المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

‌10 - باب صفة الصلاة

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

790 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي ناحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى (1)، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فَرَجَعَ. . . . .

ــ

10 -

باب صفة الصلاة

وصفت الشيء وصفًا وصفةً، فالهاء عوض الواو كالوعظ والعظة وكالوعد والعدة، فالوصف والصفة مصدران بمعنى واحد في اللغة، وفي عرف المتكلمين: الوصف ذكر ما في الموصوف من الصفة، والصفة ما فيه من المعنى، فالوصف كلام الواصف، والصفة هي المعنى القائم بذات الموصوف، فقول القائل: زيد عالم وصف لزيد لا صفة له، والعلم القائم به صفته لا وصفه، فقيام الوصف بالواصف وقيام الصفة بالموصوف، ولا ينكر إطلاق الوصف بمعنى الصفة، لكن الظاهر الشائع ما ذكرنا.

ثم المراد بالصفة في (صفة الصلاة) الصفات النفسية الذاتية التي هي أجزاء عقلية لماهية الصلاة الصادقة على الأجزاء الخارجية التي هي أجزاء لهويتها، كالقيام والقراءة والركوع والسجود وغيرها، فالإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل، ويمكن أن يحمل الصفة ههنا على معنى الوصف، أي: وصف الصلاة بما فيه من الأجزاء، ولما كانت الصلاة عرضًا كانت أجزاؤها صفات وأعراضًا كالعرض واللون للسواد مثلًا، فافهم.

الفصل الأول

790 -

[1](أبو هريرة) رضي الله عنه قوله: (وعليك السلام) بالواو، وهكذا السنة في

(1) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِد، والرَّجُلُ الذي دخل المسجد =

ص: 532

فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ:"وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ -أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا-: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى. . . . .

ــ

ردِّ السلام، ويجيء تحقيقه في بابه.

وقوله: (أو في التي بعدها) أي: بعد الثالثة، وهي الرابعة، فالشك في أنه قال في المرة الثالثة أو الرابعة، وسمعت من بعض مشايخي: أنها للشك في هذين اللفظين، أعني قوله:(في الثالثة) أو قوله: (في التي بعدها)، والضمير في (بعدها) راجع إلى الثانية، أي: قال: (في الثالثة) أو قال هذه العبارة بدل (في الثالثة)، وهي أيضًا بمعنى الثالثة، والأول هو الأظهر.

وقوله: (فأسبغ الوضوء) أتم صلى الله عليه وسلم البيان بذكر بعض الوضوء والاستقبال، والظاهر أن التخصيص بذكر بعض الشرائط والأركان دون بعض؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم بالوحي بالتقصير فيما ذكر دون ما سواها، وأن المتروك ما سوى الفرائض، وأن الأمر بالإعادة لفوات الكمال، فافهم، وباللَّه التوفيق، واللَّه أعلم.

وقوله: (ثم اقرأ بما تيسر) ليس في رواية البخاري الباء، هو الأظهر والأوفق للتنزيل من قوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، وقال الطيبي (1):(اقرأ) منزل منزلة اللازم، أي: أَوْجِدِ القراءةَ باستعانة ما تيسر، ويجوز أن يكون الباء

= هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ، كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. انظر:"مرقاة المفاتيح"(2/ 650).

(1)

"شرح الطيبي"(2/ 282).

ص: 533

تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا". وَفِي رِوَايَةٍ:"ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 757، م: 397].

ــ

للملابسة و (معك) حال من ضمير (تيسر)، أي: حال كونه معك، و (من القرآن) بيان لـ (ما)، أي: اقرأ من القرآن ما تحفظه، وفي رواية صححها أحمد والبيهقي وابن حبان (1) بدل هذا:(ثم اقرأ بأم القرآن)، كذا في (شرح الشيخ)، وسيجيء في الفصل الثاني مع زيادة: و (ما شاء اللَّه أن تقرأ)، وقوله بعد السجدة الثانية:(ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا) إشارة إلى جلسة الاستراحة.

قوله: (وفي رواية) أي: بدل (ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا): (ثم ارفع حتى تستوي قائمًا) أي للركعة الثانية، فليس في هذه الرواية ذكر جلسة الاستراحة، وسيجيء الكلام في هذه الجلسة في ثاني حديثي مالك بن الحويرث.

واعلم أنه قد استدل بهذا الحديث الشافعي وأحمد وأبو يوسف رحمهم الله على فرضية الطمأنينة والقومة والجلسة، فإنه صلى الله عليه وسلم نفى عن الرجل الصلاة، وكان قد ترك الطمأنينة والقومة والجلسة، وعند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما اللَّه- الاطمئنان في الركوع والسجود في ظاهر الرواية على تخريج الكرخي واجب يجب السهو، وعلى تخريج الجرجاني سنة، وأما القومة والجلسة فسنة، وعليه بعض المالكية.

وقد نقل الشيخ ابن الهمام (2) عن (فتاوى قاضيخان) ما يدل على وجوبهما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللَّه، وقال: ويمكن حمل قول أبي يوسف بفرضيتها على

(1) انظر: "مسند أحمد"(4/ 340)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 374)، و"صحيح ابن حبان"(5/ 88، ح: 1787).

(2)

"فتح القدير"(1/ 302).

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفرض العملي الشامل للواجب، فارتفع الخلاف، ثم قال: ومقتضى الدليل في كل من الطمأنينة والقومة والجلسة الوجوب، انتهى.

وقال أبو حنيفة ومحمد -رحمهما اللَّه- في عدم فرضية الاطمئنان في الركوع والسجود: إنهما مطلوبان بقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، ولا إجمال فيهما ليفتقر إلى البيان، ومسماهما يتحقق بمجرد الانحناء ووضع بعض الوجه مما لا يعدّ سخرية مع الاستقبال، فخرج الذقن والخد، والطمأنينة دوام على الفعل لا نفسه، فهو غير المطلوب به، فوجب أن لا تتوقف الصحة عليها بخبر الواحد، وإلا كان نسخًا للإطلاق المقطوع به، وهو ممنوع عندنا، مع أن الخبر يفيد عدم توقف الصحة عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(ما انتقصت من هذا شيئًا فقد انتقصت من صلاتك شيئًا)، أخرج هذه الزيادة أبو داود والترمذي والنسائي في حديث المسيء صلاته.

فأبو داود من حديث أبي هريرة، والترمذي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنهما قال فيه:(فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئًا انتقصت من صلاتك)، وقال: حديث حسن، فسماها صلاة، والباطلة ليست بصلاة، ووصفها بالنقص، والباطلة إنما توصف بالانعدام، فعلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بإعادتها ليوقعها على غير كراهة لا للفساد، وأيضًا لو كانت الأمور المذكورة فرائض ما تركه صلى الله عليه وسلم بفعله مرارًا، ولمنعه منها أول مرة لما قرّره عليها، فوجب حمل قوله:(فإنك لم تصل) على الصلاة الخالية عن الإثم على قول الكرخي، أو المسنونة على قول الجرجاني، والأول أولى لأن المجاز حينئذ في قوله:(لم تصل) يكون أقرب إلى الحقيقة، ولأن المواظبة دليل الوجوب.

وقد سئل محمد عن تركها فقال: إني أخاف أن لا تجوز، وعن السرخسي: من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة، ولا إشكال في وجوب الإعادة، إذ هو الحكم في كل صلاة

ص: 535

791 -

[2] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ،

ــ

أديت مع كراهة التحريم، ويكون جابرًا للأول لأن الفرض لا يتكرر.

وقال التُّورِبِشْتِي (1): ويحتمل أن الرجل ترك فرضًا من فرائض الصلاة، فلذلك أمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة، لا لترك الطمأنينة والقومة والجلسة، فإن قلت: قال الكرماني: كيف تركه مرارًا يصلي صلاة فاسدة؟ فالجواب أنه لم يأذن له في صلاة فاسدة، ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة الثالثة فاسدة، لاحتمال أن يكون ناسيًا أو غافلًا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، فما قال بعد مرات: علمني يا رسول اللَّه، علم أنه جاهل، فليس هذا من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقيقه، فتدبر.

791 -

[2](عائشة) قوله: (يستفتح الصلاة بالتكبير) يحتمل كون التكبير شرطًا للصلاة، كما هو مذهبنا، وكونه ركنًا، كما هو مذهب الشافعي رحمه الله.

وقوله: (والقراءة) أي: يستفتح القراءة (بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}) بضم الدال على الحكاية، أي: بهذه السورة، فكأنها صارت اسمًا لهذه السورة، كما إذا سئل أحد: ما تقرأ؟ فيقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص]، وفي الحقيقة المراد السورة التي أولها هذا اللفظ، وقد جاء في (صحيح البخاري): أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلى: (ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن؟ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ})، وهذا تأويل صحيح لا بدّ منه لدفع توهم أنه كان لم يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وإن أريد عدم الجهر بالتسمية فهو مؤول عند الشافعي، ولا حاجة إليه عندنا، وقد وردت الأحاديث في كليهما، ويتم الكلام فيه في (باب القراءة).

(1)"كتاب الميسر"(1/ 229).

ص: 536

وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى،

ــ

وقوله: (لم يشخص رأسه) من الإشخاص، أي: لم يرفعه إلى السماء، من شخص كمنع شخوصًا: ارتفع، ويقال: أشخص بصره: أي: رفعه.

وقوله: (ولم يصوِّبْه) من التصويب، أي: لم يخفضه، من صوّب رأسه: إذا خفضه، وفي بعض الشروح: أي: لم يخفضه خفضًا بليغًا، كأنه يريد به أن يخرج عن استواء الظهر والعنق، وإلا فالخفض متحقق لا محالة.

وقوله: (بين ذلك) أي: بين الإشخاص والتصويب، واسم الإشارة المفرد يشار به إلى متعدد.

وقوله: (وكان يقول في كل ركعتين التحية) أي: كان يتشهّد في كل ركعتين.

وقوله: (وكان يفرش رجله اليسرى) أي: يجعله فراشًا له بأن يجلس عليها، (وينصب رجله اليمنى) ظاهر الحديث أنه يفعل هكذا في القعدتين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، وقد جاء في حديث أبي حميد الافتراش في القعدة الأولى والتورك في القعدة الأخرى، وهو مذهب الشافعي رحمه الله.

قال في (سفر السعادة)(1): قد اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال، فقال بعضهم بالتورك في التشهدين، وهو قول مالك، وقال بعضهم بالافتراش فيهما، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وبعضهم بالتورك في تشهد بعده السلام، سواء كان هناك

(1)"سفر السعادة"(ص: 44).

ص: 537

وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ،

ــ

تشهدان أو تشهد واحد، وفي غيره الافتراش، وهو قول الشافعي رحمه الله. وقال بعضهم: كل صلاة فيها التشهدان ففي الأخير منهما يتورك، وإن كان تشهد واحد يفرش، وهو مذهب أحمد رحمه الله.

وقيل: وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن في كثير من الأحاديث وقع ذكر الافتراش مطلقًا بأن السنة في التشهد هذا، وإن جلوس النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد كان هكذا بلا تقييد بالأولى وبالأخرى، ففي مسلم (1) عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير إلى أن قالت: وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وفي (سنن النسائي) (2): عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: من سنة الصلاة [أن] تنصب القدم اليمنى واستقبالُه بأصابعها القبلةَ، والجلوس على اليسرى، كذا قال الشيخ ابن الهمام (3).

وأيضًا هذا الجلوس أشقّ وأشدّ، وأفضل الأعمال أحمزها، وقد وقع في بعض الأحاديث التورك في التشهد الأخير، فحملوها على حالة العذر أو كبر السن أو طول الأدعية؛ لأن المشقة فيه أقلّ.

وقوله: (وكان ينهى عن عقبة الشيطان) بضم عين وسكون قاف، وفسر بالإقعاء، وهو أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب، وهو بهذا التفسير مكروه باتفاق العلماء، كذا في بعض الشروح نقلًا عن

(1)"صحيح مسلم"(ح: 498).

(2)

"سنن النسائي"(ح: 1158).

(3)

"شرح فتح القدير"(1/ 312).

ص: 538

وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 498].

792 -

[3] وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَحْفَظُكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

النووي (1)، وقال الطيبي (2): وهو أن يضع أليتيه على عقبيه، وهو أنسب بلفظه (عقبة)، وفي (مجمع البحار) (3): وقيل: هو ترك غسل عقبيه في الوضوء، وهو بعيد عن سياق الحديث.

وقوله: (وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه) وهو أن يبسطهما على الأرض ولا يرفعهما عنها، وذلك عند السجود، وقيد الرجل لإخراج المرأة؛ فإنها تفرشهما ولا ترفعهما.

وقوله: (وكان يختم الصلاة بالتسليم) وهو فرض عند الشافعي رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، وواجب عندنا لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه بعد تعليمه التشهد:(إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد)، والتخيير ينافي الفرضية والوجوب، إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطًا، وبمثله لا تثبت الفرضية؛ لأنها تستدعي دليلًا قطعيًا، وقوله صلى الله عليه وسلم:(وتحليلها التسليم) ليس بقطعي مع كونه معارضًا بحديث ابن مسعود.

792 -

[3](أبو حميد الساعدي) قوله: (في نفر) بفتحتين، من الثلاثة إلى

(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/ 452، 454).

(2)

"شرح الطيبي"(2/ 285).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(3/ 637).

ص: 539

رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكبَتَيْهِ،

ــ

عشرة، كذا في (الصحاح)(1)، وقال في (القاموس) (2): ما دون العشرة من الرجال، وقال البيضاوي (3): ما بين الثلاثة والعشرة، ويجيء في الفصل الثاني:(قال في عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)، فإن كان النفر شاملًا للعشرة فلا إشكال، وإلا يجوز أن يكون المراد به جماعة مجازًا، أو عدَّ نفسه تارةً ولم يعدها أخرى، واللَّه أعلم.

وقوله: (جعل يديه حذاء منكبيه) وهذا مذهب الشافعي ومالك ورواية عن أحمد رحمهم الله، وعند أبي حنيفة رحمه الله يرفع إلى أذنيه، وهو المروي عن أحمد في المشهور، وجاء في حديث مسلم وأبي داود عن وائل بن حجر وأنس رضي الله عنهما:(أنه صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة كبَّر ورفع يديه حذاء منكبيه)، وقد جاء في رواية لأبي داود عن أبي وائل:(رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه)، وفي رواية:(رأيت إبهاميه قريب أذنيه)، وفي رواية للبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن مالك بن الحويرث:(محاذي أذنيه)، وفي رواية:(فروع أذنيه)، قيل في تطبيق هذه الروايات: إنه يرفع بحيث يكون كفاه حذاء منكبيه، وإبهاماه حذاء أذنيه، وأطراف أصابعه حذاء فرعي أذنيه، ويحتمل أن يكون كل من ذلك في أوقات مختلفة، واللَّه أعلم.

وقوله: (أمكن يديه من ركبتيه) أي: وضع كفيه على ركبتيه بقوة، وفيه: تفريج الأصابع كما أورده الشُّمُنِّي من حديث الطبراني عن أنس رضي الله عنه.

(1)"الصحاح"(2/ 833).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 452).

(3)

"تفسير البيضاوي"(2/ 533).

ص: 540

ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 828].

ــ

وقوله: (ثم هصر) بالهاء والصاد المهملتين، أي: ثنى ظهره، وعطفه إلى الأرض، تحريًّا لاستواء ظهره مع عنقه كما هو السنة، والهصر في اللغة: الحدب والإمالة والكسر.

وقوله: (حتى يعود كل فقار مكانه) في (المشارق)(1): بفتح الفاء، خرزات الصلب، وهي مفاصله، واحدها فقارة، ويقال لها: فقرة بسكون القاف وفتحها، وجمعها فقر، وجاء عند الأصيلي ههنا:(فقار ظهره) بفتح الفاء وكسرها، ولا أعلم للكسر وجهًا، وذكر البخاري في آخر الباب: وقال أبو صالح عن الليث: (كل قفار) بتقديم القاف، كذا للأصيلي ههنا، وعند ابن السكن:(فقار) بتقديم الفاء مكسورة، ولغيرهما:(قفار) بتقديم القاف مفتوحة، والصواب:(فقار) كما تقدم، انتهى.

وقوله: (وضع يديه غير مفترش) أي: لليدين، والمراد الذراعين.

وقوله: (ولا قابضهما) عطف على مفترش، و (لا) زائدة لتأكيد النفي، أي: غير قابض اليدين، أي: لا يضم أصابع اليدين بل يبسط أصابعهما قِبلَ القبلة، وقيل: أراد أن لا يضم الذراعين والعضدين إلى الجنبين، بل يجافيهما، كذا في بعض الشروح.

وقوله: (قدّم رجله اليسرى) أي: إلى القبلة (ونصب اليمنى) وهذا أحد وجهي

(1)"مشارق الأنوار"(2/ 271).

ص: 541

793 -

[4] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 735، م: 390].

794 -

[5] وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وإذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 739].

ــ

التورك، وقد روي إخراج القدمين من ناحية واحدة، وهو وجهه الآخر كما ذكرنا.

793 -

[4](ابن عمر) قوله: (سمع اللَّه لمن حمده) أي: أجابه وقبله، يقال: اسمع دعائي أي: أجبه، أي: اسمع سمع قبول.

وقوله: (ربنا لك الحمد) وفي أكثر الطرق بزيادة (اللهم) قبل (ربنا)، وكذا الواو في (لك الحمد)، وحذفها روايتان، فقيل: الواو عاطفة على محذوف، وقيل: حالية، وقيل: زائدة، كذا في بعض الحواشي. ودل الحديث على الجمع بين التسميع والتحميد، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه هذا في المنفرد، وأما الإمام فمنصبه التسميع، والتحميد للمقتدي، وعند أبي يوسف يحمد الإمام سرًّا لئلا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.

794 -

[5](نافع) قوله: (ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم) هذا قول البخاري بعد أن أخرج الحديث عن عبد اللَّه موقوفًا، وقال أبو داود: ولم يرفعه، وحكى الدارقطني الاختلاف في رفعه ووقفه، ثم اعلم أن رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين مما اختلف فيه بيننا وبين الشافعي رحمه الله، وقد وردت

ص: 542

795 -

[6] وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنيهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِك. وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ. . . . .

ــ

أحاديث وآثار في الجانبين، وإن كان في الرفع أكثر، والكلام فيه واسع طويل ذكره الشيخ ابن الهمام في (شرح الهداية)(1)، وقال في آخر كلامه: اعلم أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا، والكلام فيه واسع، والقدر المتحقق بعد ذلك كلِّه ثبوتُ رواية كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم، فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض، ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم بأنه كانت أقوال مباحة في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع، وقد علم نسخها، فلا يبعد أن يكون هو أيضًا مشمولًا بالنسخ خصوصًا وقد ثبت ما يعارضه ثبوتًا لا مردّ له، بخلاف عدمه فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية؛ لأنه ليس من جنس ما عهد فيه ذلك، بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أُجْمِعَ على طَلَبِه في الصلاة، أعني الخشوع، و [كذا] بأفضلية رواية مثل عبد اللَّه بن مسعود الذي هو عالم بشرائع الإسلام وحدوده، ومتفقد لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وملازم له في سفره وحضره، وقد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، فيكون الأخذ به عند التعارض أولى من إفراد مقابله، ومن القول بسنية كل من الأمرين، انتهى. وقد بسطنا القول فيه في (شرح سفر السعادة)(2)، واللَّه أعلم.

795 -

[6](مالك بن الحويرث) قوله: (فروع أذنيه) أي: أعاليها، وفرع كل شيء: أعلاه.

(1)"شرح فتح القدير"(1/ 312).

(2)

"شرح سفر السعادة"(ص: 64، 67).

ص: 543

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 737، م: 391].

796 -

[7] وَعَنْهُ أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 823].

ــ

وقوله: (متفق عليه) فيه نظر؛ لأنه من أفراد مسلم، صرح به الشيخ، كذا في بعض الشروح (1).

796 -

[7](وعنه) قوله: (فإذا كان في وتر من صلاته) أي: بعد وتر من عدد صلاته، وهي الركعة الأولى من الثنائية والثلاثية، والثالثة من الرباعية.

وقوله: (لم ينهض حتى يستوي قاعدًا) وهذه جلسة الاستراحة، قالت به الشافعية، وصورته صورة الجلسة عند القعدة الأولى، ثم يقوم معتمدًا بيديه على الأرض، وعندنا يستوي قائمًا على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض، ولنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه)، وما رواه محمول على حالة الكبر، ولأن هذه قعدة استراحة، والصلاة ما وضعت لها، كذا في (الهداية)(2).

وفي شرحه لابن الهمام (3): حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: وعليه العمل عند أهل العلم، وإن كان خالد بن أياس ضعيفًا، وهذا يدل على قوة أصله وإن ضعف خصوص هذا الطريق، وهو كذلك إذ أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود: أنه كان ينهض في الصلاة على

(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 257)، و"مرعاة المفاتيح"(3/ 35).

(2)

"الهداية"(1/ 52).

(3)

"شرح فتح القدير"(1/ 308 - 309).

ص: 544

797 -

[8] وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّه رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ. . . . .

ــ

صدور قدميه ولم يجلس، وأخرج نحوه عن علي رضي الله عنه، وكذا عن ابن عمر وابن الزبير، وكذا عن عمر رضي الله عنه، وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي رضي الله عنهما وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم، وأخرج عن النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة ينهض كما هو ولم يجلس، وأخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم، فقد اتفق أكابر الصحابة الذين كانوا أقرب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأشد اقتفاء لأثره وألزم لصحبته من مالك بن الحويرث على خلاف ما قال، فوجب تقديمه، ولذا كان العمل عليه عند أهل العلم كما سمعته من قول الترمذي، وعن ابن عمر: أنه نهى صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة، رواه أبو داود، وفي حديث وائل: أنه صلى الله عليه وسلم إذا نهض اعتمد على فخذيه، والتوفيق أولى، فيحمل ما رواه مالك بن الحويرث على حالة الكبر، انتهى كلام الشيخ ابن الهمام.

وقال في (شرح كتاب الخرقي)(1): قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، وقال أبو الزناد: وهو السنة، وقالوا: حديث مالك بن الحويرث محمول على حالة الكبر، هذا ونقل الشُّمُنِّي من (الظهيرية): أنه قال شمس الأئمة الحلوائي: الخلاف في الأفضلية حتى لو فعل كما هو مذهبنا لا بأس به عند الشافعية، ولو فعل كما هو مذهبه لا بأس به عندنا.

797 -

[8](وائل بن حجر) قوله: (وكبر) بالواو في بعض نسخ (المصابيح)

(1)"المغني"(2/ 212 - 213).

ص: 545

ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ من الثَّوْب، ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَكَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 401].

ــ

وبدونها في (صحيح مسلم) و (كتاب الحميدي) و (جامع الأصول)، فعلى الأول عطف على (دخل)، وعلى الثاني إما حال بتقدير قد، أو بيان لـ (دخل)، أو بدل منه، كذا قال الطيبي (1).

وقوله: (ثم التحف بثوبه) أي: اشتمل، وقيل: أراد بالالتحاف ستر اليد بالكم، وقيل: فعل الالتحاف لبرد شديد، كذا في بعض الشروح.

وقوله: (ثم وضع يده اليمنى على اليسرى) هذا مذهب الأئمة الثلاثة، والأحاديث في هذا الباب من الصحيحين كثيرة لا تخفى، وعند مالك رحمه الله الإرسال مع جواز الوضع، والمعمول عندهم الإرسال، ثم الوضع عند الشافعي فوق السرة محاذي الصدر، وهو رواية عن أحمد رحمه الله لحديث وائل بن حجر قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وكذا روي عن قبيصة بن هلب عن أبيه، وقال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما اللَّه - في رواية: السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة، وفي رواية عن أحمد: يخير بينهما.

وقال الترمذي (2): الأمر في هذا الباب واسع عند العلماء، أيتهما يفعل فهو جائز، وحجتهم حديث أحمد وأبي داود والدارقطني والبيهقي عن علي رضي الله عنه: السنة وضع الكف على الكف تحت السرة، وفي بعض رواة هذا الحديث ضعف.

(1)"شرح الطيبي"(2/ 287).

(2)

انظر: "سنن الترمذي"(2/ 32، ح: 252).

ص: 546

798 -

[9] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 749].

799 -

[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ:"رَبمَا لَكَ الْحَمْدُ"، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ،

ــ

وقال الشيخ ابن الهمام (1): الذي ثبت هو وضع اليمنى على اليسرى، أما الوضع تحت السرة أو الصدر لم يثبت فيه حديث، فوجب العمل بما هو المعتاد والمعهود في المشاهد، وهو تحت السرة، وكيفيته أن يضع الكف على الكف أو على المفصل، وعن أبي يوسف: يقبض باليمنى رسغ اليسرى، وقال محمد: يضعهما كذلك، ويكون الرسغ وسط الكف، ويأخذ الرسغ بالإبهام والخنصر، ويضع الباقي، فيكون جمعًا بين الأخذ والوضع، وهو المختار، انتهى.

798 -

[9](سهل بن سعد) قوله: (كان الناس يؤمرون) هذا في حكم الرفع لأن الآمر هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، هكذا ذكر في أصول الحديث (2).

وقوله: (أن يضع الرجل) وكذا المرأة.

وقوله: (على ذراعه) أي: قرب ذراعه.

799 -

[10](أبو هريرة) قوله: (حين يهوي) أي: يهبط إلى السجود الأول، من هوى يهوي هويًا كضرب يضرب: إذا سقط، وأما هَوِيَ يَهْوَى من سمع يسمع: إذا

(1)"شرح فتح القدير"(1/ 287)، وانظر:"بذل المجهود"(4/ 103).

(2)

انظر: "تدريب الراوي"(1/ 188)، و"ظفر الأماني في مختصر الجرجاني" (ص: 234).

ص: 547

ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجد، ثمَّ يكبر حِين يرفع رَأسه، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 789، م: 392].

800 -

[11] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 756].

ــ

مال وأحبّ.

وقوله: (ثم يكبر حين يسجد) أي: للسجدة الثانية، ولم يصح رفع اليدين في السجدتين والرفع عنهما، ولا عمل به عند الشافعية إلا عند بعضهم.

وقوله: (حتى يقضيها) أي: يؤديها ويتمها.

800 -

[11](جابر) قوله: (أفضل الصلاة طول القنوت) أفضل أركان الصلاة وأفعالها طول القيام، أو أفضل الصلاة صلاة فيها طول القنوت، والقنوت يجيء لمعان، في (القاموس) (1): القنوت: الطاعة، والسكوت، والدعاء، والقيام في الصلاة، والإمساك عن الكلام، وأقنت: دعا على عدوه، وأطال القيام في صلاته، وأدام الحج، وأدام الغزو، وتواضع للَّه تعالى، انتهى.

والأكثرون على أن المراد في الحديث القيام.

وقد وقع الاختلاف بين العلماء في أن القيام أفضل أو السجود؟ فقالت طائفة منهم: القيام أفضل، فيكون تطويله وتكميله أهم؛ لأنه أدخل في الخدمة والمشقة والقيام بهما أكثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل يطول قيامه، ولو كان السجود أفضل

(1)"القاموس المحيط"(ص: 158).

ص: 548