المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر له (1). رواه الأصبهاني.

5 -

وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ السورة التى يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى عليه الله وملائكته حتى تغيب الشمس (2). رواه الطبراني في الأوسط والكبير.

‌كتاب الصدقات

‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

1 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بُنى (3) الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله (4)، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة (5) وإيتاء الزكاة (6)،

(1) أي يمحو الله صغائره، ومنه: من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم) قال المناوى: أي ابتغاء النظر إلى وجهه الله تعالى في الآخرة: أي لا للنجاة من النار ولا للفوز بالجنة أهـ. فيندب عند من حضره الموت أن تقرأ عنده ص 349 جـ 3.

(2)

والمعنى المحافظ على قراءة هذه السورة يستجيب الله دعاءه، وتدعو له ملائكة الرحمة بالمغفرة والرضوان وأظنها والله أعلم سورة آل عمران التى أولها:(الم الله لاإله إلا هو الحى القيوم) وفي رواية الجامع (من قرأ السورة التى يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس): أي تسقط وتغرب وفي المصباح: وجبت الشمس وجوبا: غربت أهـ.

اللهم إنى أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر. اللهم إنى أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة.

(3)

بمعنى شيدت دعائم الإسلام، وأقيمت أركانه. فقد شبه صلى الله عليه وسلم الإسلام، وهو عبارة عن أداء أوامر واجتناب مناهى بقصر مشيد فخم أسس على عمد ثابتة.

(4)

توحيد الله جل وعلا واعتقاد وجوده والإيمان به وبتصديق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشريعته وإجابة دعوته والاستظلال برايته والهدى بهدايته.

(5)

أداء الصلاة المفروضة.

(6)

أداء الزكاة وهى عبارة عن إخراج شئ معلوم من المال أو الثمار أو الزروع على وجه مخصوص وسميت بذلك لأنها تطهر المال من الخبث وتنقيه من الآفات وتبعد النفس عن رذيلة البخيل وتنميها على فضيلة الكرم وتثمر بها المحامد والمعالى، وتستجلب بها البركة وتزيد المتصدق ثناء ومدحا. ويكفر جاحدها ويقاتل الممتنعون من أدائها وتؤخذ منهم وإن لم يقاتلوا قهراً، والله تعالى جعلها إحدى مبانى الإسلام. وأردف بذكرها الصلاة التى هى أعلى الأعلام فقال تعالى: =

ص: 514

وحج البيت (1)، وصوم رمضان (2). رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

2 -

وعن أبي هريرة وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذى نفسى بيده ثلاث مراتٍ، ثم اكَبَّ (3)، فأكبَّ كلُّ رجلٍ منا يبكى لا يدرى على ماذا حلف؟ ثم رفع رأسه، وفى وجهه البشرى فكانت أحبَّ إلينا من خمر النعم (4). قال: ما من عبدٍ يصلى الصلوات الخمس، ويصوم رمضان ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع (5) إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له ادخل بسلامٍ (6). رواه النسائي واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

= أ - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال جل شأنه:

ب - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ومعنى الإنفاق في سبيل الله: إخراج حق الزكاة، وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم:

جـ - (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقد بينت السنة القدر الواجب إخراجه وفرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، قيل في شوال أو في شعبان في السنة المذكورة، وهى من الشرائع القديمة بدليل قول عيسى عليه السلام:(وأوصانى بالصلاة والزكاة).

قال الباجورى: هكذا قيل. وقد يدفع بأن المراد بها غيرالزكاة المعروفة كما أن المراد بالصلاة غير الصلاة المعروفة أهـ وتطلق الزكاة، ويراد بها النماء والزيادة، وكثرة الخير والتطهير من الأدران. قال تعالى:(قد أفلح من زكاها) أي طهر نفسه من الأدناس ونقاها من المعاصى، وجعلها صالحة لطاعات الله (فلا تزكوا أنفسكم) أي فلا تمدحوها، ولا تظهروا محاسنها فتخدع وتقصر في تحصيل الكمالات، وقد قال الماوردى. (واجعل نصح نفسك غنيمة عقلك، ولا تداهنها بإخفاء عيبك فيصير عدوك أحظى منك في زجر نفسه) وقد قال البلغاء: (من أصلح نفسه أرغم أنف أعاديه، ومن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ) أهـ.

(1)

حج البيت أن تذهب إلى الطواف بالمسجد الحرام وتؤدى أركان الحج وواجباته في وقته المحدد إذا استطعت.

(2)

أن تصوم شهر رمضان صوما كاملا.

(3)

استمر، من أكب على عمله: أي لزمه.

(4)

بيضاء النعم، ويراد المال الوفير، والإبل الكثيرة والمسرات والترف والترفه.

(5)

فسرها صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وماهن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه أبو هريرة رضي الله عنه. فالسعادة ونيل النعم وكسب الخير في أربعة: في صلاة وزكاة وصوم واستقامة والأجرة تبشرك ملائكة الرحمة بالأمان من عذاب الله، والتنعم بفضل الله، وجنى ثمار جنة الله.

(6)

تأمره ملائكة الرحمة لا تخف عقابا وادخل آمنا سالما من كل الأهوال. لماذا؟ لأن صحائفه نقية من المعاصى وأدران الذنوب ونهته صلاته عن كل فاحشة وأثمرت زكاته بطهارة نفسه من البخل، فتحلى بالسخاء وللإمام الشافعي رضي الله عنه:

يغطى بالسماحة كل عيب

وكم عيب يغطيه السخاء

ص: 515

3 -

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ من تميمٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إنى ذو مالٍ (1) كثير، وذو أهلٍ ومالٍ، وحاضرةٍ (2)

فأخبرنى كيف أصنع، وكيف أنفقُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرةٌ تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق المسكين، والجار، والسائل، الحديث. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

4 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسٌ من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبةً بها نفسه. الحديث. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، وتقدم.

(1) صاحب ثروة طائلة وأقرباء وعز وجاء وأملك عقاراً.

(2)

مورد خير ينزل عليه الناس ليستقوا أو يستفيدوا. وفي النهاية في حديث عمر بن سلمة الجرمى: (كنا بحاضر يمر بنا الناس) الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه، ويقال للمناهل: المحاضر للاجتماع والحضور عليها أهـ. وفيه: (لا يبيع حاضر لباد) الحاضر: المقيم المدن والقرى والنادى: المقيم بالبادية أهـ. فهذا الرجل من السراة الأغنياء، فيسأل طريقة تسبب له السعادة ليرشده صلى الله عليه وسلم إلى ماذا يعمل في ماله ويبين حاله إنفاقه لينال الثواب الجزيل والعز المقيم، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى الزكاة في المال والثمار والزروع والإحسان إلى أقرابئه، والتصدق على الفقراء والمساكين، وأوصاه بجاره أن يكرمه وينعم عليه، ويتفضل بإغداقه مما أنعم الله عليه فيوزع عليه فاكهة أو يكسوه أو يمده بالمساعدة ويفعل معه معروفا حسب حاجته وأن يعطى السائل ولا يرده خائباً. قال الله تعالى:

أ - (آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 8 من سورة الحديد (مستخلفين): أي من الأموال التى جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهى في الحقيقة له لالكم، أو التى استخلفكم عمن قبلكم في تملكها، والتصرف فيها. وفيه حث على الإنفاق، وتهوين له على النفس أهـ بيضاوى.

ب - (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون 38 وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) 39 من سورة الروم. (ذا القربى) كصلة الرحم، واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم، وهو غير مشعر به (والمسكين وابن السبيل) ماوظف لهما من الزكاة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لمن بسط له، ولذلك رتب على ما قبله بالفاء. ذلك خير للذين يقصدون بمعروفهم إياه خالصا أو جهة متقرب إليه لا جهة أخرى (المضعفون) ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوى والموسر لذى القوة واليسار، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة، والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة، وخواص الخلق تعريفا لحالهم أو للنعيم كأنه قال: فمن فعل ذلك فأولئك هم المضعفون أهـ بيضاوى.

ص: 516

5 -

وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسيرُ، فقلت: يا رسول الله أخبرنى بعملٍ يدخلنى الجنة، ويباعدنى من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه لُيسيرٌ (1)

على من يسره الله عليه: تعبدُ الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. الحديث. رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه ويأتى بتمامه في الصمت إن شاء الله تعالى.

6 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الزكاة قنطرة (2) الإسلام. رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه ابن لهيعة، والبيهقى وفيه بقية بن الوليد.

7 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهمٌ في الإسلام كما لا سهم له، وأسهم الإسلام

(1) سهل التكاليف، وإدراكه ميسور سهل، وطريقه معبدة مذللة سار فيها الصالحون فنجحوا.

أولا: توحيد الله تعالى، والإيمان به وحده، وبرسله عليهم الصلاة والسلام وبملائكته وكتبه وتخلص له في العبادة والطاعة.

ثانيا: إقامة الصلاة.

ثالثاً: أداء الزكاة.

رابعاً: الصوم.

خامساً: الحج إذا كنت قادراً.

جـ - وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز 41 الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) 42 من سورة الحج وقال البيضاوى: وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب، وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم (إن الله لقوى) على نصرهم (عزيز) لا يمانعه شئ أهـ.

وقد وصف الله هؤلاء المجاهدين بأربع خلال: هم مقيمون الصلاة، ومؤدون الزكاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ثم طمأن الله سبحانه العاملين المجدين أن مرجع كل شئ إلى حكمه، وبيده الفعل (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).

إن شاهدنا (وآتوا الزكاة) خلة الإنفاق وأداء الحق والإحسان من صفات الذين ملكوا فجادوا واغتنموا فأحسنوا وربحوا فتصدقوا وكثر مالهم فزكوا وحمدوا الله على ما أنعم، وأكرموا الفقراء والمساكين وساعدوا على مشروعات الخير وإنشاء الملاجئ والمعاهد والمصحات، ومصانع التجارة والصناعة ليرضى الله عنهم ويحبهم أهلهم وعشيرتهم فيفوزوا من هول القيامة.

(2)

المعنى أن المسلم يمر يوم القيامة على جسر ممدود على متن جهنم، والمزكى يعبرها، وغير المزكى حينما يصل إلأيها لا يمكنه العثور فيسقط في نار جهنم.

ص: 517

ثلاثةٌ: الصلاة والصوم، والزكاةُ (1)، ولا يتولى الله (2) عبداً في الدنيا فيوليه (3) غيره يوم القيامة. الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد.

8 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أُمته: اكفلوا (4) لى بست أكفلْ لكم بالجنةِ. قلت: ما هى يا رسول الله؟ قال: الصلاة، والزكاة، والأمانة، والفرج، والبطن، واللسان. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، وله شواهد كثيرة.

9 -

وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام ثمانية أسهمٍ (5): الإسلام (6) سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصوم سهمٌ،

(1) يقسم صلى الله عليه وسلم مؤكداً ليبشر المسلمين أن المصلى والمزكى والصائم له ثواب وأجر وسهم في الإسلام: أي نصيب من فضل الله ونعيمه، ويكون الله تعالى ناصره وتحت رعاية مولاه في الدنيا، فكذلك سبحانه يرعاه بالرحمة في الآخرة.

(2)

يكفل، وفي أسماء الله تعالى الولى: أي الناصر، وقيل. المتولى لأمور العالم القائم بها، ومن أسمائه عز وجل الوالى: أي مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها، وفيه الحث على هذه الفرائض تؤدى كاملة ليحوز صاحبها رضا الله في حياته، وبعد موته.

(3)

فتكون عليه سلطة تامة لغيره يوم القيامة. حاشا. إذا رعى الله عبداً في الدنيا ورحمه عمته رحمته في آخرته وغفر له سبحانه.

(4)

اضمنوا؛ ومنه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، والكفيل الضمين، والمعنى والله أعلم: وطدوا عزيمتكم القوية، واعقدوا النية على القيام بأداء هذه الخصال الستة أضمن لكم أيها المسلمون دخول الجنة.

أولا: أداء الصلاة المكتوبة وسننها.

ثانيا: الزكاة المفروضة والصدقات النافلة.

ثالثا: حفظ الودائع كاملة، وردها إلى أصحابها وعدم الخيانة والسرقة وحفظ الأسرار المودعة في صدوركم والأشياء المحفوظة لديكم وتقديمها عند الطلب يحوطها الخوف من الله تعالى العليم بسرها.

رابعا: حفظ الفرج مر الوقوع في الفاحشة (الزنا).

خامسا: أن يدخل في البطن طعام حلال، والمعنى أن تأكلوا حلالا من كسب طيب بعيدا عن المحرمات والمكروهات.

سادسا: حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والنفاق والشقاق والدس والكيد، وإضمار الحسد، وإيقاد نار العداوة.

وفي الجامع الصغير: (اكفلوا) أي تحملوا والتزموا لأجل أمرى الذى أمرتكم به عن الله فعل ست خصال والدوام عليها (وأكفل لكم بالجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب (الصلاة) أي أداؤها لوقتها بشروطها وأركانها ومستحباتها (الزكاة) أي دفعها للمستحقين أو الإمام (الأمانة) أي أداؤها (الفرج) بأن تصونوه عن الجماع المحرم (البطن) بأن تحترزوا عن إدخاله ما يحرم تناوله (اللسان) بأن تكفوه عن النطق بما يحرم كغيبة ونميمة. قال المناوى: ولم يذكر بقية أركان الإسلام لدخولها في الأمانة أهـ الأمانة تشمل حقوق الله وحقوق العباد أهـ ص 271 جـ 1.

(5)

يبين صلى الله عليه وسلم أن الدين حنيف موزع ثوابه على ثمانية أشياء ما قام بها كمل إيمانه، وزاد يقينه، ودخل برحمة الله في عباده الصالحين.

(6)

الانقياد الظاهرى إلى الشرع، والعمل بجميع =

ص: 518

وحج البيت سهمٌ، والأمرُ بالمعروف (1) سهم، والنهى عن المنكر (2) سهم، والجهاد في سبيل الله (3) سهم، وقد خاب (4) من لا سهم له. رواه البزار مرفوعاً، وفيه: يزيد بن عطاء اليشكرى، ورواه أبو يعلى من حديث علىّ مرفوعاً أيضاً، وروى موقوفاً على حذيفة وهو أصح، قاله الدراقطنى وغيره.

10 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله: أرأيت إن أدَّى الرجل زكاة ماله (5)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدى زكاة ماله، فقد ذهب عنه شرُّهُ (6).

رواه الطبراني في الأوسط، واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم مختصراً: إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره. وقال صحيح على شرط مسلم.

= أوامره، والتصديق بوجود الله سبحانه وتعالى، وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتحرى عن أفعاله وأقواله.

(1)

الإرشاد إلى الخير والنصيحة، والحث على أعمال البر والهداية والتعليم.

(2)

النهى عن الأفعال القبيحة.

(3)

الحرب في سبيل نصر دين الله.

(4)

وقد خسر من لا نصيب له من هؤلاء الأسهم، وفيه الحث على اتباع الكتاب والسنة والعمل بأوامر الله ورسوله ليكون له نصيب وافر من ثواب الله، ويحوز الفوز والنجاح، ولتبقى صحائفه من السيئات، والتقصير في حقوق الله فلا يخيب له عمل يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وفيه ترك الصلاة خيبة، والبخل حسرة، وإفطار رمضان ندامة، وعدم الحج للمستطيع خسارة ونقص، وعدم النصيحة فضيحة والسكوت على المنكر عيب وذلة، وعدم نصر الحق فشل وسوء عاقبة، وفقنا الله لما يرضيه، وأعاننا على التحلى بآدايه.

(5)

أي أخرج ما يجب عليه فيما يملكه من النقدين وهما: الذهب والفضة، ومن كان عنده عشرون مثقالا من الذهب: أي 11.95 جنيهاً مصرياً، أو 12.25 جنيها انجليزياً، وجب عليه أن يخرج عنها ربع العشر: أي اثنين ونصفاً في المائة (30 قرشاً) ومن كان عنده مائتا درهم من الفضة (445 قرشاً) وجب أن يخرج عنها ربع العشر أيضاً (11.1 قرشاً).

(6)

أي حفظ من السرقة في الدنيا وبورك فيه واستعمل فيه الخير وأنفق في الطاعة، ولم يعذب صاحبه به في قبره، فلا يمثل له بشجاع أقرع يلدغه، ويعذبه كما قال صلى الله عليه وسلم لغير المزكى (مثل له يوم القيامة بشجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه، يعنى شدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: (ولا يحسبن الذين يبخلون) الآية. رواه البخاري جواهر ص 76 (شجاعا) حية ذكراً (زبيبتان) زبدتان في شدقيه: أي ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير). 181 من سورة آل عمران. (سيطوقون) أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق، وعنه عليه الصلاة والسلام:(ما من رجل لايؤدى زكاة ماله إلا جعله الله شجاعا في عنقه يوم القيامة)(ولله ميراث السموات والأرض) وله فيهما ما يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيله أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة (والله بما يعملون) من المنع والإعطاء (خبير) يجازيهم. وقرأ نافع وابن عامر =

ص: 519

11 -

وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَصنوا (1) أموالكم بالزكاة، وداوو مرضاكم بالصدقة (2)، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع (3). رواه أبو داود في المراسيل، ورواه الطبراني والبيهقى وغيرهما من جماعة من الصحابة مرفوعاً متصلاً، والمرسل أشبه.

12 -

وروى عن علقمة رضي الله عنه أنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال لنا النبى صلى الله عليه وسلم: إن تمام إسلامكم أن تُؤدُّوا زكاة أموالكم (4). رواه البزار.

13 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ مالٍ (5)

وإن كانت تحت سبع أرضين تُؤدى زكاته فليس بكنزٍ، وكل مالٍ لا تؤدى زكاته وإن كان ظاهراً فهو كنزٌ. رواه الطبراني في الأوسط مرفوعاً، ورواه غيره

= وحمزة والكسائى بالتاء على الالتفات، وهو أبلغ في الوعيد أهـ بيضاوى.

(1)

وأقيموا الحصون المنعية الحافظة لأموالكم من السرقة والضياع بإخراج الزكاة، وفى الجامع الصغير: أي بإخراجها (فما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنعها) أهـ.

(2)

أعطوا الفقراء صدقات لله يجب الله دعاءكم فيشف مرضاكم، ويزل آلامكم، وفي الجامع الصغير: فإنها أنفع من الدواء الحسى أهـ.

(3)

وأكثروا التذلل لله يرفع عنكم البلاء. قال المناوى: بأن تدعوا عند نزوله فإنه يرفعه أهـ. قال العزيزى: ويحتمل أن يكون المراد طلب الإكثار من الدعاء مطلقاً لحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) أهـ. وفي رواية: (واستعينوا على حمل البلاد بالدعاء والتضرع).

(4)

من تمام أمور الدين، وأركان الإسلام وطاعة الله، وإخراج زكاة أموالكم من زروع وثمار، وعروض تجارة وماشية.

(5)

الغنى الذى أعطاه الله ثروة طائلة ومالا وفيرا فزكى وعمل بالشرع واستعمل ماله في حقوق الله وما يرضيه فيخزن كما يشاء هو في أسفل الأرض وقد أحل الله له ذلك، وأما إذا بخل ولم يخرج زكاته ووضعه في المصارف أو في الخزانة الحديدة الظاهرة لنا فهو مقصر في إخراج حقوق الله، ويطلق على ماله كنز لم تؤد زكاته وإذا مات عذب الله به وسلط عليه أفعى تنهشه بصورة ماله المكنوز، وعدم من ناقصى الإسلام وصدق عليه قوله تعالى:(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) وفي ط وع: فهو كنز ص 254، وفي ن د: كنز.

أيها المسلمون: أنعم الله بالمال لننتفع به، وننفق منه في سبيل الخير، والمال وديعة في يد الأغنياء لينظر الله إليهم أيحسنون؟ أيتصدقون على الفقراء والمساكين. أيزيلون ألم جوعهم، وضر أمراضهم، وظلمة جهالتهم؟ فيرجون ثوابه سبحانه، وينشئون المستشفيات والملاجئ، ومعاهد العلم لتعليم أبناء الأمة الفقراء. وإيواء العجزة الضعفاء ومعالجة المرضى حتى لا تضطرهم الحاجة إلى السرقة أو المؤامرة على قتل الأغنياء أو الإقدام على ارتكاب الجرائم لدفع غيلة الفقر المدقع، وإن الله تعالى أوعد البخلاء بالعذاب الأليم، وأعلن =

ص: 520

موقوفاً على ابن عمرو، وهو الصحيح.

= كرههم فيكرههم الله والناس. ويبغضهم ربهم، ويأمر سبحانه بإيقاد النار على أموالهم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم جزاء بخلهم، ومنعهم الإحسان والمعروف:

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه ويذمم

وبهذه المناسبة أنقل لك أقوال الفقهاء في كيفية إخراج زكاة المال والزروع والثمان، وعروض التجارة وشروطها وسبيل أدائها عسى الله أن يعطينا كما طلب صلى الله عليه وسلم:(اللهم استر عورتى، وآمن روعتى واحفظنى من بين يدى ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى، وأعوذ بك أن أغتال من تحتى) رواه البزار في مسنده عن ابن عباس.

شروط الزكاة وتعريفها وكيفية أدائها لكبار الشافعية رضي الله عنهم

والزكاة: ما يخرج عن مال، أو بدن على وجه مخصوص، وتجب الزكاة في الزروع والثمار والذهب والفضة وعروض التجارة والماشية والبدن، وشروط وجوبها ستة: الإسلام، والحرية، والملك التام، والنصاب وتعين المالك، ومضى الحول في الحولى.

فصل في زكاة الزروع والثمار

المراد بالزروع كل ما يستنبت ليقتات به اختياراً كالبر والشعير والأرز والذرة والعدس والحمص والفول (وبالثمار) التمر والزبيب، ويتعلق وجوب الزكاة في كل من الثمر والزرع ببدو صلاحه، أو بعضه إن بلغ خالصه نصابا، والوجوب على من بدا الصلاح في ملكه، فلو استأجر أرضاً فالزكاة عليه لأنه المالك للزرع، وعلامة بدو الصلا في الثمر المتلون أخذه في حمرة، أو صفرة أو سواد، وفي غير المتلون كالعنب الأبيض: صفاؤه، وجريان الماء فيه، وفى الزرع اشتداد الحب، ويبدون صلاح ما ذكر يمتنع على المالك التصرف فيه ولو بصدقة أو أجرة نحو حصاد، أو أكل فريك أو فول أخضر أو بلح أحمر فيحرم ويعزر العالم بالتحريم لكن ينفذ تصرفه فيما عدا قدر الزكاة، وما اعتيد من إعطاء شئ من الزرع والثمر وقت الحصاد والجذاذ ولو للفقراء حرام. وإن نوى به الزكاة لأنه أخذ قبل التصفية، وكثير يعتقد حله، وإنما نشأ ذلك من نبذ العلم وراء الظهور. ويحرم على غير المالك أيضاً شراؤه وأكله ونحو ذلك. إن علم أنه من زرع تجب زكاته؛ نعم يسن الحرص لثمر بدا صلاحه بأن يطوف من هو من أهل الشهادات، ولو واحدا بكل شجرة ليقدر ثمرتها أو ثمرة كل نوع منها رطبا ثم يابساً للتضمين، وهو أن يقول الخارص للمخرج من مالك أو نائبه ضمنتك حق المستحقين من الرطب أو العنب بكذا تمراً أو زبيباً فيقبل، فله حينئذ أن يتصرف في جميع الثمر بيعاً وأكلا ونحوه لانتقال الحق من العين إلى الذمة، فإن انتفى الخرص أو لم يصح كما في الزرع حرم التصرف كما مر. ونقل عن العزيزى أنه لا تجب الزكاة باشتداد الحب إلا إذا صلح للادخار وعليه فيجوز الأكل من نحو الفريك والفول الأخضر قبل صلاحيته للادخار (ونصابها) خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعا والصاع أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالعراقى وبالكيل المصري أربعة أرادب وويبة هذا فيمالم يدخر في قشره، فإن كان ممن يدخر في قشره كالأرز اعتبر أن يكون خالصه قدر النصاب المذكور، وفيها العشر إن سقيت بماء المطر ونحوه كالثلج أو السيل أو النهر ونصف العشر إن سقيت بدولاب أو ناضح ونحوهما مما يحتاج لكلفة، وما زاد فبحسابه.

(فصل): أول نصاب الذهب عشرون مثقالا، ونصاب الفضة مائتا درهم خالصة من الغش فيهما، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم بوزن مكة، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، والنصاب من خالص (الذهب) =

ص: 521

14 -

وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا

= بالجنية المجيدى ثلاثة عشر جنيهاً وربع، وبالجنية الأفرنكى اثنا عشر جنيها وثمن، وبالجنية المصري اثنا عشر جنيها إلا ثمناً والبنتو خمسة عشر، ومن خالص الفضة بالريال المصري اثنان وعشرون وربع، ويجب في كل منهما بعد كمال الحول ربع العشر، ومازاد عن النصاب فبحسابه. قال تعالى:(وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) 142 من سورة الأنعام. (معروشات) الكرم أو ما غرسه الناس فعرشوه (وغير معروشات) ملقيات على وجه الأرض، أو ما نبت في البرارى والجبال (متشابهاً) في اللون والطعم (يوم حصاده) تؤدى الزكاة عند الإدراك، فهذا دليل الوجوب.

فصل في زكاة عروض التجارة

التجارة: تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح، والمعروض: هى المال المتجر فيه غير النقد سواء كان منقولا أو عقاراً أو حيواناً فتقوم آخر الحول بما اشتريت به إن كان نقدا من ذهب أو فضة، فإن ملك بغير نقد كأن اشتراها بعروض قومت بغالب نقد البلد الذى تم فيه الحول، فإن غلب في البلد نقدان وكمل النصاب بأحدهما قومت به، فإن كمل النصاب بكل منهما قومت بأيهما شاء، فإن اشترى بعضها بنقد، وبعضها بغيره، فلكل حكمه، فإن بلغت القيمة نصابا وجب فيها ربع العشر، ومازاد فبحسابه، وتجب الزكاة في مال التجارة بستة شروط:

الأول: أن يملكه بمعاوضة.

الثاني: نية التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو مجلسه.

الثالث: أن لا ينوى بالمال القنية.

الرابع: مضى الحول من وقت ملك العروض إلا أن تشترى بنقد معين وكان نصاباً أو دونه وفى ملكه باقية، كأنه كان يملك عشرين مثقالا فاشترى بعينها عروضا بنية التجارة، أو بعين نصفها فإن ابتداء الحول حينئذ من حين ملك النقد، لا من وقت ملك العروض.

الخامس: أن تبلغ نصابا آخر الحلول، وكذا إن بلغت دون نصاب، وعنده ما يكمل به كما لو كان عنده مائة درهم فاشترى بخمسين منها، وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين، فيضم لما عنده، وتجب زكاة الجميع.

السادس: أن لا ينض أثناء الحول بما يقوم به، وهو دون نصاب، ومعنى التنضيض: تصييره دراهم ودنانير، ولو كان مال التجارة مما تجب زكاة التجارة، وإن كمل نصاب الزكاتين كأربعين شاة بلغت قيمتها نصابا وجبت زكاة العين إن اتحد حول الزكاتين، فإن تقدم حول زكاة التجارة وجبت في هذا الحول، وتجب زكاة العين في الأحوال بعد كأن اشترى أول المحرم عشرين ثوبا من القماش بنية التجارة وبعد ستة أشهر باعها واشترى بها أربعين شاة للتجارة ثم بعد ستة أشهر أخرى قومت فبلغت قيمتها نصابا، فقد اجتمع فيها زكاتان وسبق حول التجارة فيزكيها في هذا الحول زكاة تجارة، وفى كل حول بعده زكاة عين، وزكاة مال المضارية على مالكه، فإن أخرجها من غير مال المضاربة فنعم، وإن أخرجها من مال المضاربة حسبت من الربح كالمؤن التى تلزم المال. =

ص: 522

الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم. رواه الطبراني في الثلاثة، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى، عمران القطان صدوق.

= فصل فيما تجب فيه زكاة المال وفي آدائها

تجب الزكاة في المال المغصوب والضال والمجحود وفي مال القاصر والمجنون والمحجور عليه بسفه، والمطالب بها الولى أو الوصى، وتجب في الدين اللازم إن كان نقدا أو عرض تجارة مؤجلا أو حالا تيسر قبضه أم لا، بخلاف غير اللازم كمال كتابة اللازم الذى ليس نقدا ولا عرض تجارة نصاب ماشية أقرضه لشخص ومضى عليه حول أو هو فى ذمته فلا زكاة فيهما لأن الملك في الأول غير تام، إذ للعبد أن يسقطه متى شاء، ولفقد إسامة المالك في الثانى لأنه يسيم مافى ذمة غيره، ولا يمنع دين جوبها، ولو اجتمع زكاة أو حج وكفارة ودين لآدمى في تركة قدمت الثلاثة على دين الآدمى ويجب أداؤها فوراً عند تمكنه بحضور المال والمستحقين وبجفاف للثمر، وتنقية للحب من نحو تبن، وبقدرة على استيفاء دين حال كأن كان على موسر حاضر باذل، ولا يجوز أن يجعل دينه الذى على نحو معسر من الزكاة إلا أن يعطيه من زكاته ثم يردها إليه عن دينه من غير شرط، فإن أخر أداءها بعد التمكن وتلف المال ضمنه ولا بد من أداء الزكاة من نية كهذا زكاة ومعلوم أن محل النية القلب وأن النطق باللسان سنة وتكفى عنه عزلها من المال وبعده وتلزم الولى عن محجوره فلو دفعها بلا نية تجزئ وللشخص أن يوكل فيها، ولا يصح أداء الزكاة من غير جنس المال المزكى إلا في إخراج شاة، أو أكثر عما دون خمسة وعشرين من الإبل فلا يصح إخراج الذهب عن الفضة، ولا عكسه، ولا إخراج الدراهم المغشوشة عن خالص.

أدلة الإنفاق من القرآن

هذه أقوال الفقهاء تنير لك سبيل إخراج الزكاة وتضئ لك كيفية الإنفاق الشرعى لتعلم أن الله تعالى يجب من عبده أن يجوز بماله في طريق الخير، ويقيم مشروعات البر وصرح الإحسان واقرأ القرآن ياأخى تجد الأمر بالصلاة، فإذا أثمرت هذه الطاعة لله أنتجت الزكاة وحب الإنفاق في طاعة الله. قال تعالى: يبشر المنفق بالخير المضاعف والغلات المباركة والزيادة الموجودة:

أ - (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم 261 الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 262 من سورة البقرة.

مثل نفقة المحسنين كمثل باذر حبة يخرج منها ساق يتشعب كل منه سبع شعبٍ، لكل منها سنبلة فيها مائة حبة، وتلك المضاعفة بفضل الله على حسب حال المنفق في إخلاصه وتبعه، ومن أجل ذلك تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب (والله واسع) لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة (عليم) بنية المنفق وقدر إنفاقه، ثم أنزل الله تعالى الآية الثانية تطمينا لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن اقتدى به فقد جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها (وسيدنا عبد الرحمن بن عوف) فإنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة. والمن: أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه، والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه. بخ بخ أيها المسلم: اتق الله، وأكثر من الإنفاق لله تربح.

ب - (ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) 252 من سورة البقرة.

الله تعالى ينادى المؤمنين ويأمرهم بالإنفاق فيما وجب علينا إنفاقه من مال وزروع وثمار وماشية من قبل أن يأتى يوم لا يقدر الإنسان فيه على تدارك ما فاته، وما فرط في أدائه، ولا خلاص من عذابه إذ لا بيع فيه =

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فتحصلون أيها المؤمنون ما تنفقونه، أو تفتدون به من العذاب، ولا خلة حتى يعينكم عليه أخلاؤكم أو يسامحونكم به ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضى له قولا حتى تتكلموا على شفاعة تنفع وتشفع لكم في حط ما في ذممكم (والكافرون هم الظالمون) قال البيضاوى: يريد والتاركون للزكاة هم الظالمون الذين ظلموا أنفسهم أو وضعوا المال في غير موضعه وصرفوه على غير وجهه، فوضع الكافرون موضعه تغليظا لهم، وتهديدا كقوله:(ومن كفر) مكان ومن لم يحج، وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفاة الكفار لقوله تعالى:(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة). أهـ.

وإن الله جل جلاله أخبر عن المتقين الذين عملوا في الحياة فأفلحوا وفازوا بالسعادة وجعل خلالهم إخراج زكاة أموالهم. قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) من 1 - 12 من سورة المؤمنين.

أي فاز أولئك الذين اتصفوا بهذه الخلال الحميدة:

أولا: الخائفون من الله سبحانه وتعالى المتذللون له الملزمون أبصارهم مساجدهم.

روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى رافعاً بصره إلى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.

ثانياً: المعرضون عما لا يعينهم من قول أو فعل لما بهم من الجد ما شغلهم عنه.

ثالثا: البالغون الغاية في القيام على الطاعات البدنية والمالية، والتجنب عن المحرمات، وسائر ما توجب المروءة اجتنابه والزكاة تقع على المعنى، وعلى العين.

رابعا: عدم بذل الفرج إلا على الأزواج والسريات والجامعون لهذه الصفات أحقاء بالفرودس وهى أعلى مكان في الجنة نعيمها دائم.

إخبار الله أن التأمين على الحياة تقواه، وإخراج الزكاة لتدوم النعمة وتزيد

إن الله تعالى أوجد المال للتعامل بين الناس، ولقضاء الحاجات اللازمة للحياة، ولوجود حسن التبادل والمنافع، وقال تعالى في محكم كتابه:

أ - (الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز).

ب - (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر).

جـ - (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فما علينا إلا أن نؤمن به سبحانه وتعالى ونعبده بحق، ونثق بالاعتماد عليه. ونعمل بالشرع في إخراج الزكاة رجاء أن يبقى خيرها، ويدون نعيمها، ويكثر ربحها، وقد وعد الله تعالى بزيادة النعم المزكى عليها، وحفظها من التلف، ووضع فيها البركة، وفى آكليها. قال تعالى.

د - (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم 244 من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويسبط وإليه ترجعون) 245 من سورة البقرة. أمر سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله والسعى لمرضاته جهد الطاقة (من ذا الذى يقرض الله) من استفهامية مبتدأ وذا خبره، والذى صفة ذا أو بدل، وإقراض الله سبحانه وتعالى مثل لتقديم العمل الذى به يطلب ثوابه (قرضا حسناً) إقراضا حسنا مقرونا بالإخلاص وطيب النفس أو مقرضا حلالا طيبا، وقيل: القرض الحسن بالمجاهدة والإنفاق في سبيل الله. والمعنى أيقرض الله أحد فيضاعف جزاؤه كثرة لا يقدرها إلا الله سبحانه وتعالى، وقيل: الواحد =

ص: 524

15 -

وروى عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله

= بسبعمائة، سبحانه إليه المرجع يجازيكم علىحسب ما قدمتم (والله يقبض ويبسط) أي يقتر على بعض ويوسع على بعض حسب مااقتضت حكمته فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم كيلا يبدل حالكم أهـ بيضاوى.

نأخذ من هذه الآية أن الأرزاق بيد الله (ويد الله ملأى لاتغيضها نفقة) وهو جل جلاله يعطى للمنفق الخلف، وللبخيل الشحيح كل تلف.

الدليل الثانى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير 265 أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) 266 من سورة البقرة:

مثل جليل ملموس محسوس شيق للمزكى والبخيل، وليس في طاقة علماء التربية الآن أن يحاكوه.

أ - (أموال المزكى) كحديقة فيحاء غناء أثمر شجرها، وأينع زهرها، وترعرع دوحها باسقات: فارعات بمكان مرتفع ربوة قال البيضاوى: أىومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان بموضع مرتفع، فإن شجره يكون أحسن منظراً، وأزكى ثمراً أهـ. قد زارها مطر عظيم القطر، فضاعف الله ثمرها، وأكثر من خيراتها، وبارك في إنتاجها. قال البيضاوى:(فآتت أكلها) أي ثمرتها (ضعفين) مثل ما كان تثمر بسبب الوابل، والمراد بالضعف المثل (فإن لم يصبها وابل فطل) أي فيصيبها مطر خفيف يكفيها لكرم منبتها، وبرودة هوائها لارتفاع مكانها، والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال. وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من أحواله، ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين في زلفاها بالوابل والطل (والله بما تعملون بصير) تحذير عن الرياء، وترغيب في الإخلاص أهـ.

انظر رعاك الله إن ثواب المزكى لله يطلب رضا مولاه (وتثبيتاً من أنفسهم) أي تحقيقاً للثواب عليه وجازما ومصمما أن الله يثيبه وينفق عليه ويعطيه، بخلاف المنافقين الذين يبخلون، ولا يرجون ما عند الله، وهو كثير، وإن نفقات المحسنين تزكو عند الله كثرت أم قلت، فحيث حسن الباطن بالإخلاص فقليل عمل الإنسان ككثيره في رضا الله عنه. قال العارف بالله:

وبعد الفنا في الله كن كيف ما تشا

فعلمك لاجهل وفعلك لا وزر

إن الله تعالى وعد المحسنين إكراما، والمنفق زيادة الخير كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسى عن الله عز وجل:(أنفق ياابن آدم أنفق عليك) رواه البخاري.

وحسبك أيها المنفق دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجاب الدعاء:(اللهم اجعل لمنفق خلفاً ولممسك تلفاً) رواه البخاري.

الدليل الثالث: قال الله تعالى: (وما تنفقوا من خير لأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) 272 من سورة البقرة. فأنت تجد وعد الله الصادق أن يحفظ للمنفق ثواب إنفاقه ويضاعف له خيراته (فلأنفسكم) أي الخير والأجر يختص بكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا عليه، ولا تنفقوا الخبيث (يوف إليكم) ثوابه أضعافا مضاعفة.

روى أن ناسا من المسلمين كان لهم أصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفقون عليهم فكرهوا لما أسلموا أن ينفعوهم فنزلت. وهذا في غير الواجب. أما الواجب فلا يجوز صرفه إلى الكفار أهـ بيضاوى.

دين السماحة والمودة، والعطف لله يدعو إلى الصدقة والإحسان على غير المسلمين ابتغاء وجه الله ليجدد =

ص: 525

عليه وسلم: من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج البيت، وصام رمضان،

= أواصر الألفه، ويديم المحبة والله رب العالمين يقول (لكم دينكم ولى دين) فالفقير المسلم أحق بالمساعدة والإنفاق عليه لله.

الدليل الرابع: قال تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 274 من سورة البقرة.

وعد الله تعالى المنفقين لله بزيادة الأجر عنده سبحانه والله أكبر وخزائنه لا تنفد ورحمته واسعة يمن على المحسن بوفرة المال وكثرة النعم وجودة الصحة ولباس التقوى والعافية والتوفيق للطاعة والإلهام إلى الصواب وقرة العين وفرح القلب وإزالة هموم الدنيا وراحة الضمير واطمئنان النفس والبشرى بالسعادة والحكمة في العمل وصواب النطق.

يا أخى: ثلاثة تزف إلى المنفق لله:

أولا: أجره عند ربه. ثانياً لا خوف عليه من أي سوء، وأنه محصن من كل شر، ويقيه الله كل مكروه ويحفظه دنيا وأخرى.

ثالثا: لا يتكدر ولايحزن ولا يصيبه هم ولا غم. أتشك في هذا؟ جرب أيها المؤمن وزك وتصدق، وأقم شعائر الدين، وأد تعاليمه تفز والله، وتسعد والله، وتغتن والله، ويحبك الله ورسوله والناس أجمعون.

(سراً وعلانية) أي ينفقون في الجهر أمام الجمهور، وفي الخفية؛ ويعمون الأوقات والأحوال بالخير. نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه تصدق بأربعين ألف دينار: عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية، وقيل في أمير المؤمنين على رضي الله عنه لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا ودرهم نهاراً ودرهم سراً ودرهم علانية، وقيل في ربط الخيل في سبيل الله تعالى والإنفاق عليها.

قال الصاوى رحمه الله: ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالمراد بيان أجر المنفق على هذا الوجه، فلا خصوصية لأبى بكر بذلك ولا لعلى أهـ.

الدليل الخامس: قال تعالى: (يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) 276 أي يذهب ببركته ويهلك المال الذى يدخل فيه الربا (ويربى) أي يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه. وعنه عليه الصلاة والسلام (إن الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربى أحدكم فاوه) أي مهره. وعنه عليه الصلاة والسلام: (ما نقصت زكاة من مال قط). والله تعالى لا يرضى عنه ولا يحبه محبته للتوابين (كل كفار) أي مصر على تحليل المحرمات (أثيم) أي منهمك في ارتكابه أهـ بيضاوى.

يقارن بك أيها المسلم بين المال الحلال والحرام، فصاحب الحرام مغضوب عليه جبار مكار مذنب يسعى إلى حتفه بظلفه بجمعه ليعذب به، ويدب في الأرض ليكثر منه فيكون عليه نقمة لا نعمة، والمال الذى لا تؤدى زكاته مثل الحرام المغضوب أو المسروق، أو المجموع من طرق خسيسة، أو منهى عنها. أما صاحب المال الذى يزكى فترفرف عليه شارة السعادة لأنه المتبع أوامر الله فزكى عنه.

الدليل السادس: قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد 267 الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) 268 من سورة البقرة.

أمر الله المؤمنين بالإنفاق من المال الحلال أو الجيد، ومن طيبات ما أخرج سبحانه من الأرض كالحبوب والثمرات والمعادن على شريطة أن لا تقصدوا الردئ منه فتخرجوه (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) أي =

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحالكم أنكم لا تأخذون الردئ في حقوقكم لرداءته إلا أن تتسامحوا فيه، مجاز من أغمض بصره: إذا غضه وعن ابن عباس رضي الله عنه: كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه. أهـ بيضاوى.

شاهدنا (والله غنى حميد - والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) أخبر الآمر جل وعلا أنه متصف بالغنى المطلق، وعنده كنوز الخيرات التى لاتنفذ، وغنى أيضا عن إنفاقهم، ومفاتيح السموات والأرض بيده وتحت أمره وإنما يأمر المسلمين بالزكاة لانتفاعهم، وتنمية أموالهم، وزيادتها حسا ومعنى مع نيل رحمة الله ورضاه والله حميد أي متصف بالمحامد كثير العطايا، وهو محمود سبحانه، وهنا تفضل سبحانه وتعالى فأرشد إلى إغواء الشيطان للبخيل يعده الفقر، ويخوفه من الإنفاق، والله يعده الغنى والسعة، وغفران الذنوب. شتان بين العدو الألد الذى ضل وأغوى وأضل، وبين الكريم الوهاب الذى أمر عباده المسلمين لينجحوا في الحياة، ولتثمر أموالهم في مشروعات البر وتنمو في الطاعات (الشيطان يعدكم الفقر) أي يخبركم بأسباب البخل، ويجعله بين أعينكم.

ومن محاسن قول بعض المفسرين: إن معنى الفحشاء في القرآن: الزنا إلا هذه فمعناها البخل. والمعنى يغويكم ويخبركم بأمور يتسبب عنها البخل فيترتب على ذلك مطاوعتكم لله كمطاوعة المأمور للآمر، وسمى إخبار الشيطان بالفقر وعداً مع أنه وعيد لأنه شر ومشاكله لقوله:(والله يعدكم) أي على الإنفاق (مغفرة) لذنوبكم ورزقا خلفا منه.

وفي الحديث: (إن الشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة به، فأما لمة الشيطان فإيعاد البشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) أخرجه الترمذي أهـ صاوى. فكأن المنفق موفق وقيد نعمه بطاعة الله لتزداد، وأحاطها بالخير لتنموا (لئن شكرتم لأزيدنكم) وإن النفس تميل إلى إطاعة السرى، وتحب معاملة الغنى، وهذا يتجلى في معاملة الناس في الدنيا، فما بالك بالمعاملة مع غنى حميد يعد مغفرة وفضلا، وهو الله جل جلاله، ولقد أخطأ الصحيح جاد الصواب، فقصر في الإنفاق، واتبع هواه وركب ظهره، فقاده الشيطان إلى هاوية الذل والخسران، ورماه في النار، وبئس القرار، وجره إلى الخراب والدمار، ولا بد أن يرى البخيل الكانز عاقبة ضياع ماله، أو تردى ذريته وأحفاده عاقبة البخل من ضياع التراث والميراث، ويذوقون الفقر ألواناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم (حصنوا أموالكم بالزكاة).

الدليل السابع: قال تعالى يخاطب المؤمنين (ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يعفل ذلك فأولئك هم الخاسرون 10 وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين 11 ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) أي لا يشغلكم تدبير الأموال والاهتمام بها عن الصلوات والطاعات، وأخرجوا بعض أموالكم ادخاراً للآخرة قبل أن يرى دلائل الموت فيطلب البخيل ويلح: هلا أمهلتنى فأتصدق وأعمل بالشرع؟

المعنى إن أطلت عمرى أتصدق، وأكن من الصالحين، فنصب الفعل بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية في جواب العرض أو التمنى والجزم بالعطف على محل فأتصدق لملاحظة جزمها في جواب الطلب. لولا بمعنى هلا بمعنى العرض الذى هو الطلب بلين ورفق، وقيل: لازائدة ولو للتمنى. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت.

إن شاهدنا (وأنفقوا) يطلب الله السرعة في الإنفاق للقادر المستطيع خشية دنوا الأجل، فينتقل المال إلى الورثة، ويصير في حوزة غيره. فيندم على تقصيره، ولات ساعة مندم. أما من أجاب الله ونفذ أمره فأنفق =

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بشر برضوان الله وكرامته عند الاحتضار، وأشرق وجهه، وابتسم ثغره، وانشرح صدره كما في الحديث:(فليس شئ أحب إليه مما أمامه أحب لقاء الله) رواه البخاري.

الدليل الثامن: قال الله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم 16 فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 17 إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم 18 عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) 19 من سورة التغابن. فتنة اختبار لكم، وعد الله المنفق المطيع الذى آثر محبة الله على محبة الأموال والأولاد، والسعى لهم (أجر عظيم) سعة في الرزق، ونعيم مقيم في حياته وبعد موته، ثم أمر المؤمنين أن يصغوا إلى مواعظة وينفذوا أوامره، ويجودوا في وجوه الخير خالصا لوجهه سبحانه (إن تقرضوا الله) أي تصرفوا المال فيما أمره مقرونا بإخلاص وطيب قلب يزده من واحد إلى عشر إلى سبعمائة إلى أكثر ويغفر لكم خطاياكم ببركة الإنفاق (والله شكور) يعطى الجزيل بالقليل (حليم) يعفو ولا يعاجل بالعقوبة (عالم الغيب) يرى كل شئ، وما يخفى عليه شئ، ويعلم السر والجهر (العزيز) تام القدرة (الحكيم) يضع الأمور في نصابها اللائق بها.

معاملة ليس لها مثيل أبداً ما. تتصدق فتتاجر مع المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص القادر المقتدر: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير).

كثرة المال محنة وابتلى الله بها العالم ليرى أيحسنون إلى خلقه أم يسيئون؟ وأيقيمون مشروعات الخير أم يتلذذون ويبخلون؟ ولكن المؤمن العاقل من انتهز فرصة وجودها، فأطلق يده في عمل الصالحات وتشييد المكرمات، ورجا مايبقى على ما يفنى، وآثر الآخرة على الأولى ليكبح جماح نفسه عن حب التقتير، ويرخى عناتها في الإنفاق لله عسى أن يبعد عن وصمة الشح فيفلح، وتفضل الله ففتح باب معاملته على مصراعيه لينجوا المحسنون الأجواد السمحاء، والدنيا ميدان الأعمال، وفرصة سانحة للمؤمنين الطائعين الذين لا تغرهم زخارف الدنيا كما قال تعالى في اختبار المطيعين (وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور).

والدليل التاسع: قال الله تعالى (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون 39 قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) 40 من سورة سبأ.

جملتان أسمية أخبرنا الله بها ليبشر المنفقين بالإخلاف وزيادة النعم، وكثرة الرزق، ووفرة الخير ووضع البركة، وجليل المنفعة والثمرة (فهو يخلفه وهو خير الرازقين) أي يعطيك عوضا إما عاجلا أو آجلا، وهو سبحانه الرزاق، وغيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته فهو الذى ينعم ويتفضل، ويكثر المال ويرزق القناعة، ويهب الثواب لمن أنفق على نفسه وعياله وأقاربه، وتصدق على الفقراء. والمال وديعة وعارية تبقى في يد المحسنين، وتزول من أيدى الكافرين. هذا الزوال إما حسيا بأن ترى عدم البركة فيه، وصرفه فيما يغضب الله، واسترسال صاحبه في المعاصى والشهوات، وحرمانه من فعل الخير لله تعالى يوصف بالموصل للرزق، وبالخلق له، والعبد يوصف بالإيصال فقط، فخيرية الله من حيث إنه خالق وموصل، فعلم أن العبد يقال له رازق بهذا، ولا يقال له رزاق لأنه من الأسماء المختصة به تعالى أهـ صاوى (وهو خير الرازقين) أي أحسن وأجلهم لكونه خالق السبب والمسبب، وفي الجلالين يقال: كل إنسان يرزق عائلته: أي من =

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رزق الله أهـ. قال تعالى (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله) أخبر الله تعالى أن كثرة الأموال والأولاد من زينة الحياة الدنيا، وقد أخطأ من ظن أنها للشرف والكرامة، وما هى إلا زخرف الدنيا، ولا يقرب إلى الله إلا الإيمان والتقوى، والعمل الصالح. قال البيضاوى: إلا المؤمن الصالح الذى ينفق ماله في سبيل الله، ويعلم ولده الخير، ويربيه على الصلاح، أو من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف (فأولئك لهم جزاء الضعف) أي يجازون الضعف إلى عشر فما فوقه أهـ. ثم أخبر جل جلاله، وهو أصدق القائلين أنه يوسع على من يشاء تارة، ويضيق عليه أخرى. والمنفقون في الجنة آمنون من كل المكاره، والذين يطعنون في القرآن، ويكفرون بالله ويبخلون (معاجزين) أي مسابقين لأنبيائنا، أو طانين أنهم يفوتوننا أو يقصرون في حقوق الله أن جزاءهم جهنم يصطلون نارها. فان الله تعالى يبين أن كسب الحرام يخرب البيوت العامرة، وكسب الحلال مع إخراج الزكاة يضاعف النعم، ويجلب الخير.

فصل في زكاة القطر

وهى من خصائص هذه الأمة، وشرعت في السنة الثانية من الهجرة قبل عيد الفطر بيومين تطهيراً للصائم من الخلل الواقع في الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم:(صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث) ورفقاً بالفقراء في يوم الفطر كما في خبر (أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم) وهى سبب لقبول الصيام لخبر (صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر) وتجب على من عنده زيادة على ما يحتاجه لنفسه وعياله يوم العيد وليلته، فيخرج عن نفسه وعن كل شخص تلزمه نفقته كأصوله وفروعه وزوجته ورقيقه وخادمه إن كان مستأجرا بالنفقة صاعا، وهو أربع حفنات بكفى رجل معتدل فيهما، وهو بالكيل المصري قدحان من غالب قوت بلده، وينبغى أن يزيد شيئا يسيرا لاحتمال اشتمالهما على طين أو تبن، أو نحو ذلك، ويشترط لوجوبها الإسلام، وإدراك جزء من رمضان، وجزء من شوال، فتخرج عمن مات بعد الغروب دون من ولد بعده. ويجب على الكافر الإخراج عمن تلزمه نفقته من المسلمين ويستحب إخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز من أول الشهر، ويكره تأخيرها إلى آخر يوم العيد، ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر كغيبة ماله أو المستحقين.

ويجب أن يكون تفريقها على الفقراء الموجودين بالبلد، ولا يجوز نقلها لبلد آخر وتصرف إلى الأصناف الثمانية كالزكاة، واختار جماعة من أصحاب الشافعي كابن المنذر والرويانى، والشيخ أبى إسحق الشرازى جواز صرفها لواحد، وقال الرافعى: يجوز صرفها إلى واحد. قال الأذرعى: وعليه العمل في الأعصار والأمصار والأحوط دفعها إلى ثلاثة: قال تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا 27 إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) 28 من سورة الإسراء.

هذا أمر له صلى الله عليه وسلم ليعلم أمته الإنفاق، أو إخراج الزكاة، وصلة الرحم، وحسن المعاشرة والسخاء والجود على مواطنيه، وبذل الخير في إقامة مشروعات تدفع الضر، وتجلب اليسر والبر والعطف على الفقراء، وقال أبو حنيفة: حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم، وقيل: المراد بذى القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا تبذر) نهى سبحانه عن صرف المال فيما لا ينبغى، وإنفاقه على وجه الإسراف والاسترسال في المعاصى، وأصل التبذير: التفريق.

وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد وهو يتوضأ (ما هذا السرف؟ قال: أو في الوضوء سرف؟ =

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال: نعم، وإن كنت على نهر جار) فأنت ترى رعاك الله أمراً ونهيا، أنفق أيها المسلم في أبواب الخير، واجتنب أبواب الشرور والملذات الداعية إلى التبذير بلا فائدة (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أمثالهم في الشرارة فإن التضييع والإتلاف شر، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإسراف، والصرف في المعاصى روى أنهم كانوا ينحرون الإبل، ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإنفاق في القربات أهـ بيضاوى.

ب - وقال تعالى لحبيبه أستاذ الإنسانية في العالم صلى الله عليه وسلم (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) 215 من سورة البقرة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عمرو بن الجموح الأنصارى كان شيخا ذا مال عظيم فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا، وأين نضعها، فنزلت: (قل ما أنفقتم الآية) قال البيضاوى: سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النفقة باعتباره، ولأنه كان في سؤال عمرو، وإن لم يكن مذكورا في الآية واقتصر في بيان المنفق على ما تضمن قوله:(ما أنفقتم من خير): إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفى ثوابه، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة فينسخ به أهـ.

جـ - وقال تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين 194 وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) 195 البقرة. الله يحرس المتقين ويصلح شأنهم ولا تمسكوا كل الإمساك واجتنبوا الإسراف، وتضييع وجه المعاش، واحذروا أن تتركوا الغزو فالهلاك في الكف عنه، وعدم الإنفاق فيه خشية أن يقوى العدو، ويسلطهم على إهلاكهم ويؤيده ما روى عن أبي أيوب الانصارى رضي الله عنه أنه قال: لما أعز الله الإسلام، وكثر أهله رجعنا إلى أهلينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت. هذا معنى، والمعنى الثانى (التهلكة) بالإمساك وحب المال فإنه يؤدى إلى الهلاك المؤبد ولذى سمى البخل هلاكا، وهو في الأصل انتهاء الشئ الفساد والإلقاء طرح الشئ وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء، والباء زائدة، والمراد بالأيدى: الأنفس والتهلكة والهلاك والهلك واحد: أي لا تواقعوا أنفسكم في الهلاك (وأحسنوا) أعمالكم وأخلاقكم، أو تفضلوا على المحاويج أهـ بيضاوى.

د - وقال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) 111 البقرة. من خير كصلاة وصدقة لا يضيع الله ثوابكم.

هـ وقال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) 177 من سورة البقرة.

(وآتى المال على حبه) أي أنفق المال مع أنه يرجو كثرته، ويشتاق لوفرته كما قال صلى الله عليه وسلم حينما سئل (أي الصدقة أفضل؟ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، رواه البخاري وقيل: (على حبه) أي حب الله جل وعلا وطلب ثوابه، وابتغاء رضوانه (ذوى القربى) المحاويج، وقدمهم لأن إيتاءهم أفضل كما قال عليه الصلاة والسلام:(صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذوى رحمك اثنتان: صدقة وصلة)(والمسكين) الذى أسكتته الخلة، وأذلته الحاجة (وابن السبيل) المسافر سفر طاعة أو الضعيف (والسائلين) الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، والطلب برفق، وقال عليه الصلاة والسلام:(للسائل حق وإن جاء على فرسه)(وفي الرقاب) في تخليص المأسورين الأذلاء، ومعاونة المدينين =

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المكاتبين بالرق الموضوعين في سلاسل العبودية، أو فك الأسارى، أو ابتياع الرقاب لعتقها (وآتى الزكاة) أي المفروضة، والغرض من الأول بيان مصارفها، ومن الثانى أداؤها، والحث عليها، ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقا كانت في المال سوى الزكاة، وفي الحديث:(نسخت الزكاة كل صدقة) أهـ بيضاوى (البأساء) في الأموال كالفقر (والضراء) في الأنفس كالمرض (وحين البأس) وقت مجاهدة العدو (أولئك الذين صدقوا) في الدين، واتباع الحق وطلب البر (المتقون) عن الكفر وسائر الرذائل. قال البيضاوى: والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحاً أو ضمنا، إنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء:

أولا: صحة الاعتقاد. ثانيا: حسن المعاشرة. ثالثا: تهذيب النفس، وأشير إلى الأول (من آمن بالله) وإلى الثانى (وآتى المال) وإلى الثالث (وأقام الصلاة) ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسلام:(من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان) أهـ ص 57.

و- وقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) 61 من سورة التوبة.

أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم (الفقير) من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من حاجته، (والمسكين) من له مال أو كسب لا يكفيه (والعاملين عليها) الساعين في تحصيلها وجمعها (والمؤلفة قلوبهم) قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيتألف قلوبهم، وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينه بن حصن والأقرع ابن حابس، والعباس بن مرداس لذلك وفك الرقاب (والغارمين) أي المدينين لأنفسهم في غير معصية، وفي غير إسراف وللصرف في الجهاد وشراء سلاح، وقيل: في بناء القناطر والمصانع والإنفاق على المتطوعة، وابتياع الكراع (وابن السبيل) المسافر المنقطع عن ماله.

فصل: في قسم الزكاة كما قال الفقهاء في تعبيراتهم

تدفع الزكاة لثمانية أصناف (الفقير) وهو الذى لا مال ولا كسب لائق يقع موقعاً من كفايته، بأن ينقص عن نصف ما يحتاجه كمن يحتاج إلى عشرة لا يملك، ولا يكسب إلا درهمين أو ثلاثة (والمسكين) وهو الذى يقدر على مال أو كسب، ولا يكفيه كما يحتاج إلى عشرة دراهم وعنده سبعة (والعامل عليها) كالساعى والكاتب لأموال الزكاة (والمؤلفة قلوبهم) وهم الذين أسلموا وإسلامهم ضعيف، أو كان قويا ولكن يتوقع بإعطائهم إسلام غيرهم (وفي الرقاب) وهم المكاتبون من الأ {قاء لغير المزكى كتابة صحيحه (والغارم) وهو الذى تداين دينا لنفسه، وحل الدين، ولا قدرة له على وفائه، وقصد صرفه في مباح أو صرفه فيه أو تداين لإصلاح ذات البين إن حل الدين، ولم يوفه من ماله، ولو كان غنياً أوتداين لضمان إن أعسر هو والمضمون (وفي سبيل الله) وهم الغزاة المتطوعون بالجهاد، وإن كانوا أغنياء إعانة على الجهاد (وابن السبيل) وهو المسافر مباحا من بلد الزكاة ولو مجتازاً إلى وطنه أو غيره فيعطى من مال الزكاة ما يوصله إلى مقصده إن احتاج، ويجب تعميم ما وجد من الأصناف الثمانية، وقال الزرقانى: يجوز دفع زكاة المال إلى ثلاثة، ويحرم على المالك مع عدم الإجزاء نقل الزكاة من محل وجوبها مع موجود المستحقين فيها، ولا يعطى منها كافر ولا رقيق ولا صبى ولا مجنون بل تعطى لوليهما. ولابنو هاشم والمطلب ولا غنى ولا من تلزم المزكى نفقته من أصل وفرع وزوجة ورفيق بصفة الفقراء والمساكين ويحرم على غير مستحقها أخذها ويحرم إعطاؤها له وأيضا يحرم إذا علم الدافع أن الأخذ يصرفها في معصية أهـ تنوير القلوب صحيفة 225. =

ص: 531

وقرى (1) الضيف دخل الجنة رواه الطبراني في الكبير، وله شواهد.

16 -

وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله ورسوله فليؤد زكاة ماله، ومن كان يؤمن بالله ورسوله فليقل حقا (2)، أو ليسكت (3)، ومن كان يؤمن بالله ورسوله

= فصل في زكاة الماشية

وهى الإبل والبقر والغنم، وأول نصاب الغنم أربعون وفيها شاة وهى جذعة ضأن لها سنة وطعنت في الثانية أو ثنية معز لها سنتان، وطعنت في الثالثة، ثم في مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفى مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي أربعمائه أربع شياه، ثم في كل مائة شاة (وأول) نصاب البقر ثلاثون، وفيها تبيع له سنة، وفي أربعين مسنة لها سنتان، وطعنت في الثالثة، وفي ستين تبيعان فلا تغير الفرض بعد الأربعين إلا بزيادة عشرين، ثم يتغير بزيادة كل شعرة، ففى سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفى مائة: مسنة وتبيعان، وفي مائة وعشرة مسنتان وتبيع، وعلى هذا فقس (وأول) نصاب الإبل خمس وفيها شاة وفي عشرة شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاص من الإبل لها سنة، وطعنت في الثانية، وفي ستةوثلاثين بنت لبون لها سنتان، وطعنت في الثالثة، وفي ستة وأربعين حقه لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين وطعنت في الخامسة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ويتسع ثم كل عشر يتغير الواجب، ففى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة ففي مائة وثلاثين بنتا لبون ويتسع ثم كل عشر يتغير الواجب، ففى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين ثلاث حقاق، هكذا، ولو اتفق فرضان، ولا يكون ذلك إلا في الإبل والبقر وجب الأنفع منهما للمستحقين إن وجدا بماله ففى مائتى بعير يجب الأنفع من أربع حقاق وخمس بنات لبون، وفى مائة وعشرين بقرة يجب الأنفع من ثلاث حقاق، هكذا، ولو اتفق فرضان، ولا يكون ذلك إلا في الإبل والبقر وجب الأنفع منهما للمستحقين إن وجدا بماله ففى مائتى بعير يجب الأنفع من أربع حقاق وخمس بنات لبون، وفي مائة وعشرين بقرة يجب الأنفع من ثلاث مسنات وأربع أتبعة، وتجب الزكاة في الماشية بزيادة شرطين على مامر من الشروط العامة وهما (إسامة المالك) أو نائبه لها كل الحول مع علمه بأنها في ملكه بأن يرعاها في كلأ مباح ونحوه مما ليس مملوكا، وفي معناه مملوك قيمته يسيرة لا يعد مثلها كفلة في مقابلة نمائها (وأن تكون للنماء) أما المعدة للعمل فلا زكاة فيها وإذا اشترك اثنان مثلا من أهل زكاة في نصاب ماشية أو نقد أو غيرهما زكيا كواحد كما إذا خلطا جوارا، وكان كل من المراح والمسرح والراعى والمرعى والفحل والشرب وموضع الحلب، ونحو الحانوت، وموضع التجفيف لنحو التمر، وتخليص الحب، ومكان الحفظ واحداً. أهـ ص 221 تنوير القلوب.

(1)

أكرمه.

(2)

ينطق بالصواب، ويرشد إلى الحق، ويقول قولا يوافق آداب الشرع.

(3)

ليصمت ليحذر أن ينطق فيما يغضب ربه، فباللسان يدخل الجنة أو النار، ويمدح أو يذم، ويكرم أو يهان، قال الشاعر:

الصمت زين والسكوت سلامة

فإذا نطقت فلا تكن مكثارا

ما إن ندمت على سكوتى مرة

ولقد ندمت على الكلام مرارا

وقال آخر:

وانطق بحيث العى مستقبح

واصمت بحيث الخير في سكتتك

ص: 532

فليكرم ضيفه (1). رواه الطبراني في الكبير.

17 -

وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أخبرنى بعملٍ يُدخلنى الجنة؟ قال: تعبد الله لا تُشرك به شيئاً (2)، وتقيم الصلاة (3) وتؤتى الزكاة (4)، وتصل الرحم (5). رواه البخاري ومسلم.

18 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دُلنى على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتى الزكاة المفروضة (6)، وتصوم رمضان. قال: والذى نفسى بيده لا أزيد على هذا (7)، ولا أنقص منه، فلما ولى (8) قال النبى صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا (9). رواه البخاري.

19 -

وعن عمرو بن مرة الجهنى رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنى شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله (10): وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته (11)، وآتيت الزكاة، فقال رسول الله

(1) إكرام الضيف من الإيمان بالله لوجود الثقة بأنه تعالى يخلف وينفق على الجواد، ويعوض ما أنفق ويجلب الخير ويكسب السعادة ويبعد اللوم ويطرد البخل. قال تعالى:(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).

(2)

توحده في ذاته وصفاته وأفعاله وتخلص له في عبادتك وترجو ثوابه وتخشى عقابه.

(3)

تؤديها كاملة.

(4)

تحافظ على أداء الزكاة الواجبة.

(5)

تحسن إلى قرابتك. قال الشيخ الشرقاوى: وخص هذه الخصلة نظرا إلى حال السائل كأنه كان قطاعا للرحم فأمر به لأنه المهم بالنسبة إليه، وعطف الصلاة، وما بعدها على سابقها من عطف الخاص على العام لشمول العبادة لها أهـ ص 58 جـ 2.

(6)

المفروضة. واحترز صلى الله عليه وسلم عن صدقة التطوع لأنها زكاة لغوية، وعاير بين الوصفين كراهة تكرار اللفظ.

(7)

أبلغ قومى ما سمعت لازيادة ولا نقص، وأحافظ على القيام بذلك.

(8)

أدبر.

(9)

أي إن داوم الأعرابى على فعل ما أمرته به دخل الجنة؛ وفيه أن المبشر بالجنة أكثر من عشرة كما ورد النص به في الحسن والحسين وأمهما وأمهات المؤمنين، فتحمل بشارة العشرة على أنهم بشروا دفعة واحدة أو بلفظ بشرة بالجنة، أو أن العدد لا مفهوم له أهـ شرقاوى.

(10)

آمنت بالله وبك، وعبدت الله بحق.

(11)

شغلت ليله كله في طاعة، وأكثرت من ذكر الله وتسبيحه والاستغفار، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، وصليت نافلة تهجدا.

ص: 533

صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا من الصديقين (1) والشهداء (2). رواه البزار بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، وتقدم لفظه في الصلاة.

20 -

وعن عبد الله بن معاوية الغاضرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علييه وسلم: ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبةً بها نفسه (3) رافدةً عليه كل عامٍ ولم يعط الهرمة (4)، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسئلكم خيره ولم يأمركم بشره. رواه أبو داود.

(قوله: رافدة عليه) من الرفد، وهو الإعانة.

ومعناه: أنه يُعطى الزكاة ونفسه تعينه على أدائها بطيبها وعدم حديثها له بالمنع.

(والشرط): بفتح الشين المعجمة والراء: وهى الرذيلة من المال كالمسنة والعجفاء ونحوهما.

(والدرنة): الجرباء.

21 -

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

22 -

وعن عبيد الله بن عميرٍ الليثي رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إن أولياء الله (5) المصلون، ومن يقيم الصلوات

(1) قوم أقل من الأنبياء منزلة وثوابا، وفي الغريب: قوم دون الأنبياء في الفضيلة. والصديق: من كثر منه الصدق،: وقيل بل يقال لمن لا يذكب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل لمن صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله. قال تعالى:

أ - (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبيا) قال:

ب - (وأمه صديقة) وقال:

جـ - (من النبيين والصديقين والشهداء) أهـ.

(2)

الشهيد المحتضر؛ فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارةإلى ما قال: (تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون) قال تعالى: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم) لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله أهـ. غريب.

(3)

راضية نفسه غير ساخطة ومعطية بسخاء وانشراح.

(4)

العجوز كبير السن المهزولة الضعيفة. قال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) اقرأ ما قاله الفقهاء في ذلك.

(5)

الذين أحبهم وأخلصوا لله في عبادته.

ص: 534

الخمس التى كتبهن الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب (1) صومه، ويُؤتى الزكاة محتسباً (2)، طيبةً بها نفسه، ويجتنب الكبائر؟ قال: تسع أعظمهن الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف (3)، وقذف المحصنة (4)، والسحر (5)، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت العتيق (6) الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً، لا يموت رجلٌ لم يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة إلا رافق محمداً صلى الله عليه وسلم في بحبوحة جنةٍ أبوابها مصاريع الذهب. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وفي بعضهم كلام، وعند أبى داود بعضه.

(بحبوحة الجنة): بضم الباءين الموحدتين وبحاءين مهملتين: هو وسطها.

23 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالا حراماً، ثم تصدق به لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصره (7) عليه. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

24 -

وعن زر بن حُبيشٍ أن ابن مسعودٍ رضي الله عنه كان عنده غلام يقرأُ في المصحف وعنده أصحابه، فجاء رجل يقال له حضرمة، فقال يا أبا عبد الرحمن: أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة. قال: ثم أىٌّ؟ قال: الزكاة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به.

(قال المملى): وتقدم في كتاب الصلاة أحاديث تدل لهذا الباب، وتأتى أحاديث أخر في كتاب الصوم والحج إن شاء الله تعالى.

(1) يطلب ثواب صومه من الله تعالى.

(2)

طالباً الأجر من ربه بعيدة عن الرياء.

(3)

يوم التحام صفوف المحاربين في سبيل نصر دين الله يفر هذا الجبان.

(4)

العفيفة المتزوجة الغافلة.

(5)

استعمال طلاسم الفرقة والأذى والضرر والربط، وتسخير الجن لأذى الإنسان.

(6)

المسجد الحرام تهتك فيه الحرمات والعروض وتفعل فيه الفواحش ويعمل فيه ما نهى الله عنه ويستعمل فيه الفسق والسرقة والغيبة تقال فيه والنميمة وهكذا من فعل المحارم.

(7)

ذنبه.

ص: 535