير، ولم يرضى به كان منكر العيش آثما بعدم رضاه بما قدر الله له مع كونه خيراً له. أهـ.
فأنت ترى سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم يعلمك التفويض في الأمر إلى ربك، وطلب توجه دفة سفينتك مع إخلاصك لربك وتنفيذ العزيمة، وصدق النية، فعلمك صلاة الاستخارة، ودل على مشروعيتها، والدعاء عقبها بطلب مساعدتك (ويسمى حاجته) أي في أثناء الدعاء يكنى عنها، والله عليم بها سبحانه.
قال النووي: ينبغى أن يفعل الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغى أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة بل ينبغى للمستخير ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون مستخيرا لهواه، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبرى من العلم والقدرة، وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اختياره لنفسه أهـ.
(2)
أبعده عنى، وأزله من فكرى.
(3)
كذا ع ص 234، وفى ن ط: رضنى. إن تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعو إلى فلاح العاملين بها ونجاحهم في الدنيا والآخرة، وما آداب الشرع إلا حصن منيع، وسياج متين يبعد القبائح، ويزيل الفواحش، ويطرد المنكر، وإنما هى أنوار ربانية تضئ قلوب المتقين، فيلهمون بالعمل الصالح، ويسلكون سبل السعادة، والعيش الرغد بدليل قوله تعالى لحبيبه خير الخلق ورحمتهم صلى الله عليه وسلم:(قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين 50 فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم 51 والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم) 52 من سورة الحج. إن الالتجاء إلى الله في استخارته في مهام أمورك عمل صالح أرشدك إليها قائد الشرع عليه الصلاة والسلام (نذير) أي أوضح لكم أيها الكفرة والفسقة ماأنذركم به، وأعلمكم أن مخالفة الله في أوامره سبب العذاب والخراب، والمطيعون الله ورسوله لهم مغفرة لما بدر منهم والله يعفو عنهم، وعاقبتهم بعد الموت الجنة، وفي الدنيا سعة ورزق رغد، وعيش سعيد وخيرات جمة، ومكاسب وفيرة، ورضا الرحمن (كريم) أي من كل نوع يجمع فضائله (معاجزين) مسابقين بالرد والإبطال وعدم العمل بكتاب الله مغالبين مشاقين الساعين فيه بالقبول والتحقيق مثبطين عن الإسلام، من عاجزه فأعجزه وعجزه: إذا سابقه لأن كلا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به وجزاء العصاة والكفار النار الموقدة. قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنى أسألك صحة في إيمانى، وإيمانا في حسن خلقى، ونجاحا يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية، ومغفرة منك ورضوانا، عن أبي هريرة. قال المناوى: رجاله ثقات.