الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه
والترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 -
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نَضَّرَ الله أمراً سمع مِنَّا شيئاً فبلَّغه كما سمعه فَرُبَّ مُبلَّغٍ (1) أوعى من سامع (2) رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: رحم الله امرأً. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(قوله نضر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها حكاه الخطابي، ومعناه الدعاء له بالنضارة، وهى النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جملة الله وزينه، وقيل غير ذلك.
2 -
وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضَّر الله أمرأً سمع منَّا حديثاً (3) فبلغه غيره فَرُبَّ حامل فقهٍ (4) إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه (5) ثلاثٌ: لا يغلُّ (6) عليهن قلب مسلم: إخلاص (7) العمل لله، ومُناصحة وُلَاةِ الأمر (8) ولُزُومُ الجماعة (9)، فإن دعوتهم تُحيط من وراءهم (10)،
(1) وقع عليه التبليغ أي بلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحفظ، وأيقظ، وأفقه ممن سمعه.
(2)
فاعل السمع أي قد يكون الذي بلغه الحديث ووصلته الحكمة ممن سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوعى وأحفظ وأيقظ - وفيه أن المرء إذا سمع مسألة على علم بنشرها ولم يكتمها ويبلغها إلى غيره ليعمل بها ويستنتج منها مسائل الفقه - ورب تفيد التقليل والتكثير - فالسامع لا يتأخر في العلم إلى من هو أعلم منه في نظره رجاء أن يكون المبلغ معتنيا، ومتفقها أكثر من السامع والله أعلم.
(3)
قولا أوصله إلى الناس.
(4)
يمكن أن يكون حامل علم يحتاج إلى فهم فيبلغه إلى من هو أكثر منه فهما، وذكاء ودقة، وأكثر علما منه، فالفقة التبحر في مسائل الدين، ولعل من سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقله إلى غيره زائد العلم، كثير البحث، فهامة، علامة، بحاثة، فلا بد من تبليغ العلم مهما كانت حال ناقله.
(5)
قد يكون سامع الحكمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ولم يفهم ما سمعه فينقله كما هو لينال الأجر بنشر العلم.
(6)
أغل الرجل: خان رباعى مضارعه يغل من الأغلال، ويروي يغل بفتح الياء وهو الحقد والشحناء: أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ويروي يغل بالتخفيف من الوغول: الدخول في الشر، والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة، والدغل، والشر، وعليهن في موضع الحال تقديره لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن: أهـ نهاية ص 168 جـ 3.
(7)
فعل العمل الصالح رجاء ثواب الله.
(8)
أن تمنع أصحاب الأمر والنفوذ من المعاصى وترشدهم إلى ما يرضي الله، وتزجرهم إن أساءوا وظلموا.
(9)
أن تتمسك بالسنة، وتقتدي بالسلف الصالح، وتتبع إجماع الأمة، وتحافظ على اتباع الجماعة ووحدتها وتصلي جماعة.
(10)
مستجابة وتشمل بركتها من اتبعهم، وتحفظ المقتدين. وفي نسخة من ورائهم.
ومن كانت الدنيا نيته (1)
فرق الله عليه أمره (2) وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الأخرة نيته (3) جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهى راغمة (4). رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقى بتقديم وتأخير، وروى صدره إلى قوله: ليس بفقيه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة عليها.
رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
3 -
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من منى فقال: نضر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها، ثم ذهب بها إلى من لم يسمعها ألا فَرُبَّ حامل فقهٍ لا فقه له (5)، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، الحديث. رواه الطبراني في الأوسط.
4 -
وعن جبير بن معطم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف (خيف منى) يقول: نضر الله عبداً سمع مقالتى فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، ولُزومُ جماعتهم، فإن دعوتهم تحفظ (6) من وراءهم. رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير مختصرا ومطوّلا إلا أنه قال تحيط بياء بعد الحاء، رووه كلهم عن محمد بن إسحق عبد السلام عن الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، وله عند أحمد طريق عن صالح بن كيسان عن الزهرى وإسناد هذه حسن.
(1) غاية قصده في كده وكبحه ويبخل في تشييد الصالحات من ثمرة علمه ..
(2)
شتت عمله، وأقلق مضاجعه، وزاده هما في طلبها، وغما في جمعها، وأخذ منه القناعة وسلط عليه الشره والجشع، مهما نال منها لم يشبع.
(3)
طلبه فعل الصالحات لله يزيل الله عسره ويقضي حاجته بسهولة ويهب له الرضا والسعادة والقناعة، ويبارك فيما أعطى، وتزلل له أموره.
(4)
غضبى متسخطة لكثرة خيرات الله فيها وكارهة مجيئها إليه، ومن أطاع الله كفاه وأغناه. فيه أن الإنسان يتقى الله ما استطاع، ويجتهد في إخلاص العمل ابتغاء ثوابه، ويرد الظالمين، وينصح الباغين، ويهجر الفاسقين، ويود الصالحين، ويقول الحق، ويتبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى الاتحاد والائتلاف، ويلازم الجماعة والشورى رجاء أن يضاعف الله له ثوابه، ويطهر قلبه من الأحقاد، ويبرأ من الخيانة والمأثم، وينطوي على حب الخير؛ وفعل البر؛ ويجتهد في حياته في إرضاء مولاه ولا تغره زخارف الدنيا، فيكبح لجمعها، وينسى الله وحقوقه، ويغرس للآخرة ليحيطه الله برعايته ويشمله برضوانه.
(5)
في نسخة: ليس بفقيه.
(6)
في نسخة تحيط من ورائهم.
خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأضياف الله - إذا مات ابن آدم الخ
5 -
وروى عن ابن عباس قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم خلفائي. قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثي ويعلمونها الناس. رواه الطبراني في الأوسط.
6 -
وعن أبي الرُّدين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يجتمعون على كتاب الله يتعاطونه بينهم إلا كانوا أضيافا لله (1) وإلا حفتهم (2) الملائكة حتى يقوموا، أو يخوضوا (3) في حديث غيره، وما من عالم يخرج في طلب علم (4) مخافة أن يموت، أو انتساخه مخافة أن يُدرس (5) إلا كان كالغازى الرائح في سبيل الله، ومن يُبطئ به (6) عمله لم يُسرع به نسبه. رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن عياش.
7 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له. رواه مسلم وغيره، وتقدم هو وما ينتظم في سلكه، ويأتى له نظائر في نشر العلم وغيره إن شاء الله تعالى.
(قال الحافظ) وناسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النافع مما يوجب الاثم عليه وزره ووزر من قرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطه، والعمل به لما تقدم من الأحاديث: من سنّ سنة حسنة أو سيئة، والله أعلم.
8 -
وروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى (7)
(1) طالبين رحمته، منتظرين إكرامه، وهو تعالى كريم (من أوى إلى الله أواه).
(2)
أحاطت بهم ملائكة الرحمة يدعون لهم ويستغفرون لهم.
(3)
يتحدثوا.
(4)
يبحث عن فقه مسألة خشية أن يفنى أثرها.
(5)
ينقل مسائل العلم ليحفظها خشية أن تمحى، ويعطى الله أجر هذا الطالب كالمجاهد لنصر دين الله الغازي.
(6)
يقال من بطأ به وأبطأ به بمعنى: أي من أخره عمله السئ، وتفريطه في العمل الصالح في الدنيا لم ينفعه في الآخرة شرف النسب. يريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يجعل ميزان القبول، والإكرام في الآخرة العمل الصالح الذي دعا إليه الدين، وأمر به الشرع، ويقلل من غرور الذين اعتمدوا على جاههم، وزهوا بنسبهم، وقصروا في حقوق، فباءوا بالخزي والخسران.
(7)
أثناء كتابة اسمه، أو صفة من صفاته كتب صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، أو أي صيغة تعظيم كافأه الله بزيادة الأجر وتستمر ملائكة الرحمة تطلب من الله المغفرة مد وجود هذه الصلاة - وفيه إكثار المسلمين من تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا مر عليهم اسمه صلى الله عليه وسلم =
عَلىَّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمى في ذلك الكتاب. رواه الطبراني وغيره، وروى من كلام جعفر بن محمد موقوفاً عليه، وهو أشبه.
9 -
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا الحديث قد روى عن غير واحد من الصحابة في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها حتى بلغ مبلغ التواتر، والله أعلم.
10 -
وعن سمرة بن جُندُبٍ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب (1) فهو أحد الكاذبين (2). رواه مسلم وغيره.
11 -
وعن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحدٍ فمن كذب علىَّ متعمدا (3) فليتبوأ مقعده (4) من النار. رواه مسلم وغيره
= أو ذكرت صفة من صفاته عليه الصلاة والسلام صلوا عليه وقرنوا سيرته بالإجلال والاحترام - وأرى من نقص الثواب كتابة (ص) عنه ذكر شيء سيرته العطرة أو شذى عرفه، فليتبه مؤلفوا هذا العصر لهذا الحديث وليكثروا من ذكر الصلاة عليه، فذكره صلى الله عليه وسلم عباده لله، وطاعة للرب، ودعاء مستجاب، وقول عذب، بذكره تشفى القلوب، وتفرج الكروب، ويزول العسير، وتنزل الرحمة، ويسعد العباد، وتعم البركة، ويكثر الخير، ويزداد الرزق.
(1)
يعلم أنه مختلف، ويتحقق أنه غير الواقع، ونسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً - هذا واحد من اولئك الكذابين المجرمين الفاسقين الذي يغيرون معالم الحق وينشرون الباطل.
(2)
في نسخة: الكذابين.
(3)
قاصداً الكذب والافتراء.
(4)
فليأخذ مكانه: يحذر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقولوا كلاماً على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقله، ويطلب منهم البحث عن صحيحه، والتحري عن أقواله المنسوبة إليه، والاستضاءة بما محصه العلماء السابقون رضى الله عنهم، والحمد لله كتبهم مضبوطة معلومة كالشمس في رابعة النهار: أمثال الإمام البخاري، والإمام مسلم، وأبى داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه؛ والإمام مالك، وغيرهم ممن ضربوا بجرانه وأشاروا إلى قويه وضعيفه - رضى الله عنهم ونفعنا بهم وليضرب النبى صلى الله عليه وسلم بأيدٍ من حديد على أولئك الطغاة المتفقهين الجهلة الذين لا يتورعون متى ذكر كلام ينسبونه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منها براء، ولينذرهم بدخول جهنم وبئس القرار، وليلجم أفواهم رجاء ألا يقولوا على النبى صلى الله عليه وسلم إلا الحق، ويؤكد صلى الله عليه وسلم أن الكذب عليه مضر، وعاقبته وخيمة، وعقابه مضاعف، وليس ككذب على غيره صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من الأخطاء، ولا ينطق عن الهوى، ومشرع وناشر حكمة الله تعالى.