المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة

وترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

1 -

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: "ملعونٌ (1) من سأل (2) بوجه الله، وملعونٌ من سُئل بوجه الله، ثم منع سائلهُ ما لم يسأل هُجْراً" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة، وفيه كلام.

[هجراً] بضم الهاء، وسكون الجيم: أي ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق. ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح.

2 -

وعن ابن عمر (3) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "من استعاذ (4) بالله فأعيذُوهُ (5)، ومن سأل بالله (6) فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه (7)، ومن صنع إليكم معروفاً (8) فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين.

= وراحة لو تحاكيها السحائب في

فيض الذي هطلت تبراً غواديها

ورأفة بعباد الله كافلة

بخير ما حدثت نفساً أمانيها

تربو على وصف مطريه محاسنه

وهل يعد نجوم الأفق راعيها

له راحة لو أن معشار جوده

على البر كان البر أندى من البحر

(1)

بعيد من رحمة الله مطرود.

(2)

ألح. قال المناوي: لا يناقضه استعاذة النبي بوجه الله، لأن ما هنا في طلب تحصيل الشيء من المخلوق، وذاك في سؤال الخالق؛ أو المنع في الأمر الدنيوي والجواز في الأخروي. أهـ جامع صغير.

وعلق الشيخ الحفني: القصد منه التنفير والأدب، وإلا فلا يحرم السؤال بذلك، بل الأولى تركه لما فيه من الإلحاح في الطلب، وعدم إجماله، "اتقوا الله وأجملوا في الطلب" ثم منع سائله أي مع القدرة على إعطائه (هجراً): أي فحشاً وشيئاً محرماً. أهـ.

يعلم رسول الله السائل أن يتجنب الإكثار من ذكر لفظ الجلالة، والتحاشي عن ابتذال اسمه سبحانه ويحذر السمئول أن يرد السائل مطلقاً، ولابد أن يعطيه شيئاً لله. أدب جم يا رسول الله فيريد أن يتحلى به الآخذ والمعطي.

(3)

عن جاب في (ن ط)، وفي (ع وط): عن ابن عمر رضي الله عنهما ص 290

(4)

أي طلب الغوث والنجدة.

(5)

فحصنوه واجعلوا له ملجأ، يقال: عذت به: أي لجأت إليه، وأنا عائذ: أي مستجير.

(6)

طلب شيئاً حباً في ثواب الله.

(7)

طلب أن تحضروا الوليمة.

(8)

قدم لكم خيراً وإحساناً.

ص: 601

ملعون من سُئل بوجه الله فمنع سائله

3 -

ورويَ عن أبي عبيدة مولى رفاعة عن رافعٍ رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ملعونٌ من سأل بوجه الله، وملعونٌ من سُئِلَ بوجه الله فمنع سائله" رواه الطبراني.

4 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "ألا أخبركم بشرِّ الناس (1) رجلٌ يُسألُ بالله (2)، ولا يُعطي" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب والنسائي وابن حبان في صحيحه في آخر حديث يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.

5 -

ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "ألا أخبركم بشرِّ البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يُسألُ بالله ولا يُعطي" رواه أحمد.

6 -

ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ألا أحدثكم عن الْخَضِرِ (3) قالوا بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يومٍ يمشي في سوق بني إسرائيل أبصرهُ رجلٌ مُكاتبٌ (4)، فقال تصدق (5) عليَّ بارك الله فيك فقال الخضرُ: آمنتُ بالله ما شاء الله من أمرٍ يكونُ (6) ما عندي شيءٌ أُعطيكهُ، فقال المسكين: أسألكَ بوجه الله لما تصدقت عليَّ، فإني نظرتُ السماحة في وجهك ورجوتُ البركة عندك، فقال الخضرُ: آمنتُ بالله ما عندي شيءٌ أُعطيكهُ إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيمُ هذا؟ قال نعم، أقولُ لقد سألتني بأمرٍ عظيمٍ

(1) أرذلهم وأدناهم وأقبحهم وأبعدهم من رحمة الله.

(2)

كذا (ع ود)، وفي (ن ط): بوجه الله، والمعنى: المذموم من جاءه سائل يرجو منه صدقة حباً في الله وكرمه فيحرمه قسوة وبخلاً. قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".

(3)

اسمه بليا بن ملكان. قال تعالى في حكاية سيدنا موسى عليه السلام: "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمنا من لدنا علما"(66 من سورة الكهف). (رحمة): هي الوحي والنبوة (من لدنا علما): مما يختص بنا، ولا يعلم إلا بتوفيقنا. وهو علم الغيوب "قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا"(67 سورة الكهف) أي علماً ذا رشد، وهو إصابة الخير. قال البيضاوي: ولا ينفي نبوته وكونه صاحب شريعة. (سيدنا موسى عليه السلام أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطاً في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقاً، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب بأن تجهل نفسه، واستأذن أن يكون تابعاً له، وسأل منه أن يرشده، وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه. أهـ ص 424

(4)

اتفق مع سيده على أن يعتقه إذا دفع مبلغاً معيناً.

(5)

أعطني شيئاً أستعين به على فك الرق.

(6)

صدقت بوجود الله وخلقه وفضله والذي قدره الله تعالى يوجد.

ص: 602

أما إني لا أخَيِّبُكَ بوجه ربي بِعْني (1).

قال: فَقَدَّمَهُ إلى السوق فباعهُ بأربعمائة درهمٍ فمكثَ عند المشتري زمانا لا يستعملهُ في شيء، فقال: إنما اشتريتني التماس خيرٍ عندي فأوصني بعملٍ. قال: أكرهُ أن أشُقَّ عليك إنك شيخٌ كبيرٌ ضعيفٌ (2) قال ليس يشُقُّ عليَّ. قال: قُم فانقُلْ هذه الحجارةَ (3)، وكان لا ينقلها دون ستة نفرٍ في يومٍ فخرج الرجلُ لبعض حاجتهِ، ثم انصرف وقد نَقَلَ الحجارةَ في ساعةٍ: قال أحسنتَ وأجملتَ وأطقتَ ما لَمْ ارك تُطيقهُ. قال: ثم عَرَضَ للرجل سفرٌ فقال إني أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافةً حسنةً. قال: وأوصني بعملٍ. قال: إني أكرهُ أن أشُق عليك قال: ليس يَشُقُّ عليَّ. قال فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقْدُمَ عليك. قال فَمَرَّ الرجلُ لسفرهِ قال فرجع الرجلُ وقد شيد بناءهُ (4) قال: أسألك بوجه الله ما سَبَبُكَ وما أمْرُكَ؟ قال: سألتني بوجه (5)

الله ووجهُ الله أوقعني في هذه العبودية، فقال الخضرُ: سأخبركَ من أنا، أنا الخضرُ الذي سمعتَ به سألني مسكينٌ صدقةً فلم يكن عندي شيءٌ أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني وأُخبرُكَ أنه من سُئلَ بوجه الله فَرَدَّ سائلهُ وهو يقدرُ وقف يوم القيامة جِلدةً (6)، ولا لحمَ له يتقعقعُ (7)، فقال الرجلُ آمنتُ بالله، شققتُ عليك يا نبي الله ولم أعلم. قال: لا بأس أحسنتَ وأتقنتَ، فقال الرجل: بأبي أنتَ وأمي يا نبي الله احكمْ في أهلي ومالي بما شئت، أو اخترْ فَأُخَلِّيَ سبيلك (8). قال أحِبُّ

(1) هانت عليه نفسه، ولا يرد السائل حباً في ثواب الله، وإكراماً لقسمه بالله.

(2)

هذه كرامة الله ألقى عليه الهيبة والحلال فاحترمه مشتريه.

(3)

ما يعمل من الطين ويبني به.

(4)

كذا (ع)، و (د) ص 291، وفي (ن ط): بناء.

(5)

أي بذاته سبحانه، وانتظار ثوابه وإنفاقه. قال في الغريب: وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله تبارك وتعالى.

(أ)"ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" قيل: ذاته. وقيل: أراد بالوجه هاهنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة.

(ب)"إنما نطعمكم لوجه الله".

(جـ) يريدون وجه الله".

(د)"كل شيء هالك إلا وجهه".

(6)

جسمه جلدة مثل الهيكل فقط.

(7)

يضطرب ويتحرك بصوت.

(8)

أطلقك.

ص: 603

أن تُخَلِّيَ سبيلي فأعبد ربي فَخَلَّى سبيلهُ، فقال الخضرُ: الحمد لله الذي أوثقني (1)

(1) قيدني وحبسني في ذل الأسر وملك اليد، ثم تكرم بفك رقبتي، وإزالة عبوديتي وانكساري.

أخبر عن نبذة طريفة عن سيدنا الخضر عليه السلام، وزيادة إيمانه بالله تعالى، ورغبته في ثوابه، ورهبته من عقابه، وميله إلى إجابة السائل الفقير المحتاج، ولو ببيع نفسه: درجة سامية في الإيمان بالخالق جل وعلا، والرقيب الحسيب أن ينفق ما يملك، ولو يجود بنفسه، وقد رأيت أعزك الله أيها المؤمن إكرام الله للخضر، ومنحه رضاه، وتجليه عليه ببركاته ورحماته، وإعطائه قوة المجدين العاملين (وقد نقل الحجارة في ساعة) هذه كرامة، والثانية (وقد شيد بناءه). قال الشاعر:

يجود بالنفس إذ ضنى الجواد بها

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

بث النوال ولا يمنعك قلته

فكل ما سد فقراً فهو محمود

ثم أعطى سيدنا الخضر نصيحة غالية، وحذر المسئولين من البخل خشية الوقوف يوم الحساب حفاة عراة، وهيئة أجسامهم رئة بالية تضطرب لرداءتها وقذارتها، وانظر إلى أسمى مطلب عكف عليه العقلاء، وسعى إليه الفضلاء (تخلي سبيلي فأعبد ربي) هذا مثل ضربه النبي لك أيها المسلم لتجود بمالك في مشروعات الخير ولتثق بالله الرزاق المنفق المخلف، ولتتحلى بشيم السخاء والعطاء، فلا ترد سائلاً، وأعطه من فضل الله ونعمه عسى الله أن يرزقك السعادة والقناعة.

ولأبي فراس الحمداني في هذا المعنى:

غيري يغيره الفعال الجافي

ويحول عن شيم الكريم الوافي

إن الغني هو الغني بنفسه

ولو أنه عاري المناكب حاف

ما كل ما فوق البسيطة كافياً

وإذا قنعت فبعض شيء كاف

وتعاف لي طمع الحريص فتوتي

ومروءتي وقناعتي وعفافي

ومكارمي عدد النجوم ومنزلي

مأوى الكرام ومنزل الأضياف

لا أرتضي وداً إذا هو لم يدم

عند الجفاء وقلة الإنصاف

سيدنا الخضر عليه السلام:

في تفسير الجلالين: (آيتناه رحمة من عندنا) نبوة في قول، وولاية في آخر. وعليه أكثر العلماء وعلق على هذا الشيخ الصاوي: أي وقد صححه جماعة، والجمهور على أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة يجتمع به خواص الأولياء ويأخذون عنه. قال العارف السيد البكري صاحب ورد السحر في توسلاته: بنقيبهم في كل عصر الخضر أبي العباس من أحيا بماء وصاله:

حي وحقك لم يقل بوفاته

إلا الذي لم يلق نور جماله

فعليه مني كلما هب الصبا

أزكى سلام طاب في إرساله

وقد اجتمع برسول الله، وأخذ عنه، فهو صحابي، واسمه بليا: أي أحمد بن ملكان وكنيته أبو العباس. قال بعض العارفين: من عرف اسمه واسم أبيه وكنيته ولقبه مات على الإسلام، وهو من نسل نوح، وكان أبوه من الملوك ولقب بالخضر لأنه جلس على الأرض فاخضرت تحته. أهـ ص 16 - 3 وفي كتابي النهج السعيد في علم التوحيد ص 59 في تعلق علم الله تعالى.

فائدة: قام رجل إلى ابن الشجري وهو على كرسيه للوعظ يقرأ تفسير قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) ووقف على رأسه فقال: يا هذا فما يفعل ربك الآن؟ فسكت وبات مهموماً، فرأى المصطفى صلى الله عليه وسلم =

ص: 604

في العبودية، ثم نجَّاني منها" رواه الطبراني في الكبير وغير الطبراني، وحسَّن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بعد، والله أعلم.

تم الجزء الأول من الترغيب والترهيب، ويليه الجزء الثاني، وأوله: الترغيب في الصدقة والحث عليها.

= فذكر له ذلك، وسأله، فقال له: إن السائل لك الخضر وإنه سيعود، فقل له: شؤون يبديها ولا يبتديها، يخفض أقواماً، ويرفع آخرين فأصبح مسروراً، فأتاه وأعاد عليه السؤال، فأجابه بذلك، فقال له: صلي على من علمك وانصرف مسرعاً. أهـ.

هذه نبذة معتمدة نقلتها من كتب التوحيد التي تدرس بالأزهر لتدل على سيدنا الخضر عليه السلام وأنه حي وقد قص الله علينا في كتابه العزيز حكاية موسى عليه السلام وفتاه (في سورة الكهف) وورد في صحيح مسلم: (فارتدا على آثارهما قصصا) يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى، فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. أهـ.

الآيات توضح لك أعمالهما:

(أ) خرق السفينة.

(ب) قتل الغلام.

(جـ) إخراج كنز من جدار.

قال رسول الله: يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما. قال الراوي: قال رسول الله: كانت الأولى من موسى نسياناً. قال: وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة، ثم نقر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، هذا على سبيل التقريب للأفهام فقط.

وأول الحديث: عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله يقول: "قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي رب كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون، فحمل موسى عليه السلام حوتاً في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة الحديث" ص 374 مختار الإمام مسلم الجزء الثاني.

قال النووي: وقد صح في البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هو تهتز من خلفه خضراء، وجمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وكان الحوت سمكة مالحة، والمكتل: القفة والزنبيل والطاقة. عقد البناء (مسجى): مغطى (أنى بأرضك السلام): بمعنى كيف: أي السلام عجيب بدار الكفر هذه، أو كانت تحيتهم بغير السلام، أو أنى بمعنى من أين استقر السلام حال كونه بأرضك، والقرية أنطاكية. قال ابن سيرين: هي الأبلة. أهـ.

وفي صحيح مسلم قال: "رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة". (ذمامة): استحياء أو ملامة. أهـ مختار.

اللهم إني أحب الرسول، وأحب سيدنا موسى والخضر عليهما السلام، وأتوسل بهم أن توفقني لأقتدي بهم يا كريم.

ص: 605