الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} " [طه: 14]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 681].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
605 -
[19] عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا عَلِيُّ، ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ،
ــ
يترتب عليه النسيان من المشاغل كلعب الشطرنج ونحوه، فيأثم بذلك، وبالنوم يجب القضاء ولا إثم.
وقوله: (إذا كرها) اكتفى به لِمَا عرفت، أو المعنى أنه وإن عذر في النوم أو النسيان ولم ينسب إليه التفريط، ولكن إذا استيقظ وذكر زال العذر ونسب إليه التفريط فليصلها بعده.
وقوله: ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) أي: لذكرها، فإن مَن ذكرها ذكر اللَّه، وقد قرئ:(للذكرى) واللام للوقت.
الفصل الثاني
605 -
[19](علي) قوله: (ثلاث لا تؤخرها) ضبط بالرفع والجزم، فعلى الرفع إما خبر لـ (ثلاث)، أو صفة له على المشهور من عدم جواز وقوع النكرة المحضة مبتدأ، وأما على الجزم فيجوز أن يكون خبرًا على ما قال العلامة التفتازاني من ارتباط الطلب من غير تأويل في نحو: زيدٌ اضرِبْه، وأما الصفة فلا يكون إلا بتأويل، وللمرتضى الشريف كلام في الأول أيضًا، والرواية القوية بالجزم، واللَّه أعلم.
وقوله: (أتت) بالتائين من الإتيان، قال التُّورِبِشْتِي (1): وهو الموجود في أكثر النسخ المقروءة على المشهورين من أهل العلم، وقال: وهو تصحيف، وإنما المحفوظ
(1)"كتاب الميسر"(1/ 186).
وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفُؤًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 171].
606 -
[20] وَعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَقْتُ الأَوَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الآخَرُ عَفْوُ اللَّهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 172].
607 -
[21] وَعَنْ أُمِّ فَرْوَةَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
من ذوي الإتقان: (آتت) على وزن كانت بمعنى: حانت.
وقوله: (والجنازة إذا حضرت) يدل إطلاقه على تعجيل صلاة الجنازة وإن حضرت في وقت مكروه، وللصلاة في الأوقات المكروهة تفصيل مذكور في الفقه، وقال السُّغناقي نقلًا من (تحفة الفقهاء) (1): إن الأفضل في صلاة الجناة أن يؤديها ولا يؤخرها؛ لهذا الحديث.
وقوله: (والأيم) بفتح الهمزة وكسر التحتانية المشددة: من لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا، ويسمى الرجل الذي لا زوجة له أيّما أيضًا.
606 -
[20](ابن عمر) قوله: (الوقت الأول من الصلاة) أي: الصلاة في أول الوقت، والظاهر أن المراد ما سوى ما استحب فيه التأخير؛ كالتبريد للظهر والأسفارِ للفجر، وما لم يكن في التأخير عنه في الجملة مصلحة دينية مكملة للصلاة ومتممة للثواب كتكثير الجماعة مثلًا.
607 -
[21](أم فروة) قوله: (إلا من حديث عبد اللَّه بن عمر العمري) وهو
(1)"تحفة الفقهاء"(1/ 105).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُرْوَى الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. [حم: 6/ 374 - 375، 440، ت: 170، د: 426].
608 -
[22] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً لِوَقْتِهَا الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. [ت: 174].
ــ
عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وهو ممن غلب عليه الزهد، وشغلته العبادة عن حفظ الحديث وضبطه، وذكرناه وأخاه عبيد اللَّه وسائر العمريين في الفصل الثاني من (كتاب العلم) في تعيين عالم المدينة مستوفى، فانظر ثمة.
608 -
[22](عائشة) قوله: (مرتين حتى قبضه اللَّه) يعني: أنه صلى الله عليه وسلم وإن وقع له أنه صلى بعض الصلوات في آخر وقتها، لكنه لم يقع له ذلك أكثر من مرة إلى أن توفاه اللَّه سبحانه وتعالى، قيل: وتلك المرة هي التي صلاها صلى الله عليه وسلم للتعليم حين جاء رجل سائل عن أوقات الصلاة، فكان كل صلاة في آخر وقته، وأما حديث إمامة جبرئيل عليه السلام فخارج عن المبحث، ويروى:(إلا مرتين)، والظاهر أن يكون المراد منه حين إمامة جبرئيل، وسؤال الرجل، لكن الظاهر أن يكون المراد غير ما هو للتعلم والتعليم، أو لم يفعل من حين تزوجها، فأخبرت بما أحاط علمها، كذا قيل، وهذا الكلام في الصلاة لآخر الوقت الحقيقي بحيث لا يبقى بعده من الوقت شيء، وأما تأخيره عن أول الوقت فله مواضع كثيرة، منها ما جاء أن الصحابة استعجلوا فقدموا عبد الرحمن بن عوف، وفي حديث آخر: قدموا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأرادا أن يتأخرا فأومأ أن على مكانكما، وكذا في حالة مرضه الذي أمر أبا بكر بالصلاة مع الناس، وكذا في ليلة رأى ربه فأخر الخروج لصلاة الغداة وبيّن قصتها، وكذا جاء في أحاديث [أخر] أنه كان إذا حضر القوم عجل بالعشاء وإلا أخر، وغير ذلك، والشافعية يحملون كل ذلك على
609 -
[23] وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 418].
610 -
[24] وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ. [دي: 1/ 275].
611 -
[25] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 2/ 250، 433، ت: 167، جه: 691].
ــ
عذر أو ضرورة، واللَّه أعلم، وقد تكلم الترمذي في حديث عائشة هذه، وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل، واللَّه أعلم.
609، 610 - [23، 24](أبو أيوب، والعباس) قوله: (إلى أن تشتبك النجوم) في (القاموس)(1): شَبَكت الأمور واشتبكت وتشابكت: اختلطت والتبست، والمراد كثرة النجوم، وربما ينظر هذا الحديث إلى كون الشفق هو البياض، وفضيلة تعجيل المغرب متفق عليه بين العلماء بلا خلاف.
611 -
[25](أبو هريرة) قوله: (لأمرتهم أن يؤخروا العشاء) ظاهر هذه العبارة في بيان أفضلية التأخير وتأكُّد استحبابه كما في حديث السواك، فينافي مذهب أفضلية تعجيل العشاء، وقال بعضهم: لا ينافيه؛ لأن (لولا) أفادت عدم الأمر به فبقيت كغيرها من المكتوبات في أن تعجيلها هو السنة، وفيه ما فيه.
وقوله: (أو نصفه) شك من الراوي، وقد يقع كل منهما في الصحاح بلا شك، كذا في بعض الشروح، ولا يذهب عليك أنه يجوز أن يكون للتنويع أيضًا، وربما يَنظر
(1)"القاموس المحيط"(ص: 869).
612 -
[26] وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْتِمُوا بِهَذ الصَّلَاةِ فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 421].
613 -
[27] وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والدَّارِمِيُّ. [د: 419، دي: 1/ 275].
ــ
الإضمار في (نصفه) إلى ذلك إلا أن يكون نقلًا بالمعنى.
612 -
[26](معاذ بن جبل) قوله: (أعتموا بهذه الصلاة) أعتم، أي: دخل في العتمة، وهي ثلث الليل بعد غيبوبة الشمس، أو مطلق الظلمة بعد غيبوبتها، أي: ادخلوا في هذه الصلاة في العتمة، أو الباء للتعدية، أي: أدخلوها [في] العتمة، وهذا الحديث أيضًا يدل على تأخير العشاء، وحمله على تحقق سقوط الشفق وعدم الاستعجال فيها بعيد، كتأويلهم الإسفار على تحقق الصبح كما سيأتي، والإبراد على الزوال، فإن كون وقتها بعد الشفق قد تحقق، وهذا تنبيه على تأخيرها من أول وقتها تدل عليه الأحاديث الدالة على تأخيرها إلى الثلث خصوصًا إن كان من العتم بمعنى الإبطاء والاحتباس عن فعل شيء، يقال: أعتم الرجل قِرى الضيف: إذا أبطأ به، وأعتمت الحاجة: إذا تأخرت، وأعتم: احتبس عن فعل شيء يريده.
وقوله: (لم تصلها أمة قبلكم) قد سبق الكلام فيه في آخر الفصل من (باب المواقيت)[برقم: 583]، ووجه التعليل به: أن في الإعتام والتأخير تكثير الجماعة وشدة المشقة، وفيه اعتناء بها.
613 -
[27](النعمان بن بشير) قوله: (لسقوط القمر لثالثة) أي: غروبه في ليلة ثالثة، وفي شرح الشيخ: وهو غالبًا يسقط في تلك الليلة قرب غيبوبة الشفق
614 -
[28] وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ". . . . .
ــ
الأحمر (1)، وفيه أن الحساب يقتضي أن يغرب في قريب من خمس الليل، ففيه أيضًا تأخير العشاء لكن لا إلى الثلث، وسمي القمر قمرًا لبياضه، كذا في (الصحاح)(2)، وفي صفة الدَّجَّال:(هِجانٌ أقمر) هو الشديد البياض، والأنثى قمراء، ومنه:(معها أتان قمراء)، كذا في (مجمع البحار)(3)، وفي (القاموس) (4): القمرة بالضم: لون إلى الخضرة، أو بياضٌ فيه كدرة، ولون القمر يشتمل على ما ذكره.
ثم المشهور أن قبل الثلاث هلال وبعده القمر، ففي إطلاق القمر ههنا توسع من الراوي، ولكن قال في (القاموس) (5): القمر يكون في الليلة الثالثة، فلا توسع، وقال القاضي عياض (6): وإنما سمي القمر قمرًا من أول الليلة الثانية (7) إلى أن يبدر، فإذا أخذ في النقص قيل له قمير مصغرًا، قاله ابن دريد.
614 -
[28](رافع بن خديج) قوله: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) أسفر
(1) قال القاري (2/ 536): قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَصْرَحُ دَلِيلٍ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الأَفْضَلَ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لأَوَّلِ وَقْتِهَا حَتَّى الْعِشَاءُ، اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَإنَّ الْقَمَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ يَقْرُبُ غَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ دُونَ الثَّالِثَةِ فَتَدَبَّرْ، فَإِنَّهَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، وفي "التقرير": لعله يفارق بين المشاهدتين أن الهلال إذا كان للثلاثين فيسقط في الثالثة بالتأخير.
(2)
"الصحاح"(2/ 798).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 325).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 433).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 433).
(6)
"مشارق الأنوار"(2/ 312).
(7)
قوله: "الثانية" كذا في "المشارق"، وفي المخطوطة: الثالثة.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأبو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ، وَلَيْسَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ:"فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ". [ت: 145، د: 424، دي: 1/ 277، ن: 548].
ــ
الصبح: إذا انكشف وأضاء وتنوّر، وأسفر الرجل: دخل وقت الإسفار، وقد عرفت معناه في قوله:(أعتموا بهذه الصلاة)، ثم الظاهر المتبادر من هذه العبارة أن يبتدؤوا في صلاة الفجر وقت الأسفار، وما قيل في معناه: إن المراد إتمامها، فيه تأويل وتكلف، وحدّ الإسفار والتنوير على ما قال السُّغناقي نقلًا عن شمس الأئمة والقاضي الإمام أبي علي النسفي: أنه يبدأ الصلاة بعد انتشار البياض في وقت لو صلى الفجر بقراءة مسنونة ما بين أربعين آية إلى ستين أو أكثر ويرتل القراءة، فإذا فرغ من الصلاة لو ظهر له سهو في طهارته يمكنه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قبل طلوع الشمس، كما فعل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، كذا في (فتاوى قاضيخان)(1)، انتهى. بل بحيث لو ظهر فساد صلاته أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة كما قيل.
ومذهب الشافعي رحمة اللَّه عليه التغليس، وأوَّلَ أصحابه الحديث بأن المراد: أخروا صلاة الفجر إلى أن يتحقق طلوع الفجر، ولا تبادروا عند ظن طلوعه، فإن ذلك أعظم لأجوركم، إذ الصلاة بعد تيقن دخول الوقت أفضل منها عند ظنه، وفيه بعدٌ؛ لأن الظاهر المتبادر من قوله:(فإنه أعظم للأجر) أن يكون ذلك لخصوصيته في الإسفار، لا لأجل تحقق الوقت فإنه عام لوقت كل صلاة، فإنه لما لم يتبين الوقت لا يحكم بجواز الصلاة، فالظاهر على تقدير هذا التعليل أن يقال: فإنه لا تصح الصلاة بدونه، وهذا أظهر من أن يخفى، وقد يقال: يحتمل أنهم حين أمرهم بتغليس الفجر كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصًا عليه فقال: أسفروا، أي: أخِّروها إلى الفجر الثاني.
(1)"فتاوى قاضيخان"(1/ 35).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: الأمر بالإسفار خاص في الليالي المقمرة احتياطًا لعدم تبين الفجر.
وقال الطحاوي من أصحابنا (1): يبدأ بالتغليس ويختم بالإسفار، ويجمع بينهما وهو أن يطول القراءة، وقال التُّورِبِشْتِي (2): وهو أقوى التأويلين؛ لأنه يوفق بين الأحاديث التي وردت في التغليس والأسفار، وقال السُّغناقي: الأفضل في صلاة الفجر عندنا الإسفار بها، يبدأ بالإسفار ويختم بالإسفار في ظاهر الرواية، ولا ينبغي أن يؤخر تأخيرًا يقع له الشك في طلوع الشمس؛ لأن في ذلك خوف فساد صلاته.
وقال الشافعي: يستحب التعجيل في كل صلاة، والمراد من التعجيل هو أن يكون الأداء في النصف الأول، كذا في (الأسرار)، قال: لأن في هذا إظهار المسارعة في أداء العبادة وهو مندوب إليه؛ لقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، واستدل على تغليس الفجر بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي مر في الفصل الأول من قوله:(فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس).
ولنا هذا الحديث الذي ورد فيه الأمر بالإسفار؛ ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها، وما يؤدي إلى تكثير الجماعة كان أفضل، ولأن المكث في مكان الصلاة حتى تطلع الشمس مندوب إليه كما نطقت به الأحاديث، وإحراز هذه الفضيلة متيسر في الإسفار، وفي التغليس قلما يتمكن منه، والذي ثبت في الروايات من فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الإسفار، فإن ثبت التغليس في وقت كان لعذر كالخروج إلى سفر ونحوه، ولهذا لما صلى ليلة المزدلفة بغلس ورد أنه صلى في غير وقته المعتاد، أو كان
(1) انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 183).
(2)
"كتاب الميسر"(1/ 187).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التغليس كما وقع في حديث عائشة رضي الله عنها حين تحضر النساء للصلاة بالجماعة، ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت.
وأما الجواب عن تعلقهم بالآية فقلنا: المسارعة إلى مغفرة اللَّه إنما يكون في المسارعة إلى الشيء الذي هو أفضل عند اللَّه، وذلك في تكثير الجماعة لا في تقليلها، وذلك لا يكون إلا في التنوير، والمعنى الفقهي فيه: أن تأخير الفجر إلى آخر الوقت مباح بالإجماع لا كراهة فيه، وتقليل الجماعة أمر مكروه، وكذلك إيقاع الناس في الحرج، والتغليس بالفجر يؤدي إلى أحد الأمرين، ألا ترى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى معاذًا عن تطويل القراءة، وعلل ذلك بتنفير الناس عن الجماعة، وتطويل القراءة في الصلاة في الأصل سنة فوق تعجيل الصلاة في أول الوقت، كذا في (الأسرار)، هذا حاصل ما قال السغناقي مع شيء من الاختصار والزيادة، فتدبر.
وقال القاضي عياض المالكي في شرح حديث: (أسفروا في الفجر): أي: صلوها بعد تبين وقتها وسطوع ضوء الفجر، ولا تبادروا بها أول مبادئ الفجر قبل تبينه، وهذا مذهب الحجازيين في تقديم وقتها وأنه أفضل، والعراقيون يذهبون إلى صلاتها عند الإسفار البيّن آخر وقتها وأنه أفضل، انتهى.
وفي شرح (كتاب الخرقي)(1) في مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله: أما الصبح فالأفضل تقديمها مطلقًا على إحدى الروايات، واختيارِ الخرقي وأبي محمد وطائفة من أصحابنا، والثانية: الإسفار بها أفضل، والثالثة: الاعتبار بحال أكثر المأمومين، فإن غلَّسوا غلس، وإن أسفروا أسفر، توفيرًا للجمع فهو أحب إلى اللَّه تعالى كما ورد في
(1)"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 195).