الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لايزال أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة. رواه البخاري في أثناء حديث، ومسلم.
2 -
وللبخارى: إن أحدكم في صلاةٍ مادامت (1) الصلاةُ تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاهُ أو يُحْدِثْ.
3 -
وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مصلاه (2) ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثْ. قيل: وما يُحْدِث؟ قال: يفسُو (3)، أو يضرُطُ. رواه مالك موقوفاً عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول:
= قال البيضاوى: أي قرناهم بأزواج حور، ورفقاء مؤمنين، وجعلنا ذرياتهم تابعين لهم في الإيمان. وما نقصناهم بهذا الإلحاق. من ألت بألت: أي نقص فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء، أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم، ويحتمل أن يكون بالتفضل عليهم، وهو اللائق بكمال لطفه، والكل مرهون بعمله عند الله تعالى فإن عمل صالحاً فكه، وإلا أهلكه. نسأل الله السلامة، ثم وصف الله جل وعلا ما أعده للصالحين:(وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون * يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم * ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالو إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوهم هو البر الرحيم) 29 من سورة الطور. صدق الله العظيم .. أعلمت شيئا من نعيم للصالحين؟ وقارنه بمتاعب الدنيا ومصائبها وآلامها تجد المغفل الجاهل الغر الذى لا يعمل صالحاً لله وأمامه الكتاب والسنة ولايتبع أوامرهما. يتعاطى الصالحون وجلساؤهم الفواكه، واللحوم، والشراب العذاب الخالى من السموم، وخدمهم مماليك كالدرر المصون في الصدف من بياضهم وصفائهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) يسأل بعضهم بعضاً عن أحواله وأعماله فيجيبون: كنا في الحياة خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته، أو وجلين من العاقبة فمن الله علينا بالرحمة والتوفيق ووقانا عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم. إنا كنا في الدنيا نعبده ونخشاه ونسأله الوقاية إنه هو البر المحسن كثير الرحمة.
(1)
الذى يجلس على مكان طاهر، وهو متوضئ، وينتظر الصلاة القادمة كأنه في عبادة وطاعة وذكر مدة انتظاره مالم ينتقض وضوؤه أو يخرج.
(2)
مدة وجوده في الصلاة.
(3)
يخرج من دبره ريح بلا صوت أو له صوت.
إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلى عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاةٍ حتى يصلى.
4 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّرَ ليلةً صلاة العشاء إلى شطر (1) الليل، ثم أقبل بوجهه بعدما صلى فقال: صلى الناس ورقدوا (2)، ولم تزالوا في صلاةٍ منذُ انتظرتموها (3). رواه البخاري.
5 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه إن هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) نزلت في انتظار الصلاة التى تدعى العتمة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
6 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع، وعقَّبَ (4) من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسرعاً قد حفزهُ النفسُ قد حسر عن ركبتيه، قال: أبشروا، هذا رَبُّكم قد فتح باباً من أبواب السماء يُباهى الملائكة يقول: انظروا إلى عبادى قد قضوا فريضةً وهم ينتظرون أُخرى (5). رواه ابن ماجه عن أبي أيوب عنه، ورواته ثقات، وأبو أيوب: هو المراغىّ العتكى ثقة، ما أراه سمع عبد الله، والله أعلم.
(حفزه النفَس): هو بفتح الحاء المهملة والفاء وبعدهما زاى: أي ساقه وتعبه من شدة سعيه.
(وحسر): هو بفتح الحاء والسين المهملتين: أي كشف عن ركبتيه.
(1) نصف.
(2)
وناموا.
(3)
في نسخة: ما انتظرتموها، والمعنى: كأنكم في عبادة الله من أول انتظار الصلاة إلى نصف الليل، فأنتم أكثر ثوابا من الذين صلوا، وذهبوا إلى بيوتهم ليناموا. إن النبى صلى الله عليه عرض له أمر شغله عن صلاة العشاء في أول وقتها، فتأخر بعض الأصحاب رضوان الله عليهم حتى صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبشرهم بزيادة الأجر وعظيم الثواب. أما من أدى الصلاة ونام، فقبل الله صلاته، وأعطاه ثوابا بقدر عمله، وعفا الله عنه لأه لم يكلف بالانتظار.
(4)
تابع، أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة لدعاء أو مسألة، ومنه حديث:(من عقب فى الصلاة فهو في صلاة).
(5)
سبحانه يفتح باب رحمته، ويرشد الرحمة إلى المنتظرين الصلاة التالية، وهذا دليل على رضاء وحبه لهم، وإحسانه إليهم.
انتظار الصلاة بعد الصلاة
7 -
وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وصلاة في إثر صلاةٍ لا لغو (1) بينهما كتابٌ في عليين (2). رواه أبو داود، وتقدم بتمامه.
8 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكم على ما يمحو (3) الله به الخطايا، ويكفر (4) به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكروهات (5) وكثرة الخطا (6) إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعدالصلاة فذلكم الرباط (7).
رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبى هريرة، وتقدم.
(1) صلاة آتية بعد صلاة ماضية على شريطة ألا يحصل من المصلين كلام لا يعتد به، وقول في مشاغل الدنيا ومتاعبها، وحديث اللهو واللعب، وقد يسمى كل كلام قبيح: لغوا - وقال تعالى: (لا يسعمون فيها لغواً ولا كذابا)، (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)، (والذين هم عن اللغو معرضون - وإذا مروا باللغو مروا كراما).
(2)
ثواب هذا الانتظار ينقش في صحيفة مع صحف الأبرار في قوله تعالى: (إن كتاب الأبرار لفى عليين).
(3)
يزيل.
(4)
يستر ويزيل.
(5)
عند البرد والألم والمصائب يتم الإنسان وضوءه، ويصلى لله. إسباغ: أي إتمام.
(6)
المشى.
(7)
الإقامة لنصر دين الله، والجهاد على الذب عن الوطن في الحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه به ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة. رجل يجاهد نفسه وينتظر صلاة قادمة وهو على مكان طاهر ومتوضئ، فهو في ضيافة الكريم ويناجى العظيم ويعبد الرحيم وكأنه منتظر في صفوف المجاهدين في سبيل الله يضاعف الله ثوابه ويتجلى عليه برضوانه ويكرمه ويزيده قبولا وتوفيقا. وحسبك يا أخى أن تحافظ على صلاة المغرب أول وقتها ثم تبقى في المجلس لصلاة العشاء عسى أن تدخل برحمة الله في زمرة الصالحين الذين قال تعالى فيهم:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون) 18 من سورة السجدة: ترتفع وتتنحى جنوبهم عن الفرش يدعون ربهم خوفا من سخطه، وطمعا في رحمته، وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بقيام العبد من الليل وقال البيضاوى: قيل: كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم.
يرشد صلى الله عليه وسلم إلى تأدية الفرض ثم الجلوس هنيهة على مكان الصلاة يستغفر المصلى ويسبح ويحمد ويكبر، ويصلى على النبى صلىلله عليه وسلم ليكتسب دعاء ملائكة الرحمة له بالمغفرة والرضوان أهـ.
آه. أي شئ أحسن من هذا أيها المسلم؟ إن تعبك في الدنيا لا فائدة فيه إلا إذا غمره عمل صالح ينفعك فى آخرتك. إنك تسعى لجمع المال لتعيش سعيداً في حياتك والدنيا دار الهموم والأكدار، ولكن العاقل من التجأ إلى مولاه، وأطاع ربه، وأخلص لله عسىن ينال السعادة في الآخرة، فتمحى ذنوبه، ويزداد نعيمه، قال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى:(أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله من أطلعتم عليه: اقرءوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) ..) هذا وعد الصادق القادر، فهل تعاهدنى يا أخى على العمل بالكتاب والسنة، وتنتهز الفرص في انتظارالصلاة بعد الصلاة.
9 -
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً. رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
10 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، وإن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب.
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منتظر الصلاة بعد الصلاة، كفارسٍ اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه (1)، وهو في الرباط (2) الأكبر. رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وإسناد أحمد صالح.
(1) الكشح: الخصر، والمراد على جوعه يعنى أن هذا المجاهد لازم الركوب على الفرس وجاهد وجالد وأبدع مع دقيق بنية الحصان وخفته. وفي حديث سعد (إن أميركم هذا لأهضم الكشحين، أي دقيق الخصرين - وحديث (أفضل الصدقة على ذى الرحم الكاشح) أي العدو الذى يضمر عداوته، ويطوى عليها كشحه: أي باطنه.
شبه صلى الله عليه وسلم الجالس على مصلاه يعبد مولاه منتظرا فريضة أخرى بشجاع باسل امتطى صهوة جواده التعب، ولم يترك شاذة ولا فاذة إلا أدركها في سبيل طاعة الله.
(2)
إن مجاهدة النفس في الجلوس تعبد الله هو الرباط الأكبر، والرباط الأصغر: الجهاد وحرب الأعداء لنصر دين الله، لماذا؟ لأنك تجاهد نفسك والنفس عدو ألد وخصم عنيد يدعو إلى عصيان الله، وقائدها الشيطان ليضلها ويغويها، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزواته وأصحابه ظافرا منصورا ومؤيدا مسروراً فقال لأصحابه ما معناه:(رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) أي مجاهدة النفس في طاعة الله. هذا رأى: الرأى الثاني: وهو أن ذلك الفارس في الصف الأول الذى يبذل قصارى جهده في حرب أعداء الإسلام. فانظر رعاك الله: السيد الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر المحافظ على جماعة المسجد، والمنتظر الصلاة الثانية بإدراك ثواب المجاهدين للذب عن بيضة الدين. فاجتهد أخى في انتظار الصلاة فالدنيا مزرعة الآخر وقد قال إسماعيل باشا صبرى: عسى أن تتعظ بقوله، وتعمل صالحا ينفعك في قبرك:
إن الليالى من أخلاقها الكدر
…
وإن بدا لك منها منظر نضر (1)
فكن على حذر مما تغر (2) به
…
إن كان ينفع من غراتها (3) الحذر
قد أسمعتك الليالى من حوادثها
…
مافيه ينفع من غراتها (4) الحذر
يا من يغر بدنياه وزخرفها
…
تالله يوشك (5) أن يودى بك الغرر =
_________
(1)
حسن.
(2)
تخدع.
(3)
جمع غرة: الغفلة.
(4)
يقرب أن تعرض نفسك الهلكة فاعمل بالسنة تربح.
(5)
يا معجبا.
12 -
وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى الليلة آت (1) من ربى. وفي رواية: ربى (2) في أحسن صورةٍ، فقال لى يا محمد، قلت: لبيك (3) ربى وسعديك، قال: هل تدرى (4) فيم يختصم الملأُ الأعلى (5)؟ قلت: لا أعلم، فوضع يده (6) بين كتفى، حتى وجدت بردها بين ثدي، أو قال في نحرى، فعلمت ما في السموات وما فى الأرض، أو قال ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد أتدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الدرجات (7)، والكفارات (8) ونقل الأقدام (9) إلى الجماعات، وإسباغ (10) الوضوء في السبرات وانتظار (11) الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. الحديث رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، وتقدم بتمامه.
13 -
وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به الحسنات؟ قالوا: بلى
= ويا مدلا (1) بحسن راق منظره
…
للقبر ويحك هذا الدل والخفر (2)
تهوى الحياة ولا ترضى تفارقها
…
كمن يحاول وردا (3) ما له صدر (3)
كل امرئ صائر حتما إلى جدث (5)
…
وإن أطال مدى آماله العمر
(1)
رؤيا صادقة كفلق الصبح.
(2)
أتانى ربى: وفيه جواز رؤية الله تعالى.
(3)
إجابة على طاعتك، ومنك الإسعاد.
(4)
هل تعلم.
(5)
الملائكة المقربون.
(6)
يراد أنه تعالى قرب حبيبه صلى الله عليه وسلم حتى شعر بالفرح والسرور وأحس بانشراح الصدر والله تعالى منزه عن التشبيه والتمثيل، كما قال العلماء في يد الله مطلقة: عبارة عن إيتاء النعيم، ويقال: فلان يد فلان: أي وليه وناصره، ويقال لأولياء الله: هم أيدى الله، وعلى هذا الوجه قال الله تعالى عز وجل:(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) فإذا يده عليه الصلاة والسلام يد الله، وإذا كان يده فوق أيديهم فيد الله فوق أيديهم؛ ويؤيد ذلك ماروى (لا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها). أهـ غريب القرآن ص 573. ناداه جل جلاله وأعطاه الله صلى الله عليه وسلم قوة الإدراك حتى يقوى على ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام، وكشف له تعالى عن بصره وبصيرته فأدرك ما في السموات وما في الأرض أو ما في العالم أجمع وأرشده تعالى إلى المنافسة والسبق في كتابة ثواب من أدرك واحدة من هذه الخمسة أو كلها أو بعضها.
(7)
الحسنات.
(8)
محو الخطايا.
(9)
كثرة الخطايا.
(10)
إتمامه.
(11)
الجلوس على مكان طاهر مع الوضوء رجاء انتظار صلاة آتية في وقتها.
_________
(1)
يا معجبا
(1)
رحمك الله بدلالك وكسلك، وشدة حيائك في عدم كسب الصالحات.
(2)
إشرافا على الماء.
(3)
رجوع.
(4)
قبر.
يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء أو الطهور في المكاره (1) وكثرة الخطا إلى المسجد والصلاة بعد الصلاة، وما من أحدٍ يخرج من بيته متطهراً، حتى يأتى المسجد فيصلى فيه مع المسلمين، أو مع الإمام، ثم ينتظر الصلاة التى بعدها، إلا قالت الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. الحديث رواه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه. واللفظ له، والدرامى في مسنده.
14 -
وعن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثٌ كفَّارات، وثلاث درجاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ. فأما الكفَّارات (2) فإسباغ الضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ونقل الأقدام إلى الجماعات وأما الدرجات (3): فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأما المنجيات (4)
فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. وأما المهلكات (5):
فشحٌّ مطاعٌ، وهوىً متبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه. رواه البزار واللفظ له، والبيهقى وغيرهما، وهو مروىّ عن جماعة من الصحابة، وأسانيده وإن كان لايسلم شئ منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى.
(السبرات) جمع سبرة، وهى شدة البرد.
(1) المصائب: أي المؤمن إذا أصابه أي ضرر توضأ، ومنه البرد.
(2)
مزيلات الذنوب.
(3)
زيادة الرفعة عند الله، وكسب الحسنات والكرم بثلاثة.
أولا: الكرم والجود. ثانيا: رمي السلام على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين. ثالثا: التهجد.
(4)
التى تبعد الخطر، وتوصل إلى السلامة، وتزيل الهلكة ثلاثة:
أولا: التوسط عند حمقه وكدره، وعند رخائه وفرحه. ثانيا: كذا الحد الوسط بين الحاجة والسعة، فلا يبخل ولا يقتر ولا يضجر ولا يسرف ولا يشح ولايبذر. ثالثا: خوف الله تعالى في الخفية والجهر.
(5)
الحفرة التى تودى بصاحبها، والعذاب المحيط به. وطريق الزلل في ثلاثة:
أولا: التقتير ونهاية البخل، ومنع الواجبات، والتقصير في الحقوق. ثانيا: إرخاء العنان للنفس تمرح في غوايتها لا يكبحها كابح، ولا يردها جامح، والاسترسال في الضلال بلا رادع، أو زاجر، وإطلاق الحرية الكاذبة في المعاصى، والميل إلى الدنايات، وحب الشهوات. ثالثا: الغطرسة والكبر، وزهو المرء بنفسه وتحقير غيره:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
…
حب الطعام وإن تفطمه ينفطم
وبهذه المناسبة أزف إليك جواب الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه لرجل سأل عن الإيمان، فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. والصبر على أربع شعب: على الشوق، والشفق =
15 -
وعن داود بن صالح قال: قال لى أبو سلمة: يابن أخى تدرى في أي شئٍ نزلت (اصبروا وصابروا ورابطوا)؟ قلت: لا، قال: سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وسلم غزوٌ (1) يُرابط (2) فيه، ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
16 -
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: القاعد على الصلاة كالقانت (3)، ويُكتب من المصلين (4) من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد وغيره أطول منه، إلا أنه قال: والقاعد يرعى الصلاة كالقانت: وتقدم بتمامه في المشى إلى المساجد.
(قوله) القاعد على الصلاة كالقانت: أي أجره كأجر المصلى قائماً مادام قاعداً ينتظر الصلاة، لأن المراد بالقنوت هنا القيام في الصلاة.
17 -
وعن امرأةٍ من المبايعات رضي الله عنها أنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه من بنى صلمة فقربنا إليه طعاماً فأكل، ثم قربنا إليه
= والزهادة والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات. واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن أول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين. والعدل على أربع شعب: على غامض الفهم وزهرة الحلم وروضة العلم وشرائع الحكم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط أمره، وعاش في الناس. والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف: والنهى عن المنكر،، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن فقد قضى الذى عليه ومن شنئ الفاسقين فقد غضب لله، ومن غضب لله غضب الله له.
قال بشر بن عمارة عن محمد بن سوقة، فقام الرجل فقبل رأسه، فقال على كرم الله وجهه:
أحبب حبيبك هونا ما
…
عسى أن يكون بغيضك يوما ما
وأبغض بغيضك هونا ما
…
عسى أن يكون حبيبك يوما ما
أهـ نوادر الأمالى ص 174.
(1)
الغزو: الخروج إلى محاربة العدو، وقد غزا يغزو، فهو غاز، وجمعه: غزاه وغزى قال تعالى (أو كانوا غزى).
(2)
يقام ويأخذ عدة الحرب وينتظر هجوم العدو في مكان معلوم.
(3)
الخاشع. والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، ولذا قيل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت أي الاشتغال بالعبادة، ورفض كل ما سواه تعالى، قال جل شأنه:(إن إبراهيم كان أمة قانتا - أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما).
(4)
العابدين الذاكرين المسبحين.
وضوءاً فتوضأ، ثم أقبل على أصحابه فقال: ألا أُخبركم بمُكفرات (1) الخطايا؟ قالوا: بلى، قال: إسباغ (2) الوضوء على المكاره (3)،
وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة
(1) مزيلات وماحيات ومطهرات الذنوب.
(2)
الذهاب إلى الوضوء وإتمامه.
(3)
عند كل ملمة أو حادثة مغضبة أو أمر اشتد خطبه، أو مصيبة نزلت أو عند تعب أدرك الإنسان فكسل. بمعنى أن الإنسان إذا اعترضه أي مكدر في حياته من صنوف الآلام التجأ إلى تنقية نفسه من أدران المعاصى، وتطهر ليناجى مفرج الكروب، وميسر العسير، فيتوضأ ويصلى لله تعالى، ويفوض أمره إليه سبحانه وتعالى.
فقه الباب
أولا: أن تمرن نفسك على العكوف على مصلاك مدة تسبح ربك وتذكره، وحبذا المكث في المسجد.
ثانيا: أن تغتنم فرصة الدعوات الصالحات ممن لا يعصون الله ماأمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ثالثا: أن تجتهد أن تكون على طهارة فوضوء ليتجلى عليك ربك في انتظارك هذا، وتكون من الذين قال الله عنهم في كتابه:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لماذا؟ لأنهم تركوا وقت اللهو والأكل وذهبوا في الظلمة ينتظرون صلاة العشاء رجاء ثواب الله.
رابعا: الاطمئنان لبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم. بفتح باب رحمة الله للمعتكفين منتظرى الصلاة. هذا إلى أن هذا الثواب ينقش في صحف المتقين، ويبقى نوره ساطعا إلى يوم القيامة. على شريطة عدم الكلام في المسجد والغيبة والنميمة، وحديث الدنيا.
خامسا: التشبه بالمجاهدين في سبيل الله هذا ينتظر قدوم صلاة جديدة يماثل المرابط للدفاع عن الوطن الذى هجر وطنه، وذهب يكمن حتى يهجم على أعداء الدين، ولا تنس هذا التمثيل البديع (كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه) أي منتظر الصلاة القادمة يشبه ذلك المستبسل في الجهاد والمدافع عن الإسلام وبيضته وقوله صلى الله عليه وسلم:(على كشحه) يشير إلى نهاية الإقدام وتكليف فرسه فوق طاقته صابراً على جوعه وضموره، فكما أن الفارس يصبر على مضض الجهاد وتعبه كذلك المنتظر الصلاة يصبر على الاعتكاف حبا في ثواب الله مع وجود المنافسة في أهل السماء، وسرورهم من القانتين. وهل تجد أخى أحسن تعبير، وأشهى حديث من قوله صلى الله عليه وسلم:(فوضع يده) أي شملتني قدرته ورأفته بى حتى دب في دبيب الإحسان؛ وسرى في الفرح والسرور سريان الدم في الشرايين. وهذا درس تربية وتهذيب من النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين رجاء تفريغ القلب لعبادة الله وترك مشاغل الدنيا في أوقات الرحمات مثل عتمة العشاء وغلس الليل، وهذا تعبير طريف مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري:(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعونى فاستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟). قال القسطلاني: أي ينزل تعالى نزول رحمة ومزيد لطف، وإجابة دعوة، وقبول معذرة أهـ ص 69 جواهر البخاري.
ولا تنس أن من صفاته تعالى مخالفته للحوادث: أي سبحانه غير موافق ومماثل لشئ من الحوادث فليس جسما وليس قائما بجسم أو محاذيا له، وليس فوق شئ أو تحته أو خلفه أو يمينه، وما ورد مما يوهم ذلك، فيجب تأويله ص 29 كتابى (النهج السعيد في علم التوحيد)، وقد رأيت انتظار الصلاة يعينها الله تعالى بقوله (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعكم تفلحون) 201 من سورة آل عمران. =
بعد الصلاة. رواه أحمد، وفيه رجل لم يسمّ، وبقية إسناده محتج بهم في الصحيح.
= ينادى الله المؤمنين: احبسوا أنفسكم على مشاق الطاعات، وما يصيبكم من الشدائد، وترصدوا لزيادة الحسنات، ونيل الخيرات، وأقيموا شعائر العبادة بالمكث في المساجد كما قال صلى الله عليه وسلم:(من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة) أي ورابطوا أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو والجهاد وأنفسكم ذللوها بالطاعة وروضوها على الذكر (وصابروا) أي غالبوا أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب، وأعدى عدوكم فى الصبر على مخالفة الهوى، وإتمام العمل الدنيوى؛ والذهاب إلى بيت الله، ثم أمر تعالى بخشيته وتقواه بالتبرى عما سواه رجاء غاية الفلاح، أو اجتناب القبائح بنيل مراتب الصبر على مضض الطاعة، ومصابر النفس في رفض العادات الذميمة، وعدم ميلها إلى شهواتها، ومجاهدتها في طلب البر والسعادة، ومرابطة السر على جناب الحق، ورعاية أوامره، والعمل بالشريعة الغراء، والتطهير من الرذائل، وذلك بتربية عادة الأنتظار إلى الصلاة.
أيها المسلمون: لقد صدق حديث أبى هريرة الآن: لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة، هذا لنا عصرنا الآن في هذا الزمان فعليك أخى أن تحافظ على صلاة المغرب في المسجد في إبان وقته ثم تنتظر العشاء. ثم تستيقظ مبكرا قبيل الفجر بساعة وتذهب إلى التهجد وتعبد ربك حتى مطلع الفجر - هذه نصيحتى لا تعوقك عن عملك نهاراً، ولا تؤخر في إتقانه وأدائه، كيما تحب الله ورسوله، وتجلب لك رضا الخالق جل وعلا، ورضا المخلوق، وتجعل صحائفك مملوءة بالحسنات تنفعك في آخرتك. مع ملاحظة أداء عملك يومك لتنفق على أسرتك؛ ولتكسب عيشك الهناءة والرغد؛ ولتتمتع بصنوف النعم وخيرات الله، وبذا تعمل للدنيا والآخرة وتكون من الذين يتنافس الأبرار في كتابه حسناتهم. الدنيا دار عمل والعاقل من كد وكدح على شريطة أن لا يتغالى في طلبها، ويختلس من ساعاته عملا لله وذكره وحسبك حكمة مأثورة: أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
هل تذهب أيها الموظف إلى حديقة الأدب لترى رجلا كان أحد جبابرة العرب وساستها وقادتها وحكامها وموطد ملك بنى أمية، وأحد البلغاء، والخطباء المصاقع. ماذا عمل بولايته، وقد خدم عبد الله بن مروان وابنه الوليد. إنه الحجاج بن يوسف الثقفى ولد سنة 41 هـ، وتوفى سنة 95 هـ في مدينة واسط بالعراق. اقرأ حكايته يا أخى عسى أن تعتبر وتحافظ على الصلاة لتنجو من عذاب الله.
قال أبو على: وحدثنى أبو بكر قال: حدثنى أبى قال: حثدنا أحمد بن عبيد في أخبار الحجاج بن يوسف أنه لما حضرته الوفاة وأيقن بالموت قال اسندونى، وأذن للناس فدخلوا عليه، فذكر الموت وكربه، واللحد ووحشته، والدنيا وزوالها، والآخرة وأهوالها، وكثرة ذنوبه، وأنشأ يقول:
إن ذنبى وزن السموات والأر
…
ض وظنى بخالقى أن يحابى
فائن من بالرضا فهو ظنى
…
ولئن مر بالكتاب عذابى
لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظـ
…
لم رب يرجى لحسن المآب
ثم بكى وبكى جلساؤه، ثم أمر الكاتب أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان. أما بعد، فقد كنت أرعى غنمك، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه. فجاء الأسد فبطش بالراعى ومزق المرعى كل ممزق، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر، وأرجو أن يكون الجبار أراد بعبده غفراناً لخطاياه، وتكفيراً لما حمل من ذنوبه، ثم كتب آخر الكتاب: =