المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في قيام الليل - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ١

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

- ‌بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

- ‌الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه

- ‌الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌الإمام الشافعي رضي الله عنه

- ‌الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

- ‌الإمام البخاري رضي الله عنه

- ‌الإمام مسلم رضي الله عنه

- ‌الإمام أبو داود

- ‌الإمام الترمذي

- ‌الإمام النسائي

- ‌الإمام ابن ماجه

- ‌الإمام الطبراني

- ‌الإمام أبو يعلى

- ‌الإمام البزار

- ‌الإمام النيسابوري

- ‌الإمام ابن خزيمة

- ‌الإمام ابن أبي الدنيا

- ‌الإمام البيهقي

- ‌الإمام الأصبهاني

- ‌الحافظ المنذري

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقاريظ الطبعة الثانية

- ‌مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة

- ‌الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

- ‌الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌الترغيب في البداءة بالخير ليستن بهوالترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمهوما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخهوالترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في مجالسة العلماء

- ‌الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبةوالترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهموالترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه

- ‌الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الترغيب في الأذان وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر

- ‌الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

- ‌الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها

- ‌الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالةفيه، وغير ذلك

- ‌الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

- ‌الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

- ‌ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومهاوترهيبهن من الخروج منها

- ‌الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

- ‌الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع

- ‌الترغيب في الصلاة في أول وقتها

- ‌الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعةفوجد الناس قد صلوا

- ‌الترغيب في كثرة الجماعة

- ‌الترغيب في الصلاة في الفلاة

- ‌الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعةوالترهيب من التأخر عنهما

- ‌الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

- ‌الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

- ‌الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

- ‌الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

- ‌الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

- ‌الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

- ‌الترهيب من فوات العصر بغير عذر

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسانوالترهيب منها عند عدمهما

- ‌الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

- ‌الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

- ‌الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

- ‌الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاءوما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

- ‌الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

- ‌الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجودوإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع

- ‌الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجودوالنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدى المصلى

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌كتاب النوافل

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشهوما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

- ‌الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

- ‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

- ‌الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

- ‌الترغيب في صلاة الضحى

- ‌الترغيب في صلاة التسبيح

- ‌الترغيب في صلاة التوبة

- ‌الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

- ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليهاوما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

- ‌الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة

- ‌الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معهاليلة الجمعة ويوم الجمعة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

- ‌الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى

- ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوىوالترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسهوما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

- ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمعوالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبولهسيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنةوترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

الفصل: ‌الترغيب في قيام الليل

‌الترغيب في قيام الليل

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد (1) الشيطان على قافية (2) رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ يضرب (3) على كل عقدةٍ: عليك ليل طويل فارقد (4)،

فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقدهُ كلها فأصبح (5) نشيطاً طيب النفس وإلا (6) أصبح خبيث النفس كسلان. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وقال:

فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً، وإن لم يفعل أصبح كسلا خبيث النفس لم يصب خيراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه نحوه، وزاد في آخره

(1) أي يأتى بأشياء حقيقة وينويها وثبتها، ويسحر عليها كى تمنع الإنسان من القيام من نومه ليعبد ربه كما يعقد الساحر من سحره. قال العيني: وأكثر ما يفعله النساء: تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدا، وتتكلم عليها بالكلمات فيتأثر المسحور عند ذلك كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز:(ومن شر النفاثات في العقد) فالذى خذل يعمل فيه، والذى وفق يصرف عنه. والدليل على كونه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه ومحمد بن نصر من طريق صالح عن أبي هريرة مرفوعا (على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد) إلى أن قال بعضهم: هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه، فكأنه يوسوس بأن عليك ليلا طويلا فيتأخر عن القيام بالليل. وقال صاحب النهاية: المراد تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه قد سد عليه سداً، وعقد عليه عقداً. أهـ ص 193 جـ 7.

(2)

مؤخر عنقه. ومنه قافية القصيدة: أي مؤخرها، وقيل وسط الرأس.

(3)

يمر بيده، ويضغط على حباله الداعية إلى الكسل والخمول والعجز والتقصير عن الطاعات وتحصيل الدرجات، ونيل الحسنات، وكسب الخيرات، وقيل يضرب بالرقاد، ومنه قوله تعالى:(فضربنا على آذانهم في الكهف) ومعناه حجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قائلا عند كل ضربة: نم ليلك طويل.

(4)

نم واهدأ ..

(5)

يستقبل يومه بسرور، وصباحه بحبور، وبكورته بفرح جزيل قوى البنية منشرح الصدر باسم الثغر مثلوج الفؤاد قرير العين لأن الله تعالى وفقه لطاعته، وجلب المحامد، وكسب المحاسن، وقد بارك له في وقته وفي نفسه وتصرفه الحسن، وأزال سلطان الشيطان عليه وقهره.

(6)

وإن ترك ما كان اعتاده أو نواه من فعل الخير، ولم يقم من نومه يتهجد طلع النهار وعليه الغضب والخبث (كسلان) ببقاء أثر تثبيط الشيطان عليه. قال الكرماني: واعلم أن مقتضى (وأصبح) أن من لم يجمع الأمور الثلاثة: الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل تحت من يصبح خبيث النفس كسلان وإن أتى ببعضها. وقال العيني: وإن لم يذكر ولم يتوضأ، ولم يصل يصبح خبيث النفس كسلان، وفيه أن الذكر يطرد الشيطان، وكذا الوضوء والصلاة، ويجزء كل ما يصدق عليه ذكر الله تعالى، ويدخل فيه تلاوة القرآن، ولا تحل عقدة الجنب إلا بالاغتسال أهـ.

ص: 422

فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين.

(قافيه) الرأس: مؤخره، ومنه سمى آخر بيت الشعر قافية.

2 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جريرٌ معقودٌ حين يرقد (1) بالليل، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، وإذا قام توضأ وصلى انحلت العقد وأصبح خفيفاً طيب النفس قد أصاب خيراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وقال (الجرير): الحبل. رواه ابن حبان في صحيحه، ويأتى لفظه.

3 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (2) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه.

4 -

وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءهُ، فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذابٍ. قال فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: أيها الناس افشوا (3) السلام، وأطعموا الطعام (4)، وصلوا الأرحام (5)، وصلوا بالليل (6) والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام (7). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه والحاكم وقالا: صحيح على شرط الشيخين.

(انجفل) الناس بالجيم: أي أسرعوا ومضوا كلهم.

(استبنته): أي تحققته وتبينته.

5 -

وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

(1) جرير: حبل. يرقد: ينام.

(2)

صلاة التهجد بعد النوم ولو قليلا، ويبتدئ من نصف الليل إلى قبيل الفجر.

(3)

أكثروا من رميه على من عرفت ومن لم تعرف، والسلام من الله الأمان والرحمة.

(4)

أكثروا من إطعام الطعام والجود والكرم، وبذل المعروف، وإيواء الجائع وسد سبقه.

(5)

زوروا أقاربكم وودوهم ومدوهم بصلة وهدية وساعدوهم وأعينوهم، واستجلبوا رضاهم.

(6)

تهجدوا.

(7)

بلا عذاب.

ص: 423

في الجنة غُرفةٌ يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالكٍ الأشعرى: لمن هى يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام (1)، وأطعم الطعام، وبات قائماً (2) والناس نيام، رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

6 -

وعن أبي مالكٍ الأشعرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام. رواه ابن حبان في صحيحه، وتقدم حديث ابن عباس في صلاة الجماعة، وفيه:

والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيامٌ. رواه الترمذي وحسنه.

7 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنى إذا رأيتكُ طابت (3) نفسى، وقرت (4) عينى، أنبئنى (5) عن كل شئ، قال: كل شئٍ خُلِقَ من (6)

الماء، فقلت أخبرنى بشئٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال:

(1) أحسن القول وأبش وجهه وطاب كلامه وعذب لفظه وكثر خيره وعم بره ولطفه وجل أدبه وعظم حياؤه ورق شعوره ودق إحساسه.

(2)

يذكر الله تعالى ويتهجد، ويعبد ربه في ليله، والناس نائمون، أفشوا فعل أمر: أي أظهروه برفع الصوت وأن تسلم على كل من لقيته من المسلمين وإن لم تعرفه، وبذل الطعام أن تصدق بما فضل عن نفقة من تلزمك نفقته. قال النووي: السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكين ألفة المسلمين بضعهم لبعض، وإظهار شعارهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفوس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين أهـ وبه يزول التنافر ياأخى فسلم، لتدوم المحبة وتجتمع القلوب، فعليك به اجعله تحيتك لأهل بيتك وللمسلمين، وإفشاؤه سبب رضا الله تعالى عن عبده، ويثيب عليه قال صلى الله عليه وسلم: افشوا السلام فإنه لله تعالى رضا) رواه عمر بن الخطاب وهو حديث حسن، وعن أبي الدرداء (أفشوا السلام تعلوا) حديث حسن: إى إذا أفشيتم تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه.

(3)

فرحت وطهرت واستبشرت وطابت نفسه بالشئ: إذا سمحت به من غير كراهة ومنه الحديث أنه قال لعمار: (مرحباً بالطيب المطيب): أي الطاهر المطهر.

(4)

سرت ومنه حديث (لو رآك لقرت عيناه) أي لسر بذلك وفرح وحقيقته: أبرد الله دمعه عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره. أهـ نهاية.

(5)

أخبرنى.

(6)

الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وكل شئ خلق منه وفي قوله تعالى (وهو الذى خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) من سورة هود. قيل خلقهما لم يكن حائل بينهما لا أنه موضوعاً على متن الماء. واستدل على إمكان الخلاء أهـ بيضاوى، وقال الصاوى: =

ص: 424

أطعم (1) الطعام، وأفش السلام (2)، وصِلِ الأرحام (3)، وصل بالليل والناس نيامٌ (4) تدخل الجنة بسلامٍ (5). رواه أحمد وابن أبى الدنيا في كتاب التهجد، وابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وصححه.

8 -

وروى عن على رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الجنة لشجرةً يخرج من أعلاها حُللٌ، ومن أسفلها خيلٌ من ذهبٍ مُسرجةٌ مُلجمةٌ من دُرٍّ وياقوتٍ لاتروثُ (6)، ولا تبول لها أجنحة خطوها (7) مد البصر فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، فيقول الذين أسفل منهم درجةً يارب بما بلغ عبادك هذه الكرامة كُلها؟ قال فيقال لهم: كانوا يُصلون بالليل، وكنت تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يُقاتلون وكنتم تجبُنُون. رواه ابن أبى الدنيا.

9 -

وروى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس في صعيدٍ واحدٍ (8) يوم القيامة، فينادى منادٍ فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم (9) عن المضاجع، فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنة بغير

= أول ما خلق الله النور المحمدى، ثم خلق منه العرش، ونشأ الماء من عرق العرش، فخلق الله منه الأرضين والسموات، فالأرضون من زبده، والسموات من دخانه (ليبلوكم) ليتميز المحسن من المسئ، ويظهر المطيع فيثيبه على طاعته، والعاصى فيعاقبه على عصيانه. أهـ.

قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) أي من خلاصة سلت من بين الكدر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين 14 ثم خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقة مضغة) الآية. مبيناً سبحانه أن أصل الإنسان من طين.

(1)

كن جواداً كريماً يأكل الناس عيشك، ويعمهم خيرك.

(2)

أكثر من ذكر السلام على المسلمين.

(3)

زر أقاربك وودهم واعطف عليهم وأحسن إليهم.

(4)

تهجد وصل ركعات مثنى نافلة لله سبحانه وتعالى وقت السحر بعد النوم.

(5)

تتنعم في الجنة بلا حساب آمناً من عقاب الله تعالى.

(6)

لا تنزل ثفلا للطعام.

(7)

أي مقدار الخطوة الواحدة نهاية امتداد البصر في الآفاق بمعنى أنها تنهب في الأرض نهباً، وتطويها عليا بقدرة الله تعالى لتظهر البهجة والرواء والعزة والنعيم وتذهب إلى أي مكان أراده أهل الجنة فيراهم من هم أقل منهم عملا صالحاً في دنياهم ويسألون الله عز وجل عن سبب هذا النعيم، فيتفضل المولى تبارك وتعالى بالإجابة بفضل التهجد، وصيام النافلة، وكثرة الصدقات، وعمل مشروعات الخير، وإعانة المحتاج، والإنفاق في البر والجهاد في إعلاء دين الله والشجاعة في إظهار الحق والمروءة في العدل والشمم في نصر الدين والدفاع عن شرع الرسول صلى الله عليه وسلم.

(8)

وجه الأرض: أي مستوى.

(9)

يستيقظون ويهجرون فراش النوم في السحر، وفيه دليل على أن التهجد يمنع من الحساب.

ص: 425

حسابٍ، ثم يُؤْمرُ بسائر الناس إلى الحساب. رواه البيهقى.

10 -

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام النبى صلى الله عليه وسلم حتى تورمت (1) قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. رواه البخاري ومسلم والنسائي.

وفي رواية لهما وللترمذى قال: إن كان النبى صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلى حتى ترم قدماه أو ساقاهُ، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟

11 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تُرَمَّ (2) قدماه، فقيل له: أي رسول الله أتصنع هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه.

12 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر (3) قدماه فقلت له: لم تصنع هذا، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً (4)

شكوراً. رواه البخاري ومسلم.

13 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داود كان

(1) أصابها ورم وانتفاخ، وفى النهاية انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل، يقال: ورم يرم، والقياس يورم، وهو أحد ماجاء على هذا البناء أهـ.

(2)

فعل مضارع مبنى للمجهول. وترم بكسر الراء كذاع ص 202 من ورم جلده يرم تورم، وورمه غيره توريما.

(3)

ن ط تنفرط: أي تتشق وتتألم من كثرة الوقوف.

(4)

بينه صلى الله عليه وسلم بأنه يتهجد ثلث الليل، ويكثر من صوم التطوع.

قال الشرقاوى: أي أترك قيامى وتهجدى لما غفر لى (فلا أكون عبداً شكورا). يعنى أن غفران الله لى سبب لأن أقوم وأتهجد شكراً له فكيف أتركه: كأن المعنى ألا أشكره وقد أنعم على، وخصنى بخير الدارين فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعى نعمة خطيرة، وتخصيص العبد بالذكر مشعر بغاية الإكرام، والقرب من الله تعالى، ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء، ولأن العبودية تقتضى صحة النسبة؛ وليست إلا بالعبادة والعبادة عني الشكر. وفيه أخذ الإنسان نفسه بالشدة في العبادة، وهو أفضل إن لم يخش الملل لأنه إذا كان هذا فعل المغفور له، فكيف من جهل حاله، وأثقلت ظهره الأوزار، ولا يأمن غدا النار. أهـ ص 11 جـ 2.

ص: 426

ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه (1)، وينام سدسه (2) ويصوم يوماً، ويُفطر يوما (3) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وذكر الترمذي منه الصوم فقط.

14 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ (4).

رواه مسلم.

15 -

وعن أبي أُمامة الباهلى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب (5) الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى ربكم، ومكفرةٌ للسيئات (6)، ومنهاةٌ (7) عن الإثم. رواه الترمذي في كتاب الدعاء من جامعة، وابن أبى الدنيا في كتاب التهجد، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، كلهم من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث رحمه الله. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري.

(1) وقت تجلى الرب تبارك وتعالى على عباده.

(2)

ليستريح من تعب القيام في بقية الليل، وإنما كان هذا أحب إلى الله تعالى لأنه أخذ بالرفق على النفوس التى يخشى منها السآمة المؤدية إلى ترك العبادة، والله يحب أن يوالى فضله، ويديم إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح. وفيه من المصلحة أيضاً استقبال الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال ولأنه إلى عدم الرياء لأن من نام الثلث الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أنه يخفى عمله الماضى على من يراه. أشار إليه ابن دقيق العيد أهـ شرقاوى ص 12 جـ 2.

(3)

قال ابن المنير: كان داود عليه السلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له فيه ذلك فى كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض جعل عوضاً عن ذلك أن يصوم يوما ويفطر يوما، فيتنزل ذلك منزل التجزئة عن شخص اليوم. أهـ شرقاوى.

(4)

قال النووي فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها أهـ ص 36 جـ 6.

أيها المكروب: إذا أصابك هم فالجأ إلى الله تعالى واستيقظ من نومك سحرا وتوضأ وصل ركعتين لله نافلة وتضرع إليه جل وعلا عسى أن تصادفك ساعة الإجابة، فيزيل الله كربك ويشرح صدرك، ويذهب عسرك ويبعد ضيقك.

(5)

العادة والشأن، من دأب في العمل: جد وتعب.

(6)

سبب تغطية الذنوب وسترها ومزيلها، وفي النهاية أصل الكفر: تغطية الشئ تغطية تستهلكه، ومنه (من ترك الرحى فنعمة كفرها).

(7)

أي مبعدة، وفي النهاية أي حالة من شأنها أن تنهى عن الإثم أو هى مكان مختص بذلك، وهى مفعلة من النهى والميم زائدة، والنهى العقول واحدتها نهية بالضم، سميت بذلك لأنها تنهىصاحبها عن القبيح أهـ. نعم إن الذى تعود أن يقف بين يدى ربه يناجيه بلسان الإخلاص شرح الله صدره للعبادة فظهر نفسه من أدران الحياة، فيتحرى الصالحات فيعملها.

ص: 427

16 -

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربةٌ (1) لكم إلى ربكم، ومكفرةٌ للسيئات، ومنهاةٌ عن الإثم، ومطردةٌ (2) للداء عن الجسد. رواه الطبراني في الكبير من رواية عبد الرحمن بن سليمان بن أبى الجون، ورواه الترمذي في الدعوات من جامعه من رواية بكر بن خُنَيس، عن محمد بن سعيد الشامى، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانى، عن بلال رضي الله عنه. وعبد الرحمن بن سليمان أصلح حالا من محمد بن سعيد (3).

17 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإذا أبت نضخ (4)

في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضخت في وجهه الماء، رواه أبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم

(1) يفتح لكم أبواب رحماته، ويتجلى عليكم برضوانه، فيستجاب دعاؤكم، وتشعرون بالرضا.

(2)

في النهاية (هو قربة إلى الله تعالى، ومطردة الداء عن الجسد) أي أنها حالة من شأنها إبعاد الداء، أو مكان يختص به ويعرف، وهى مفعلة مع الطرد. إن هذا وصف طبيب النفوس من قام ليلة صفا جسمه وملك صحته وأزال الله مرضه، وحسبك الالتجاء إلى الحكيم الخالق أن يشفيه (الذي خلقنى فهو يهدين. والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين) 80 من سورة الشعراء.

(3)

ع ص: 203 من محمد.

(4)

أن يأخذ قليلا من الماء فيرش به، وقد نضح عليه الماء، ونضحه به: إذا رشه عليه، فيه من السنن العشر الانتضاح. أي يرش مذاكيره بعد الوضوء لينفى عنه الوسواس، يدعو النبى صلى الله عليه وسلم لمن استيقظ ليتهجد فيوقظ زوجه بالرحمة والخير وشموله بالبركة والرضوان، فإذا فتر الصديق أو كسل عن اليقظة أتى خليله وخدنه بقليل من الماء يمره على وجهه ليزول نومه ويبعد كسله ويملك شعوره، ويتعاونان على عبادة الله. هذه التربية العالية أيها المسلمون أن يتفق الرجل وزوجه على طاعة الله، وبذا توجد الثقة والاطمئنان، ويدوم العيش الرغد، وترفرف السعادة بين الزوجين المتآلفين، وحسبك أنهما في ظل الله يوم القيامة، وهما أحد السبعة (اجتمعا عليه وتفرقا عليه) وقد دعا صلى الله عليه وسلم أيضا للزوجة إن استيقظت للعبادة ودعت زوجها النائم للتهجد. إن الذى يفعل ذلك بتعاليم القرآن، وعمل لآخرته، ودخل في زمرة من قال الله فيهم (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) 93 من سورة الأنعام.

يقول البيضاوى (مبارك) كثير النفع والفائدة. مصدق الكتاب التى قبله أو التوراة، ولينذر أهل مكة، وأهل الشرق والغرب، فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة، ولا يزال الخوف يحمله على التدبر والنظر حتى يؤمن؛ فالنبى صلى الله عليه وسلم والكتاب والضمير يحتملهما، ويحافظ على الطاعة، وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين، وعلم الإيمان أهـ.

ص: 428

وقال صحيح على شرط مسلم، وعند بعضهم: رشّ، ورشت بدل نضح ونضحت. وهو بمعناه.

18 -

وروى الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجلٍ يستيقظ من الليل فيوقظ امرأته، فإن غلبها النوم نضح في وجهها الماء فيقومان في بيتهما فيذكران الله عز وجل ساعةً من الليل إلا غُفر لهما.

19 -

وعن أبي هريرة رضي وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا، أو صلى ركعتين جميعاً كُتِباَ في الذاكرين والذاكرات. رواه أبو داود، وقال: رواه ابن كثير موقوفاً على أبى سعيد، ولم يذكر أبا هريرة. ورواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وألفاظهم متقاربة. من استيقظ من الليل، وأيقظ أهله فصليا ركعتين. زاد النسائي: جميعاً كُتِباَ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

(قال الحافظ)(1) صحيح على شرط الشيخين.

20 -

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلُ (2) صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السرِّ على صدقة العلانية. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

21 -

وروى عن سُمرةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُصلى من الليل (3) ما قلَّ أو كثُرَ، ونجل آخرَ ذلك وتراً رواه الطبراني والبزار.

(1) فى ن ط: الحاكم.

(2)

ثواب. والمعنى المحافظ على التهجد تسبب حسنات لمصليها جمة لبعدها عن الرياء، ولمجاهدة النفس في ترك لذة النوم، وطلب مناجاة الرب جل وعلا. وقال المناوى: يؤخذ منه أن المقتدى به المعلم غيره صلاة النهار في حقه أفضل، كما في إظهار المقتدى به الصدقة بقصد أن يتبعه الناس أهـ. وقد علق عليه الشيخ الحفنى: يؤخذ من هذا التشبيه أنه لو كان يصلى في النهار لقصد تعليم الناس أو ليقتدى به غيره كان أفضل من صلاة الليل. كما أن صدقة العلانية حينئذ أفضل اهص 20 جامع صغير.

(3)

صلاة تهجد، وبعد ذلك نختم بالوتر. هذا في حق من آنس القيام بالليل وضمن اليقظة، وأمن الغفلة.

ص: 429

22 -

وروى عن أنس رضي الله عنه يرفعه قال: صلاة في مسجدى (1) تُعدلُ بعشرة آلاف صلاة، وصلاةٌ في المسجد الحرام (2) تعدل بمائة ألف صلاةٍ، والصلاة بأرض الرباط (3) تعدل بألفى ألف صلاة، وأكثر من ذلك كُله الركعتان يُصليهما العبد في جوف الليل (4) لا يريد بهما إلا ما عند الله عز وجل. رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب.

23 -

وعن إياس بن معاوية المُزنىِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا بُدَّ من صلاةٍ بليلٍ، ولو حلب (5) شاةٍ، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل (6). رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا محمد بن إسحق.

24 -

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: فذكرت قيام الليل، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نصفه ثُلثه رُبعَهُ، فُوَاقَ حَلْبِ ناقةٍ، فُواقَ حلبِ شاةٍ. رواه أبو يعلى ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، وهو بعض حديث.

(فواق) الناقة: بضم الفاء. هو هنا قدرُ ما بين رفع يديك عن الضرع وقت الحلب وضمهما.

25 -

وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، ورغب فيها حتى قال: عليكم بصلاة الليل ولو ركعةً (7) رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

(1) مسجده صلىله عليه وسلم بالمدينة. ثواب الركعة فيه مضاعف حسنات تساوى هذا العدد في غيره وفى ن ومسجدى هذا.

(2)

بمكة.

(3)

المكان الذى ينتظر فيه المجاهدون.

(4)

وسطه، والمعنى أن ثواب الركعتين مضاعف الأجر كثير الثواب.

(5)

أي تصلى في وقت قدر إخراج اللبن من ضرع الشاة: أي في نحو خمس دقائق.

(6)

بعد راحة وفتور الجسم، وأخذه قسطاً، ولو قليلا من النوم، ولا يعد التهجد إلا بعد القيام من نومه. قال تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية.

(7)

أمره صلى الله عليه وسلم للندب، والترغيب في قيام الليل، وذكر الله وتسبيحه وعدم غفلة المسلم وكنت واقفاً أمام سيدنا الحسين رضي الله عنه فجاءنى رجل أعده ولياً من أولياء الله، وأكثر من ذكر هذه الجملة (من كثر دمه كثر نومه، ومن كثر نومه فالنار أولى به) فأيقنت أن هذا يخاطب الجمهور، ولكن يعلمنى لعلى أفقه فأعمل. نسأله التوفيق.

ص: 430

26 -

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: عش ماشئت فإنك ميتٌ، واعمل ماشئت فإنك مجزىٌّ به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزَّهُ استغناؤه عن الناس (1). رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

27 -

وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشراف (2) أُمتى حملةُ القُرآن، وأصحاب الليل (3). رواه ابن أبى الدنيا والبيهقى.

28 -

وروى عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة تُصلى بصلاته وتستمع (4) لقراءته، وإن مُؤمنى الجن الذين يكونون في الهواء وجيرانه في مسكنه يُصلون بصلاته، ويستمعون قراءته، وإنه يطرد (5) بقراءته عن داره وعن الدور التى حوله فُسَّاق (6) الجن، ومردة (7) الشياطين، وإن البيت الذى يقرأ فيه القرآن عليه خيمةٌ (8) من نورٍ يهتدى بها أهل السماء كما يُهتدى بالكوكب (9) الدرى في لجج (10) البحار وفي الأرض القفر (11)، فإذا مات صاحب القرآن رفعت تلك الخيمة فتنظر الملائكة

(1) سيدنا جبريل عليه السلام يعطى درساً لأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام ليرشد أمته صلى الله عليه وسلم أن العمر وإن طال فمآله الفناء، وكل محاسب على عمله إن خيراً وإن شراً، مجازى به ومسئول عنه، ويأمر بالمحبة، وحسن المعاشرة والتودد، والتحلى بمكارم الأخلاق ليكسب الإنسان الذكر الحسن بعد فراقه و (كل من عليها فان) وأخبر أن التهجد رفعة، ورقى، ومحامد، والعز عدم سؤال أي مخلوق.

(2)

كرماء وفضلاء وأعاظم؛ وأسياد أمتى الذين يحفظون القرآن، ويعملون بأوامره ويجتنبون مناهيه ويصونون قراءته عن الابتذال، ويتحرون أماكن النظافة والمستمعين، ويكونون قدوة حسنة وأسوة صالحة.

(3)

المتهجدون العابدون الذاكرون المستغفرون.

(4)

في ن ط: وتسمع، وع: تستمع ص 205.

(5)

يبعد.

(6)

عصاة.

(7)

جمع مارد: العاتى الشديد.

(8)

ظلة ساترة، ومنه خيم بالمكان: أقام فيه وسكنه فاستعارها لظل رحمة الله ورضوانه وأمنه وهذا معنى (الشهيد في خيمة الله تحت العرش).

(9)

أىلشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدرر تشبيهاً بصفائه، وقال الفراء: الكوكب الذى عند العرب هو العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيارة. أهـ نهاية.

(10)

فضائها الواسع، ولجة البحر: معظمه، والمعنى في شدة تلاطم أمواجه وظلمه يسطع النور للسارى.

(11)

المفازة: الصحراء التى لا تنبت، والمعنى يستضئ الماشى في المهامه به، كذلك يستضاء بالقرآن.

ص: 431

من السماء فلا يرون ذلك النور فتلقَّاه (1) الملائكة من سماءٍ إلى سماءٍ فتصلى (2) الملائكة على روحه في الأرواح، ثم تستقبل الملائكة الحافظين الذين كانوا معه، ثم تستغفر (3)

له الملائكة إلى يوم يُبعث؛ وما من رجلٍ تعلم كتاب الله، ثم صلى (4) ساعةً من ليلٍ إلا أوصت به تلك الليلة الماضية الليلة (5) المستأنفة أن تنبهه لساعته، وأن تكون عليه خفيفةً، فإذا مات وكان أهله في جهازه (6) جاء القرآن في صورةٍ حسنةٍ جميلةٍ فوقف عند رأسه حتى يدرج في أكفانه فيكون القرآن على صدره دون (7) الكفن، فإذا وُضِعَ في قبره، فيجئُ القرآن (8) حتى يكون بينه وبينهما فيقولان له: إليك (9) حتى نسأله؟ فيقول: لا ورب الكعبة إنه لصاحبى وخليلى، ولستُ أخذله (10) على حالٍ فإن كنتما أُمرتما بشئٍ فامضيا (11) لما أُمرتما، ودعانى (12) مكانى، فإنى لست أُفارقه حتى أُدخله الجنة، ثم ينظر القرآن إلى صاحبه فيقول: أنا القرآن الذى كنت تجهر (13) بى، وتُخفينى وتُحبُّنى فأنا حبيبك، ومن أحببته أحبه الله، ليس عليك بعد مسألة منكرٍ ونكيرٍ هم ولا حُزنٌ، فيساله منكر ونكيرٌ ويصعدان (14)، ويبقى هو والقرآن، فيقول: لأفرشنك (15)

فراشاً ليناً، ولأدثرنك (16) دثاراً حسناً جميلاً

(1) كذا في ع، وفى ن ط: فتتلقاه: أي فتقابله بالبشرى، وتستقبله بالفرح.

(2)

فتدعو له بنعيم روحه، وتجعل الملائكة احتفالا بهيجاً لحراسه، والحافظين عليه في حياته.

(3)

تكون وظيفة الملائكة طلب الاستغفار له من الله جل وعلا حتى ينشر ويخرج من قبره للحساب ..

(4)

ذكر الله وسبح واستغفر، وتهجد جزءاً من الزمن في سحره.

(5)

الليلة الآتية الجديدة توصيها سابقتها بيقظته. والرأفة به، وتلطيف هوائها، وإزالة شرها؛ وإبعاد أذاها حتى يتجدد نشاطه، وتقوى صحته، ويزداد انشراحاً وقبولا، ويشعر بالسرور.

(6)

الاستعداد لدفنه.

(7)

يتمثل القرآن نوراً ملاصقاً لصدره فوقه كفنه.

(8)

يمثل الله القرآن بشفع قوى الحجة مدافع عنه.

(9)

ابعد عنا وتنح.

(10)

والله لا أهزمه ولا أتركه.

(11)

اسألا ونفذا مهمتكما، واعملا بواجبكما.

(12)

اتركانى ملازما له.

(13)

كنت تقرأ في الجهر وفي السر، ولا تخشى في الله لومة لائم وتحترمنى وتعظ الناس بى، وتعمل بآدابى.

(14)

يذهبان إلى ربهما.

(15)

يكرمه الله تعالى بوضع أثاث غال في قبره: نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة، وملابس حسنة وفراش وثير لين، أجعلن ثيابك بديعة ..

(16)

والدثار: الثوب الذى يكون فوق الشعار (القميص)، ومنه دثرونى: أي غطونى بما أدفأ به. =

ص: 432

بما أسهرت (1) ليلك، وأنصبت (2) نهارك. قال: فيصعد القُرآن إلى السماء أسرع من الطرف (3)، فيسأل الله ذلك له فيعطيه ذلك، فيجئُ القرآن فينزلُ به ألف ألف ملكٍ من مُقرَّبى (4) السماء السادسة، فيجيءُ القرآن فيحييه (5) فيقول: هل استوحشت، مازدت منذ فارقتك أن كلمت الله تبارك وتعالى حتى أخذت لك فراشاً ودثاراً ومصباحاً، وقد جئتك به فقم حتى تفرشك الملائكة عليهم السلام. قال: فتنهضه (6) الملائكة إنهاضاً لطيفاً، ثم يفُسحُ له في قبره مسيرة أربعمائه (7) عام، ثم يُوضعُ له فراش بطانته من حريرٍ أخضر، حشوه المسك (8) الأذفر، ويوضع له مرافق عند رجليه ورأسه من السندس (9) والإستبرق (10)، ويُسرجُ (11) له سِراجان من نور الجنة عند رأسه، ورجليه يزهران (12)

إلى يوم القيامة، ثم تضجعه الملائكة على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ثم يُؤتَى بياسمين (13) الجنة وتصعد عنه، ويبقى هو والقرآن فيأخذ القرآن الياسمين فيضعه على أنفه غضًّا (14) فيستنشقه حتى يُبعث، ويرجع القرآن إلى أهله فيخبرهم كل يومٍ وليلةٍ، ويتعاهده كما يتعاهد الوالد الشفيق ولده بالخير، فإن تَعَلَّمَ أحدٌ من ولدهِ القرآن بشره بذلك، وإن كان عقبهُ عقب (15) سوءٍ دعا لهم بالصلاح والإقبال، أو كما ذُكر. رواه البزار، وقال خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ومعناه أنه يجئ ثواب القرآن كما قال

= قال تعالى: (ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر) وإن القلب يدثر كما يدثر السيف فجلاؤه ذكر الله: أي يصدأ كما يصدأ السيف.

(1)

بعدت جفونك عن النوم.

(2)

أقمت يومك في العبادة والتلاوة.

(3)

لمح البصر.

(4)

الأبرار المقربين المطيعين.

(5)

يقدم له أجل تحية مباركة للاستئناس.

(6)

تطلب منه تخلى هذا المكان برفق لتكسوه من أغلى الرياش، وأفخر الأثاث (بما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

(7)

بمقدار سير ناقة نجيبة مسرعة. قبره يساوى هذه المسافة في الاتساع.

(8)

كثير الطيب منتشر الرائحة.

(9)

الحرير الرقيق.

(10)

الحرير الغليظ. قال تعالى (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق).

(11)

يضاء له مصباحان.

(12)

يلمعان. وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان أزهر اللون، والزهر: الأبيض المستنير والزهر والزهرة: البياض النير، وهو أحسن الألوان ..

(13)

نوع من أحسن الرياحين عرفها ذكى، وشذاها طيب.

(14)

طريا لم يتغير، ومنه حديث على هل ينتظر أهل غضاضة الشاب: أي نضارته وطرواته.

(15)

إن ترك ذرية فاسقة تضرع القرآن لربه عز وجل أن يوفقهم للعمل كأبيهم. وهذه بشارة عظيمة لحامل القرآن أن يبارك الله في ذريته، ويحيطهم برحمته، ويشملهم برضاه تعالى.

ص: 433

إن اللقمةَ تجئُ يوم القيامة مثل أُحُدٍ، وإنما يجئُ ثوابها انتهى.

(قال الحافظ): في إسناده من لا يعرف حاله، وفي متنه غرابة كثيرة، بل نكارة ظاهرة، وقد تكلم فيه العُقيليُّ وغيره ورواه ابن أبى الدنيا وغيره، عن عُبادة بن الصامت موقوفاً عليه، ولعله أشبه.

29 -

وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات ليلةً في خفةٍ من الطعام والشراب يُصلى تراكضت (1) حوله الحور العين حتى يصبح. رواه الطبراني في الكبير.

30 -

وعن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل (2) الآخر، فإن استعطت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن. رواه الترمذي واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

31 -

وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خيب (3) الله امرأً قام في جوف الليل فافتتح سورة البقرة وآل عمران. رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده بقية.

32 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ

(1) كذا في ع مصححه ص 206: أي لازمته وأحاطت به، وفي حديث ابن عمرو وبن العاص (المؤمن أشد ارتكاضة على الذنب من العصفور حين يغدف به) أي أشد حركة واضطراباً، والركض: الضرب بالرجل والإصابة بها. وفى ن ط، تداركت: والله سبحانه أعلم، وفي الحديث طلب الأكل الخفيف في العشاء وعدم تثاقل المعدة بالطعام رجاء اليقظة للتهجد ولذكر الله تعالى ليعمه نعيم الله ورضوانه، وتحفه رياحين الجنة وزهرتها، ويحوطه نساء الجنة الحسان يدعون له بالتوفيق رجاء أن يزف إليهن يوم القيامة. ياأخى: السيدة الحسناء والغادة الهيفاء تبتهج بعبادتك، وتنتظرك لتتمتع بها في آخرتك، وتنادى مهرها التهجد. قال الشاعر:

وقيدت نفسى في هواك محبة

ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر

(2)

بعد نصف الليل إلى مطلع الفجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعونى فأستجب له، ومن يسألنى فأعطيه، ومن يستغفرنى فأغفر له) أي تنزل رحمته وأمره وملائكته، ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم.

(3)

كذا في ع ص 207: أي ما أسقط وما حرم، والخائب: الذى لا نصيب له في الخير، وخاب يخيب ويخوب ومنه الحديث:(خيبة لك، وخيبة الدهر). وفى ن ط: ماخاب الله امرأ.

ص: 434

يُحبُّهم الله (1)، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم: الذى إذا انكشفت فئةٌ قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يُقتل، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه (2) فيقول: انظروا إلى عبدى هذا كيف صبر لى بنفسه؟ والذى له امرأةٌ حسنة، وفراشٌ لينٌ حسنٌ، فيقوم من الليل فيقول: يذرُ (3) شهوته ويذكرنى، ولو شاء رقد (4)، والذى إذا كان في سفرٍ، وكان معه ركبٌ (5) فسهروا (6)، ثم هجعوا (7) فقام من السحر (8) في ضراء وسراء. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

33 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: عجب (9) ربُّنا تعالى من رجلين: رجلٍ ثار (10) عن وطائه (11) ولحافه من بين أهله وحبه (12) إلى صلاته، فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدى ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبةً (13) فيما عندى، وشفقةً (14) مما عندى. ورجلٍ غزا في سبيل الله، وانهزم أصحابه وعلم ما عليه (15) في الانهزام، وماله في الرجوع فرجع حتى يُهريق (16) دمه فيقول: انظروا إلى عبدى رجع رجاء فيما عندى وشفقةً مما

(1) أي يعجب من حسن فعالهم ويرحمهم.

(2)

يبعد عنه شرهم ويزيل ضررهم.

(3)

يترك لذته، ويبتعد عن تمتعه بزوجته الحسناء حبا في ذكر الله وتسبيحه تهجداً.

(4)

نام، وأحل الله له ذلك وتمتع.

(5)

جماعة: رفقاؤه.

(6)

أدلجوا طول الليلة ولم يذوقوا النوم.

(7)

ناموا ليلا، وفي حديث الشورى: طرقنى بعد هجع من الليل. الهجع والهجعة والهجيع: طائفة من الليل.

(8)

آخر الليل يتحمل آلام السهر في طاعةالله وذكره ويشعر بالسرور فيدرك ثواب الله.

(9)

أي عظم ذلك عنده وكبر لديه، أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمى من الشئ إذا عظم موقعه عنده وخفى عليه سببه، فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده وقيل رضي وأثاب. أهـ نهاية.

(10)

بعد، من ثار الشئ يثور: انتشر وارتفع، ومنه الحديث (فرأيت الماء يثور من بين أصابعه) أي ينبع بقوة وشدة.

(11)

الشئ المذلول: الموطوء: أي ترك فراشه وغطاءه الدفئ، والوطاء: ما تحت الأقدام.

(12)

أقربائه وحبيبه.

(13)

رجاء ثوابى وحبا في طلب رضاى.

(14)

خوفا من عذابى، ومنه قوله تعالى (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) أي خائفون.

(15)

علم أن الاندحار سبب موته واسره وقتله، ولكن جاهد حتى يستشهد طلباً في نعيم الله.

(16)

يراق ويسال دمه، والمعنى أن رجلين اكتسبا زيادة الأجر من الله تعالى:

أ - من هجر لذة نومه، وترك سريره ليتهجد.

ب - المجاهد في سبيل الله المستبسل، ولم يفر عند الهزيمة.

ص: 435

عندى حتى يُهَرِيقَ دمه. رواه أحمد، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني موقوفاً بإسناد حسن، ولفظه:

إن الله ليضحك (1) إلى رجلين: رجلٍ قام في ليلةٍ باردةٍ من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته (2): ما حمل عبدى هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقةً مما عندك، فيقول: فإنى قد أعطتيه ما رجا (3) وآمنته مما يخاف، وذكر بقيته.

34 -

وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرجل من أُمتى يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور (4)، وعليه عُقدٌ (5) فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة،، فيقول الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدى هذا يُعالج نفسه يسألنى، عبدى هذا فهو له. رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له.

35 -

وعن أبي عبيدة رضي الله عنه قال: قال عبد الله (6): إنه مكتوب في التوراة: لقد أعدَّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشرٍ، ولا يعلمه ملك مقرَّبٌ، ولا نبىٌّ مرسلٌ. قال ونحن

(1) لينظر نظرة رحمة وسرور من فعلهما الحسن.

(2)

الله تعالى يعلم سبب فعل عبده هذا، ولكن يسأل الملائكة سؤال تعظيمهم له، وإشعاراً لهم، وجواب تعبد أنه العليم الخبير (وهو بكل شئ عليم. وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون) 31 من سورة البقرة

(3)

أجبت جميع رغباته، وباركت في أعماله وأسلمته من المخاطر.

(4)

الوضوء: أي ما يتطهر به.

(5)

حبال غلب عليه الشيطان، وكتفه بخيوط الكسل والغفلة، وجرى مجرى عروق الدم منه رجاء نسيان ذكر الله ورقوده وسباته، فإذا أراد الله له باليقظة فذكر الله حطم سلسلة من قيوده، ومزق عقدة من أغلاله، وهكذا حتى يتم الوضوء، فيتجلى عليه الرب جل وعلا، ويباهى بفعله هذا ملائكته المقربين ويأمرهم أن ينظروا إلى فعل طاعته وتذلله لربه رجاء رحمته تعالى ثم يبشرهم بإجابة كل ما سأل تفضلا وتكرما. الله أكبر، هذا وقت المعاملة الحسنة مع الله والتجارة مع الغنى الكريم والتضرع إليه؛ وقد تكفل سبحانه بعدم رد طلب لمن سأل.

(6)

سيدنا عبد الله بن سلام كان حبرا وعالما أنبأنا عما في التوارة لسيدنا موسى، وقد وافقه كلامه الله عز وجل في قرآنه عن جزاء المتهجد العابد الذاكر المستغفر سحراً.

ص: 436

نقرؤُها: فلا تعلم نفسٌ ما اُخفى لهم من قُرةِ أعينٍ، الآية. رواه الحاكم وصححه.

(قال الحافظ): أبو عبيدة لم يسمع من عبد الله بن مسعود، وقيل: سمع.

36 -

وعن عبد الله بن أبى قيسٍ رضي الله عنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لاتدع (1) قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه (2)، وكان إذا مرض أو كسل (3) صلى قاعداً. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه.

37 -

وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله عنه لينظر ما اجتهاده (4). قال: فقام يصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذى كان يظن، فذكر ذلك له، فقال سلمان: حافظوا على الصلوات الخمس، فإنهن كفاراتٌ (5) لهذه الجراحات ما لم تُصب المقتلة (6)، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل. منهم: من عليه ولا له، ومنهم: من له (7) ولا عليه، ومنهم: من لا له ولا عليه. فرجلٌ اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس، فركب (8) فرسه في المعاصى، فذلك عليه ولا له. ومن له ولا عليه: فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلى فذلك (9) له ولا عليه. ومن لا له ولا عليه: فرجل صلى ثم نام (10) فلا ولا عليه. إياك والحقحقة وعليك بالقصد وداومه (11).

رواه الطبراني في الكبير موقوفاً بإسناد لا بأس به، ورفعه جماعة.

(الحقحقة) بحاءين مهملتين مفتوحة وقافين، الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة: هو أشدّ

(1) لا تترك. لا نهاية.

(2)

كان لا يتركه.

(3)

أعياه التعب. ولحق به العناء.

(4)

كذا ن ع ص 208. ما اسم استفهام مبتدأ: أي أي شئ بلغ اجتهاده وفى ن ط: لينظر اجتهاده.

(5)

مزيلات الصغائر، وسائره الخطايا التى يقترفها الإنسان.

(6)

ما لم تفعل الكبائر التى أوعد الله بها العقاب الأليم ونهى عنها وشدد على مرتكبيها مثل الزنا والسرقة والشرك بالله والسحر والربا وقتل النفس وعقوق الوالدين وقذف المحصنات الغافلات والغيبة والنميمة والكبر والحسد والفتنة وهكذا.

(7)

أي يجاهد نفسه في التوبة من المعاصى وكثرة الاستغفار والإنابة إلى الله، والحسد والإقلاع عن الشرور والتهجد.

(8)

أي استرسل في إدراك شهوات نفسه وأطلق لها العنان في فعل الموبقات فذلك أوزاره جمة وسيئاته كثيرة وعذابه أليم وحسابه عسير.

(9)

له الثواب الجزيل ولا ذنب عليه.

(10)

في ن ع: لا له ولا عليه ص 208.

(11)

كذا ع: أي استمر في العبادة جهد الطاقة، ولا تتعب نفسك بكثرة السهر واترك الغلو في العبادة ولا تحمل نفسك فوق طاقتها، وفيه أن الإنسان يصلى العشاء، وينام رجاء أن الله يوفقه بالقيام والتهجد لينال من الله النعيم ويجاب دعاؤه ويحذر أن يسهر في معصية ويسامر في غضب الله .. وفيه النهى عن المغالاة في السهر في العبادة (إن الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).

ص: 437

السير، وقيل هو أن يجتهد في السير، ويلحّ فيه حتى تعطب راحلته، أو تقف، وقيل غير ذلك.

لا حسد إلا في اثنتين

38 -

وعن سُمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ليس في الدنيا حسدٌ (1) إلا في اثنتين: الرجل يغبط الرجل أن يُعطيه الله المال الكثير فينفق منه فيكثر النفقة، يقول الآخر: لو لى مالٌ لأنفقت مثل ما ينفق هذا وأحسن فهو يحسده، ورجلٌ يقرأُ القرآن فيقوم الليل وعنده رجلٌ إلى جنبه لا يعلم القرآن فهو يحسده على قيامه وعلى ما علمه الله عز وجل (2) من القرآن فيقول: لو علمنى الله مثل هذا لقمت مثل ما يقوم. رواه الطبراني في الكبير، وفي سنده لين.

(الحسد) يطلق، ويراد به تمنى زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام بالإتفاق، ويطلق ويراد به الغبطة، وفي نظائره، فإن كانت الحالة التى عليها المغبوط محمودة فهو تمنّ محمود، وإن كانت مذمومة فهو تمنّ مذموم يأثم عليه المتمنى.

39 -

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار. رواه مسلم وغيره.

40 -

وعن يزيد بن الأخنسِ وكانت له صحبةٌ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاتنافس (3) إلا في اثنتين: رجلٌ أعطاه الله قُرآناً فهو يقوم به آناء (4) الليل والنهار، فيقول رجلٌ: لو أن الله أعطانى ما أعطى فلاناً فأقوم به كما

(1) هنا غبطة: أي تتمنى أن تفعل خيراً مثله، وليس الحسد المذموم الذى هو تمنى زوال النعمة عن أخيك.

(2)

يبين صلى الله عليه وسلم خصلتين تتمنى أن تتحلى بهما أيها المسلم:

أ - خلة الإنفاق والجود على إنشاء مشروعات الخير، وتشييد الصالحات، وتنظر إلى المحسنين فتتمنى أن يكون لك مال لتعمل مثلهم.

ب - خلة التقوى المنبعثة من قراءة القرآن الداعية إلى التهجد الغارسة دوحات العلم النافع في قلب حافظه فتتمنى أن تنفقه القرآن وتقرأه لتظهر تعاليمه، وتثمر أوراقه في حديقتك.

(3)

كذا في ع ص 209 والتنافس للتسابق في الخير وانتهاز فرص نيل الثواب، وفي ن ط اثنين.

(4)

ساعاته جمع إنا بالكسر والقصر، أو جمع آناء بالفتح والمد. قال تعالى:(ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) والمعنى أنه يعظ الناس به في أوقات الليل إن سنحت الفرصة، وكذا في النهار مع العمل به، ويقرأ أمام الفقراء، ويحترم قراءته ونفسه ثم رسخ الإيمان بقلبه فتهجد وذكر الله في السحر.

ص: 438

يقوم، ورجلٌ أعطاه الله مالاً فهو ينفق (1) منه ويتصدق، فيقول رجلٌ مثل ذلك. رواه الطبراني في الكبير، ورواته، ثقات مشهورون، ورواه أبو يعلى من حديث أبى سعيد نحوه بإسناد جيد.

الترغيب في قراءة القرآن بالليل

41 -

وعن فُضالة بن عبيدٍ وتميمٍ الدارىِّ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ عشر آياتٍ (2) في ليلةٍ كُتب له قنطار، والقنطار خيرٌ من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل: اقرأ وارق بكل آيةٍ درجة حتى ينتهى إلى آخر آيةٍ معه، يقول الله عز وجل للعبد: اقبض، فيقول العبد بيده: يارب أنت أعلم، يقول بهذه الخلد، وبهذه النعيم رواه الطبراني في الكبير والاوسط.

42 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين (3)،

ومن قام بمائة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومن قام بألف آيةٍ كُتبَ من المقنطرين. رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، كلاهما من رواية أبى سرية عن أبي حجيرة عن عبد الله بن عمرو، وقال

(1) ينشئ به الأعمال الصالحات، ومشروعات تفيد الأبناء، ويوجد أعمالا للعاطلين ويكسو عريانا، ويطعم جائعاً، ويصرف في وجود البر ويزكى.

(2)

ظاهره من أي سورة ينال ثوابا لو وزن لرجحت كفته عن القنطار وهذاخير من نعيم الدنيا الفانى على أن الله تعالى يتفضل ويرقيه إلى درجات عالية كل آية درجة يصعد بها إلى العلياء والعز، والنعيم المقيم لما فى الآيات من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه بمعنى أنه يتهجد، وبعد فاتحة الكتاب يقرأ ما تيسر من القرآن يحفظ الله له ذلك ذخيرة عنده يوم القيامة ويجازيه، وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. قال صلى الله عليه وسلم:(إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم فاسألوه الفردوس).

(3)

أي صلى نافلة، وتلا في صلاته عشر آيات عد من الذاكرين الله كثيراً، ومحيت عنه الغفلة ومن قام أي تهجد في صلاته، فقرأ في مائة آية كتبه الله من الطائعين الخاشعين العابدين، وفيه (تفكر ساعة خير من قنوت ليلة)، وقال ابن الأنبارى: القنوت على أربعة أقسام: الصلاة، وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت. أهـ، ومنه:

أ - (وقوموا لله قانتين): وقيل أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت أي الاشتغال بالعبادة، ورفض كل ما سواه سبحانه وتعالى، فعليك أخى بكثرة القراءة في الصلاة عسى أن تنال هذه الصفة. قال تعالى

ب - (إن إبراهيم كان أمة قانتا).

جـ - (يامريم اقنتى لربك).

د - (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً).

ص: 439

ابن خزيمة: إن صح الخبر فإنى لا أعرف أبا سرية بعدالة ولا جرح، ورواه ابن حبان في صحيحه من هذه الطريق ايضاً إلا أنه قال: ومن قام بمائتى آيةٍ كتبَ من المقنطرينَ.

(قوله) من المقنطرين: أي ممن كتب له قنطار من الأجر.

(قال الحافظ): من سورة تبارك الذى بيده الملك إلى آخر القرآن ألفُ أيةٍ والله أعلم.

43 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القنطار اثنا عشر ألف أُوقيةٍ، الأوقية خيرٌ (1) مما بين السماء والأرض. رواه ابن حبان في صحيحه.

44 -

وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ كُتبَ له قنوت ليلةٍ، ومن قرأ مائتى أيةٍ كُتب من القانتين، ومن قرأ أربعمائة آيةٍ كُتبَ من العابدين (2)، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من الحافظين (3)، ومن قرأ ستمائة آيةٍ كتب من الخاشعين (4)، ومن قرأ ثمانمائة أيةٍ كُتب من المخبتين (5)،

ومن قرأ ألف آيةٍ

(1) أبقى نعيمها من الدنيا وما فيها.

(2)

الذين تفانوا في طاعة مولاهم، وأظهروا له الذل والخشوع دون سواه سبحانه.

(3)

الذين أجادوا معرفته، وعد من المطهرين المقربين الذين قال الله عنهم:(وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) ما شاء الله - زيادة التلاوة في الصلاة تنقى صحائف القارئ وتطهره من الآثام، وتجعله في صفوف الأبرار الصالحين الذين يخافون الله جل وعلا الذين يعنيهم الله بقوله:(ولمن خاف مقام ربه جنتان).

(4)

المتواضعين الذين يعنيهم الله بقوله: (فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) 36 من سورة الحج.

(5)

الإخبات: زيادة التواضع والذلة لله، يقال أخبت لله، أي زاد تواضعاً: أربع خصال حازها المخبتون أولا: خوف الله. ثانياً: الصبر على المصائب: ثالثا: الصبر عند المصائب رابعاً: الإنفاق في الخيرات (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم).

صلاة التهجد سعادة، وهى ثمرات دوحات نبتت في قلوب المتقين فأزهرت

أي الصلاة بالليل بعد العشاء، وأصله ترك الهجود، وهو النوم: قال ابن فارس: المتهجد: المصلى ليلا وفي نسخة من الليل: أريد أن أبين للمسلمين أن القيام ليلا لذكر الله يجلب هناءة الضمير، وقرة العين، وانشراح الصدر:

أولا: لإزالة سلطة الشيطان عليه وقهره وفك عقد كسله (فأصبح نشيطاً). ثانياً: سبب دخول الجنة وحصن منيع من النار، وقد رأى سيدنا عبد الله بن عمر ملكين أخذاه إلى النار فقابله آخر قال (لن تراع لن تراع) فقص الرؤيا على أخته (السيدة حفظة) فقصتها على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: =

ص: 440

أصبح له قنطارٌ، والقنطارُ ألف ومائتا أوقيةٍ، والأُوقيةُ خير مما بين السماء والأرض أو قال: خيرٌ مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفى أيةٍ كان من الموجبين. رواه الطبراني

= (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) فما ترك التهجد بعدئذ. قال شراح الحديث: فيه أن القيام بالليل يمنع عذاب النار وأى فرح وعز وشعور بالنجاة والسرور من أن يضمن الإنسان لنفسه السلامة من جهنم والفوز بجنة أعدها الله للمحسنين الصالحين. ثالثاً: يقف الخلائق للحساب إلا المتهجد فيمر بسلام.

رابعا: لعل المتهجد يتفق ادعاؤه ساعة تفتحت لها أبواب رحمة الله تعالى فيجاب دعاؤه وينال سؤاله وتقضى آماله فينجح ويربح. خامساً: أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن قيام الليل يجدد للجسم نشاطه، ويبعث الصحة ويقوى دورة الدم، وينقيه باستنشاق نسيم السحر العليل البليل الجميل، ويعطى الرئتين قوة ومناعة وتصح العينان ويسلم الرأس من عوارض الزكام والصداع وتطرد الأدواء عن الجسم (ومطردة للداء عن الجسد) كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام:(ماضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة) صدق أيها المسلم، وأخى هذه العادة الجميلة لتحيا حياة الأبرار وتعيش عيشة الأخيار الأطهار. سادساً: تبادل الثقة بين الزوجين: الرجل يوقظ زوجته، وهى توقظ زوجها، وقد دعا لهما صلى الله عليه وسلم بالرحمة إن فعلا ذلك. هذه هى السعادة أن يتعاونا على طاعة الله، وهنا تتجدد عرى الصداقة، تقوى روابط الأسرة، ويزول سوء التفاهم وتشرق أنوار السعادة على هذا البيت فيخرج الزوج إلى عمله قريرالعين مثلوج الفؤاد آمناً على عرضه مطمئناً على بيته. وقديما قيل:(رأس الحكمة مخافة الله) وأترك للقارئ حوادث سوء النية للزوج أو الزوجة اللذين لا يخافان الله وإنها لكثيرة: شقاق وكدر وغضب ومحاكم وتبرج ونزاع وإسراف وقلة أدب، وهكذا مما يجره عدم العمل بكتاب الله رب العالمين وسنة سيد المرسلين، ونسيان قوله تعالى:(وأمر أهلك بالصلاة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فصلى وأيقظ امرأته). سابعاً: عد صلى الله عليه وسلم قيام الليل شرفا وسيادة وعلو نفس طماعة إلى كسب المعالى وجنى ثمار المحامد، ولو كشف الله بصيرته لرأى جمال الهيئة، وأنوار ملائكة الرحمة، وفرح الحور العين بعمله وتجليات المولى جل وعلا عليه بالرحمة، واستظلاله بظل الله، والناس غافلون، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الخيبة في طلبه، والخسران في عمله، وكفل له الربح والفلاح، وأمنه الله من المكاره؛ وزال عنه الأخطار. ثامناً: تخفيف الطعام في العشاء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستريح المعدة ويهدأ نومه؛ وهذا نهاية الطب، ومجلب الصحة.

أدلة التهجد من القرآن

قال تعالى

أ - (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا. وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيراً. وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) 82 من سورة الإسراء. قيل المراد بالصلاة صلاة المغرب، ثم بين الله مبدأ الوقت ومنتهاه.

وقال صلى الله عليه وسلم (أتانى جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بى الظهر وقيل: لغروبها)(وقرآن الفجر) صلاة الصبح تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أو شواهد قدرة الخالق جل الخالق جل وعلامن تبدل ظلمة الليل بضاء النهار والنوم بالانتباه ليعتبر العقلاء، فيقوموا لذكر الله، وشاهدنا (ومن الليل فتهجد به) أي =

ص: 441

(الموجب): الذى أتى بفعل يوجب له الجنة، ويطلق أيضاً على من أتى بفعل يوجب له النار.

= وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة، والضمير للقرآن (نافلة لك) فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، أو فضيلة لك لاختصاص وجوب بك، رجاء مقام يحمده القائم فيه وكل من عرفه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من المقام الذى أشفع فيه لأمتى) ثم دعا صلى الله عليه وسلم بدعاء (أدخلنى) أي في القبر إدخالا مرضيا (وأخرجنى) أي منه عند البعث إخراجاً ملقى بالكرامة، أو أدخلنى يارب المدينة أو مكة ظاهراً عليها، أو فيما حملتنى من أعباء الرسالة، وأخرجنى من مكة سالماً آمنا من المشركين، أو أخرجنى مما حملتنى من أعباء الرسالة مؤديا حقه أو أدخلنى الغار وأخرجنى سالما، وقونى بحجة تنصرنى على من خالفنى، أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر، والحق: الإسلام، والباطل: الشرك كان مضمحلا غير ثابت.

عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنما، فجعل ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها فيقول: جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة، وكان من صفر، فقال ياعلى: ارم به فصعد فرمى به فكسره أهـ بيضاوى.

قال الشرقاوى: قد صحح النووي أنه نسخ عنه التهجد كما نسخ عن أمته، قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، وهو الأصح أو الصحيح، ففى مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه، أو فضيلة لك فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئاً، ويرجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام قرة عين، وإلهام طبع، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئاً ويرجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام قرة عين، وإلهام طبع، وتكون صلاته في الدنيا مثل تسبيح أهل الجنة لا على وجه الكلفة والتكليف وهذا كله مفرع عن طريقة إمام الحرمين من أن التكليف يستلزم الوعيد، وأما عن طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله تعالى شيئاً لوجب، وإن لم يكن وعيد فلا يمتنع حينئذ بقاء التكاليف في حقه عليه الصلاة والسلام على ما كانت عليه مع طمأنينته عليه الصلاة والسلام من ناحية الوعيد، وعلى كلا التقديرين فهو معصوم ولا ذنب ولا عتب، وأما أمره بالاستغفار في قوله:(فسبح بحمد ربك واستغفره) فهو تعبد على الفرض والتقدير: أي استغفر مما عساه أن يقع لولا عصمتك. أهـ ص 9 جـ 2.

ب - (إن المتقين في جنات وعيون 16 آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) 20 سورة الذاريات.

جـ - (ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) 5 من سورة المزمل. يامتلففاً بثيابه.

روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى متلففاً بمرط مفروش على عائشة رضي الله عنها وأصله المتزمل فأدغم التاء في الزاى، ومن تزمل الزمل: تحمل الحمل. أي ياأيها المتحمل أعباء النبوة: قم إلى الصلاة أو داوم عليها (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هى أشد وطأ وأقوم قيلا) قولا: أي القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته (إن ناشئة الليل) أي إن النفس التى تنشأ من مضجعها إلى العبادة، من نشأ من مكانه إذا نهض وقام.

أو قيام الليل على أن الناشئة له، أو العبادة التى تنشأ بالليل: أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى (هى أشد وطأ) أي كلفة، أو ثبات قدم، وقرئ (وطاء) أي مواطأة القلب اللسان لها أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص (وأقوم قيلا) أي وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب هذه الأصوات. =

ص: 442

45 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكن من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، أو كتب من القانتين: رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم، ولفظه وهو رواية لابن خزيمة أيضاً قال:

من صلى في ليلةٍ بمائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلةٍ بمائتى آيةٍ كتب من القانتين المخلصين. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وفي رواية له قال فيها على شرط مسلم أيضاً: من قرأ عشر آياتٍ في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين.

= (إن لك في النهار سبحاً طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) أي تقلباً في مهماتك، واشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجاة الحق تستدعى فراغا، وقرئ (سبخاً) أي فراغا تفرغ قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نفشه ونشر أجزائه، ودم على ذكر ربك ليلا ونهارا. وذكر الله يتناول كل ما يذكر به من تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة، وقراءة قرآن، ودراسة علم (وتبتل) وانقطاع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه. أهـ بيضاوى.

أيها المسلم: هل تقتدى بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله بالتهجد فزاد كمالا، ونصره الله ودانت له الأرض، وعز ملكه، وانتشر دينه صلى الله عليه وسلم، ونال الشفاعة العظمى، وخصه الله بمحامد ومكارم الأخلاق. قال تعالى:(وإن لك لأجراً غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم) صلى الله عليه وسلم (غير ممنون) غير مقطوع، أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطي بلا توسط لأنك تتحمل من قومك مالا يتحمل أمثالك، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. ألست تقرأ القرآن؟ بلى، أقرأ (قد أفلح المؤمنون) اللهم صل عليه وسلم وأصحابه قاموا بالتهجد خير قيام. قال جل وعلا:(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله). (أدنى) استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشئ أقل بعداً منه، ويقوم بذلك جماعة من أصحابك، ولا يعلم مقادير ساعات الليل والنهار كما هى إلا الله سبحانه وتعالى، ولن تحصوا تقدير الأوقات، ولن تستطيعوا ضبط الساعات (فتاب عليكم) بالترخيص في ترك القيام المقدر، ورفع التبعة كما رفع التبعة عن التائب (فاقرءوا ما تيسر من القرآن): فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها، وقيل: فاقرءوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم والضرب في الأرض: المسافرة للتجارة أو لتحصيل العلم. أهـ بيضاوى (فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) المفروضة.

ص: 443