الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي طُهُورِهِ وَترَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 426، م: 267].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
401 -
[11] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ. . . . .
ــ
وقوله: (في طهوره) صححوه بضم الطاء وفتحها، أي: البداية بالشق الأيمن في غسل الأعضاء وباليمنى من اليدين والرجلين، وأما الكفان والخدان والأذنان فيطهران معًا.
وقوله: في (ترجله) أي: البداية بالشق الأيمن في تسريح لحيته ورأسه.
وقوله: وفي (تنعله) أي: الابتداء بلبس النعل اليمنى، والظاهر أن قوله:(في طهوره) مع أخويه بدل بعض من (شأنه كله)، وحيث ذكر الثلاثة على طريق التمثيل، والمراد هذه وأمثالها كان في المعنى بدل الكل من الكل.
وقال الطيبي (1): استغنى بذكر الطهور عن ذكر الطاعات لأنه مفتاحها، والترجل يتعلق بالرأس، والتنعل بالرجل، ففيه إشعار بجميع البدن فيكون بدل الكل عن الكل، فتدبر، وقد وقع في بعض الروايات بتأخير قوله: وفي شأنه كله، من الثلاثة فهو تعميم بعد تخصيص، ويروى بحذف واو العطف لقرينة، أو هو بدل من الثلاثة بدل اشتمال كذا قيل، ثم المراد بالشأن الذي يستحب التيمن فيه ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بخلافه فيبدأ فيه بالأيسر، علم ذلك بدليل الأحاديث والآثار، وقد عده الطيبي، وله نظائر أخرى.
الفصل الثاني
401 -
[11](أبو هريرة) قوله: (إذا لبستم وإذا توضأتم) تخصيص ببعض
(1)"شرح الطيبي"(2/ 69).
فَابْدَؤُوا بِأَيَامِنِكُمْ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 2/ 354، د: 4141].
402 -
[12] وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 25، جه: 398].
403 -
[13] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [حم: 2/ 418، د: 101].
ــ
الشؤون الفاضلة الشائعة الوقوع اهتمامًا بشأنها، ويحتمل أن يكون المقام قد اقتضى تخصيصها بالذكر، واللَّه أعلم.
وقوله: (فابدؤا بأيامنكم) وفي رواية: (بميامنكم)، والأول جمع أيمن، والثاني جمع ميمن، وكلاهما بمعنى.
402 -
403 - [12 - 13](سعيد بن زيد، أبو هريرة) قوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه عليه) ظاهره نفي الصحة، وإليه ذهب أحمد (1) رحمة اللَّه عليه على المختار من مذهبه عند جماعة من أصحابه أن التسمية شرط لصحة الوضوء، وقال إسحاق: إن من ترك التسمية عامدًا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيًا أو متأولًا أجزأ، وعند الأئمة الثلاثة هو لنفي الكمال، وعندنا التسمية سنة أو مستحب لما روى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة والدارقطني (2) عن أبي هريرة وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من توضأ فذكر اسم اللَّه كان طهورًا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم اللَّه كان طهورًا لأعضاء وضوئه)، فإن سياق هذا الحديث في إثبات الكمال بالتسمية، وهذا أمارة السنية أو الاستحباب مع أن الأحاديث الواردة في التسمية قد ضعفها الأكثرون،
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 174).
(2)
"سنن أبي داود"(101)، "سنن الترمذي"(25)، و"سنن الدارقطني"(11/ 12 - 13).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولهذا الأصح عندنا أنها مستحبة لا سنة، وأيضًا قد أخرج أصحاب السنن الأربعة (1) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في تعليم الوضوء:(إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك اللَّه)، وأمر اللَّه بالوضوء إنما هو بقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الآية، وليس فيه ذكر التسمية.
واستدل بعضهم على نفي وجوب التسمية بحديث عدم رد السلام على من سلم عليه صلى الله عليه وسلم بعد بول أو غائط معللًا بعدم كونه على الطهارة، وهو حديث له طرق متعددة من الصحاح والحسان، وجاء في رواية (2): أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ فسلم عليه أحد فلم يردّ عليه، فلما فرغ من الوضوء اعتذر، فهذه الأحاديث تدل على أنه كان لم يذكر اسم اللَّه من غير وضوء، فدلت على عدم التسمية قبل الوضوء، فكيف تكون واجبة بل سنة أيضًا، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن في دلالتها على كراهية ذكر عهد في الشرع في الموضع محل بحث، وقد ثبتت التسمية قبل الوضوء بأحاديث متعددة.
قال البخاري: أحسن الأحاديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد، وقال إسحاق: أصح الأحاديث حديثه، والظاهر -واللَّه أعلم- أن امتناعه صلى الله عليه وسلم في الحالة المذكورة عن خصوص رد السلام فإن في تأخيره وتوقفه مجالًا، ولا ضرورة في التبادر به مع عدم الطهارة لا من مطلق الذكر؛ لأنه قد جاء في الصحاح أنه كان لا يمنعه من ذكر اللَّه شيء من الحدث، بل الجنابة أيضًا إلا القرآن، وقد جاء في الحديث (3) أنه كان
(1)"سنن أبي داود"(861)، و"سنن النسائي"(144)، و"سنن الترمذي"(302)، و"سنن ابن ماجه"(1060).
(2)
أخرجه أبو داود (16)، والنسائي (37)، وابن ماجه (353).
(3)
أخرجه الدارقطني في "السنن"(12).
404 -
[14] والدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَن أَبِيهِ، وَزَادُوا فِي أَوَّلِهِ:"لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ". [دي: 1/ 176].
405 -
[15] وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: . . . . .
ــ
يقول عند الخروج من البراز: (الحمد للَّه الذي أخرج عني ما يؤذيني) الحديث، وقد تمسك بعض الناس بأنه لم يقع في حديث علي وعثمان رضي الله عنهما وغيرهما من الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم ذكر التسمية، ولو كان واجبًا لذكروا ثمة، وأجيب بأن مقصودهم حكاية الأفعال التي هي داخلة في الوضوء، والتسمية من الأقوال وهي خارجة منه، أو يقال: لعل الراوي اختصر الحديث، وذكر طرفًا منه بناء على شهرة الابتداء بالتسمية في كل أمر ذي بال، ولا يخفى ما فيه.
404 -
[14] قوله: (والدارمي عن أبي سعيد الخدري) هكذا وقع في نسخ (المشكاة) وهو سهو؛ لأن أبا سعيد هو مالك بن سنان رضي الله عنهما، وليس هذا الحديث منه، والصواب: والدارمي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، فإنه في (سنن الدارمي) (1) هكذا: أخبرنا عبد اللَّه بن سعيد قال: أخبرنا أبو عامر العقدي قال: أخبرنا كثير بن زيد قال: حدثني رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه عليه)، وقال الشيخ ابن الهمام (2): وأعل هذا الإسناد بأن ربيحًا ليس بمعروف، ونوزع بأن أبا زرعة قال: ربيح شيخ، وقال ابن عمار: ثقة.
405 -
[15](لقيط بن صبرة) قوله: (لقيط) بفتح اللام وكسر القاف، و (صبرة)
(1)"سنن الدارمي"(2/ 296، ح: 716).
(2)
"شرح فتح القدير"(1/ 21).
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ: "أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ. . . . .
ــ
بفتح الصاد وكسر الباء، كذا في (جامع الأصول)(1)، وفي بعض الشروح: ويجوز سكون الباء مع فتح الصاد وكسرها.
وقوله: (أخبرني عن الوضوء) كان سأله عن حسنه وكماله وآدابه؛ لأن أصل الوضوء كان معروفًا عندهم فأجاب صلى الله عليه وسلم بما أجاب، والمراد بـ (الأصابع) أصابع الرجل واليد، وهو سنة عند أبي حنيفة وعند الشافعي رضي الله عنهما، وعند أحمد رضي الله عنه تخليل أصابع الرجل سنة بلا خلاف، وفي أصابع اليدين عنه روايتان: الأشهر أنه سنة، وفي رواية: لا؛ لأن تفريجها مغن عن التخليل، وعند مالك رضي الله عنه التخليل مخصوص بأصابع الرجل، وقال: وإن ترك لا بأس، التخليل أطيب للنفس، فإن قلت: قد ورد الوعيد على ترك التخليل في حديث رواه الدارقطني (2) كما ذكر في (الهداية) وذلك ناظر في الوجوب.
قلثا: الحديث ضعيف بيحيى بن ميمون التمار، كذا ذكر الشيخ ابن الهمام (3)، وقيل: السنة في صورة انفراج الأصابع، وفي صورة التصاق الأصابع بعضها مع بعض بحيث لا يصل الماء بينها بدون التخليل واجب، والوعيد محمول عليها.
وقوله: (وبالغ في الاستنشاق) وفي رواية: (بالغ في المضمضة والاستنشاق)، ولعل وجه التخصيص على رواية الأولى لكون الخيشوم مبيت الشيطان، قال الشُّمُنِّي عن (الخلاصة): حد المضمضة استيعاب جميع الفم، والمبالغة فيها أن يصل الماء إلى رأس الحلق، وحد الاستنشاق أن يصل الماء إلى المارن، والمبالغة أن يجاوز المارن،
(1)"جامع الأصول"(12/ 829).
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 95).
(3)
"شرح فتح القدير"(1/ 30).
إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ والدَّارِمِيُّ إِلَى قَوْله: بَيْنَ الأَصَابع. [د: 142، ت: 788، ن: 87، جه: 407، 448، دي: 2/ 331].
406 -
[16] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيب. [ت: 39، جه: 447].
407 -
[17] وَعَن الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ. . . . .
ــ
وقيل: المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يصيره سعوطًا، وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يصيره وجورًا.
وقوله: (إلا أن يكون صائمًا) خوفًا من فساد الصوم بوصول الماء إلى الدماغ، والخيشوم محل الشيطان، فينجذب الماء حتى يفسد صومه.
406 -
[16](ابن عباس) قوله: (فخلل بين أصابع يديك ورجليك) وكيفية تخليل أصابع الرجل أن يخلل بخنصر اليد اليسرى، يبتدئ بخنصر الرجل اليمنى ويختم بخنصر الرجل اليسرى رعاية للتيامن، وتخليل أصابم اليدين بإدخال بعضها في بعض، وفي (القنية): كذا ورد، كذا قال الشيخ ابن الهمام (1)، وقال: ومثله فيما يظهر أمر اتفاق لا سنة مقصودة.
407 -
[17](المستورد بن شداد) قوله: (يدلك) دلكه: مرسه ودعكه، بالفارسية ماليدن بدست من نصر ينصر.
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 30).
بِخِنْصَرِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 40، د: 148، جه: 446].
408 -
[18] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ. وَقَالَ:"هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 145].
409 -
[19] وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ. . . . .
ــ
وقوله: (بخنصره) بكسر الخاء وكسر الصاد ويفتح: الأصبع الصغرى، وقيل في وجهه لأنه أصغر، والخدمة بالصغار أجدر، والدخول في الخلال أيسر، ودلك أصابع الرجل يستلزم التخليل، وفي بعض الشروح: الدلك ههنا بمعنى التخليل.
408 -
[18](أنس) قوله: (تحت حنكه) هو بفتح المهملة والنون باطن الفم من داخل، والأسفل من طرف مقدم اللحيين، وتحت الحنك الذقن أي يدخل كفًّا من ماء تحت لحيته من جانب حلقه، فخلل به لحيته ليصل الماء إليها من كل جانب، وكان عند غسل الوجه لأنه من تمامه لا بعد فراغه كما توهم، كذا في بعض الشروح.
وقوله: (هكذا أمرني ربي) ولهذا ذهب المزني وأحمد في ما اختاره بعض الأئمة من مذهبه إلى أن تخليل اللحية واجب، كذا في الحواشي.
409 -
[19](عثمان رضي الله عنه) قوله: (كان يخلل لحيته) قال صاحب (سفر السعادة)(1): قد ورد في تخليل اللحية حديث فقبله بعض أهل الحديث، وردّه بعض، وأخرج الترمذي (2) عن حسان بن بلال قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ وخلل لحيته،
(1)"سفر السعادة"(ص: 22).
(2)
"سنن الترمذي"(29).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقيل له: -أو قال: فقلت له: - أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني، ولقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته، وقال الترمذي: وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب، وقد تكلم سفيان بن عيينة في حديث حسان بن بلال وقال: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال. وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان، وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي، وقال أحمد: إن سها عن التخليل فهو جائز، وقال إسحاق: إن تركه ناسيًا أو متأوّلًا أجزأه، وإن تركه عامدًا أعاد، انتهى كلام الترمذي.
وقال الشُّمُنِّي: تخليل اللحية سنة عند أبي يوسف وفضيلة عندهما، وقال شمس (1) الأئمة السرخسي بعد ما نقل عن (شرح الآثار): أن قول أبي حنيفة ومحمد جواز التخليل: والأصح قول أبي يوسف رحمهم الله، وكيفية التخليل أن يدخل أصابعه من أسفل لحيته إلى فوقها، وفي (الظهيرية): والتخليل إنما يكون بعد التثليث، انتهى كلام الشُّمُنِّي، وأورد الشيخ ابن الهمام (2) أحاديث كثيرة في فعله صلى الله عليه وسلم تخليل اللحية بطرق كثيرة عن أكثر من عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، في بعضها: بهذا أمرني ربي، وقال: جاء في كثير من الكتب رواية أنه سنة عند أبي يوسف مستحب عندهما، وظاهر الحديث أن يكون بماء جديد، وقيل: بماء الوجه، وفي (رسالة ابن أبي زيد) في مذهب مالك رحمة اللَّه أنه ليس عليه تخليلها في الوضوء ويجري عليها يديه إلى آخرها ويحركها، وهذا يحتمل
(1) انظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 228).
(2)
انظر: "فتح القدير"(1/ 29).
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والدَّارِمِيُّ. [ت: 32، دي: 1/ 178 - 179].
410 -
[20] وَعَنْ أَبِي حَيَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، ثمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ، فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 48، ن: 96].
211 -
[21] وَعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: نَحْنُ جُلُوسٌ نَنْظُرُ إِلَى عَلِيٍّ حِينَ تَوَضَّأَ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَمَلأَ فَمَهُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَعَلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى طُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا طُهُورُهُ. رَوَاهُ الدَّارمِيُّ. [دي: 1/ 178].
ــ
نفي الوجوب ونفي السنة، والظاهر الاحتمال الثاني بقرينة المقام، واللَّه أعلم بحقيقة المرام.
وقوله: (رواه الترمذي) وقال: هذا حديث حسن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وحسنه البخاري وأبو داود.
410 -
[20](أبو حية) قوله: (فشربه وهو قائم) سيجيء في (باب الأشربة) الكلام فيه وبيان الاختلاف في ذلك.
411 -
[21](عبد خير) قوله: (فملأ فمه فمضمض) أي: حرك الماء في الفم، والمضمضة في اللغة: تحريك الماء في الفم، ويطلق على مجموع إدخال الماء في الفم وتحريكه فيه.
412 -
[22] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. [د: 118، ت: 28].
413 -
[23] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنيهِ: بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّاحَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 102].
414 -
[24] وَعَن الرُّبَيعِّ بِنْتِ مُعَوَّذٍ: أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ،
ــ
412 -
[22](عبد اللَّه بن زيد) قوله: (مضمض واستنشق من كف واحد) يحتمل بعض الصور الخمسة التي ذكرناها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الفصل الأول، فافهم.
413 -
[23](ابن عباس) قوله: (باطنها) بالجر بدل من (أذنيه)، وقد يصحح بالنصب بتقدير فعل، أي: مسح باطنها، أو بدل حمل على المحل.
وقوله: (بالسباحتين) يعني المسبحتين، والمسبحة أصبع يلي الإبهام، سميت لها لأنها تشار بها عند التسبيح إشارة إلى أحدية الحق سبحانه، وهذه تسمية إسلامية كراهة للسبابة التي هي تسمية جاهلية لأنهم كانوا يسبون الناس ويشيرون بها إليهم للسب، وقد تستعمل السبابة أيضًا، وقد يوجد ههنا أيضًا في بعض النسخ: بالسبابتين، والصحيح بالسباحتين.
414 -
[24](الربيع بنت معوذ) قوله: (عن الربيع) بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء.
وقوله: (بنت معوذ) على وزن اسم فاعل من التعويذ.
وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِيب جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الأُولَى وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ الثَّانِيَةَ. [د: 129، ت: 34، حم: 6/ 359، جه: 441].
415 -
[25] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَأَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
ــ
وقوله: (وصدغيه) في (القاموس)(1): الصدغ ما بين الأذن والعين والشعر المتدلي على هذا الموضع، ومسح الأذنين معًا؛ لأن تقديم اليمنى على اليسرى إنما هو في كل عضوين يعسر غسلهما دفعة واحدة كاليدين والرجلين، كذا في بعض الشروح، و (جحري) بتقديم الجيم على الحاء.
415 -
[25](عبد اللَّه بن زيد) قوله: (وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه) أي: أخذ له ماء جديدًا ولم يقتصر على البلل الذي بيده.
اعلم أن أصحابنا الحنفية ذكروا في كتبهم: إن مسح ببلل باق في اليد بعد غسل عضو من المغسولات يكفي، ولا يكفي البلل الباقي بعد مسح عضو من الممسوحات، وذكروا في ذلك حديثًا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لو كان في كفه بلل فمسح رأسه أجزأ إلا أنهم خصوا ذلك البلل بما لم يكن مستعملًا، وذلك ظاهر في المأخوذ من الإناء دون ما بقي في الكف بعد غسل الأعضاء أو المسح، فلذلك قال الحاكم الشهيد (2): هذا إذا لم يستعمل في عضو من أعضائه بأن يدخل يده في الإناء حتى ابتل، فأما إذا استعمله
(1)"القاموس المحيط"(ص: 724).
(2)
انظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 177).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في بعض أعضائه وبقي على كفه بلل لا يجوز، ولكن أكثرهم قالوا: إن ما قال الحاكم الشهيد خطأ.
والصحيح أنه إذا غسل عضوًا من أعضائه وبقي البلل في كفه جاز بناء على ما ذكر محمد رحمه الله في مسح الخف أنه إذا توضأ ثم مسح على الخف ببلة بقيت على كفه بعد الغسل جاز، ولو مسح برأسه ثم على خفه ببلة بقيت في يده لم يجز، وأيضًا قال محمد رحمه الله في ما بقي على كفه من غسل العضو: هذا بمنزلة ما لو أخذ الماء من الإناء، وحمل البلل على الأعم من الباقي من غسل العضو أو المأخوذ من الإناء، هو الظاهر في حديث ابن مسعود رضي الله عنه دون ما يخص بالمأخوذ من الإناء وإلا لم يكن في هذا القول فائدة، ووجهه أن البلل على كفه غير مستعمل، لأنه لم تقم به قربة؛ لأن الغسل يتأدى بالماء دون البلل، والفرق بين الباقي بعد المسح والباقي بعد الغسل أن الماء بمجرد ملاقاة العضو المغسول لا يصير مستعملًا ما لم يسل؛ لأنه لا يرتفع الحدث عنه إلا بالسيلان. وأما في المسح فالماء بمجرد ملاقاة بشرة الرأس يصير مستعملًا؛ لأن فرض المسح الملاقاة.
ثم اعلم أن الترمذي روى الحديث عن عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد اللَّه بن زيد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ وأنه مسح بماء غير فضل يديه كما أورده المؤلف، ثم قال (1): وروى ابن لهيعة عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد اللَّه بن زيد بماء غبر من فضل يديه بالباء الموحدة، أي: بقي على يديه من الماء الذي غسل به عضوًا، وهذا يوافق ما ذكر أصحابنا من جواز المسح ببلل باق على اليد بعد غسل عضو، ولكن قال: رواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديثُ
(1) انظر: "سنن الترمذي"(35).
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعَ زَوَائِدَ. [ت: 35، م: 236].
ــ
عن عبد اللَّه بن زيد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديدًا، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديدًا.
وقوله: (رواه مسلم مع زوائد) وهو أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويده اليمنى ثلاثًا، والأخرى ثلاثًا، ومسح برأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما، وقد حمل التُّورِبِشْتِي (1) هذا القول على اعتراضه على صاحب (المصابيح) حيث قال: عبد اللَّه بن زيد بن عاصم هذا مخرج في كتاب مسلم، ولا شك أن المؤلف لم يشعر بأنه في كتاب مسلم، ونقله عن كتاب الترمذي، فجعله من جملة الحسان.
وقال الطيبي (2): لا عليه إن ورد الحديث في الكتابين، وذكره في قسم الحسان ولم يذكره في الصحاح، وغايته أنه ترك الأولى يعني أن المؤلف لم يخرج عن قاعدته التي قررها في هذا الكتاب بذكر حديث الشيخين أو أحدهما في الفصل الأول وذكر حديث غيرهما في الثاني، وهذا الحديث حيث وجد في (جامع الترمذي) صح ذكره في الفصل الثاني، وإن وجد في كتاب مسلم صح به ذكره في الأول، لكن من الأولى أن يذكره في الفصل الأول إذ مع وجود صحته لا يناسب ذكره في الحسان، وأقول: يرجح ذكره في الحسان لكونه بهذا الاختصار مذكور في (جامع الترمذي) لا في (صحيح مسلم)، وأما في كتاب مسلم فمذكور مع زوائد، وقد ذكر تلك الزوائد في الأحاديث الأخر فلم يروه عنه، فكان قول المؤلف هذا اعتذار عن ذكره في الحسان دون الصحاح، فافهم.
(1)"كتاب الميسر"(1/ 147).
(2)
"شرح الطيبي"(2/ 72).
416 -
[26] وَعَنْ أَبِي أُمَامَة ذَكَرَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَكَانَ يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ، وَقَالَ: الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَا: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي: الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ أَمْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [جه: 444، د: 34، ت: 37].
ــ
416 -
[26](أبو أمامة) قوله: (وكان يمسح الماقين) فيه لغات متعددة ذكرت في (القاموس)(1) أشهرها الماق والموق مهموز أو غير مهموز، هو طرف العين مما يلي الأنف وهو مجرى الدمع، وقال الجوهري (2): الذي يلي الأنف والأذن، ولفظ الحديث يحتمل المعنيين، فعلى القول الأول التثنية باعتبار العينين، وعلى الثاني باعتبار كل عين، وغسلهما من باب الإسباغ والتنقية، وغسل الماقين معًا أدخل في ذلك.
وقوله: (وقال: الأذنان من الرأس) يحتمل أن يكون عطفًا على (قال)، وأن يكون على (كان)، ومن هذا الاحتمال نشأ تردد حماد أحد رواة هذا الحديث في أن قوله:(الأذنان) من كلام الراوي أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأورد الشيخ ابن الهمام (3) طرقًا من الحديث تدل على أنه من قول الرسول، ونقل تضعيفها من القوم ثم أثبت قوتها كما هو عادته، وأورد حديثًا دالًا على فعله صلى الله عليه وسلم مسح الأذنين بماء الرأس، وقال: بوب النسائي (باب مسح الأذنين مع الرأس)، ثم يؤخذ من قوله:(الأذنان من الرأس) حكمان: مسحهما مع الرأس وبمائه لا بماء جديد، والأئمة الأربعة متفقون في الحكم الأول، ويحكى عن الزهري: هما من الوجه يمسح بهما معه.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 850).
(2)
"الصحاح"(4/ 1553).
(3)
انظر: "فتح القدير"(1/ 28).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال بعض العلماء: ظاهرهما وهو ما أدبر منهما من الرأس، وباطنهما وهو ما أقبل منهما من الوجه يمسح معه، وعن بعضهم أنه يغسل ظاهرهما وباطنهما معه، وأما الحكم الثاني أعني مسحهما بماء الرأس فهو مذهبنا ومذهب أحمد عند جماعة من مشايخ مذهبه؛ لأن غالب من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد، كذا في شرح كتاب (الخرقي)(1) في مذهب الإمام أحمد، ولحديث ابن عباس رواه ابن حبان وابن خزيمة (2) وابن منده والحاكم أنه قال:(ألا أخبركم بوضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وفيه: (ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه)، ولحديث عبد اللَّه الصنابحي الذي مضى في الفصل الثالث (3) من (كتاب الطهارة) من قوله:(فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى يخرج من أذنيه)، فإنه يدل على أن الأذنين يمسحان بماء الرأس وهما جزآن منه كالأظفار من اليدين والرجلين.
وعند الشافعي وأحمد في ما اختاره أصحابه الآخرون ومالك على ما نقل الشُّمُنِّي يمسح الأذنان بماء جديد لما روى الحاكم (4) عن حبان بن واسع أن أباه حدثه أنه سمع عبد اللَّه بن زيد يذكر أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، ورواه البيهقي (5) في (سننه) وقال: إسناده صحيح، ويحتمل أنه مسح في غالب الأحوال بماء رأسه وأحيانًا بماء جديد لما لم يبق بلل وجفت كفه، أو بيانًا للجواز.
(1)"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 33).
(2)
"صحيح ابن حبان"(1078)، "صحيح ابن خزيمة"(148).
(3)
(برقم: 297).
(4)
"المستدرك"(1/ 252، ح: 538).
(5)
"السنن الكبرى"(311).
417 -
[27] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:"هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مَعْنَاهُ. [ن: 140، جه: 422، د: 135].
418 -
[28] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّل أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: . . . . .
ــ
وقال ابن الهمام (1): وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء جديدًا؛ فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب؛ توفيقًا بينه وبين ما ذكرنا، وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ؛ كما لو انعدمت في بعض عضو واحد، ولو رجحنا كان ما رويناه أكثر وأشهر، فقد روي من حديث أبي أمامة وابن عباس، وعبد اللَّه بن زيد وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة وأنس، وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين بطرق كثيرة، انتهى.
417 -
[27](عمرو بن شعيب) قوله: (يسأله عن الوضوء) أي عن كماله.
وقوله: (فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) وفي رواية: (فمن نقص أو زاد)، والصحيح عدم ذكر النقصان، وقد ذكرناه في الفصل الأول، فتدبر.
418 -
[28] قوله: (عبد اللَّه بن المغفل) بالغين المعجمة والفاء المفتوحة المشددة وبالألف واللام وبدونهما، وقد يجعل بالعين المهملة والقاف وهو تصحيف، وليس في الصحابة من اسمه ذلك، وإنما هو في التابعين، هو عبد اللَّه بن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف المزني الكوفي أخو عبد الرحمن بن معقل، في الطبقة الثانية
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 29).
"إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 4/ 87، 5/ 55، د: 96، جه: 3864].
419 -
[29] وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ: الْوَلَهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ. . . . .
ــ
من تابعي الكوفة، سمع ابن مسعود رضي الله عنه.
وقوله: (يعتدون في الطهور والدعاء) أما الاعتداء في الطهور فبالزيادة على الثلاثة، وإسراف الماء، وبالمبالغة في الغسل إلى حد الوسواس، وأما في الدعاء فبالانبساط، وتعيين المطلب، وطلب ما يستحيل عادة، ونحو ذلك (1).
419 -
[29](أبي بن كعب) قوله: (يقال له: الولهان) الوله محركة: الحزن، أو ذهاب العقل حزنًا، والحيرة، والولهان: شيطان يعتري بكثرة صب الماء في الوضوء،
(1) قيل: المراد في الحديث التكلف في السجع كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، وقيل: أن يأتي بغير جوامع الكلم، وقيل: أن يأتي بغير المأثور، انتهى، "الغاية" وابن رسلان.
قال القاري (2/ 416): وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَنْكَرَ الصَّحَابِيُّ عَلَى ابْنِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ طَمَحَ إِلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَمَلًا، وَسَأَلَ مَنَازِلَ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، وَجَعَلَهَا مِنَ الاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّجَاوُزِ عَنْ حَدِّ الأَدَبِ، وَنظَرِ الدَّاعِي إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الْكَمَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ سَأَلَ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَرُبَّمَا كَانَ مُقَدَّرًا لِغَيْرِهِ. قال صاحب "البذل": وهذه التأويلات كلها تكلفات بعيدة، فإن القصر الأبيض لا يختص بالأنبياء، وليس هو شيئًا معينًا، والأوجه أن يقال: إن إنكار عبد اللَّه بن المغفل على ابنه من قبيل سدّ باب الاعتداء، فإنه رضي الله عنه لما سمع ابنه يدعو بهذا الدعاء خاف عليه أن يتجاوز عنه إلى ما فيه الاعتداء حقيقة، فنبهه على ذلك وأنكر عليه سدًّا للباب، واللَّه أعلم بالصواب. "بذل المجهود"(1/ 488).
أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ خَارِجَةَ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. [حم: 57، جه: 221].
420 -
[30] وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ مسح وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 54].
ــ
فهو إما صفة ذلك الشيطان حقيقة لتحيره بشدة حرصه في طلب الوسوسة وإيقاع الناس فيه، أو صفته مجازًا، وفي الحقيقة هو صفة الإنسان الذي وقع في التحير لوسوسته.
وقوله: (وهو ليس بقوي عند أصحابنا) في (التقريب)(1): خارجة بن مصعب أبو الحجاج السرخسي متروك، وكان يدلس عن الكذابين، من الثامنة، مات سنة ثمان وستين ومئة، انتهى. وفي (ميزان الاعتدال) (2): وهاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، و [قال أيضًا: ] كذاب، وقال البخاري: تركه وكيع وابن المبارك رحمهم الله، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وفي (التهذيب) (3) قال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بثقة، قال مسلم: وسمعت يحيى بن يحيى وسئل عن خارجة بن مصعب فقال: خارجة عندنا مستقيم الحديث، ولم ينكر من حديثه إلا ما يدلس عن عتاب، وقال الحاكم: متروك، وبالجملة هو مختلف فيه.
420 -
[30](معاذ بن جبل) قوله: (إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه، رواه الترمذي) وحكم بضعفه، وقال: رشدين (4) -بكسر الراء- بن سعد وعبد الرحمن بن
(1)"تقريب التهذيب"(186).
(2)
"ميزان الاعتدال"(1/ 625).
(3)
"التهذيب"(3/ 67).
(4)
في المخطوط: "رشد"، والصواب "رشدين بن سعد" كما في "التقريب" (ص: 209).
421 -
[31] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا أَعْضَاءَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَائِمِ، وَأَبُو مُعَاذٍ الرَّاوِي ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. [ت: 53].
ــ
زياد الإفريقي يضعفان في الحديث، قال في (التقريب) (1): رشدين بن سعد ضعيف، كان صالحًا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين فغلط في الحديث، مات سنة ثمان وثمانين ومئة، وعبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية ضعيف في حفظه، جاوز المئة، وكان رجلًا صالحًا، مات سنة ست وخمسين ومئة.
421 -
[31](عائشة) قوله: (كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها أعضاءه بعد الوضوء) نشف الماء تنشيفًا: أخذه بخرقة أو ثوب.
وقوله: (رواه الترمذي) وضعفه بان أبا معاذ الراوي ضعيف عند أهل الحديث، قال ابن حبان: أبو معاذ سليمان بن أرقم كان يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات الموضوعات، كذا في بعض الشروح، فالترمذي ضعف الحديثين، وقال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في المنديل بعد الوضوء، ومن كرهه من قبل أن الوضوء يوزن، نقل ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري، انتهى.
وفي بعض كتب الحنفية أنه إن كان على طريق التنزه والتكبر يكره، وإن كان على قصد التنظيف لم يكره، وفي بعض الشروح: قال العلماء: يستحب ترك التنشيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينشف، ولو نشف لم يكره على الأصح، وقيل: يكره لأنه إزالة لأثر العبادة كالسواك للصائم، وقيل: لأن الماء يسبح ما دام على أعضاء الوضوء.
(1)"تقريب التهذيب"(ص: 209، 340).