الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم يُصلى فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين (1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في صحيحه.
5 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لأن يكون الرجل رماداً (2) يُذرى (3) به خيرٌ له من أن يمر بين يدى رجلٍ متعمدًا (4) وهو يصلى. رواه ابن عبد البر في التمهيد موقوفاً.
الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا
1 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل (5) وبين الكفر ترك الصلاة. رواه أحمد ومسلم وقال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وأبو داود والنسائي ولفظه: ليس بين العبد، وبين الكفر إلا ترك الصلاة. والترمذي، ولفظه قال بين الكفر والإيمان ترك الصلاة. وابن ماجه ولفظه قال: بين العبد (6) وبين الكفر ترك الصلاة.
2 -
وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) مصاحب الشر، وهو الشيطان الملازم للإنسان، ومنه حديث:(ما من أحد إلا وكل به قرينه). أي مصاحبه من الملائكة والشياطين، فإن كل إنسان معه قرين منهما، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير، ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر، ويحثه عليه. أهـ نهاية ص 249.
(2)
رماداً دقيقاً ينتشر.
(3)
يسفى وينتشر، ويترك في الهواء ليملأه. ذروت الشئ: طيرته وأذهبته، وبابه عدا، وذرت الريح التراب من باب عدا ورمى: سفته، ومنه قولهم: ذرى الناس الحنطة تذرية، والمذرى: خشبة يذرى بها، وتنقى بها الأكداس.
(4)
قاصداً أن يمر عليه، فإذا سها أو نسى غفر الله له، وعفا عنه.
(5)
بين المسلم وبين الإلحاد، وإنكار نعم الله، والإشراك به درجة واحدة هى تعمد اجتناب الصلاة وعدم إقامتها. والمعنى والله أعلم أن إقامة الصلاة ركن الإسلام، وتاركها متعمداً كافر وزنديق ومشرك، وإن مات مات على غير الإسلام، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، وتركها كسلا يجر إلى نسيان نعم الله، ويبعد عن رحمة الله، ويجلب نقمة الله ويدل على سوء الخاتمة.
(6)
المطيع المؤمن المقرب.
العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1). رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح، ولا نعرف له علة.
3 -
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصالٍ فقال: لا تشركوا بالله شيئاً، وإن قُطعتم (2) أو حرقتم، أو صلبتم، ولا تتركوا الصلاة، متعمدين، فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية، فإنها سخط (3) الله، ولا تشربوا الخمر، فإنها رأس (4) الخطايا كلها الحديث. رواه الطبراني، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما.
4 -
وعن عبد الله بن شقيقٍ العقيلى رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة. رواه الترمذي.
5 -
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك (5)
رواه هبة الله الطبرى بإسناد صحيح.
(1) جحد فضل الله، وغفل عن ذكر الله، وباء بالخيبة، ورجع بالخسران، وحرمان ثواب الله وعطفه ورضوانه.
(2)
قتلتم إربا إربا، أو رميتم في النار، أو وضعتم على جذوع الأشجار وشددتم.
(3)
مجلبة لغضبه.
(4)
أصل، تجر الويلات، وتدعو إلى فعل الموبقات، وهى رأس المصائب، وباب الفقر والدعارة.
(5)
عد كافراً بالله وعاصياً لأنه تهجم على ترك أمره. قال النووي: وأما ترك الصلاة فإن كان منكراً لوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو الحال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله، والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن، ولكنه يقتل بالسيف. وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه. وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعي رضوان الله عليهما ورحمهما الله أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلى واحتج من قال بكفره بظاهر الحديث الثاني المذكور وبالقياس على كلمة التوحيد. واحتج من قال لا يقتل بحديث:(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس فيه الصلاة واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة .. من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة =
صفة الصلاة المطلوبة شرعا
6 -
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاسهم (1)
في الإسلام لمن صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. رواه البزار.
= ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة، حرم الله النار على من قال لا إله إلا الله) وغير ذلك، واحتجوا على قتله بقوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم) وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهى القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يئول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفرة، والله أعلم. أهـ ص 71 جـ 2.
ما عذرك ياتارك الصلاة وقد رأيت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيح إراقة دمك، وضياع مالك وذهاب قيمتك في الحياة حتى قال العلماء: امرأته طالق، لأنه نقص قدره، قلت درجته وصار دنيئاً ليس كفؤا في نظر الشارع لها، هذا في الدنيا، فما بالك في الآخرة عند سؤال الله لك عن سبب تركها، وما الذى ينجيك من شدائد يوم القيامة، وهل قرأت قول الله تعالى يضرب مثلا للعابد المتهجد الخائف من أهوال القيامة والراجى فضل ربه، قال تعالى:
أ - (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) هل يتساوى أيها العقلاء من يسهر طول ليله في عبادة ربه كمن هو ضده كافر أو غافل أو تارك (قانت) قائم بوظائف الطاعات ساعة الليل.
ب - (وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون) 59 أي لا يتساوى الغافل والمستبصر العامل والمحسن المسئ وإن تذكر المسلمين في هذا الفرق قليل (إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) 60 من سورة المؤمنون. أجمع الرسل على الوعد بوقوعها ولكن لا يصدق المؤمنون أكثرهم لقصور نظرهم.
جـ - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون، فاتق الله وصل عسى إن عجزت تسامح وتؤجر.
(1)
أي لا نصيب له في خير الإسلام لأنه مشرك، والسهم في الأصل واحد السهام التى يضرب في الميسر، وهى القداح، ثم سمى به ما يفوز به الفالج سهمه ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهماً، ومنه حديث كان للنبى صلى الله عليه وسلم سهم من الغنيمة شهد أو غاب، فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفى توزيع الخير على تارك الصلاة، ويجعله معدوما عند إعطاء الجنائز أو الغنائم. هذا إلى أنه مذموم، وجاره إن رضي به مذموم، وصاحبه مذموم، نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان وهو التصديق بوجود الله جل وعلا، والثقة به من الخائن لأن لا ضمير يحاسبه أمام الله فيخشاه جل وعلا لأنه لا يرد الأمانة، ولا يحفظها في حرز مثلها، ويردها عن طلبه، ويل له عند الله جزاء غدره ونكثه، ثم نفى صلاة النجس غير الطاهر المتوضئ، ثم نفى صلى الله عليه وسلم الدين عن تارك الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم:(الصلاة عماد الدين) والدين: الطاعة العبادة والعقيدة الموصلة إلى توحيد الله، وتنفيذ أوامره، واجتناب مناهيه، وقد شبه صلى الله عليه وسلم الصلاة بالرأس، والدين بالجسم، ولايصح الجسم بلا رأس، وإن عدم الرأس بلى الجسم وفنى، وكذلك ترك الصلاة تذهب لباب الدين، وتضيع صفوته، وتزيل خلاصته، وتعدم وحدته، فلا يعطيه الله ثوابا موصلا للجنة إن عمل صالحاً غير الصلاة، فكأن الصلاة محور الطاعة، ومحط رجال العبادة. وهى ثانى قنطرة يسأل عنها =
الترهيب من ترك الصلاة تعمدا الخ
7 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به الحسين بن الحكم الحِبرى.
8 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم أن لا تُشرك (1) بالله شيئاً، وإن قطعت، وإن حُرقت، ولا تترك صلاة (2) مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمداً فقد برئت (3) منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنه مفتاح كل شرٍّ. رواه ابن ماجه والبيهقى عن شهر عن أمّ الدرداء عنه.
9 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما قام بصرى، قيل: نُدَاوِيكَ وتدعُ الصلاة أياماً قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال من ترك الصلاة لقى الله وهو عليه غضبان (4). رواه البزار والطبراني في الكبير، وإسناده حسن.
(قامت العين) إذا ذهب بصرها والحدقة صحيحة.
10 -
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
= المسلم بعد التوحيد، فلا يفوز الإنسان إلى القنطرة الثالثة إلا إذا نجا أمام السائلين عنها والنجاة سببها أداء الصلاة في الدنيا، والمحافظة عليها في أوقاتها، وبذا يشيد ثواب الصالحات، ويبقى أجرها ثابتاً، وضوؤها الصلاة ومعينها خشية الله تعالى في الصلاة.
(1)
توحيد الله جل وعلا في جميع الأعمال، وإن حصلت فتنة، وطلب الإشراك، فالتوحيد خير، وإن قطع الجسم، وتفرقت أجزاؤه، فلا يعرف صاحبه، وفي نسخة: وإن حرقت.
(2)
أي مفروضة.
(3)
خرج من زمرة المسلمين، وزالت عنه صفة الإسلام. وبعد عنه الإيمان. أىخرج عن ديننا؛ وفي النهاية: والذمة: العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، ومنه حديث (يسعى بذمتهم أدناهم) أي إذا أعطى أحد لجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده، وقد أجاز عمر أمان أم عبد على جميع الجيش أهـ ص 50.
(4)
تأمل رعاك الله سيدنا ابن عباس ترمد عيناه فيقول له طبيبه: لا تتوضأ: أي لاتنصب الماء على وجهك فيزداد الروم والاحمرار، وتتغير الجفون وتلتهب، فيخالف قوله، ويصلى خشية أن يموت، فيغضب الله عليه. فيه أن ترك الصلاة سبب غضب الرب جل وعلا وانتقامه، ونزع البركة من الأرزاق، ووجود الأزمة والضيق وانتشار الأمراض والكروب. نسأل الله السلامة.
من ترك الصلاة مُتعمداً، فقد كفر جهاراً. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، ورواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة، ولفظه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة، فإن ترك الصلاة فقد كفر. ورواه ابن ماجه عن يزيد الرَّقاشى عنه:
عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها، فقد أشرك.
الترهيب من ترك الصلاة عمدا وأشياء أخر
11 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حماد بن زيدٍ: ولا أعلمه إلا قدر رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال: عُرَى (1) الإسلام، وقواعدُ الدين ثلاثة عليهن أُسِّسَ الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافرٌ: حلال الدم (2) شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان. رواه أبى يعلى بإسناد حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكرى عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعاً، وقال فيه: من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يُقبل منه صرف (3)، ولا عدلٌ، وقد حلَّ (4) دمه وماله.
12 -
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله علمنى عملاً إذا أنا عملته دخلت الجنة: قال: لا تُشرك بالله شيئاً، وإن عُذبت وحُرقت، أطع (5) والديك وإن أخرجاك من مالك، ومن كل شئ (6)
هولك، لا تترك الصلاة (7) متعمداً، فإن من ترك الصلاة متعمداً،
(1) أسسه. والعروة: ما يتعلق به من عراه: أي ناحيته. قال تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى) وذلك على سبيل التمثيل، والعروة أيضا: شجرة يتعلق بها الإبل.
(2)
مهدر معناه ترك واحدة منهن متعمداً تجعل قتله مباحا لإنكاره أسس الإسلام المتفق عليها.
(3)
توبة ولا فدية، وقيل: نافلة ولا فريضة.
(4)
أهدر دمه، وحل نهب ماله وضياعه.
(5)
اتبع أوامرهما، واسمع أقوالهما، واسترشد بآرائهما، انتصح بنصحهما، وإن أخذا مالك. في ن ط فقال: وأطلع ولا تترك.
(6)
أي يأخذ والدك كل ما تملك من عقار وغيره كما قال صلى الله عليه وسلم لرجل عق والدية (أنت ومالك لأبيك).إن إطاعة الوالدين نجاح وفلاح وسبب الخير والبر والغنى والسعادة والنجاة من الشدة ومجلب الرزق الواسع، ونور الإيمان في قلب البار المكرم والديه.
وأطع أباك بكل ما أوصى به
…
إن المطيع أباه لا يتضعضع
(7)
نهى صلى الله عليه وسلم عن ترك الصلاة بلا عذر خشية أن يخرج من دين الإسلام.
فقد برئت منه ذمة الله الحديث. رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس بإسناده في المتابعات.
13 -
وعنه رضي الله عنه قال: أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرِ كلماتٍ، قال: لا تُشرك (1) بالله شيئاً، وإن قُتلت وحرقت، ولا تعص (2) والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاةً مكتوبة متعمداً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمراً، فإنه رأس كل فاحشةٍ، وإياك (3) والمعصية فإن بالمعصية حل (4) سخط الله، وإياك والفرار (5) من الزحف، وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موت فاثبت، وأنفق على أهلك من طولك (6)، ولا ترفع عنهم عصاك (7)
أدباً، وأخفهم (8) في الله. رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناد أحمد صحيح لو سلم من الانقطاع، فإن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ.
(1) توحيد الله جل وعلا في ذاته، وفي صفاته وأفعاله، والإخلاص له في العمل سبحانه.
(2)
لاتهن ولا تعص ولا تضرب ولا تخالف وأطع أوامرهما ولو أن تفارق أقاربك وذويك وأخدانك ولو تصرف أموالك عليهما وتنفقها في مرضاتهم. فى ن ص (ولاتعقن) وع 181.
(3)
احذر الوقوع في الذي يغضب الله جل وعلا، واجتنب الفواحش، ولا تفعل ما يجلب لك ذنبا.
(4)
في نسخة: د يحل ص 125. أي بالمعاصى ينزل غضبه جل وعلا، ويحيق بالمذنب انتقامه.
(5)
اجتنب الهروب من الزود عن الوطن والدفاع عنه، إن اتفق المسلمون على الغزو لا تفر منهم ولا تجبن ولا تخف وكن في وسط المعمعة وفي أول الصفوف.
(6)
من فضل الله عليك وما أعطاك من نعم وخير.
(7)
أدها: أي لا تستعمل معهم الضرب بالعصى والسوط دائما قاسيا بل عاملهم بالسياسة والكياسة واجتنب الأذى وأدبهم بالكتاب والسنة. وإقناع الحجة وطيب القول ولا تظلم ولا تجر ولا تستعمل القسوة والفظاظة وخشونة المعاملة إذاتأدبوا:
تنال باللين والرفق
…
مالا تنال بالعنف
(8)
في نسخة ع وط وخفهم. أي اجعل عقابك دائما لله، وفهمهم الشرع وعلمهم السنة حتى تقشعر جلودهم من خشية الله فيمتنعون عن المعاصى، ويتجنبوا الخطايا حباً في ثواب الله ورضاه، وقديما قالوا: الوازع الدينى أقوى من الوازع السياسي، ورأس الحكمة مخافة الله، وخفهم، أي كن حكيما تنفذ أوامر الله، واقس لله وارحم لله وعاقب لله وسامح لله وارهب لله وارغب لله، لينتظم عملك ويسود نظامك وترقى رعيتك وأتباعك ويتقدم فعلك، قال الشاعر:
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع
…
وحلم الفتى في غير موضعه جهل
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
…
فليقس أحيانا على من يرحم
14 -
وعن بُريدة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: بكرُوا (1) بالصلاة في يوم الغيمِ، فإنه من ترك الصلاة فقد كفر. رواه ابن حبان في صحيحه.
15 -
وعن أُميمة رضي الله عنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أَصُبُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضُوءَهُ فدخل رجلٌ، فقال أوصنى (2) فقال: لا تُشرك بالله شيئاً، وإن قُطعت وحُرقت بالنار، ولا تعص والديك، وإن أمرَاك أن تتخلى من أهلك ودنياك فتلخه، ولا تشربن خمراً فإنها مفتاح كل شر، ولا تتركن صلاة متعمداً، فمن فعل ذلك فقد برئت منه (3) ذمة الله، وذمة رسوله الحديث رواه الطبراني، وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوى.
16 -
وعن زياد بن نُعيم الخضرمى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعٌ فرضهنَّ (4) الله في الإسلام، فمن أتى بثلاثٍ لم يُغنين عنه شيئا حتى يأتى بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة وصيام رمضان، وحج البيت. رواه أحمد، وهو مرسل.
(1) أسرعوا في يوم امتلاء السماء بالسحاب خشية أن يفوت الوقت فلا تصلون فتخرجون من الإسلام وتعصون الله وتعدون كفرة فسقة عصاة.
(2)
أنصحنى.
(3)
خرج من دين الله ورسوله.
(4)
تجد الأربعة يتصل ثوابها، فمن ترك واحدة زج في النار، وقد وصف الله المؤمنين بصفات منها (وأقاموا الصلاة) قال تعالى:(فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون 36 والذين يجتنبوه كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون 37 والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون 38 والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون 39 وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين 40 ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل 41 إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم 42 ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) 43 من سورة الشورى.
الصلاة إحدى الأربعة في قوله صلى الله عليه وسلم (أربع فرضهن الله في الإسلام) والصلاة أيضا إحدىخصال المؤمنين الثمانية في الآيات:
أولا: التوكل على الله لخلوص نفعه ودوامه.
ثانيا: اجتناب الموبقات: وموجبات الحدود وهى كل ما ورد فيها حد أو وعيد، والقبائح.
ثالثا: التجاوز والحلم عند حصول الغضب على شرط أن لايخل بالمروءة أو يترك واجباً، وعليه قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: من استغضب ولم يغضب فهو حمار.
رابعا: توحيد الله وعبادته.
خامسا: إقامة الصلاة.
سادساً: التشاور في الأعمال وعدم السرعة.
سابعاً: الانفاق في وجوه البر وسبيل الخير.
ثامناً: الانتصار لمنع التعدى ومقاومة الخضم.
17 -
وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتنقضنَّ (1) عُرَى الإسلام عُروةً عُروةً، فكلما انتقضت عروة تشبث (2) الناس بالتى تليها، فأولهن نقضاً: الحكم (3) وآخرهن: الصلاة. رواه ابن حبان في صحيحه.
18 -
وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك الصلاة مُتعمداً أحبط (4) الله عمله، وبرئت منه ذمة الله حتى يُراجع لله (5) عز وجل توبةً. رواه الأصبهاني.
19 -
وعن أُم أيمن رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة مُتعمداً، فقد برئت منه ذمةُ الله ورسوله. رواه أحمد والبيهقى، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن.
20 -
وعن على رضي الله عنه قال: من لم يصل فهو كافرٌ. رواه أبو بكر ابن أبى شيبة في كتاب الإيمان، والبخاري في تاريخه موقوفاً.
21 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من ترك الصلاة فقد كفر. رواه محمد بن نصر المرزوى. وابن عبد البر موقوفاً.
22 -
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: من ترك الصلاة فلا دين له. رواه محمد بن نصر أيضاً موقوفاً.
23 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من لم يُصلِّ فهو كافرٌ. رواه ابن عبد البر موقوفاً.
(1) أي لتفكن ولتزالن روابط الإسلام عروة عروة، وهذا كناية عن المخالفة والعصيان وغشيان المحارم.
(2)
قبض وعمل، والمعنى كلما نقضوا عروة من آداب الدين اتبعوا التى تعقبها، وهكذا يستمر النقض ويدوم الإنكار والعصيان حتى تنقطع أواصر العمل بأوامر المسلمين، وأول العرى: الفقه، والحكم بالعدل وآخر الهدف: الصلاة.
(3)
الإفتاء بالعدل والنطق بالحق والهداية إلى الصراط المستقيم. قال في النهاية: الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار؛ خصهم بالحكم لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم: منهم معاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهم. ومنه الحديث: وبك حاكمت: أي رفعت الحكم إليك، فلا حكم إلا لك، وقيل: بك خاصمت في طلب الحكم، وإبطال من نازعنى في الدين، وهى مفاعلة من الحكم أهـ ص 247.
(4)
أبطله.
(5)
في نسخة د: يراجع الله. أي يؤنب نفسه ويندم على فعله ويقدم لله توبة وإنابة وعزيمة قوية أن لا يترك الصلاة.
لا إيمان لمن لا صلاة له
24 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. رواه ابن عبد البر وغيره موقوفاً. وقال ابن أبى شيبة:
قال النبى صلى الله عليه وسلم: من ترك الصلاة فقد كفر. وقال محمد بن نصر المروزىُّ إسحق يقول:
صح عن النبى صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة كافرٌ، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبى صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة عمداً من غير عُذرٍ حتى يذهب وقتها كافرٌ.
25 -
وروى عن حماد بن زيدٍ عن أيوب رضي الله عنه قال: ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه.
26 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً (1)، وبرهاناً (2)، ونجاةً (3) يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ، ولا برهان، ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارون (4) وفرعون (5) وهامان (6) وأُبى بن خلفٍ (7). رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وابن حبان في صحيحه.
(1) تضئ له عند الشدة، وتنور له قبره.
(2)
حجة قوية على استقامته، ودليلا على حسن إسلامه، ومدافعا عن كمال إيمانه.
(3)
تبعد العذاب وتمنع العقاب وترعى أذى الأهوال عن صاحبها يوم الحساب.
(4)
قال البيضاوى: كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوى، وكان ممن آمن به؛ فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره، أو تكبر عليهم أو ظلمهم. قيل: وذلك حين ملكه فرعون على بنى إسرائيل أو حسدهم أهـ. قال الله تعالى عنه: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) 81 من سورة القصص.
(5)
ملك جبار ظالم.
(6)
وزير من جنود فرعون وأعوانه، وقد حكى الله عنهما:(وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقدلى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين 38 واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون 39 فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) 40 من سورة القصص.
(7)
تاجر وعدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كافر، والمعنى أنه في جهنم مع هؤلاء الكفرة أعداء الإسلام، فالغنى يحشر مع قارون، وصاحب النقود مع هامان، وسحب الملك مع فرعون، والتاجر مع أبى. ن ع 183.
الترهيب من ترك الصلاة عمدا وتأخيرها عن وقتها
27 -
وعن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. رواه البزار من رواية عكرمة بن إبراهيم، وقال: رواه الحافظ موقوفاً، ولم يرفعه غيره.
(قال الحافظ) رضي الله عنه: وعكرمة هذا هو الأزدى مجمع على ضعفه، والصواب وقفه.
28 -
وعن مُصعب بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قلت لأبى: يا أبتاهُ أرأيت قوله تبارك وتعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)(1). أَيُّنا لا يسهو، أَيُّنا لا يُحدثُ نفسه؟ قال: ليس ذاك، إنما هو إضاعة الوقت يلهو حتى يُضيع الوقت. رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
29 -
وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من فاتته صلاةٌ فكأنما وُتِرَ (2) أهله وماله. رواه ابن حبان في صحيحه.
30 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع بين صلاتين (3) من غير عُذرٍ فقد أتى باباً من أبواب الكبائر. رواه الحاكم وقال: حنش هو ابن قيس: ثقة.
(قال الحافظ): بل واهٍ بمرة، لا نعلم أحداً وثقه غير حُصين بن نُمير.
31 -
وعن سُمرة بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليهوسلم مما يُكثرُ أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم رُؤيا فَيقَصُّ عليه ما شاء الله أن يقصَّ، وإنه قال لنا ذات غداةٍ (4): إنه أَتانى الليلة آتيان وإنهما ابتعثانى (5)، وإنهما قالا لى انطلق (6)، وإنى انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مُضطجعٍ (7)، وإذ آخر قائم عليه بصخرةٍ، وإذا هو يهوى (8) بالصخرة لرأسه
(1) يصلون قضاء، وإن الله أوعدهم بالويل والثبور (فويل للمصلين)، والويل: واد في جهنم يستعر ويصطلى ويتقد بتاركى الصلاة.
(2)
نقص أهله وعدمهم، وضاع ماله، وذهب خيره. ع 184.
(3)
أي صلى فرضين: واحد قضاء مع آخر، فقد ارتكب كبيرة ترميه في جهنم والعياذ بالله، وفيه الترهيب من تأخير الصلاة عن وقتها، نسأل الله العافية والعفو.
(4)
أي أول النهار. ن ط اثنان.
(5)
مشيا معى. في نى ط استتبعانى.
(6)
اذهب معنا.
(7)
متكئ.
(8)
يرمى.
فيثلغ (1) رأسه فيتدهده (2) الحجر فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان. ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. قال قلت لهما: سبحان الله (3) ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق، فأتينا على رجلٍ مستلقٍ (4) على قفاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديدٍ، وإذا هو يأتى أحد شقى وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه. قال: وربما قال أبو رجاءٍ فيشقَّ. قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول. قال: فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قال قلت: سبحان الله، ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال: فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ. قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ (5) وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت: ما هؤلاء؟ قالا لى: انطلق انطلق.
قالا: فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطِّ النهر رجلٌ عنده قد جمع حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابح يسبح ما سبح ثم يأتى ذلك الذى قد جمع عنده الحجارة، فيفغر (6) فاه فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغرفاه فألقمه حجراً (7)، قلت: لهما ما هذان قال لى: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجلٍ كريه المرآة كأكره ما أنت رَاءٍ رُجلاً مرآة، وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال لى: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضةٍ مُعتمةٍ فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهرى الروضة رجلٌ طويلٌ لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدانٍ رأيتهم. قال قلت: ما هذا، ما هؤلاء؟ قال لى انطلق انطلق: فانطلقنا فأتينا على
(1) يكسر ويشدخ. يقال: شدخ رأسه: كسره، وكل عظم أجوف إذا كسرته فقد شدخته.
(2)
فتدحرج.
(3)
تنزيها لله سبحانه وتعالى، وتقال عند التعجب. فى ن ط يسبح ما يسبح.
(4)
مستقبل لعل الوعاظ ينتفعون بعلمهم.
(5)
ولعل الزناة يخافون العذاب.
(6)
يفتح.
(7)
لعل آكلى الربا يتوبون.
دوحةٍ عظيمةٍ لم أر دوحةً قطُّ أعظم، ولا أحسن منها. قال قالا لى: ارق فيها فارتقينا فيها إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبن ذهبٍ ولبن فضةٍ. فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلنا، فتلقانا رجال شَطْرٌ من خَلْقِهِمْ كأحسن ما أنت رَاءٍ، وشطرٌ منهم كأقبحِ ما أنت راءٍ. قال قالا لهم: اذهبوا فقعُوا في ذلك النهر. قال: وإذا نهر مُعْتَرِضٌ يجرى كأن ماءهُ المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوءُ عنهم فصاروا في أحسن صورةٍ. قال قالا لى: هذه جنةُ عدنٍ، وهذا منزلك. قال فسما بصرى صُعُداً، فإذا قصرٌ مثلُ الربابة (1) البيضاء. قال قالا لى: هذا منزلك. قلت لهما: بارك الله فيكما فذرانى فأدخله؟ قالا: أما الآن فلا وأنت داخله. قال قلت لهما: فإنى رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذى رأيت؟ قال قالا لى: إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذى أتيت عليه يُثلغُ رأسه بالحجر: فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه (2)
وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذى أتيت عليه يُشرشرُ شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه: فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجل والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور: فإنهم الزناة والزوانى، وأما الرجل الذى أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذى عند النار يحُشَّها ويسعى حولها: فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذى في الروضة: فإنه إبراهيم، أما الولدان الذين حوله: فكل مولودٍ مات على الفطرة. قال فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ، وشطرٌ منهم قبيحٌ: فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم. رواه البخاري، وذكرته بتمامه لأحيل عليه فيما يأتى إن شاء الله تعالى:
32 -
وقد روى البزار من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ثم أتى، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم
(1) السحابة.
(2)
بتركه ..
الترهيب من التثاقل عن الصلاة وتركها
على قومٍ تُرضخ (1)
رُءوسُهم بالصخرة كلما رُضخت عادت كما كانت، ولا يُفترُ عنهم من ذلك شئ. قال يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رءُوسهم عن الصلاة المكتوبة، فذكر الحديث في قصة الإسراء وفرض الصلاة.
(قوله): يثلغ رأسه: أي يشدخ.
(قوله): فيتدهده. أي فيتدحرج.
(1) تقتل وترمى، ومنه حديث العقبة قال لهم: كيف تقاتلون؟ قالوا: إذا دنا القوم كانت المراضخة هى المراماة بالسهام، الشدخ، والرضخ أيضاً: الدق والكسر، ومنه حديث الجارية: فرضخ رأس اليهودى: أي قاتلها بين حجرين أهـ نهاية.
فقه الباب
يبين صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة ميزان الإيمان، وسبرغور الإسلام، وأنها الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، والفيصل بين الشرك والإسلام، وهى عقد الاتفاق بين المسلمين، والمعاهدة بين المؤمنين والشرط المتفق عليه بين أهل الدين، وهى إحدى الوصايا النافذة (أوصانى خليلى) بها خشية المروق من الإسلام، والخروج من زمرة الموحدين. وأجمع جمهور المسلمين: أن الصلاة هى الفذة الوحيدة (تركها كفر عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأن تاركها محروم من الخير مذموم لا يقام لعمله وزن ولا لوجوده اعتبار ولا لنفسه قيمة (لاسهم له) ونفى عنه صلى الله عليه وسلم الدين، وأنه خارج عن ذمة الأبرار المتقين. وإن لنا في ابن عباس قدوة حسنة فترمد عيناه فيشير عليه طبيبه بعدم وضع الماء عليهما، ولا يصلى فيخالف رأيه وينقض استشارته ويحافظ على الصلاة خوفاً من غضب الحكيم الجبار خالق العيون وباعث الأبصار؛ وبارئ الأنظار. هذا إلى أن تارك الصلاة يباح قتله وترد شهادته، وتنزع البركة من أولاده وأمواله (لا يقبل منه صرف ولا عدل) ثم أمر صلى الله عليه وسلم: بالسرعة في أداء الفرض (بكروا بالصلاة في يوم الغيم) خشية ضياع الوقت والإهمال والركون إلى أن الوقت باق فتضيع فرصة الأداء، ويحصل غش وخديعة.
وأفاد صلى الله عليه وسلم: أن الصائم المزكى الحاج ناقص الإسلام إذا لم يصل (أربع فرضهن الله).
وقد صدقت فراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته في المسلمين الآن. ترى جوراً وظلماً واستبدادا وطائفة جمة من المهذبين في نظرهم تاركى الصلاة (لتنقضن عرى الإسلام) وتارك الصلاة صدقته مردودة، وأعماله سيئة مهما حسنت (من ترك الصلاة متعمدا أحبط الله عمله) وأن الصلاة نور وضياء وبهاء وأنيس في قبره ومصباح وهاج في ظلمته، وسبب النعيم وموصله إلى جنة الله؛ وتاركها إن كان مع الملوك والأمراء فرفيق فرعون أو كان من الحكام والوزراء فمع هامان، وإن كان من الأثرياء الأغنياء أصحاب الأموال الجمة فزميل قارون، وإن كان من التجار والصناع والزراع فزميل: أُبى بن خلف الكافر العاصى المعاند المائل عن الحق، وكل أولئك في جهنم.
وقد أجاب صلى الله عليه وسلم أن أصحاب الوادى في جهنم الساهون (الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها) وتارك الصلاة كأنه فقد أهله، وأذهب ماله سدى وأن عقابه يضرب رأسه بحجر لأنه ينام عن المكتوبة) وأدلة ذلك من الكتاب العزيز قال تعالى:
1 -
(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب). =
(والكلوب): بفتح الكاف وضمها، وتشديد اللام: هو حديدة معوجة الرأس.
(وقوله) يشرشر شدقه: هو بشينين معجمتين، الأولى منهما مفتوحة، والثانية مكسورة، وراءين الأولى منهما ساكنة، ومعناه: يقطعه ويشقه، واللفظ محرّكاً: هو الصخب والجلبة والصياح.
(وقوله) ضوضوا: بفتح الضاضين المعجمتين وسكون الواوين وهو الصياح مع الانضمام والفزع.
(وقوله) فغرفاه: بفتح الفاء والغين المعجمة معا بعدهما راء: أي فتحه.
= قال بن مسعود: ليس معنى أضاعوها: تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال ابن سعيد ابن المسيب: إمام التابعين: هو أن لا يصلى الظهر حتى تأتى العصر، ولا يصلى العصر إلى المغرب، ولا يصلى المغرب إلى العشاء، ولا يصلى العشاء إلى الفجر، ولا يصلى الفجر إلى طلوع الشمس، فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغى، وهو: واد في جهنم بعيد قعره شديد عقابه.
2 -
(ياأيها الذين آمنوا لا تهلكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) قال جماعة من المفسرين: المراد بذكر الله هنا الصلوات الخمس، فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه أو صنعته أو ولده كان من الخاسرين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة عن عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر.
3 -
(فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون).
4 -
(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) 142 من سورة النساء.
5 -
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) 6 من سورة التوبة.
أي إن تاب المشركون عن الشرك بالإيمان وصلوا وزكوا تصديقا لتوبتهم وإيمانهم فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بالأسر والحبس والمنع من دخول المسجد الحرام. وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله فاحذر أخى أن تترك الصلاة فهى رخصة القبول، وجائزة الغفران، وقد علم الله الصحابة إن ناجوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا، وبدلها بالصلاة والزكاة.
6 -
(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم 12 أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) 13 من سورة المجادلة.
أيها المؤمنون تصدقوا قدام مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رخص جل جلاله في المناجاة بلا تصدق (أأشفقتم) أي أخفتم الفقر من تقديم الصدقة، وإشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه. وأمر بالصلاة والزكاة: أي فلا تفرطوا في أدائهما بجبران التفريط مع إطاعة الله ورسوله.
وفي كتاب الزواجر لابن حجر: أن عمر رضي الله عنه لما طعن قيل له: الصلاة ياأمير المؤمنين قال نعمة، أما إنه لاحظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة، وصلى رضي الله عنه وجرحه يجرى دمه.
وروى الذهبى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء ولها نور حتى ينتهى إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة وتقول له حفظك الله كما حفظتنى، وإذا صلى العبد =
(وقوله) يحشها: هو بالحاء المهملة المضمومة والشين المعجمة: أي يوقدها.
(وقوله) معتمة: أي طويلة النبات. يقال أعتم النبت: إذا طال.
(والنَّور): بفتح النون: هو الزهر.
(والمحض): بفتح الميم وسكون الحاء المهملة: هو الخالص من كل شئ.
(وقوله) فسما بصرى صعدا: بضم الصاد والعين المهملتين: أي ارتفع بصرى إلى فوق.
= الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء وعليها ظلمة. فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها.
وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث لا يقبل الله منهم صلاتهم) وذكر منهم: من أتى الصلاة دبارا - أي بعد أن تفوته. قال بعضهم: وورد في الحديث أن من حافظ على الصلاة أكرمه الله بخمس خصال: يرفع عنه ضيق العيش، وعذاب القبر، ويعطيه الله كتابه بيمينه، ويمر على الصراط كالبرق، ويدخل الجنة بغير حساب. ومن تهاون عن الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة: خمس في الدنيا، وثلاث عند الموت وثلاث في قبره، وثلاث عند خروجه من القبر، فأما اللواتى في الدنيا. فالأولى: تنزع البركة من عمره. والثانية: تمحى سيما الصالحين من وجهه، والثالثة: كل عمل يعمله لا يأجره الله عليه، والرابعة: لا يرفع له دعاء إلى السماء والخامسة: ليس له حظ في دعاء الصالحين. وأما التى تصيبه عند الموت: فالأولى أنه يموت ذليلا والثانية: يموت جائعا، والثالثة: يموت عطشاناً، ولو سقى بحار الدنيا ما روى من عطشه. وأما التى تصيبه في قبره، فالأولى: يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، والثانية: يوقد عليه القبر نارا فيتقلب على الجمر ليلا ونهاراً، والثالثة: يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه الشجاع الأقرع، عيناه من نار، وأظفاره من حديد طول كل ظفره مسيرة يوم يكلم الميت فيقول: أنا الشجاع الأقرع، وصوته مثل الرعد القاصف. يقول أمرنى ربى أن أضربك على تضييع صلاة الصبح إلى بعد طلوع الشمس، وأضربك على تضييع صلاة الظهر إلى العصر، وأضربك على تضييع صلاة العصر إلى المغرب، وأضربك على تضييع صلاة المغرب إلى العشاء، وأضربك على صلاة العشاء إلى الفجر ضربة ضربة يغوص في الأرض سبعين ذراعاً فلا يزال في القبر معذباً إلى يوم القيامة. وأما التى تصيبه عند خروجه من القبر في موقف القيامة فشدة الحساب، وسخط الرب، ودخول النار، وفى رواية: فإنه يأتى يوم القيامة وعلى وجهه ثلاثة أسطر مكتوبات. السطر الأول: يامضيع حق الله. السطر الثانى: يا مخصوصا بغضب الله. الثالث: كما ضيعت في الدنيا حق الله فآيس اليوم أنت من رحمة الله.
وما ذكر في الحديث من تفصيل العدد لا يطابق جملة الخمس عشرة، لأن المفصل أربعة عشر فقط فلعل الراوى نسى الخامس عشر.
وعن ابن عبار ضي الله عنهما قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى برجل فيوقف بين يدى الله عز وجل فيأمر الله به إلى النار، فيقول يارب: بماذا؟ فيقول تعالى: بتأخير الصلاة عن أوقاتها، وحلفك بى كاذبا. قال بعضهم أيضا: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه قولوا: اللهم لا تدع فينا شقيا ولا محروما، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون من الشقى المحروم؟ قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: تارك الصلاة. قال أيضا: ويروى أنه أول ما يسود يوم القيامة وجوه تاركى الصلاة وأن في جهنم واديا يقال له لملم فيه حيات كل حية يخثن رقبة البعير طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلى سمها في جسمه سبعين سنة، ثم يتهرى لحمه. =
(والربابة) هنا: هى السحابة البيضاء.
قال أبو محمد بن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: أن من ترك صلاة فرضٍ واحدةً متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتدٌ، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً.
= قال وروى أيضا أن امرأة من بنى إسرائيل جاءت إلى موسى صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين فقال: يانبى الله: أذنبت ذنباً عظيما وقد تبت إلى الله تعالى فادع الله أن يغفر لى ذنبى ويتوب على، فقال لها موسى: وما ذنبك؟ قالت: يانبى الله زنيت وولدت ولدا وقتلته، فقال لها موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: اخرجى يافاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك، فخرجت من عنده منكسرة القلب فنزل جبريل عليه السلام وقال: ياموسى، الرب تعالى يقول لك: لم رددت التائبة، ياموسى أما وجدت شراً منها؟ قال موسى: ياجبريل ومن شر منها؟ قال من ترك الصلاة عامداً متعمداً، وقال أيضاً: روى عن بعض السلف أنه دفن أختاً له ماتت، فسقط منه كيس فيه مال في قبرها ولم يشعر به حتى انصرف عن قبرها ثم تذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعد ما انصرف الناس، فوجد القبر يشتغل عليها ناراً، فرد التراب عليها ورجع إلى أمه باكياً حزيناً، فقال: ياأماه أخبرينى عن أختى وما كانت تعمل؟ قالت وما سؤالك عنها؟ قال ياأماه رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً. قال فبكت وقالت يا ولدى كانت اختك تتهاون بالصلاة وتؤخرها عن وقتها، فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها، فكيف حال من لا يصلى؟.
فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها بكمالاتها في أوقاتها إنه جواد كريم رءوف رحيم أهـ ص 112. وورد في الحديث الصحيح (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع: أي إن ميزوا، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) قال الخطابي: هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة لتاركى الصلاة إذا بلغ تاركا لها، وكان بعض أصحاب الشافعي يحتج به في وجوب قتله ويقول: إذا استحق الضرب وهو غير بالغ فيدل على أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب، وليس بعد الضرب شئ أشد من القتل أهـ وفيه مافيه. ومما وجه به قتله أن تاركها جنى على جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين لأنه يجب عليه في التشهد أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. قال صلى الله عليه وسلم: إذا قالها بلغت كل عبد صالح في السماء والأرض، وهذه الجناية العامة لا يليق بها إلا القتل. والأولى أن يستدل لقتله بالأحاديث الصحيحة السابقة أن تاركها تبرأ منه ذمة الله وذمة رسوله، وأنه لا عهد له، لأن ذلك ظاهر أو صريح في إهدار دمه، ومن لازم إهداره وجوب قتله، وإنما لم يقتل بترك الزكاة لأنه يمكن أخذها منه بالمقاتلة ولا بترك الصوم لأنه يمكن إلجاؤه إليه بالحبس، ومنع المفطر كالطعام والشراب، فإنه إذا علم أنه لا مخلص له إلى تناول مفطر نهاراً نوى ليلا وصام ولا يترك الحج لأنه على التراخى ويمكن قضاؤه من تركته، والصلاة ليست كذلك في الكل، فلم يناسب عقوبة تركها إلا القتل، وإذا جازت المقاتلة لتخليص الزكاة فلأن يجوز القتل بحمل الناس بالخوف منه على فعل الصلاة من باب أولى أهـ ص 113 جـ 1.
فاعلم أخى، أنه لا عذر لتارك الصلاة، وقد أخذ الشافعي رضي الله عنه من قوله تعالى:(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب 191 الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) 192 من سورة آل عمران. =
(قال الحافظ عبد العظيم): قد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها: منهم عمر بن الخطاب، عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعى،
= أن المريض يصلى مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلا بدنه، لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران ابن حصين:(صل قائما، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء) أي يذكرون الله جل جلاله على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين، وفيه: التفكر أفضل عبادة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل مستلق على فراشه، ونظر إلى السماء والنجوم، فقال أشهد أن لك ربا وخالقاً، اللهم اغفر لى، فنظر الله له فغفر له - اللهم اغفر لنا.
فعليك أخى بالصلاة عسى أن يقبل عملك، وبعد أن يقبل عملك فقد عرفت أنك تكون من الصالحين
أ - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلا؟) 122 من سورة النساء، فقد عرفت أن تارك الصلاة قائده الشيطان، والله تعال يقول:(ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً 119 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً 120 أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً)121. من سورة النساء.
ب - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) 57 من سورة النساء.
جـ - (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) أي في أرض ذات أزهار وأنهار يسرون سروراً تهللت له وجوههم، لماذا؟ لأنهم كانوا يصلون في الدنيا، فغرست في قلوبهم حب الله ورضاه والعمل بكتابه، وسنة حبيبه ففازوا باثنين.
أ - الإيمان.
ب - العمل الصالح لقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون).
قال البيضاوى: إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التى تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته، أو دلالة على أنما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح، لأن آثار القدرة والعظمة فيها أظهر وتخصص الحمد بالعشى الذى هو آخر النهار، من عشى العين إذا نقص نورها، والظهيرة التى هى وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر.
وعن ابن عباس: أن الآية جامعة للصلوات الخمس: تمسون صلاة المغرب والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر، وتظهرون صلاة الظهر. وعنه عليه الصلاة والسلام:(من قال حين يصبح: فسبحان الله حين تمسون إلى قوله: وكذلك تخرجون، أدرك ما فاته في ليلته، ومن قال: حين يمسى أدرك مافاته في يومه) أهـ ص 565.
يا أخى: حافظ على الصلاة فهى تسبيح الله وتحميده تكبيره وكثيراً ما حث عليها في آياته عسى أن تنجو من أهوال يوم القيامة، وقد أخبر الله عنه في قوله تعالى: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون 11 =
والحكم بن عتيبة، وأيوب السختيانى، وأبو داود الطيالسى، وأبو بكر بن أبى شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم، رحمهم الله تعالى.
= ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون 12 ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين 13 ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) 14 من سورة الروم: أي يسكتون متحيرين آيسين. يقال: ناظرته فأبلس إذا سكت، وأيس من أن يحتج، ومنه الناقة المبلاس التى لا ترغو (يتفرقون) يذهب المؤمنون إلى نعيم الجنة. والكافرون والعصاة إلى جهنم ولذا قال تعالى:
أ - (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) 16 من سورة الروم صنفان من الناس: طائفة تطيع الله ورسوله فوعدها بالنعيم والسعادة، وأخرى كافرة أو عاصية فأوعدها بالجحيم. وهذا نظام الله في خلقه:
أ - (إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون، كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. إنا كذلك نجزى المحسنين) قال البياضوى: يمحض لهم العذاب المخلد، ولخصومهم الثواب المؤبد. ثم خاطب الكفار والفسقة والعصاة:
ب - (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون. ويل يومئذ للمكذبين. وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. ويل يومئذ للمكذبين) 49 من سورة المرسلات.
إن شاهدنا (اركعوا لا يركعون) يخالفون أمر الله. صلوا فلا يصلون، أو أطيعوا واخضعوا، أو اركعوا في الصلاة. روى أنه نزل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصلاة، فقالوا: لا نحنى أي لا نركع فإنها مسبة، وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون أهـ بيضاوى.
لعلك فقهت الصلاة تحشرك مع المتقين إن عملت بمعناها، وتغذيت بمرماها، ومشيت في أضوائها وسرى نور الإيمان في قلبك من شمسها، وذقت حلاوة ثمرتها،، وشممت شذاها، واستنشقت عرفها، وبذا تحشر آمناً مطمئناً منعما، وتسخر من تارك الصلاة حين ما يعذبه مولاه ويفضحه على ملأ ويلزمه بأدائها على النار الموقدة المؤصدة ويوبخه على غفلته في حياته وإجرامه في ترك الصلاة، ومصداق ذلك قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 42 خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) 43 من سورة القلم. قال البيضاوى: أي يوم يشتد الأمر، ويصعب الخطب، وكشف الساق مثل في ذلك، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الحرب. قال حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها
…
وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
(ويدعون إلى السجود) توبيخاً لهم على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع فلا يقدرون لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه، وقد تلحقهم ذلة (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) في الدنيا أو زمان الصحة وهم متمكنون منه فراحوا لعلل فيه أهـ (فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملى لهم إن كيدى متين) 45 من سورة القلم: اتركنى فإنى أكفيكه سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال، وإدامة الصحة، وإزدياد النعمة.
فاستيقظ يا تارك الصلاة، ولا يغرنك حلم الله وفضله.