الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
812 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَينَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً،
ــ
رواية عن أبي يوسف، والمشهور تأخير التوجيه عن الثناء عنده.
ثم اعلم أن عند بعض الحنفية القائلين بالتوجيه المستحب إتيان التوجيه بعد النية قبل التكبير؛ لأن هذا أوكد وأدخل في النية والعزيمة، وقال لعضهم: هذا يؤدي إلى طول مكث القيام مستقبل القبلة من غير صلاة، وهو مذموم شرعًا، فينبغي أن يأتي بعد التكبير.
وهذا الاختلاف مبني على اختلاف نسختي (الهداية)، ففي بعض النسخ: والأولى أن لا يأتي بالتوجيه قبل التكبير؛ لتتصل النية به، فالضمير في (به) راجع إلى التكبير، وحاصله لزوم المكث المذكور، وأيضًا الأولى في النية قرانها بالتكبير، وفي بعضها (يأتي) بدون (لا)، فالضمير راجع إلى التوجيه لكونه مؤكدًا للنية والعزيمة، وقد نقل الشُّمُنِّي عبارة (الهداية):(لا يأتي) بزيادة (لا)، هو الموافق لما في (شرح ابن الهمام)(1)، فتدبر.
الفصل الأول
812 -
[1](أبو هريرة) قوله: (يسكت) ضبطوه بفتح أوله من السكوت، وحكى الكرماني عن بعض الرواة: ضمّ أوله من الإسكات، كذا في شرح الشيخ، وفي (مجمع البحار) (2): بفتح أوله، و (إسكاتة) مصدر شاذ، والقياس سكوتًا، وفيه:
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 290).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 92).
فَقُلْتُ: بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ. . . . .
ــ
يسكت مضارع أسكت بمعنى سكت، وفي (الصحاح) (1): تكلم الرجل، ثم سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت: أسكت، انتهى. والمراد بالسكوت ههنا عدم الجهر.
وقوله: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدي بأبي، ومدخول الباء في الفداء يكون مبذولًا.
وقوله: (إسكاتك) المشهور بالنصب، أي: أسألك إسكاتك ما تقول فيها، وقد يروى بالرفع على الابتداء.
وقوله: (باعد بيني وبين خطاياي) صيغة المفاعلة للمبالغة؛ لأن الفعل إذا جاء من اثنين يكون أقوى وأكمل، والظاهر من قوله:(خطاياي) بالإضافة أن يكون المراد ما وُجد من الخطايا السابقة، بطلب محوها وغفرانها في الغاية، و (الخطايا) في قوله: و (نقني من الخطايا) يحتمل السابقة واللاحقة، بطلب محو آثارها والعصمة منها، والتقييد بـ (الثوب الأبيض) لظهور الدنس فيها غاية الظهور، وإن كان أدناه فيبالغ في التنقية حتى يزول مع ما فيه من الإشارة إلى الفطرة التي فطر الناس عليها.
(1)"الصحاح"(1/ 253).
بِالْمَاءِ والثَّلْجِ وَالْبَرْدِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 744، م: 598].
ــ
وقوله: (بالماء والثلج والبرد (1)) بالتحريك، حَبُّ الغمام، إشارة إلى أنواع المطهرات وأقسام المغفرة، مبالغة في الغسل والتنقية والمغفرة، والثلج والبرد أيضًا ماء منجمد، فالغسل به ليس ببعيد، فلا حاجة إلى جعل التركيب من قبيل: علفته تبنًا وماءً، ومتقلدًا سيفًا ورمحًا، فافهم.
(1) قِيلَ: خَصَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِالذِّكْرِ؛ لأَنَّهُمَا مَاءَانِ مَفْطُورَانِ عَلَى خِلْقَتِهِمَا لَمْ يُسْتَعْمَلَا، وَلَمْ تَنَلْهُمَا الأَيْدِي، وَلَمْ تَخُضْهُمَا الأَرْجُلُ، كَسَائِرِ الْمِيَاهِ الَّتِي خَالَطَتِ التُّرَابَ، وَجَرَتْ فِي الأَنْهَارِ، وَجُمِعَتْ فِي الْحِيَاضِ، فَهُمَا أَحَقُّ بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ أَمْثَالٌ وَلَمْ يُرِدْ أَعْيَانَ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا التَّأْكِيدَ فِي التَّطْهِيرِ وَالْمُبَالَغَةَ فِي مَحْوِهَا عَنْهُ، قَالَ ابْنُ دَقيقِ الْعِيدِ: عَبَّرَ بِهَا عَنْ غَايَةِ الْمَحْوِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مُنَقِّيَةٍ يَكُونُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مَجَازٌ عَنْ صِفَةٍ يَقَعُ الْمَحْوُ بِهَا، كَقَوْلهِ تَعَالَى:{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286]. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَطْلُوبُ مِنْ ذِكْرِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَاءِ لِطَلَبِ شُمُولِ الرَّحْمَةِ، وَأَنْوَاعِ الْمَغْفِرَةِ بَعْدَ الْعَفْوِ لإِطْفَاءِ حَرَارَةِ عَذَابِ النَّارِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، مِنْ قَوْلهِمْ: بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ، أَيْ: رَحِمَهُ وَوَقَاهُ عَذَابَ النَّارِ، قَالَ مِيرَكُ: وَأَقُولُ: الأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ نَارِ جَهَنَّمَ، فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغَسْلِ تَأْكِيدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّعَوَاتِ الثَّلَاثِ إِشَارَةٌ إِلَى الأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْمُبَاعَدَةُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَالْغَسْلُ لِلْمَاضِي، وَالتَّنْقِيَةُ لِلْحَالِ، وَكَانَ تَقْدِيمُ الْمُسْتَقْبَلِ لِلِاهْتِمَامِ بِدَفْعِ مَا سَيَأْتِي قَبْلَ دَفْعِ مَا حَصَلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمُبَاعَدَةُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا وَالتَّنْقِيَةُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْغَسْلُ فِيمَا وَقَعَ مُطْلَقًا، وَتَعَدُّدُ آلَةِ الْغَسْلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الْمَغْفِرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذُّنُوبِ وَمَرَاتِبِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيمٌ لِلأُمَّةِ، أَوْ دُعَاءٌ لَهُمْ، أَوْ بِاعْتِبَارِ حَسَنَاتِ الأَبْرَارِ سَيِّئاتِ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ الأَظْهَرُ. "مرقاة المفاتيح"(2/ 671).
وفي "حجة اللَّه البالغة"(2/ 13): أنها كِنَايَة عَن تَكْفِير الْخَطَايَا مَعَ إِيجَاد الطُّمَأْنِينَة وَسُكُون الْقلب، وَالْعرب تَقول: برد قلبه، أَي: سكن وإطمأن، وَأَتَاهُ الثَّلج، أَي: الْيَقِين.
813 -
[2] وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ -وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ- كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ (1) وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئتَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ،
ــ=
813 -
[2](علي رضي الله عنه) قوله: (حنيفًا) حال من ضمير (وجهت)، أي: مائلًا عن الباطل إلى الحق، و (النسك) مثلثة وبضمتين: العبادة، وكل حق للَّه عز وجل، كنصر وكرم.
وقوله: (وأنا من المسلمين) وسيأتي في رواية: (وأنا أول المسلمين)، قيل: ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن غيره كذب، فقيل: تفسد الصلاة، والأصح أنها لا تفسد إذا قصد به التلاوة؛ لأنه ناقل لا مخبر. ومعنى (لبيك) أُقيم لطاعتك إقامةً بعد إقامةٍ.
وقوله: (سعديك) أُسعدك إسعادًا بعد إسعادٍ، وقد عرفت تصحيحهما في النحو،
(1) قال القاري: وَإِنَّمَا جَمَعَ السَّمَاوَاتِ لِسَعَتِهَا، أَوْ لِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِهَا، أَوْ لِتَقَدُّمِ وَجُودِهَا، أَوْ لِشَرَفِ جِهَتِهَا، أَوْ لِفَضِيلَةِ جُمْلَةِ سُكَّانِهَا، أَوْ لأَنَّهَا أَفْضَلُ عَلَى الأَصَحِّ عِنْدَ الأَكْثَرِ، وَإِلَّا فَالأَرْضُ سَبْعٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]، وَلِمَا وَرَدَ: وَرَبُّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ. "مرقاة المفاتيح"(2/ 672).
وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". وَإِذَا رَكَعَ قَالَ:"اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي". فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ،
ــ
ومعنى قوله: (والشر ليس إليك) أن الشر لا ينسب ولا يضاف إليك، فلا يقال: يا خالق الشر، وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنزير، وإن كان خالقه تأدبًا، وحقيقته أن الكل يخلق اللَّه، وله في خلق كل شيء حكمة، فهو خير بالنظر إلى تلك الحكمة، فلا شر في الخلق، وإنما الشر في المخلوق، وقيل: معناه: والشر لا يتقرب به إليك، وقيل: لا يصعد إليك، وإنما يصعد الكلم الطيب.
وقوله: (أنا بك وإليك) أي: أنا أثق بك وألتجئ إليك، أو أنا بك أستجير وأحيى وأموت، وإليك المرجع والمصير، أو أنا قائم بك وراغب إليك، وكان الشيخ -رحمة اللَّه عليه- يقول: هذه حروف الجر يصح تقدير كل ما يلائمها ويتعدى بها.
وقوله: (لك ركعت) أي: ذللت وانحنيت.
وقوله: (ملء) الرواية المشهورة النصب، صفة مصدر محذوف، وقد يرفع صفة الحمد.
وقوله: (ملء ما شئت) أي: من الممكنات المعدومة أردت وجوده.
قوله: (بعد) أي: بعد المذكور من السماوات والأرض وما بينهما، ويحتمل أن يكون المراد من بعد قولي ووقتي هذا.
وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ".
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 771].
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْك، لَا مَنْجَا مِنْكَ وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكتَ". ["مسند الشافعي": 142].
814 -
[3] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ، وَقَدْ حَفَزَهُ. . . . .
ــ
وقوله: (شقّ سمعه وبصره) أي: أوجدهما وفتحهما، وإنما قال: شق لوجود الشق فيهما، وأصله أن المصورين بعد ما صوَّروا صورة الوجه يشقُّون فيه صورة السمع والبصر.
وقوله: (من آخر ما يقول) كلمة (من) تبعيضية؛ لأنه كان يقول ويدعو بأدعية كثيرة، وكان آخرها هذا الدعاء.
وقوله: (لا منجا) مقصور من النجاة.
وقوله: (ولا ملجأ) مهموز، ويجوز تليين الهمزة للازدواج بمنجا.
814 -
[3](أنس) قوله: (وقد حفزه) بالحاء المهملة والفاء والزاي على لفظ الماضي، أي: جهده النفس وأتعبه وأعجله، وتتابعه من شدة السعي إلى الصلاة، وأصله
النَّفَسُ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَاركًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ:"أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ ". فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ:"أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ " فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ. . . . .
ــ
الدفع العنيف، في (القاموس) (1): حَفَزَهُ يَحْفِزُهُ: دفعه من خلفه، وعن الأمر: أعجله وأزعجه.
وقوله: (حمدًا)، منصوب بفعل يدل عليه الحمد للَّه.
وقوله: (فأرمَّ القوم) في (المشارق)(2): أي: سكتوا، بفتح الهمزة والراء وتشديد الميم، كأنهم أطبقوا شفاههم، وهي المرمة من غير الناس من بهائم الحيوان، وقد رواه بعضهم في غير هذه الكتب:(فأزمّ القوم) بزاي مفتوحة وميم مخففة، ومعناه مثل الأول، أي: أمسكوا عن الكلام.
في (القاموس)(3): تَرَمْرَمُوا: تحركوا للكلام ولم يتكلَّموا، وفيه: المرمة وتكسر راؤها: شفة كل [ذات] ظليف.
وفي (مجمع البحار)(4): والمرمة من ذوات الظلف بالكسر والفتح كالفم من الإنسان، ومنه: حبستها فلا أطعمتها ولا أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض، أي: تأكل، وأصلها من رمَّت الشاة وارتَمّت من الأرض: إذا أكلت.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 472).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 464).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1028).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 381).
بَأْسًا" فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسَ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونها أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 600].
ــ
وفي (مختصر النهاية)(1): ويروى فأزمّ القوم بالزاي: أي: أمسكوا عن الكلام كما يمسك الصائم عن الطعام، والأزمة: الحمية، وإمساك الأسنان بعضها عن بعض، والمشهور أرمّ بالراء وتشديد الميم، وإنما أخر في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واجبة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يعين واحدًا بعينه لم يتعين المبادرة بالجواب، لا من المتكلم ولا من أحد بعينه، فكأنهم انتظروا أن يجيب أحدهم، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء، ورجوا أن يقع العفو منه، ولما رأى صلى الله عليه وسلم سكوتهم فهم ذلك، فعرَّفهم أنه لم يقل بأسًا، فافهم.
وقوله: (بأسًا) مفعول به، أي: لم ينطق محذورًا، أو مطلق، أي: لم يقل قولًا فيه إثم، والبأس في الأصل: العذاب والشدة والداهية، والمراد المحذور المكروه.
وقوله: (لقد رأيت اثني عشر ملكًا) سر العدد مفوض إلى علم الشارع.
وقال بعض العارفين: إن لكل شيء من الجواهر والأعراض روحًا مجردة يقومه، فكأنه ظهرت أرواح الحروف المذكورة، فإنها أثنا عشر حرفًا لإسقاط المكررات، وعدم اعتبار الألف والهمزة، فإن الأولى يظهر صورته في الخط دون اللفظ، والثاني يظهر في اللفظ دون الخط على ما بُيّن في موضعه، وقد ورد في بعض الأحاديث:(رأيت بضعة وثلاثين ملكًا) باعتبار المكررات والألفات، واللَّه أعلم.
وقوله: (يبتدرونها) أي: يعجلون ويستبقون إليها.
وقوله: (أيهم يرفعها) متعلق بمحذوف دل عليه (يبتدرونها)، أي: يبتدرونها
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 267).