المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

281 -

[1] عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ. . . . .

ــ

الفصل الأول

281 -

[1](أبو مالك الأشعري) قوله: (الطهور شطر الأيمان) ضبطوا الطهور بالضم والفتح وكلاهما بمعنى المصدر، نعم قد جاء بالفتح بمعنى ما يتطهَّر به أيضًا كما ذكر في (القاموس)(1)، والمشهور عند الجمهور أن بالضم للمصدر، وبالفتح للاسم كما في الوضوء، وعن بعضٍ عكسُه، والحق أن كليهما يجيء للمصدر بالفتح والضم، ويجيء بالفتح للاسم أيضًا.

والشطر نصف الشيء وجزؤه، والمعنى الأول أشهر وأكثر استعمالًا في الأحاديث كما لا يخفى على المتتبع، ولو ذكرنا موارده لطال الكلام، فإنْ حُمل في هذا الحديث على معنى الجزء مطلقًا فذاك كأنه جزء من حقيقة الايمان مبالغة في التحريض والمحافظة عليه سواء أُريد بالإيمان حقيقتُه أو الصلاة، وإن حمل على معنى النصف فتوجيهُه إرادة المبالغة في أن الأجر في الطهور ينتهي إلى نصف أجر الإيمان أو الصلاة، أو الإيمان يجبُّ ما قبله من الخطايا، إلا أن الإيمان يجبُّ الكبائر والصغائر، والطهور يجبُّ الصغائر فقط، أو أن الإيمان يطهر الباطن، والطهور يطهر الظاهر، كذا في (مجمع البحار)(2)، ولعل المراد أنهما في المؤمن متناصفان، فافهم.

وقال بعض المحققين في تأويله: إن الإيمان تخلية عن الرذائل وتحلية بالفضائل،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 403).

(2)

انظر: "مجمع بحار الأنوار"(3/ 479).

ص: 9

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ. . . . .

ــ

والطهور ههنا محمول على التخلية.

وقوله: (والحمد للَّه يملأ الميزان) يملأ يروى بالفوقانية والتحتانية، فالأُولى باعتبار اللفظة أو الكلمة أو المثوبة، والثانية باعتبار اللفظ أو الثواب، وقد ثبت بالنصوص أن الأعمال توزن إما نفسها، أو بجعلها صورًا، أو كتبها أو لكونها جواهر في موطن الآخرة كما هو عند المحققين، وقد حقق في موضعه.

وقوله: (سبحان اللَّه والحمد للَّه تملآن أو تملأ) شك من الراوي أنه بلفظ التثنية أو المفرد، فالأول ظاهر، والثانية باعتبار الجملة أو المجموع، وكل منهما بالفوقانية أو التحتانية، وذلك من جهة أن سبحان اللَّه تنزيه للَّه سبحانه، وهو يشمل السماوات والأرض وما بينهما، وكل ذرة تدل على تنزهه من النقائص، والحمد للَّه اعتراف بكمالاته ونعمه، والعالم مملوء بها ودالٌّ عليها، ولا شك أن هذه الكلمات لو صدرت من أحد بحقائقها أوجبت شهود صفات اللَّه وأسمائه التي العالم مظاهرها، وأما التفوُّه بمجرد الألفاظ فلا اعتداد به، ومع ذلك فضل اللَّه واسع يعطي من يشاء ما يشاء.

وقوله: (والصلاة نور (1)) أي: منوِّر القلب لشهود الحق وظهور المعارف؛ لأن أتم الأحوال والأوقات التي تُكشف للعارفين إذا كانوا في الصلاة، وأقربُ ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدًا، وحسبه قوله صلى الله عليه وسلم:(وجعلت قرة عيني في الصلاة)(2)، والوجهِ لظهور سيماء الصلاح والعرفان، وتهدي إلى طريق الحق والصواب، وتنهى عن

(1) قال القاري: أَيْ: فِي الْقَبْرِ وَظُلْمَةِ الْقِيَامَة، "مرقاة المفاتيح"(1/ 342).

(2)

أخرجه النسائي في "السنن"(3940)، وأحمد في "مسنده"(3/ 128).

ص: 10

وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو. . . . .

ــ

الفحشاء والمنكر، أو سبب للنور يوم القيامة يسعى بين أيدي أهلها وبأيمانهم (1).

وقوله: (والصدقة برهان) أي: حجة لطالب الأجر؛ لأنها فرض يجازي اللَّه به عليه، أو دليل واضح قوي على صدق صاحبها في دعوى الإيمان إذا كان لوجه اللَّه سبحانه.

وقوله: (والصبر ضياء) الصبر هو الاستقامة على مقتضى الكتاب والسنة، وقد يفسر بترجيح داعية الحق على داعية الهوى عند معارضتهما، أو المراد: الصبر على البلايا والمصائب، ويحتمل أن يكون المراد الصوم بقرينة ذكر الصلاة والزكاة كما يفسره به في قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم في مدح الصبر بجعله ضياء وجعل الصلاة نورًا؛ لأن الضياء فرط الأنارة وفوقها، والنور دونه كما يشير إليه قوله سبحانه:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] والأمر كذلك؛ لأنه ملاك الأمر والطاعات كلها من الصلاة وغيرها من أقسام الصبر وأفرادها.

وقوله: (والقرآن حجة لك) إن عملتَ به وأدَّيت حقه ونصحت له (أو عليك) إن لم تفعل ذلك.

ولما ذكر بعض أنواع العبادات والطاعات التي هي العمدة، ويستلزم ذلك ذكر أضدادها أيضًا، أشار إلى تعميم الطاعات والمعاصي وأحوال الناس فيها فقال: و (كل الناس يغدو) أي: يبكر ويصبح، والغدوة بالضم: البُكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.

(1) قال القاري: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، "مرقاة المفاتيح"(1/ 342).

ص: 11

فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 223].

وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَا فِي "الْجَامِعِ"، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ بَدَلَ "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ".

282 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (فبائع نفسه) أي: صارف نفسه في عوض ما يتوجه إليه.

وقوله: (فمعتقها) إن كان ما يتوجه [إليه] طاعة، (أو موبقها) أي: مهلكها إن كان معصية، وقيل: البائع هو المملِّك لغيره، والإنسان إذا أصبح فإما إن يملِّك زمام نفسه للشرع فلا يرتكب محظور دينه فيكون معتقًا لنفسه، وإما إن يملك زمامها للشيطان فيكون مهلكًا لها، وقيل: المراد بالبائع المشتري، أي: يشتري نفسه ويختار، وبعد ذلك إما أن يعتقها أو يوبقها.

282 -

[2](أبو هريرة) قوله: (على ما يمحو اللَّه به الخطايا) محاه يمحوه ويمحاه: أذهب أثره، ومحو الخطايا: غفرانها، أو محوها عن ديوانها، والمراد بها الصغائر.

وقوله: (ويرفع به الدرجات) اعلم أنه قد يجيء في باب مواضع الصلاة أن هذه كفارات، والدرجات: إطعام الطعام ولِين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام، ولا منافاة بين ما ذكر ههنا وما ذكر هناك، إذ يمكن أن يكون فيها خاصيتان: كونُها كفارات ودرجات، لكنه اقتصر هناك على أحد الوصفين وذكر في الدرجات صفاتٍ أخر، وفي

ص: 12

"إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ".

283 -

[3] وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: "فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيِّ: ثَلَاثًا. [م: 251، ت: 52].

ــ

الحقيقة كل طاعة موجب لرفع الدرجة.

وقوله: (إسباغ الوضوء) في (القاموس)(1): أسبغ الوضوء: أبلغه مواضعه، ووَفَّى كل عضو حقه، انتهى. وأصل السبغ: الكمال والتمام، وحاصله: أن لا يترك شيئًا من واجباته وسننه وآدابه.

وقوله: (على المكاره) جمع مكره بفتح الميم من الكره بالفتح والضم: الإباء والمشقة، أو بالضم: ما أكرهت نفسك عليه، كذا في (القاموس)(2).

وقوله: (وكثرة الخطى إلى المساجد) المراد الذهاب إليه من مكان بعيد، ويحتمل أن يكون كناية عن المشي بالوقار والأناة، والمراد بانتظار الصلاة أن يجلس في المسجد ينتظرها، أو إن خرج يكون قلبه متعلقًا بها.

283 -

[3](مالك بن أنس) قوله: (فذلكم الرباط) الظاهر أن الإشارة إلى انتظار الصلاة، وأصل الرباط: ملازمة الثغور لمحاربة الكفار، ويحتمل أن يكون إشارة إلى الكل؛ لأنها تسد طرق الشيطان على النفس، وتقهر عنها الهوى، وتمنعها عن قبول الوسواس إشارة إلى أنها المُرابَطة الحقيقية والجهاد الأكبر، والمستأهل أن يسمى رباطًا، واسم الإشارة للبعد للتعظيم على وتيرة قوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2]،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 723).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1152).

ص: 13

284 -

[4] وعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَاره". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6433، م: 245].

285 -

[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ -أَوِ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاء مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،

ــ

والتكرير للتأكيد والتقرير.

284 -

[4](عثمان) قوله: (فأحسن الوضوء) بضم الواو وقد يفتح، والحال فيه كما في الطهور وهو في معنى أسبغه، والظاهر أن الإسباغ إكماله بإيصال الماء تمامًا وتثليث الغسل ونحوه، والإحسان برعاية السنن والآداب، واللَّه أعلم.

وقوله: (من تحت أظفاره) ويحتمل أن يكون المراد: داخل الأظفار تحت الجلد، ففيه مبالغة، وإن لم يكن محل وصول الماء، أو المراد بتحت الأظفار داخل رؤوس الأظفار مما طالت، وهو الظاهر، واللَّه أعلم.

وقوله: (متفق عليه) وفي بعض الشروح أنه من أفراد مسلم.

285 -

[5](أبو هريرة) قوله: (نظر إليها) أي: إلى الخطيئة، أي: إلى ما تحصل به الخطيئة كالعورة وما يحرم النظر إليه.

وقوله: (بعينيه) بلفظ التثنية، وفي بعض النسخ (بعينه) بالإفراد، خصص العين بالذكر وإن كان الوجه مشتملًا على غيرها أيضًا؛ لأن أكثر ما تحصل به الخطيئة من الوجه هي العين (1).

(1) وفي "التقرير": يشكل ذكر العين خاصة مع أن الوجه شامل للأنف وغيره، إلا أن يقال في =

ص: 14

فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ من يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ-، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوب". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 224].

286 -

[6] وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ. . . . .

ــ

وقوله: (أو مع آخر قطر الماء) الظاهر أنه شك من الراوي، وفي بعض الشروح أنه ليس بشك من الراوي بل لأحد الأمرين، ولا يخلو عن خفاء بحسب المعنى، فافهم.

وقوله: (مشتها) بنزع الخافض، أي: مشت إليها، وقال الطيبي (1): يحتمل أن

يكون الضمير للمصدر، أي مشت المشية، وهذا كما ذكروا في قوله صلى الله عليه وسلم:(واجعله الوارث منا) أن الضمير للمصدر على تأويل، وقد يجعل الضمير للمذكورات من الأسماع والأبصار، ولا يخفى أن جعل الضمير للمصدر مما لا يذهب إليه الفهم أصلا لكنهم ذكروا ذلك، ولا بد أنه فهموا ذلك من استعمال أهل اللسان.

286 -

[6](عثمان) قوله: (صلاة مكتوبة) أي مفروضة، في (القاموس) (2):

= الجواب: إن لكل من الأنف والفم والأذن طهارة مخصوصةً من المضمضة والمسح، دون العين فذكرها، قاله ابن حجر. أو ذكر العين على سبيل الغاية كما في الروايات الآتية:"حتى من تحت أشفارها"، أو ذكرها لدفع ما يمكن أن يوهم أن لا يخرج من العين لعدم غسل ما تحتها. ويشكل أيضًا بأن هذه الرواية تدل على تطهر أعضاء الوضوء خاصة، والمتقدمة على طهارة سائر الجسد. وجمع بأن الأول مع الإحسان، وهذه بدونه، أو بأن المراد من الجسد في الأول هو هذه الأعضاء، أو المراد بالأعضاء ههنا الجسد كله.

(1)

"شرح الطيبي"(2/ 11).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 132).

ص: 15

فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً،

ــ

كتبه: خطه، والكتاب: ما يكتب فيه والفرض والحكم والقدر.

وقوله: (وضوءها) وفي بعض النسخ (وضوءه)، وكذا في (خشوعها وركوعها)، والخشوع يشتمل على رعاية آدابه الظاهرة والباطنة، وتخصيص الركوع بالذكر لأنه من خصائص صلاة المسلمين، وليس في صلاة اليهود والنصارى ركوع، ولأنه أشد من السجود لا يقدر على إكماله الضعفاء بخلاف السجود، ولأنه يدرك الركعة بدركه فيكون إحسانه وإتمامه أهم، ولأن الركوع أول حالة يتميز بها المصلي.

وقوله: (ما لم يؤت) على بناء الفاعل من الإيتاء، هكذا الموجود في (صحيح مسلم) وشرحه للنووي، وفي كتاب الحميدي، والذي يوجد في نسخ (المصابيح):(لم يأت) من الإتيان وهو ظاهر المعنى؛ لأن إتيان الشيء بمعنى العمل به كثير، وأما الإيتاء فإنما هو بمعنى الإعطاء، وتوجيه الإيتاء أن العالم يعطي العمل من نفسه، وقد يروى:(يؤت) بلفظ المجهول إقامةً للمفعول الأول مقام الفاعل وترك الثاني منصوبًا بمعنى: لم تصبه الكبيرة، من قولهم: أُتي فلان في بدنه، أي: أصابته علَّةٌ، والمختار بحسب الرواية (ما لم يؤت) من الإيتاء مبنيًا للفاعل.

ثم الظاهر من قوله: (ما لم يؤت كبيرة) أن كفارة الذنوب مشروطة بعدم إتيان الكبائر، فإن أتى الكبائر لم تكفَّر صغائره، وهو الظاهر من قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] لكنهم قالوا: معناه: إن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، فافهم. قال النووي (1): هذا هو المراد، والأول وإن كان محتمل العبارة لكنه لم يذهب إليه أحد.

(1)"شرح النووي"(3/ 112).

ص: 16

وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 228].

287 -

[7] وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا،

ــ

وقوله: (وذلك الدهر كله) أي: تكفِّر الصلاة المكتوبة على هذه الكيفية الصغائر في الدهر كله، أي: لا يختص بفرض واحد بل فرائض الدهر تكفِّر صغائره، فالدهر منصوب على الظرفية، و (كله) تأكيد له، فإن قلت: فما الحال إذا كانت كبائر أو لم يكن صغائر ولا كبائر؟ قلنا: قال بعض العلماء: نرجو أن يخفف من الكبائر في الصورة الأولى، وترفع الدرجات في الثانية.

287 -

[7](عثمان) قوله: (توضأ فأفرغ) من عطف البيان على المبيَّن والتفصيل على الإجمال، وذلك كثير في الأحاديث، والإفراغ: الصب والإراقة (ثم تمضمض) المضمضة: تحريك الماء في الفم، كذا في (القاموس)(1)، وفي (مجمع البحار) (2): هو وضع الماء في الفم وإدارته بالأصابع أو بقوة الفم ثم مجه، والاستنثار: استنشاق الماء ثم استخراج ذلك بنفَس الأنف، والنثرة: الخيشوم، (واستنثر) أي: استنشق الماء ثم استخرج ما في الأنف، فظهر من هذا أن الاستنثار يتضمن ذكر الاستنشاق، وليس أنه ترك ذكر الاستنشاق اعتمادًا على ما ذكره في الرواية الأخرى، نعم قد يذكران معًا، ويراد بالاستنثار هناك الاستخراج فقط، فذلك هو المحتاج إلى التوجيه والتأويل،

(1)"القاموس"(ص: 603).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 606).

ص: 17

ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدم مِنْ ذَنْبِهِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ للْبُخَارِيِّ. [خ: 159، 1934، م: 226].

ــ

فافهم.

ثم الظاهر من هذا الحديث كون المضمضمة والاستنشاق بغرفة واحدة لعدم ذكر (ثم) كما في سائر الأعضاء، وسيجيء الكلام فيه في (باب سنن الوضوء) إن شاء اللَّه تعالى.

وقوله: (نحو وضوئي) في شرح مسلم: إنما قال: نحو، ولم يقل: مثل، لأن حقيقة مماثلة وضوئه صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره، انتهى. وهذا مبني على اعتبار وجه الشبه في المماثلة من كل وجه، ولو لم يعتبر ذلك واكتفى بالمشاركة في جهة خاصة لكفى، وهذا تأدب منه رضي الله عنه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:(وضوئي) بترك حرف التشبيه فترغيب وحث على كمال المبالغة، فافهم.

وقوله: (ثم يصلي ركعتين) ولو صلى أكثر لكان أفضل، يؤخذ فيه استحباب الصلاة بعد الوضوء، وقال الطيبي (1): هي سنة مؤكدة لا تترك ولو في وقت مكروه، ولو صلى فريضة أو راتبة لكفت، وأنكر الإمام الغزالي تسميتها بتحية الوضوء، وأما التسمية بتحية المسجد فصحيح.

وقوله: (لا يحدث نفسه فيهما بشيء) أي: في أمور الدنيا، ولو عرضت الخواطر فدفعها ولم يستقر لم يضر في هذه الفضيلة، وقيل: المراد الإخلاص، وقيل: عدم العجب، واللَّه أعلم.

(1)"شرح الطيبي"(2/ 14).

ص: 18

288 -

[8] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي ركْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ. . . . .

ــ

288 -

[8](عقبة بن عامر) قوله: (مقبلًا عليهما) وجد في أكثر الأصول بالرفع، ووجهه أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو مقبل، والجملة حال، وفي بعضها بالنصب وهو أظهر، ووجد في كثير من نسخ (المصابيح): يقبل بلفظ المضارع.

وقوله: (بقلبه ووجهه) أي: بباطنه وظاهره، والإقبال إنما هو على اللَّه، ولما كانت الصلاة وسيلة له نسب الإقبال إليها؛ لأنه إن لم يكن عليهما لا يحصل الإقبال على اللَّه تعالى.

قال الإمام الغزالي في (إحياء العلوم)(1): المعاني الباطنة التي تتم بها الصلاة جملتها ست: حضور القلب، والتفهم، والتعظيم، والهيبة، والرجاء، والحياء، الأول: حضور القلب ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابِس له ومتكلِّم به، فيكون العلم بالفعل مقرونًا بهما، ولا يكون الفكر جاريًا في غيرهما، والفهم غير الحضور، فربما يكون القلب حاضرًا مع اللفظ، ولا يكون حاضرًا مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت الناس فيه، إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات، وكم من معانٍ لطيفة يفهمها المصلي في أثناء صلاته ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك [قبله]، ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تفهِم أمورًا تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة.

(1)"إحياء علوم الدين"(1/ 169).

ص: 19

إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 234].

289 -

[9] وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبغُ- الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. . . . .

ــ

وأما التعظيم فهو أمر وراء حضور القلب والتفهم، إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظِّمًا له.

وأما الهيبة فزائد على التعظيم، بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم؛ لأن من لا يخاف لا يسمى هائبًا، والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا يسمى مهابة، بل الخوف من السلطان العظيم يسمى مهابة.

وأما الرجاء فلا شك أنه زائد، فكم من معظم ملكا من الملوك يهابه ويخاف سطوته ولكن لا يرجو مثوبته، والعبد ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته ثواب اللَّه كما أنه خائف بتقصيره عقاب اللَّه.

وأما الحياء فهو زائد على الجملة؛ لأن مستنده استشعار تقصير وتوهُّمُ ذنب، ويتصور التعظيم [والخوف] والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير [وارتكاب ذنب].

وقوله: (إلا وجبت له الجنة) الوجوب حيثما وقع [في] مقام ثواب الأعمال فالمراد به التفضل عند أهل السنة والجماعة؛ فإنه لا يجب على اللَّه شيء، ولكنه يفعل بمقتضى وعده الكريم، ولا يخلف الوعد، ولا يتصور على اللَّه غير هذا كما عرف في أصول الكلام.

289 -

[9](عمر بن الخطاب) قوله: (ما منكم من أحد) قال الطيبي: (من) الأولى بيانية، ولعله إنما ذهب إليها لأن (من أحد) عام، فلا يصح التبعيض، ويمكن

ص: 20

-وَفِي رِوَايَةٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ- إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَهُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" وَالْحُمَيْدِيُّ فِي "أَفْرَاد مُسْلِمٍ"، وَكَذَا ابْن الأَثِير فِي "جَامِعِ الأُصُولِ".

وَذكر الشَّيْخ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا روينَاهُ: وَزَاد التِّرْمِذِيِّ: "اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ".

ــ

أن يقال: إنها تبعيضية، قيد بـ (أحد) قبل دخول (من) عليه، فافهم.

(وفي رواية: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده (1). . . إلخ) وزاد الجزري في (الحصن الحصين) من ابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة وابن السُّني: ثلاث مرات.

وقوله: (وزاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وزاد النسائي والحاكم في (المستدرك)(2): (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، وذكر الجزري عن الطبراني في (الأوسط) (3):(من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك وأستغفرك وأتوب إليك، كتب له في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة).

(1) قَالَ الطِّيبِيُّ (3/ 748): قَوْلُ الشَّهَادَتَيْنِ عقيب الْوُضُوءِ إِشَارَةٌ إِلَى إِخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَطَهَارَة الْقَلْبِ مِنَ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ بَعْدَ طَهَارَةِ الأَعْضَاءِ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ. "مرقاة المفاتيح"(1/ 349).

(2)

"السنن الكبرى"(9911)، و"المستدرك"(1/ 752).

(3)

"المعجم الأوسط"(1455).

ص: 21

وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الصِّحَاحِ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ" إِلَى آخِرِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ" بِعَيْنِهِ إِلَّا كَلِمَةَ "أَشْهَدُ" قَبْلَ "أَن مُحَمَّدًا". [م: 234، والحميدي في "أفراد مسلم" (94)، "جامع الأصول" (7017)].

290 -

[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ. . . . .

ــ

وقوله: (والحديث الذي رواه محيي السنة في الصحاح) اعتراض على صاحب (المصابيح)، فإنه أورد الحديث في الصحاح بهذا اللفظ:(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وهذا ليس في الصحاح، بل هو حديث الترمذي، وإنما في الصحاح ما ذكرناه من حديث مسلم، وقوله:(وزاد الترمذي) مقول للشيخ محيي الدين، وهذا الكلام أورده تأييدًا؛ لأنه ليس في الصحاح وإن لم يكن محتاجًا إليه بعد وجود الحديث على الوجه المذكور أولًا في متن (مسلم) و (كتاب الحميدي) و (جامع الأصول)، ووجوده على الوجه المذكور ثانيًا في (جامع الترمذي).

290 -

[10](أبو هريرة) قوله: (إن أمتي يدعون يوم القيامة) أي: ينادون على رؤوس الأشهاد أو إلى الجنة أو يسمَّون بذلك كما يقال: يدعى فلان ليثًا، ولعل قوله في الحديث الآخر:(يأتون يوم القيامة غرًا محجلين) يؤيد المعنى الأول، فعلى الأول يكون (غرًّا محجلين) حالًا، وعلى الثاني مفعول ثان، و (محجلين) إما حال بعد حال، أو مفعول بعد مفعول، أو صفة لِـ (غرًا)، والغر بالضم جمع أغر، والأغر: الأبيض من

ص: 22

مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَه فَلْيفْعَلْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 134، م: 246].

ــ

كل شيء. والغرة بياض في جبهة الفرس، وفرس أغر وغرَّاء، والتحجيل بياض في قوائم الفرس كلها أو يكون في رِجْلين فقط، ولا يكون في اليدين خاصة إلا مع الرجلين، ولا في يد واحدة دون الأخرى إلا مع الرجلين، والفرس محجول ومحجل.

وقوله: (من آثار الوضوء) في الوجه والأيدي والأرجل لظهورها، خص اللَّه تعالى هذه الأمة المباركة المرحومة بهذه الكرامة، ثم الظاهر أن المخصوص بهم هو الغرة والتحجيل لا الوضوء فإنه عام كما يظهر من قوله:(هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)، فتدبر.

والوضوء بضم الواو ويجوز فتحها مصدرًا أو اسمًا، وكذا قوله في الحديث الآتي:(حيث يبلغ الوضوء) إلا أن الأظهر فيه الفتح بمعنى الاسم، وكذا الرواية.

وقوله: (فمن استطاع) قيل: هو مدرجٌ من كلام أبي هريرة وموقوف عليه، كذا ذكره غير واحد من الحفاظ، واللَّه أعلم.

ولعل قوله: (أن يطيل غرته) من باب الاكتفاء؛ لأن الظاهر أن حكم التحجيل كذلك، ويمكن أن يكون تخصيص الغرة بالذكر للاهتمام بتطويلها بتبيض الوجوه بقوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]، ولأن أكثر الناس يقصرون في غسل الوجه وإسباغه دون الأرجل، ويظهر من قول الطيبي (1) في تفسير إطالة الغرة: بأن يوصل الماء من فوق الغرة إلى تحت الحنك طولًا ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، أن أثر الغرة يظهر في الوجه كله كما يظهر أيضًا ذلك من قوله: الأغر هو الأبيض الوجه،

(1)"شرح الطيبي"(2/ 16).

ص: 23