الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر
1 -
عن الحارث الأشعرى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله امر يحيى بن زكريا (1) بخمس كلماتٍ أن يعمل بها، ويأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد (2) أن يُبطئ بها. قال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلماتٍ لتعمل بها، وتأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها. فإما أن تأمرهم، إما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى (3) إن سبقتنى بها أن يُخسف بى، أو أُعذب، فجمع الناس في بيت (4) المقدس
= في أوقاتها عسى أن تربح وتنجح وتفلح وتفوز، وتدرك رحمة الله. قال تعالى:
أ - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذى كانوا يعملون)7.
ب - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)9.
جـ - (أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) 11 من سورة العنكبوت وجمع بين الإيمان والعمل الصالح، والصلاة عماد الصلاح، وإن الله تعالى خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وطلب اتباع الدين القويم وطلب من أمته الإقبال على تعاليمه والاهتمام بتنفيذ أوامره واجتناب مناهيه، وتجد ياأخى تصريحاً في ذلك (وأقيموا الصلاة) قال تعالى:
(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30 منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين 31 من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) 32 من سورة الرو: أي خلق الله الناس على الفطرة، وهى قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته (ذلك الدين القيم) المستقيم الذى لا عوج فيه (فأقم) الآية خطاب للرسول ولأمته (منيبين إلي) راجعين إليه او منقطعين إليه، وقد صدرت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيما له. وقال تعالى:(من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون 44 ليجزى الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين) 45 من سورة الروم. كفره وباله (يمهدون) أي يسوو منزلا في الجنة.
(1)
ابن الذى كفل السيدة مريم ورباها أحسن تربية، وزوجه عليه السلام أخت مريم. وفي كتاب (المنهج السعيد) أن سيدنا زكريا عليه السلام عاصر ابن ماتان الذى هو جد السيدة مريم، وتزوج بنته إيشاع أخت عمران أبى مريم، وأم مريم حنة بنت فاقوذا كانت تستظل تحت شجرة، فرأت طائراً يطعم فرخه فحنت إلى ولد وتمنته، فقالت: أللهم إن لك على نذرا إن رزقتنى ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه فحملت بمريم، وهلك عمران، ولما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فتنافسوا فيها، فقال زكريا أنا أحق بها عندى خالتها أهـ ص 124، ويحيى وعيسى عليهما السلام كانا في عصر واحد وهما نبيان ورسولان.
(2)
قرب أن يتأخر عن تنفيذ أمر الناس.
(3)
أخاف يا عيسى أن أعد مقصراً في الرسالة فيقلب الله الأرض بى أو يعذبنى، فانتظر رعاك الله حتى أصدع بما أمر.
(4)
مكان بالشام محترم يهرع إلى تقديسه المسلمون إلى الآن.
فامتلأ وقعدوا على الشرف (1)، فقال: إن الله أمرنى بخمس كلماتٍ أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. أُولاهن (2):
أن تعبدوا الله (3) ولا تشرِكُوا به شيئاً، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهبٍ أو ورقٍ (4)، فقال: هذه دارى وهذا عملى، فاعمل وأد إلىَّ فكان يعمل، ويؤدى إلى غيره سيده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبده كذلك (5)، وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا (6)، فإن الله ينصب (7) وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ (8) معه صُرةٌ (9)
فيها مسكٌ فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ أسرهُ العدوُّ فأوثقُوا (10) يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدى نفسى منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وأمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ خرج العدو في إثرهِ (11) سراعاً حتى إذا
(1) ازدحموا حتى جلسوا على الأمكنة العالية، وفي حديث ابن عباس: أمرنا أن نبنى المدائن شرفا والمساجد جما. الشرف: التى طولت أبنيتها بالشرف، واحدتها شرفة أهـ نهاية ص 215.
(2)
في نسخة: أولهن 175 ع ..
(3)
تجعلون عبادته سبحانه قاصرة عليه لا شريك له في التعظيم والتبجيل والسؤال والرجاء، بيده الخير يفعل ما يشاء.
(4)
فضة.
(5)
يشترى بمال سيده، ويعمل العمل لغيره، وغيره يجبى ثمرة تعبه، وسيده محروم من خيراته: كذلك من يعبد غير الله عمله ضائع، ومحروم من ثواب القادر الصمد.
(6)
أي ائتدوا، ولا تحركوا أعناقكم يميناً أو شمالا، واخشعوا واطمئنوا.
(7)
المراد أن تترى رحمته للذى يحسن الصلاة، ويحفه تعالى برضوانه وإكرامه مدة عدم التفاته في صلاته.
(8)
جماعة.
(9)
شئ يحفظ فيه العطر، والصرة: للدراهم، من صر الصرة شدها، وبفتح الصاد: الصيحة، وهذا مثل لشدة خلوف الصائم، وتغير رائحة فمه، والمسك من الطيب، وتسميه العرب المشموم. قال الشاعر:
فان تفق الأنام وأنت منهم
…
فان المسك بعض دم الغزال
قيل: إن المسك من صرة الغزال.
(10)
شدوها ووضعوا فيها الأغلال، وربطوها في عنقه فأصبح مشلول الحركة مقيدا مغلولا لا حراك له، ولا يمكن أن يدافع عن نفسه، ويذب عن حوضه فسلم نفسه لخصومه، وقدم لهم الفداء بجل ما يملك وجاد بتراثه فنجا وفاز. وكذلك الصدقة تكون سبب العتق من النار والنجاة من العذاب والفوز يوم القيامة وسبب زيادة الرزق وهى حصن من السوء وقلعة منيعة من شرور المجرمين.
(11)
عقبه: يتعقبه عن قرب، ومنه خرج في إثره.
أتى على حصنٍ حصينٍ (1) فأحرز (2) نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله. قال النبى صلى الله عليه وسلم: وأنا امركم بخمس: الله أمرنى بهن: السمع (3)، والطاعة (4)،
والجهاد (5)، والهجرة (6)، والجماعة (7)،
فإنه من فارق الجماعة قيد (8) شبرٍ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يُراجع (9)،
(1) مكان مكين يقى شر العدو، ويمنع هجماته.
(2)
توقى، من أحرزت المتاع جعلته في الحرز. والحرز: الموضع الحصين، يقال (حرز حريز) واحترز وتحرز، وأحرزه: ضمه، ومنه أحرز قصب السبق.
(3)
أن تسمع كلام ولى الأمر من ملك وأمير، ومدير ومأمور، وأب وكل من له الولاية عليك، وأمره نافذ أن تصغى إلى قوله وتتفهمه.
(4)
تعمل بارشاداته، وتتبع أوامره، وتمشى على ضوء منهجه ليطمئن قلبك، ويستريح ضميرك، ويصفو عيشك .. أما المخالفة: فويل، والمضادة، والهجر والمعاكسة: فشر، وفى قوله صلى الله عليه وسلم:(اسمعوا وأطيعوا) قال الشيخ الحفنى في تعليقاته على الجامع الصغير: (طيب الله ثراه) إنما قدم أسمعوا مع أن أطيعوا يغنى عنه: إشارة إلى أن الإمام إذا أمرهم بأمر وجب عليهم الاصغاء ليفهموه ويتمثلوه إن كان مندوبا أو فرض كفاية، أو ترك مكروه فيصير ذلك فرض عين، فلو أمر طائفة بأن يقدموا بالتجارة مثلا، ولم ينتقلوا إلى غيرها صار ذلك فرض عين عليهم بعد أن كان فرض كفاية. أما لو أمر بحرام حرم إطاعته، أو بمكروه كرهت إطاعته أهـ.
قال العلقمى. قال القاضى عياض وغيره: أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وأوجبوا تحريمها في المعصية لقول الله تعالى:(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) قال العلماء: المراد بأولى الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم أهـ من الجامع الصغير ص 202 - 1.
(5)
الغزو في سبيل نصر دين الله تعالى، ومحاربة النفس في شهواتها عسى أن تتحلى بالمكارم وتعمل بالأوامر.
(6)
الانتقال من مكة إلى المدينة، وهذا سر من أسرار الله لإذاعة دينه، وتعميم الإسلام، ونصر المسلمين وفي النهاية:(جهد) فيه (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) الجهاد: محاربة الكفار وهو المبالغة واستفراغ مافى الوسع والطاقة من قول أو فعل، يقال جهد الرجل في الشئ: أي جد فيه وبالغ، وجاهد في الحرب مجاهدة وجهاداً، والمراد بالنية إخلاص العمل لله تعالى: أي إنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة لأنها قد صارت دار إسلام، وإنما هوالإخلاص في الجهاد وقتال الكفار أهـ ص 90.
(7)
ملازمة رأى الجمهور، والتمشى مع روح اتحاد المسلمين ولم شعثهم، وجمع كلمتهم في البر والاتفاق على عمل صالح، وعدم بث الشقاق والاختلاف وعدم التنابذ والتراشق، والدعوة إلى الائتلاف، وصفاء النية والوداد والمحبة والشورى قال الله تعالى:
أ - (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا).
ب - (وتعاونوا على البر والتقوى).
(8)
بكسر القاف. أي قدر، وكذا قادر رمح، وبفتح القاف واحد القيود.
(9)
إلا أن يتوب إلى الله جل وعلا ويرجع نادما متبعاً سنن الجماعة.
ومن ادعى دعوى (1) الجاهلية، فإنه من جُثاء جهنم، فقال رجلٌ: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا (2) الله سَمَّاكمُ المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي، وهذه لفظه، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي ببعضه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(قال الحافظ): وليس للحارث في الكتب الستة سوى هذا.
(الربقة): بكسر الراء وفتحها وسكون الباء الموحدة، واحدة الربق: وهى عرى في حبل تشدّ به البهم، وتستعار لغيره.
وقوله: (من جثاء جهنم) بضم الجيم بعدها ثاء مثلثة: أي من جماعات جهنم.
لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت
2 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّلَفُّتِ (3) في الصلاة، فقال: اختلاسٌ (4) يختلسه (5) الشيطان من صلاة العبد. رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن خزيمة.
3 -
وعن أبي الأحوص عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايزال الله مُقبلاً (6) على العبد في صلاته ما لم يلتفت (7)، فإذا صرف وجهه (8) انصرف عنه (9). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه.
(1) أي مشى بلا عقل، وعمل بال دين، واتبع الحال التى كانت عليه العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله، وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك.
(2)
أي اعملوا بدين الله، واتبعوا أوامر الله، واتركوا عبادة ناقصة ليست على سنن الشرع الشريف.
(3)
تحريك العنق يميناً أو شمالا.
(4)
أخذ الشئ بسرعة، يقال: اختلس الشئ إذا استلبه.
(5)
يخطفه، والمعنى أن الشيطان يذهب إلى المصلى فيوسوس له ويزيل من قلبه الخشوع فتضعف خشيته لربه، فينسى موقفه هذا المقدم فيلتفت ويلعب بأطراف جسمه ويميل، وهكذا من ضروب قلة الأدب أمام رب العالمين سبحانه. وفى نيل الأوطار في الحديث: النهى عن الخلسة بفتح الخاء، وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. وفي النهاية: الاختلاس: افتعال من الخلسة، وهو ما يؤخذ سلباً، وقيل: المختلس الذى يخطف الشئ من غير غلبة ويهرب، ونسب إلى الشيطان لأنه سبب له لوسوسته به وإطلاق اسم الاختلاس علىلالتفات مبالغة. أهـ ص 281 جـ 2.
(6)
يتجلى بإحسانه، ويعطف برضوانه ورحماته.
(7)
يحرك رأسه يميناً أو يساراً.
(8)
غير وجهه عن موضع السجود، وبعد عن اتجاه القبلة.
(9)
غضب الله عليه، وحول عنه رحمات القبول، وبركات الخير.
(قال المملى الحافظ عبد العظيم) رضي الله عنه: وأبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه لم يرو عنه غير الزهرى، وقد صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما.
ما ينهى عنه في الصلاة
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهانى عن ثلاثٍ: نهانى عن نقرةٍ (1) كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلب (2). رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن، ورواه ابن أبى شيبة وقال: كإقعاء القرد: مكان الكلب.
(الإقعاء) بكسر الهمزة. قال أبو عبيد: هو أن يلزق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض كما يقعى الكلب. قال: وفسره الفقهاء بأن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. قال: والقول هو الأول.
5 -
وروى عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ قام الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه (3)، فإذا التفت. قال: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك منى، أقبل إلىَّ (4)، فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك، فإذا التفت الثالثة صرف الله (5) تبارك وتعالى وجهه عنه. رواه البزار.
6 -
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام إلى الصلاة أحسبه قال: فإنما هو بين يدي الرحمن تبارك وتعالى، فإذا التفت يقول الله تبارك وتعالى: إلى من تلتفت؟ إلى خيرٍ منى، أقبل يا ابن آدم فأنا خيرٌ ممن تلتفت إليه. رواه البزار أيضاً.
(1) خطف الركوع والسجود بمقدار مد الديك فمه لخطف الشئ. يحذر صلى الله عليه وسلم أبا هريرة والمسلمين أن يسرعوا في ركوعهم وسجودهم ولا يطمئنون كما نهى صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب في رواية أخرى، وفي النهاية: يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله أهـ.
(2)
الثعلب شديد الحركة. يريد صلى الله عليه وسلم أن يكثر الالتفات والخطف والسرعة مثل الثعلب، وفقد معه الخشوع، والاطمئنان: وخوف الله جل وعلا.
(3)
تترى رحماته، وتتوجه إليه بركاته جل وعلا؛ ويغمر بعطف الله وإحسانه.
(4)
قف بخشوع وأدب ورجاء، وتفكر في معنى ما تقرأ واهدأ واطمئن عسى أن تدرك رحمتى ويحفك غفرانى، وتنال رضوانى.
(5)
غضب عليه جل جلاله، وزالت رحمته، وقد سأل جبريل عليه السلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان؟ فقال صلى الله عليه ولم:(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
7 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يابُنى إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة (1) الحديث. رواه الترمذي من رواية علىّ بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس، وقال: حديث حسن، وفى بعض النسخ صحيح.
(قال المملى): وعلىّ بن زيد بن جدعان يأتى الكلام عليه، ورواية سعيد بن أنس غير مشهورة.
8 -
وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين فدعا ربه إلا كانت دعوته مستجابةً (2) معجلةً، أو مُؤخرةً (3).
إياكم والالتفات (4) في الصلاة فإنه لا صلاة لِمُلتَفِتٍ (5)، فإن غلبتم في التطوع فلا تُغلبوا في الفريضة (6).
رواه الطبراني في الكبير.
(1) دمار. قال الشوكاني: سمى الالتفات هلكة باعتبار كونه سبباً لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة أو لكونه نوعا من تسويل الشيطان واختلاسه، فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان، واتباع الشيطان هلكة، أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله، والإعراض عنه عز وجل هلكة. أهـ ص. 28 جـ 2.
(2)
أي أن الله تعالى يجيب دعاءه وقته هذا، ويظهر أثر الإجابة ويدرك حاجته فورا.
(3)
سبحانه يجيب الدعاء، ويدخر عنده التنفيذ، ويوجه الخير له على حسب الأصلح له والمفيد ويؤخر يمقتضى حكمته:
أ - (قد جعل الله لكل شئ قدرا).
ب - (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء).
(4)
احذروا تحريك العنق في الصلاة يمنة أو يسرة.
(5)
في نسخة: للملتفت.
(6)
فيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض، وفي رواية:(فإن كان لا بد ففى التطوع لا في الفريضة). وفي مختار الإمام مسلم ص 31 جـ 1 نقلا عن النووي: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم التى أوتيها، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخشوع والخضوع، وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى بها، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان. والمقصود الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تعالى في إتمام الخشوع والخضوع، ولذا ندب مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشئ من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تبارك وتعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته أهـ ص 37 جـ 1.
ولن تجد في الحياة ألذ من وقوف الإنسان أمام المنعم المتفضل عليه بالخير والبر فيحمده، ويشكر فضله، وسبيل ذلك أداء الصلاة التى طلبها الله تعالى، وأمر بها في كتابه، وأخبر أن آياته تشرح صدر المصلين، وتقر عين المزكي، ونبراس الهداية للعاملين المحسنين الذاكرين. قال تعالى: =
وفي روايةٍ له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قام في الصلاة فالتفت (1) رد الله عليه (2) صلاته.
9 -
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لا يزال الله مقبلاً على العبد (3) بوجهه
= أ - (تلك آيات الكتاب الحكيم 2 هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 اولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5) من سورة لقمان.
إن اسم الإشارة عائد على الفائزين المهتدين. لماذا؟ لأن خلالهم أداء أوامر الله على أن لقمان الحكيم الذى عاصر سيدنا داود عليه السلام كان من نصائحه بعد توحيد الله جل وعلا المحافظة على إقامة الصلاة.
ب - (يابنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) 18 من سورة لقمان.
قال البيضاوى: (أقم الصلاة) تكميلا لنفسك (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) تكميلا لغيرك. هذه نصيحة رجل حنكته التجارب، وعلمته طاعه الله أن يرشد ابنه إلى الصلاة أنها تكسوه الكمال والجمال والبهاء والهناء ويأمره بالصبر (واصبر على ما أصابك) أي في ذات الله تعالى إذا أمرت بمعروف، ونهيت عن منكر أو اصبر على ما أصابك من المحن، فإنها تورث المنح، إن الذى وصيتك به (من عزم الأمور) أي مما عزمه الله من الأمور، أو قطعه قطع إيجاب وإلزام، وأمر به أمراً حتما أهـ نسفى ص 216. والمراد بالصبر: التسليم لأحكام الله تعالى، والرجوع فى كل الأمور لله جل شأنه، فالصلاة يا أخى عماد الدين قدمها لقمان أولا، وهى سبب مناجاة الله تعالى. واعلم أن الالتفات مضيعة الثواب، وإعراض عن الله جل جلاله، وباب الخير، ومصدر العز، وشمس الاستقامة، والتسلية للنفس، وسُلْوانها عند الشدة، وقد أمر الله تعالى بها سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عند ما ذكر سيدنا موسى عليه السلام الكتاب وأعمال فرعون معه، ونصر الله له. قال تعالى. (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بنى إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولى الألباب فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار) والإبكار: الفجر، والعشى: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وإن شاهدنا (وسبح) أي دم على التسبيح والتحميد لربك، وقيل صل لهذين الوقتين، إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة، وركعتين عشيا، وإن ثلاث خلال حميدة أمرنا الله بها ترفع الرجال إلى مراتب الكمال: الصبر على المكاره لله، وطلب المغفرة من الله، والصلاة لله عز شأنه فاصبر يا محمد حتى يأتى النصر من ربك كما نصر الأنبياء من قبل، واطلب المغفرة لأمتك ليستنوا بك ويتأسوا. قال الشاعر في الصبر والحزم ص 307 جـ 2 أمالى:
إذا اشتملت على اليأس القلوب
…
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
…
وأرست في مكامنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً
…
ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث
…
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
…
فمقرون بها الفرج القريب
(1)
حرك وجهه، ولفت عنقه يمنة ويسرة.
(2)
لم يقبلها، ولا ثواب له، ولم يؤد الفرض.
(3)
سبحانه يتجلى برحمته على عبده، ويحيطه بأنواره مدة خشوعه وعدم التفاته وطهارته، فإذا التفت أو أحدث زالت ظلة الرحمة عنه، وبعدت بركات ربه المحيطة به.
ما لم يلتفت أو يُحدِثْ. رواه الطبرانيّ في الكبير موقوفاً عن أبي قلابة عن ابن مسعود ولم يسمع منه.
10 -
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليقبل (1) عليها حتى يفرغ منها، وإياكم والالتفات (2) في الصلاة، فإن أحدكم يناجى (3) ربه مادام في الصلاة (4). رواه الطبراني في الأوسط.
11 -
عن أُم سلمة بنت أبى أُمية رضي الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يُصلى لم يعد (5) بصرُ أحدهم موضع قدميه، فَتُوُفِّىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصرُ أحدهم موضع جبينه، فَتُوُفِّىَ أبو بكرٍ رضي الله عنه، فكان عمر رضي الله عنه، فكان إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ثم تُوُفِّىَ عمر رضي الله عنه، فكان عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت الفتنة، فتلفت (6) الناس يميناً وشمالاً. رواه ابن ماجه بإسناد إلا أن موسى بن عبد الله بن أبى أمية المخزومى لم يخرّج له من أصحاب الكتب الستة غير ابن ماجه، ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل، والله أعلم.
(1) يتم ركوعها وسجودها وآدابها.
(2)
احذروا الالتفات واجتنبوه.
(3)
يحادثه ويسأله ويدعوه، ويتضرع إليه جل وعلا.
(4)
مدة وجوده في الصلاة.
(5)
لم يتجاوز، بمعنى أن بصره طول صلاته نحو سجوده ومكان وضع جبهته، واستمر هذا عادة في زمن سادتنا أبى بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ثم جاءت فتنة قتل سيدنا عثمان رضى الله عنه فذهب خشوع بعض المسلمين، فالتفتوا في صلاتهم.
قال الطيبى: المعنى من التفت ذهب عنه الخشوع فاستعير لذهابه اختلاس الشيطان تصويراً لقبح تلك الفعلة أو أن المصلى مستغرق في مناجاة ربه، وأنه تعالى يقبل عليه، والشيطان كالراصد ينتظر فوات تلك الحالة عنه. فإذا التفت المصلى اغتنم الفرصة، فيختلسها منه. أهـ، وقال ابن بزيزة: أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه وتعالى، وقال أبو ثور: إن التفت ببدنه كله أفسد صلاته، وإذا التفت عن يمنيه أو شماله مضى في صلاته أهـ.
(6)
في النسخة المطبوعة: فالتفت، وصحح على ع ص 177