الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
343 -
[10] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (1). وَفِيَ رِوَايَتِهِ: وَضَعَ بَدَلَ نَزَعَ. [د: 19، س: 5213، ت: 1746].
344 -
[11] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ. . . . .
ــ
الفصل الثاني
343 -
[10](أنس) قوله: (إذا دخل الخلاء) أي: أراد دخوله، (نزع خاتمه) لكون نقشه (محمد رسول اللَّه)، ففيه تننحية الداخل في الخلاء ما عليه اسم اللَّه ورسوله والقرآن، وفي بعض الشروح: ولا يختص ذلك برسولنا بل يعم الرسل كلهم صلوات اللَّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، هذا، وقد يختلج أنه لو كان اسم اللَّه ورسوله داخل العلم نحو عبد اللَّه، ورحمة اللَّه، وأبو محمد، وأبو أحمد، هل يكره؟ وهذا منظور فيه، ولم نجد له تصريحًا، واللَّه أعلم.
344 -
[11](جابر) قوله: (إذا أراد البراز) برز بروزًا: خرج إلى البراز، أي: الفضاء، كنُّوا به عن حاجة الإنسان كالغائط، وهو اسم للمكان الغور، كما هو المتعارف في الكناية عن ما يكره التصريح به، والبراز بالفتح وخطأ الخطابي الكسر، لأنه مبارزة في الحرب، وخالفه الجوهري فجعله مشتركًا بينهما، كذا في (مجمع البحار)(2)، وقال
(1) ولعل الحكم بنكارته لأمرين؛ الأول: ترك الواسطة بين ابن جريج والزهري، والثاني: تبديل المتن بمتن آخر، والحديث قد صححه الترمذي وابن حبان. انظر:"بذل المجهود"(1/ 230).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 172، 173).
انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 2].
345 -
[12] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَال،
ــ
في (القاموس)(1): البراز كسحاب اسم، وككتاب الغائط.
وقوله: (حتى لا يراه أحد) يحتمل أن يكون المراد: لا يراه أحد ذاهبًا، أو لا يراه بعد قعوده، والظاهر هو الأول، وذلك لغاية استحيائه وتستره صلى الله عليه وسلم.
345 -
[12](أبو موسى) قوله: (فأتى دمثًا) بفتح الدال المهملة وكسر الميم، وفي (القاموس) (2): دمث المكان وغيره كفرح: سهل ولان، وفي بعض الشروح: صفة لمحذوف، أي: مكانًا دمثًا، انتهى. كأنه يريد أنه ليس من الصفات الغالبة على المكان بل هو بمعنى السهل اللين مكانًا كان أو غيره كما يظهر من عبارة (القاموس) أيضًا، ومما جاء في رواية:(مال إلى دمث من الأرض فبال)، وفي (النهاية) (3): في حديث صفته صلى الله عليه وسلم: دمث ليس بالجافي، قال: أراد أنه كان لين الخلق في سهولة من الدمث، هي الأرض السهلة الرخوة، والرمل الذي ليس بمتلبد، من دمث المكان دَمَثًا: إذا لان وسهل فهو دَمِثٌ ودَمْثٌ، وفي حديث صفة الغيث: فلبدت الدماث، أي: صيرتها لا تسوخ فيها الأرجل وهي جمع دمث، والحكمة في إتيان الدمث للبول لئلا يرتد عليه رشاش البول.
وقوله: (في أصل جدار) أي: قريبًا منه بحيث لا يضره، أو عرف رضا صاحبه، أو لم يكن مملوكًا لأحد، واللَّه أعلم.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 467).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 168).
(3)
"النهاية"(2/ 132).
ثُمَّ قَالَ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدِ لِبَوْلِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3].
346 -
[13] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْض. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والدَّارِمِيُّ. [ت: 14، د: 14، دي: 1/ 171].
347 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، أُعَلِّمُكُمْ: إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا"، وَأَمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَنَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ. . . . .
ــ
وقوله: (فليرتد لبوله) أي: يطلب مكانًا مناسبًا، ولا يستعجل ولا يجلس حيث شاء، ويكون ذلك مثل هذا المكان، فافهم.
346 -
[13](أنس) قوله: (حتى يدنو من الأرض) المراد دنوه من الأرض للقعود للحاجة، لا قربه من مكان يقعد فيه.
وقوله: (رواه الترمذي) من حديث الأعمش عن أنس وابن عمر، وقال: كلا الحديثين مرسل، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس قال: رأيته يصلي، فذكر عنه حكاية في الصلاة، وفي (التهذيب) (1): الصحيح أنه رأى أنسًا ولم يسمع منه شيئًا.
347 -
[14](أبو هريرة) قوله: (والرمة) بالكسر: العظام البالية يقال: رمّ العظم وأرم: بلي فهو رميم، وفي بعض الشروح: سمي بذلك لأن الإبل ترمها، أي: تأكلها، انتهى. من قولهم: رمّ الشيء: أكله، و (يستطيب) من الاستطابة بمعنى الاستنجاء؛
(1)"تهذيب التهذيب"(4/ 195).
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ. [جه: 313، دي: 1/ 172 - 173].
348 -
[15] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسَرى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذَى. رَوَاهُ أَبُو داوَدَ. [د: 33].
349 -
[16] وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُم إِلى الْغائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ،
ــ
لأنه يطيب الجسد بإزالة الخبث عنه.
348 -
[15](عائشة) قوله: (لطهوره) قد عرف أنه بالضم والفتح، وبالضم بمعنى المصدر، وبالفتح بمعناه وما يطهر به، وههنا يتعين معنى المصدر، والرواية بالضم.
وقوله: (لخلائه) أي: ما يتعلق به من الاستنجاء ونحوه، و (الأذى) ما يستكرهه النفس ويتألم به سواء كان حسًا أو طبعًا أو عقلًا مثل البول والقذرة والدم والنجاسات، وكما في حديث العقيقة:(أميطوا عنه الأذى)، أي الشعر والنجاسة وما يخرج من الصبي حين يولد، ومنه تسمية الحيض أذى، وكما في حديث شعب الإيمان:(وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)(1) كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها، وكما في حديث الذكر بعد الصلاة في مكانه:(ما لم يؤذ فيه) أي: لم يؤذ الملائكة ينتن الحدث، ومنه إيذاء الناس بما يكرههم، والمراد في هذا الحديث القسمان الأولان مما يستعمل فيه اليد، وحمل الطيبي الطهور على ما يقابله ليكون أشمل، وحيئنذٍ يكون الأول من التخصيص بعد التعميم، والثاني على العكس، فافهم.
349 -
[16](عائشة) قوله: (يستطيب بهن) صفة (أحجار)، أو مستأنفة.
(1)"صحيح مسلم"(35)، و"سنن الترمذي"(2614)، و"سنن ابن ماجه"(57).
فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ. [حم: 6/ 108، 133، د: 40، س: 44، دي: 1/ 171 - 172].
350 -
[17] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسْتَتْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: "زَادُ إخْوَانكُمْ من الْجِنّ"[ت: 18، س: 29].
ــ
وقوله: (فإنها تجزئ عنه) يعني وإن بقي أثر النجاسة بعد ما زالت عين النجاسة وذلك رخصة، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، رأوا أن الاستنجاء بالحجارة تجزئ وإن لم يستنج بالماء إذا أنقى أثر الغائط والبول، والضمير في (عنه) للاستطابة والاستنجاء، وقد يجعل للمستنجي، أي: عن فعله الزائد عليه، أو عن بمعنى اللام أو للماء المفهوم من المقام، وهو الأظهر معنى، وإن كان بعيدًا لفظًا، وإليه يشير كلام الطيبي (1)، وبه يستدل بعض الشافعية على وجوب التثليث؛ لأن الإجزاء يستعمل غالبًا في الواجب، فتدبر.
350 -
[17](ابن مسعود) قوله: (فإنه) كذا في أكثر الأصول، ونسخ (جامع الترمذي) و (المصابيح) فالضمير للمذكور، وفي بعض النسخ:(فإنها)، (زاد أخوانكم) قد جاء في الروايات أن العظم لهم والروث لدوابهم، ويجوز إضافته إليهم لأن دوابهم تابع لهم، وروى الطيبي عن الحاكم (2) في (دلائل النبوة): أنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أخذ، ولا روثة إلا وجدوا منها حبها الذي كان فيها يوم أكلت.
وقوله: (رواه الترمذي والنسائي) الموجود في بعض النسخ ههنا البياض، وهذه
(1) انظر: "شرح الطيبي"(2/ 43).
(2)
كذا في الأصول، وفي "شرح الطيبي" (2/ 43): روى الحافظ أبو نعيم في "دلائل النبوة".
351 -
[18] وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَا رُوَيْفِعُ! لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَو عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 26].
ــ
العبارة مكتوبة في الحاشية.
351 -
[18](رويفع بن ثابت) قوله: (رويفع) بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء.
وقوله: (من عقد لحيته) الأكثرون على أن المراد تجعيد اللحية بالمعالجة (1)، وإنما كره ذلك لأنه فعل من ليس من أهل الدين وتشبه بهم، وقيل: كانوا يعقدون في الحروب في زمن الجاهلية تكبرًا وتعجبًا فأمروا بإرسالها، وذلك من فعل الأعاجم، وقيل: عقد لحيته وغطى وجهه حتى لا يعرفه الناس ليقطع الطريق، قال التُّورِبِشْتِي: يفتلونها، وقيل: كان من عادة العرب أن من له زوجة واحدة عقد في لحيته عقدة صغيرة، ومن كان له زوجتان عقد عقدتين، وقيل: صوابه من عقد لحاء، مِنْ لحوت الشجرة إذا قشرته، وكانوا يعقدون لحاء الحرام فيقلدونه أعناقهم فيأمنون به، وهو المراد من قوله تعالى:{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2] كذا في (مجمع البحار)(2) والأول هو الوجه.
وقوله: (أو تقلد وترًا) قيل: إنهم كانوا يعقدون في أعناق الخيل أوتار القسي لئلا تصيبها العين، فنهى عن ذلك؛ تنبيهًا على أنها لا ترد شيئًا، وهذا تأويل مالك رحمه الله، وقيل: إنه نهى عن ذلك حذرًا عن اختناق الخيل عند شدة الركض، أو لأنها
(1) قال في "المرقاة"(2/ 67): وهذا مخالف للسنة التي هي تسريح اللحية.
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 640).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تختنق بها مهما رعت وعلقت بغصن، وهذا تأويل محمد بن الحسن رحمه الله، وقيل: إنهم يعقدون عليها الأجراس، ويدل على هذا تبويب البخاري (1).
وقيل: المراد الخرزات تعقد في رقبة الولدان لدفع العين وهو من شعار الجاهلية، وقيل: أراد بالوتر الذحل بالذال المعجمة والحاء المهملة محركة: الثأر أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك من قتل أو جرح أو هو العداوة والحقد، أي: لا تطلبوا الأوتار وهي الذحول التي وترتم بها في الجاهلية، هكذا قال التُّورِبِشْتِي (2) وغيره، ولكن لا يخفى أن الرواية في هذا الحديث (وترًا) بفتحتين حتى حملوه على وتر القوس، والوتر بمعنى الذحل بسكون التاء وكسر الواو وفتحها على الخلاف كما هو الذي بمعنى العدد الفرد، فإن أهل الحجاز يقولونه بالفتح في الفرد وفي الذحل بالكسر، وتميم وقيس وبكر يقولونها بالكسر، وأهل العالية بالكسر في الفرد وفي الذحل بالفتح، وقد قرئ بهما قوله تعالى:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3].
نعم هذا المعنى يصح الحمل عليه في الحديث الذي جاء فيه (الأوتار) بلفظ الجمع، كما نقل عياض في (المشارق) (3):(قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار)، وكما في (مجمع البحار) (4) عن (النهاية): أمر أن يقطع الأوتار عن أعناق الخيل كانوا يقلدونها بها، فإن (الأوتار) يجيء جمع كل من اللفظين، اللهم إلا أن يروى الذي فسره بمعنى الذحل بسكون التاء، واللَّه أعلم.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب: الحج، باب: 109).
(2)
"كتاب الميسر"(1/ 136).
(3)
"مشارق الأنوار"(2/ 473).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(5/ 13).
352 -
[19] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حرج، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ،
ــ
352 -
[19](أبو هريرة) قوله: (من اكتحل فليوتر) في إيتار الاكتحال قولان: أحدهما وهو الأصح: أن يجعل في كل عين ثلاثة أميال، وثانيهما: أن يكتحل في اليمنى ثلاثة، وفي اليسرى ثنتين، ويبدئ ويختم باليمنى بأن يجعل في اليمنى اثنين وفي اليسرى اثنتين ثم يجعل في اليمنى واحدة، وقد رجحه بعضهم تفضيلًا لليمنى، والأول هو الأشهر، ويجيء الكلام فيه في الفصل الثاني من (باب الترجل) من (كتاب اللباس).
وقوله: (ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)، ظاهره يؤيد مذهب الحنفية في عدم وجوب التثليث، وقد يقال: التخيير في الاستجمار وهو الاستنجاء بالحجر وهو أحسن، وإن تركه إلى غيره جاز؛ لأن المقصد الاستنقاء ما لم يكن بما نهي عنه، وهذا المعنى خلاف المتبادر من العبارة كما لا يخفى.
وقوله: (فما تخلل) أي: ما أخرجه من الأسنان بالخلال (فليلفظ)؛ لأنه ربما يخرج به دم، وما أخرجه بلسانه فليبتلع، لأن الظاهر عدم خروج الدم، وإن تيقن بعدم خروج الدم في الأول لم يحرم، وإن تيقن بخروجه في الثاني حرم، ولوجود الاحتمال فيهما خير، وقد يجعل العلة فيهما الاستعداد، فهو في الأول بالابتلاع، وفي الثاني باللفظ، وقد يقال: إنه يحصل في الأسنان تغير ما، واللوك إدارة اللقمة ومضغها، كذا
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ والدَّارِمِيُّ. [د: 35، جه: 337، 338، دي: 1/ 169 - 170].
353 -
[20] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ،
ــ
قال الطيبي (1).
وفي (القاموس)(2): اللوك: أهون المضغ، أو مضغ صلب، أو علك الشيء، وقد لاك الفرس اللجام. وهو يلوك، وفيه: أن التخلل من السنة، وأصله إدخال شيء في خلال شيء، أي: في وسطه، وفي الحديث (3):(رحم اللَّه المتخللين من أمتي في الوضوء والطعام).
وقوله: (إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره) أي: فليجمعه ثم يستدبره، أي: يجعله خلفه لئلا يراه أحد، وآثر الاستدبار لأن القبل يسهل ستره بالذيل غالبًا، والمراد بلعب الشيطان: هتك سترهم، وكشف عورتهم، ورد الرشاش إليهم، والإنسان إذا لم يستتر تمكن الشيطان من وسوسة الغير من النظر إلى عورته.
353 -
[20](عبد اللَّه بن مغفل) قوله: (لا يبولن أحدكم في مستحمه) المستحم -بضم الميم وفتح الحاء-: الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم، وهو الماء الحار، ثم قيل للاغتسال بأي ماء: استحمام، وإنما نهى عنه إذا لم يكن له مسلك يسلك فيه، أي:
(1)"شرح الطيبي"(2/ 45).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 877).
(3)
"كنز العمال"(9/ 300)، و"الجامع الكبير"(12841).
ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ، أَوْ يَتَوَضَّأُ فِيهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا:"ثمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ أَوْ يَتَوَضَّأُ فِيهِ". [د: 27، ت: 21، س: 36].
ــ
يذهب فيه البول أو كان المكان صلبًا، والنهي فيه للتنزيه والكراهة، كذا في بعض الشروح.
وقوله: (ثم يغتسل)(ثم) استبعادية، أي: يستبعد من العاقل أن يفعل ذلك، و (يغتسل) إما مجزوم عطفًا على الفعل المنهي وهو الأظهر، أو مرفوع، أي: هو يغتسل، أو منصوب بتقدير (أن) كما في: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، لكنه يلزم منه أن يكون النهي من الجمع، والبول منهي عنه سواء كان معه اغتسال أو لا، اللهم إلا أن يحمل على الواقع، أو لأن المقصود الاحتراز عن الوقوع في الوسواس، وهو إنما يحصل في صورة الجمع.
وقوله: (فإن عامة الوسواس) أي: جميعه أو معظمه، والأول لسيبويه والثاني للفراء، كذا في (مجمع البحار)(1)، ولعل المقصود على الأول المبالغة وإلا ليس حدوث الوسواس منحصرًا فيه، وسبب حدوث الوسواس أنه يصير الموضع نجسًا فيوسوس قلبه بأنه أصابه من رشاشه، فيحصل منه الوسواس، وقيل: هو اسم الشيطان بمعنى أن عامة فعل الشيطان منه؛ لما روي عن أنس رضي الله عنه قال (2): إنما يكوه البول في المغتسل مخافة اللمم، وهو طرف من الجنون وهو مناسب؛ لأن المغتسل محل حضور الشيطان؛ لما فيه من كشف العورة، ومنه: ولا تؤذيك الوسواس، أي: الشيطان، كذا في (مجمع البحار)(3)، والوجه الأول أظهر وأشهر.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(5/ 62).
(2)
"شرح السيوطي" لسنن النسائي (1/ 35).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(5/ 62).
354 -
[21] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي جُحْرٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 29، س: 34].
ــ
354 -
[21] قوله: (عبد اللَّه بن سرجس) في (التقريب)(1) سرجس -بفتح مهملة وسكون راء وكسر جيم بعدها مهملة-، وفي (التهذيب) (2): بفتح السين وكسر جيم، وفي (جامع الأصول) (3): سرجس -بالسينين المهملتين وبينهما جيم- بوزن نرجس، وهكذا صححه الشيخ ابن حجر، وفي (المغني) (4): سرجس -بمفتوحة وسكون راء وكسر جيم- وهكذا ذكروه، ولم يصرح أحد منهم بحركة آخره، ولم يتعرض لصرفه وعدمه، فيظن أن الظاهر أنهم اعتمدوا على كون الصرف هو الأصل، واللَّه أعلم.
وقد صحح في النسخ المصححة المتداولة الآن بفتح السين الثانية وبتنوينها، ولكن القاضي عياض ضبطه في (مشارق الأنوار) (5) بقوله: سرجس بسينين مهملتين مفتوحتين وراء ساكنة وجيم مكسورة من غير بيان اختلاف ووهم، كما هو عادته في ذلك الكتاب، ولعل السبب في منع صرفه العجمة والعلمية، واللَّه أعلم.
وقوله: (في جحر) بالضم: كل شيء يحتفره الهوام والسباع لأنفسها، كذا في (القاموس)(6)، وفي (الصراح) (7): جحر -بالضم- سوراخ، وسبب النهي أن الجحر
(1)"التقريب"(3345).
(2)
"التهذيب"(5/ 204).
(3)
"جامع الأصول"(12/ 573).
(4)
"المغني"(ص: 149).
(5)
"مشارق الأنوار"(2/ 399).
(6)
"القاموس المحيط"(ص: 339).
(7)
"الصراح"(ص: 166).
355 -
[22] وَعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ. [د: 26، جه: 328].
356 -
[23] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْرُجِ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ. . . . .
ــ
مأوى الهوام ذوات السموم ومسكن الجن، فلا يؤمن من أن يصيب مضرة.
355 -
[22](معاذ) قوله: (اتقوا الملاعن الثلاثة) هي جمع ملعن مصدر ميمي، أو اسم مكان من لعن: إذا شتم، وقيل: جمع ملعنة كأنه مظنة اللعن، كما يقال: ترك العشاء مهرمة، وأرض مأسدة، وإنما جعل هذه الأفعال ملاعن لأن المارة تلعن صاحبها، أو لأنه ظلم والظالم ملعون.
و(الموارد) جمع مورد، وهو موضع ورود الناس ووصولهم إليه كالنادي، وقيل: هو موضع ورود الماء من عين أو نهر.
وقوله: (وقارعة الطريقَ) أي: الطريق التي يقرعها الناس بأرجلهم، أي: يدقونها ويمرون عليها، هكذا قال الطيبي (1)، ويظهر من هذا أن لفظ الفاعل بمعنى المفعول، أو هي صيغة النسبة، وفي حديث آخر: نهى عن الصلاة على قارعة الطريق، وهي وسطه، وقيل: أعلاه، وأراد ههنا نفس الطريق ووجهه.
356 -
[23](أبو سعيد) قوله: (لا يخرج) بجزم الجيم على النهي، ويروى برفعها، وفي رواية: لا يذهب.
وقوله: (يضربان) أي: يأتيان ويقصدان، والمراد بـ (الغائط) المطمئن على ما هو
(1)"شرح الطيبي"(2/ 46).
كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّه يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 3/ 26، د: 15، جه: 342].
357 -
[24] وَعَن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذِهَ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [د: 6، جه: 296].
358 -
[25] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْم اللَّه". . . . .
ــ
حقيقته، أو لأجل الغائط فهو منصوب على نزع الخافض، و (كاشفين) حال مقدرة، ويحتمل أن يكون حالًا من ضمير (يتحدثان)، و (وعورتهما) بلفظ المفرد لعدم الالتباس، والظاهر أن حكم المرأتين هكذا.
357 -
[24](زيد بن أرقم) قوله: (إن هذه الحشوش) جمع حش، وهو في الأصل بمعنى البستان وجماعة النخل، كانوا يقضون فيها الحاجة قبل أن تتخذ الكُنُفُ في البيوت، ثم أطلق على الكنيف ومواضع قضاء الحاجة مطلقًا، وأكثر ما وجدناهم يطلقونه على موضع الحاجة من الصحراء الذي يلقون فيه القذر دون ما يبنى في البيوت، قال في (القاموس) (1): الكنيف كأمير: المرحاض، والمرحاض مطرح العذرة، والظاهر أن المراد في الحديث أعم من ذلك.
وقوله: (محتضرة) أي: محل حضور الجن والشيطان.
358 -
[25](علي) قوله: (إذا دخل أحدهم) في بعض النسخ: (أحدكم) بالخطاب و (يقول) بدون (أن)، والصواب (أحدهم) بلفظ الغيبة ومع (أن)، ودخل
(1)"القاموس المحيط"(ص: 785).
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ. [ت: 656].
359 -
[26] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ والدَّارِمِيُّ. [ت: 7، جه: 300، دي: 1/ 174].
ــ
بمعنى أراد أن يدخل.
وقوله: (وإسناده ليس بقوي (1)) وفيه محمد بن حميد الرازي، وقد اختلف فيه.
359 -
[26](عائشة) قوله: (قال: غفرانك) أي: أسأل غفرانك، أي: من فوات الذكر باللسان في هذه الحالة، أو من التقصير عن الوفاء بشكر ما أنعمت من تسويغ الطعام وإبقاء ما ينفع وإخراج ما يؤذي كما سيجيء في الفصل الثالث من حديث أنس: أنه صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: (الحمد للَّه الذي أذهب عني الأذى وعافاني)(2).
وقوله: (رواه الترمذي)(3) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من إسرائيل بن
(1) قال القاري (1/ 387): وَمَعَ هَذَا يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ سِيَّمَا وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ، وقال في "المرعاة" (2/ 65): ولفظ الترمذي في النسخ الموجودة: وإسناده ليس بذاك. أي: ليس بالقوي؛ لأن فيه محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي وهو ضعيف، قال البخاري: فيه نظر، ورماه بعضهم بالكذب، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، ووثقه أحمد وغيره، وقد صحح المناوي حديث علي هذا في شرح "الجامع الصغير"، ويشهد له حديث أنس عند الطبراني، وقد ذكرنا لفظه مع الكلام فيه، والترمذي نفسه قد حسن حديث محمد بن حميد الرازي في مواضع، فالظاهر أن حديث علي هذا حديث حسن إن شاء اللَّه تعالى.
(2)
وَفِي بَعْضِ الآثَارِ: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَبْقَى عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي". "مرقاة المفاتيح"(1/ 387).
(3)
وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" أَيْضًا. "مرقاة المفاتيح"(1/ 387).
360 -
[27] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ كْوَةٍ فَاسْتَنْجَى،
ــ
يونس، انتهى. وفي (الكاشف) (1) للذهبي: قال أحمد: هو ثقة وتعجب من حفظه، وقال أبو حاتم: هو من أتقن أصحاب أبي إسحاق، وضعفه ابن المديني، توفي سنة اثنين وستين ومئة، وفي (التقريب) (2): ثقة تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة، وقيل: بعدها.
360 -
[27](أبو هريرة) قوله: (في تور أو ركوة) التور بفتح المثناة وسكون الواو، في (القاموس) (3): إناء يشرب فيه، وفي بعض الشروح: وهو إناء صغير من صُفر أو حجارة يشرب منه، وقد يتوضأ منه، ويؤكل فيه الطعام، ويستأنس بهذا المعنى لما جاء في حديث أم سلمة: أنها صنعت حيسًا في تور، كذا قال التُّورِبِشْتِي (4).
وقوله: (أو ركوة) في (القاموس)(5): مثلثة زورق صغير، وفي بعض الشروح بفتح الراء وسكون الكاف: إناء من جلد يشرب منه، وفي (مجمع البحار) (6): ظرف من جلد يتوضأ منه، وفي شرح (جامع الأصول) (7): دلو صغير من جلد، وكثيرًا ما يستصحبه الصوفية، وفي (النهاية) (8): إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع
(1)"الكاشف"(1/ 67).
(2)
"التقريب"(رقم: 401).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 335).
(4)
"كتاب الميسر"(1/ 138).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 1186).
(6)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 379).
(7)
"جامع الأصول"(5/ 76).
(8)
"النهاية"(2/ 61).
ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى الدَّارمِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ. [د: 45، دي: 1/ 173، س: 50].
361 -
[28] وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَالَ تَوَضَّأَ وَنَضَحَ فَرْجَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 166، س: 135].
ــ
ركاء، و (أو) في قوله:(أو ركوة) للشك من راوي أبي هريرة، أو أن أبا هريرة يأتيه تارة بذا وتارة بذا.
وقوله: (ثم مسح يده على الأرض) في (الأزهار): يستحب مسح اليد على الأرض ودلكها ثم غسلها بهذا إلحديث دفعًا للنجاسة وأثرها، كذا في بعض الشروح.
وقوله: (ثم أتيته بإناء آخر) وفي الحواشي: ليس معنى هذا أنه لا يجوز التوضئ بالماء الباقي من الاستنجاء، أو بالإناء الذي يستنجى به، وإنما أتى بإناء آخر؛ لأنه لم يبق من الأول شيء أو بقي قليل، والإتيان بالإناء الآخر اتفاقي كان في الماء فأتى به، وقال الشيخ ابن حجر: قد يؤخذ من هذا الحديث إنه يندب أن يكون إناء الاستنجاء غير إناء الوضوء.
361 -
[28] قوله: (عن الحكم بن سفيان) وقيل: سفيان بن الحكم الثقفي، نه صحبة، روى عنه مجاهد، وحديثه مضطرب، كذا في (الكاشف)(1)، وقيل: عن أبي الحكم، وقيل: ابن أبي سفيان، وله حديث في نضح الفرج.
وقوله: (ونضح فرجه) قيل: المراد بالنضح الغسل، فالمعنى إذا بال غسل فرجه وتوضأ، يعني أن الواو للجمع مطلقًا لا يفهم منه الترتيب، وعلى هذا فالمراد به الاستنجاء. والصحيح أن المراد به رش الماء على المذاكير، وقيل: على موضعه من
(1)"الكاشف"(1/ 182).
362 -
[29] وَعَنْ أُمَيْمَة بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ: كانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 24، س: 32].
ــ
الإزار، وقد ورد من السنن العشر: الانتضاح بالماء، وهو أن يأخذ قليلًا من الماء فيرش به مذاكيره بعد الوضوء لنفي الوسواس، لأنه إذا وجد بللًا يحيله إلى الماء، وكان هذا منه تعليمًا للأمة إذ هو صلى الله عليه وسلم معصوم عنه، وقيل: ذلك لدفع نزول البول شيئًا فشيئًا؛ لأن الماء يقبض البول خصوصًا البارد منه، وقيل: المراد به إسالة الماء بالنثر والتنحنح، وقد جاء في رواية:(توضأ ثم أخذ من ماء جفنة)، وفي رواية:(كان إذا توضأ وفرغ أخذ كفًّا من ماء فنضح فرجه)، وفي (القاموس) (1): نضح البيت: رَشّه، واستنضح: نضح ماء على فرجه بعد الوضوء.
362 -
[29](أميمة بنت رقيقة) قوله: (قدح من عيدان) يظهر من كلام الشراح أنه بكسر العين جمع عود بضم العين بمعنى الخشب، وقال الطيبي (2): إنما جمعه اعتبارًا للأجزاء، ويحتمل أن يكون جمعه -واللَّه أعلم- من أجل أنه كان مركبًا من قطعات متعددة، أو من أنواع من خشب، وأن يكون هذا هو مراد الطيبي، وفي بعض الشروح: أنه يمكن أن يكون المراد عود من العيدان لا أنه كان مركبًا من عيدان، ولكن قال في (القاموس) (3): العيدان: بالفتح الطوال من النخل، واحدتها بهاء، وقال: ومنها كان قدح يبول فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال السيوطي: العيدان على وزن سكران: النخل الطوال المجرد، واحدته عيدانة، وقيل: هو فيعال.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 236).
(2)
"شرح الطيبي"(2/ 49).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 288).
363 -
[30] وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ: "يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا" فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله: قَدْ صَحَّ. [ت: 12، جه: 308].
364 -
[31] عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. قِيلَ: كَانَ ذَلِك لِعُذْرٍ. [خ: 224، م: 273].
ــ
وفي (مجمع البحار)(1) ذكر من بعض الشروح بعد ما نقل من الطيبي: أنه جمع عودانة بفتح مهملة: النخلة الطوال المتجردة من السعف من أعلاه إلى أسفله، جمع عيدانة، فعلم من هذا (عيدان) في الحديث بكسر العين وفتحها، وكذلك ضبطناه في نسختنا التي قرأناها على مشايخ مكة المعظمة، ويعلم من (القاموس) أنها بالفتح فقط، وفي بعض الحواشي: عيدان اسم شجر معين فيكون غير منصرف، واللَّه أعلم.
363 -
364 - [30 - 31](عمر، وحذيفة) قوله: (لا تبل قائمًا)(2) اتفقوا على أن البول قائمًا (3) مكروه كراهة تحريم أو تنزيه لما يلزم منه بدو العورة وتنجس البدن والثوب، ولهذا قالوا: من أراد أن يبول قائمًا يفرّج بين قدميه لئلا يتنجس، وهذا كان
(1)"مجمع بحار الأنوار"(3/ 717).
(2)
ضعفه الترمذي لعبد الكريم بن أبي المخارق ولمخالفة ما صحّ عن عمر: مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَقَالَ القاري: الْجَمْعُ سهل، أي: ما بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ، ونُهِيتُ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا؛ لأَن الأوامر والنواهي لا تعرف إِلَّا مِنَ الشَّارعِ، كذا في "التقرير"، وانظر:"مرقاة المفاتيح"(1/ 389).
(3)
اختلف العلماء في البول قائمًا، فأباحه سعيد بن المسيب وعروة وأحمد وآخرون، وقال مالك: إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس به وإلا فمكروه، وقال عامة العلماء: البول قائمًا مكروه إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم، وهو مذهبنا الحنفية. "بذل المجهود"(1/ 247).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من عادة أهل الجاهلية فنهي عنه في الإسلام تعليمًا لمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال التي بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لتتميمها.
وأما ما روي من حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم: (أتى سباطة قوم فبال قائمًا) فقد قيل: كان ذلك لعذر، والمراد بالعذر إما ما قيل: إنه كان لوجع في صلبه صلى الله عليه وسلم بحيث كان لا يستطيع القعود، أو ما قيل: إن البول قائمًا استشفاء من وجع الصلب، وعليه جرى الشافعي فقال (1): كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا، وقد ورد فيما أخرجه الحاكم (2) من حديث ابن عمر بلفظ:(بال قائمًا لوجع كان بمأبضه) أي: باطن ركبته، كذا قال الشيخ ابن حجر (3).
وقيل: لأنه لم يجد للقعود مكانًا فاضطر إلى القيام؛ لأن السباطة لا تمكن الشخص من القعود إلا إذا جعل الطرف المرتفع منها وراء ظهره، وحينئذٍ يبدو للمار عورته، وإن استقبلها بوجهه خيف عليه أن يقع على ظهره، والسباطة غالبًا لينة سهلة مرتفعة فهي غير صالحة لذلك.
وأما بول عمر رضي الله عنه قائمًا فقد روي عنه أنه قال: البول قائمًا أحسن للدبر، فيحتمل أنه عرض له في ذلك الوقت ما يخشى به خروج شيء من السبيل الآخر، وأما في فعله صلى الله عليه وسلم فحاشا أن يتوهم مثل ذلك أو ينطلق به اللسان، وقيل: لم يكن له غرض هناك إلا بيان الجواز سيما إن فرض تأخر هذا عن حديث النهي عنه فإنه يوهم التحريم، فاحتيج لبيان عدمه سيما إن اقترن به عذر آخر، وهو صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة واسعة للعالمين وتيسيرًا
(1) انظر: "المجموع شرح المهذب"(2/ 84).
(2)
"المستدرك" للحاكم (1/ 290)، ولكن رواه عن أبي هريرة.
(3)
"فتح الباري"(1/ 330).