المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثاني: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثاني:

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

801 -

[12] عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: فَاعْرِضْ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ،

ــ

لكان طوّله، ولأن الذكر الذي شرع في القيام أفضل الأذكار، وهو القرآن، فيكون هذا الركن أفضل الأركان، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصلاة طول القنوت)، والمراد بالقنوت ههنا القيام بالاتفاق.

وقالت طائفة: السجود أفضل؛ لأنه ورد في الحديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأل مرافقته في الجنة:(أعني بكثرة السجود)، ولأن السجود أدلّ على الذلة والخضوع، وقال بعضهم: في صلاة الليل طول القيام أفضل، وفي النهار كثرة الركوع والسجود، وقيل: هما متساويان، وقد استوفينا هذا المبحث في (شرح سفر السعادة)(1).

الْفَصْل الثَّانِي

801 -

[12](أبو حميد الساعدي) قوله: (أنا أعلمكم) أي: أعلم من بينكم، فهو من قبيل ثاني قسمي إضافة اسم التفضيل.

وقوله: (فاعرض) أي: أظهره وأبرزه، والمعنى: إذا ادعيت أنك أعلم فاعرضه علينا حتى نرى صحة ما تدعيه، ومن ثم لما عرض قالوا: صدقت، ولكن لا يظهر حينئذ أعلميته، لا منهم، ولا تخصيص أعلميته من غيره من بينهم، فالظاهر أنهم صدقوا للثقة بإخباره، فافهم، واللَّه أعلم.

(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 76 - 77).

ص: 549

ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ فَلَا يُصَبِّي. . . . .

ــ

وقوله: (ثم يكبر) هذا يدل على أن التكبير بعد الرفع، وهو الأصح عندنا على ما في (الهداية)(1)؛ لأن الرفع نفي الكبرياء عن غير اللَّه، والنفي مقدم على الإثبات، كما في كلمة التوحيد، قال الفقيه أبو جعفر: يستقبل ببطون كفيه القبلة، وينشر أصابعه ويرفعها، فإذا استقرت في موضع المحاذاة يكبر، وعليه عامة المشايخ، والمروي عن أبي يوسف والمحكي عن الطحاوي: يرفع مع التكبير؛ لأن الرفع سنة التكبير فيقارنه كتسبيح الركوع والسجود، واختاره بعضهم لأنه ينتظمه المروي عنه صلى الله عليه وسلم:(أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع)، وأيضًا حديث أبي حميد الساعدي:(إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه)، وحديث مالك بن الحويرث:(إذا كبر رفع يديه) ظاهران في ذلك، قال الشيخ ابن الهمام (2): وههنا قول ثالث قيل به، وهو أنه يكبر أولًا ثم يرفع، كما جاء في رواية البيهقي في (السنن الكبرى) (3) عن أنس أنه قال:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ثم يرفع يديه حتى يكون إبهاماه حذاء أذنيه)، ورجاله ثقات، فيوفق بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك، ويترجح تقديم الرفع بالمعنى الذي ذكره صاحب (الهداية).

وقوله: (فلا يصبي) بالتشديد من التفعيل، أي: لا يخفض رأسه جدًا، من صبا الرجل: إذا مال إلى الصبا، كذا في (شرح الشيخ)، وقيل: يُصبي من الإفعال، وفي (النهاية) (4): لا يصبي رأسه: أي لا يخفضه كثيرًا ولا يميله إلى الأرض، من صبا إلى

(1)"الهداية"(1/ 48).

(2)

"فتح القدير"(1/ 281).

(3)

"السنن الكبرى"(2/ 72، ح: 2618).

(4)

"النهاية"(3/ 10).

ص: 550

رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه"، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُ أَكْبَرُ"، ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ سَاجِدًا، فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ، وَيَفْتَخُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَعْتَدِلُ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ. . . . .

ــ

الشيء يصبُو: إذا مال، وصبّى رأسه تصبية، شُدِّد للتكثير، وقيل: مهموز من صبأ: إذا خرج من دين إلى دين ومال منه إليه، هذا وقد نقل عن الأزهري: الصواب [لا] يُصَوِّب، كذا في بعض الشروح، ويؤيده ما مر في حديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها:(لم يشخص رأسه ولم يصوبه)، ورُوِي في (سفر السعادة)(1) أيضًا في حديث أبي حميد من صحيح مسلم وابن حبان، قال التُّورِبِشْتِي (2): وهذا القول من الأزهري يدلّ على أنه لم يعرف للتصبية في كلام العرب وجهًا، وكأنه اعتراض على الأزهري؛ لأنه قد ظهر وجه التصبية ومعناه، أو رد على ما ذكروه في معنى التصبية لعدم ظهور وجهه في كلامهم، واللَّه أعلم.

وقوله: (ولا يقنع) أي: لا يرفعه، من أقنع رأسه: رفعه.

وقوله: (ويفتخ أصابع رجليه) بالخاء المعجمة، في (القاموس) (3): فتخ أصابعه وفتَّخها: عرّضها وأرخاها، وأصل الفتخ الكسر، ويفسر بأن ينصبها ويغمر موضع المفاصل، والمراد ههنا نصبها مع الاعتماد على بطونها وجعل رؤوسها إلى القبلة.

(1)"سفر السعادة"(ص: 33).

(2)

"كتاب الميسر"(1/ 232).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 247).

ص: 551

مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُ أَكْبَرُ" وَيَرْفَعُ، وَيَثني رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَعْتَدِلُ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَنْهَضُ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ سَلَّمَ. قَالُوا: صَدَقْتَ، هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والدَّارِمِيُّ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [د: 730، ت: 304، جه: 1061، دي: 1306].

ــ

وقوله: (معتدلًا) كأنه حال مؤكدة.

وقوله: (ثم يسجد) أي: السجدة الثانية.

وقوله: (فيقعد عليها) أي: للاستراحة.

وقوله: (ثم ينهض) أي: بعد جلسة الاستراحة، ولم يذكر في هذه الرواية القعدة الأولى، وقد ذكر في حديثه رواية أخرى لأبي داود الآتية، ولا يظهر لذلك وجه حسن، والاكتفاء بقوله:(مثل ذلك) إشارة إلى جلسة الاستراحة لكون القعدة الأولى مثلها لا تخلو عن شيء.

وقوله: (ثم يصنع ذلك) أي: أكثر ما مرّ في الركعتين الأوليين.

وقوله: (السجدة التي فيها التسليم) أي: التي بعدها التشهد، وفيه التسليم.

وقوله: (أخرج رجله اليسرى) أي: من تحت مقعدته، وفي بعض النسخ:(أخر) من التأخير، وهو أيضًا بمعنى أخرج.

وقوله: (ثم سلم) أي: تشهد وسلّم.

ص: 552

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ، وَقَالَ: ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ الأَرْضَ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى،

ــ

وقوله: (ووتّر يديه) أي: جعلهما كالوتر، والتوتير: جعل الوتر على القوس، أي: أبعد مرفقيه عن جنبيه كأن يده كالوتر وجنبه كالقوس.

وقوله: (فأمكن أنفه وجبهته الأرض) نصب بنزع الخافض، أي: من الأرض، ودلّ الحديث على أن السجود يجب أن يكون بالأنف والجبهة معًا، وهو الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث متعاضدة عليه، وعليه الأئمة الثلاثة، وإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة رحمه الله، فإن كان بالأنف يكره، وإن كان بالجبهة ففي (التحفة) و (البدائع) (1): لا يكره، وفي (المفيد والمزيد): وضع الجبهة وحدها أو الأنف وحده يكره، ويجزئ عنده، وعند صاحبيه لا يتأدى إلا بوضعهما إلا لعذر، ثم المعتبر وضع ما صلب من الأنف دون ما لان، وقد ورد في حديث:(أمرنا أن نسجد على سبعة آراب)، وفي رواية:(سبعة أعظم) ذكر الوجه، وقد يروى (الجبهة) مكان (الوجه)، وسيجيء تحقيقه في (باب السجود).

وقوله: (وأقبل بصدر اليمنى) أي: ظاهره.

(1)"تحفة الفقهاء"(1/ 135)، "بدائع الصنائع"(1/ 283).

ص: 553

وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ.

وَفِي أُخْرَى لَهُ: وَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

802 -

[13] وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ، وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنيهِ، ثُمَّ كَبَّرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: يَرْفَعُ إِبْهَامَيْهِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. [د: 724].

ــ

وقوله: (وأشار بأصبعه) يعني السبابة من السب، سميت بذلك لأن العرب كانوا يشيرون بها عند السب، ويسمى بالمسبحة والسباحة لإعمالها في التسبيح والتوحيد غالبًا، والأولى تسمية جاهلية، والثانية إسلامية، وظاهر هذا الحديث يدل على الاكتفاء بالإشارة من غير عقد، وهو المذهب عندنا، وسيجيء تحقيقه في (باب التشهد).

وقوله: (أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض) في (القاموس)(1): الورك بالفتح والكسر وككتف: ما فوق الفخذ، وهي مؤنثة، والورك محركة: عظمها، والمعنى مس بوركه اليسرى، أي: بما لان منها الأرض.

وقوله: (من ناحية واحدة) هي الناحية اليمنى، وإطلاق الإخراج على اليمنى تغليب؛ لأن المخرج حقيقة هو اليسرى، كذا في شرح الشيخ.

802 -

[13](وائل بن حجر) قوله: (إلى شحمة أذنيه) وهي ما لان من أسفلها، وفي (القاموس) (2): الشحمة من الأذن: معلق القرط.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 880).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1038).

ص: 554

803 -

[14] وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه. [ت: 252، جه: 809].

804 -

[15] وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَعِدْ صَلَاتَكَ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فَقَالَ: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أُصَلِّي؟ قَالَ: "إِذَا تَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ، وَامْدُدْ ظَهْرَكَ، فَإِذَا رَفَعْتَ فَأَقِمْ صُلْبَكَ، وَارْفَعْ رَأْسَكَ، حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا، فَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنِ السُّجُودَ، فَإِذَا رَفَعْتَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ ركْعَةٍ وَسَجْدَةٍ حَتَّى تَطْمَئِنَّ. هَذَا لَفَظُ "الْمَصَابِيحِ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدُ مَعَ تَغْيِيرٍ يَسِيرٍ،

ــ

803 -

[14](قبيصة بن هلب) قوله: (عن قبيصة) بفتح القاف وكسر الباء، تابعي (ابن هلب) بضم الهاء وسكون اللام، صحابي.

804 -

[15](رفاعة بن رافع) قوله: (فقال: علمني يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)، ليس في هذه الرواية ذكر المرات الثلاث، فإما أن يكون اختصارًا من الراوي أو القضية متعددة، واللَّه أعلم.

وقوله: (ثم اصنع ذلك في كل ركعة) أي ركوع بدليل قوله: (وسجدة)، ويصح إبقاء الركعة على حقيقتها، ويكون المراد بالسجدة سجدة التلاوة والشكر؛ إذ يجب فيهما ما يجب في سجود التلاوة، وقال الشيخ في شرحه: هذا أولى، وإن لم أر من ذكره، ولا يخفى بُعده من لفظ الحديث، ولهذا لم يذكره أحد.

وقوله: (حتى تطمئن) راجع إلى جميع ما ذكره.

ص: 555

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ". [د: 859، ت: 302].

805 -

[16] وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى،

ــ

وقوله: (ثم تشهد) أي أذِّن، كذا في شرح الشيخ، وقيل: أي: قل بعد الوضوء الشهادتين، وقد صح وروده في الأحاديث.

وقوله: (وإلا فاحمد اللَّه وكبره وهلله) أي: اذكر اللَّه بالتحميد والتكبير والتهليل، والمراد أنواع الذكر، وقد ورد في الحديث:(أفضل الكلام -وفي رواية: أحب الكلام- أربع: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر)، ولعل ذلك لمن آمن ولم يتسع له الوقت لحفظ شيء من القرآن، ومنه أخذت الشافعية أن من لم يعرف شيئًا من القرآن يلزمه الذكر، ومنهم من قال: يجب سبعة أنواع من الذكر بعدد آي الفاتحة، وقد صح عن بعضهم وإن ضعفه النووي أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلمني ما يجزئ عنه في صلاتي؟ فقال:(قل سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه [العلي العظيم])، وهذا مشتمل على خمسة أنواع بل ستة، والظاهر أنه كان يحفظ البسملة، فهو على تقدير صحته دليل لمن ذهب إلى أن الواجب سبعة أذكار، كذا في (شرح الشيخ)، ولعل قوله: بل ستة مبني على جعل (لا حول ولا قوة) ذكرين، وخصوصًا بتقدير الخبر لكل منهما على حدة، وسيجيء زيادة كلام فيه في آخر الفصل الثاني و (باب القراءة في الصلاة).

805 -

[16](الفضل بن عباس) قوله: (الصلاة مثنى مثنى) أي: أفضل الصلاة

ص: 556

تَشَهُدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَخَشُّعٌ وَتَضَرُّعٌ. . . . .

ــ

النافلة أن يكون ركعتين ركعتين ليلًا أو نهارًا، وبه أخذ الشافعي رحمه الله، وعند أبي حنيفة رحمه الله أربع ركعات فيهما، وعند أبي يوسف ومحمد في الليل مثنى مثنى، وفي النهار أربع أربع، وقال في (الهداية) (1): وللشافعي رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، ولهما الاعتبار بالتراويح، ولأبي حنيفة رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العشاء أربعًا [أربعًا] روته عائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يواظب على الأربع في الضحى، ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة، ولهذا لو نذر أن يصلي أربعًا لا يخرج عنه بتسليمتين، وعلى القلب يخرج، والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيه جهة التيسير، ومعنى ما رواه شفعًا لا وترًا، انتهى.

وقال الشيخ ابن الهمام (2): قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، إما في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربع أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد، وترجيح أحدهما بمرجح، لكنا عقلنا زيادة فضيلة الأربع؛ لأنها أكثر مشقة على النفس بسبب طول تعبدها على الخدمة (3)، ورأيناه صلى الله عليه وسلم قال:(إنما أجرك على قدر نصبك) فحكمنا بأن المراد الثاني، أي: مثنى لا واحدة وثلاثًا، وللشيخ ههنا كلام بسيط وتدقيق طويل لخصنا منه هذا القدر، واللَّه أعلم.

وقوله: (تشهد في كل ركعتين) خبر بعد خبر، وفيه بيان معنى كونه مثنى مثنى. و (التخشع) بالباطن أن لا يتطرق إلى القلب الوساوس والخواطر، ولو في أمر أخروي لا تعلق به بصلاته. و (التضرع) في الظاهر بإكثار الدعاء والسؤال فيها، والتمسكن بإظهار

(1)"الهداية"(1/ 67).

(2)

"فتح القدير"(1/ 450).

(3)

في "فتح القدير": طول تقييدها في مقام الخدمة.

ص: 557