الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
300 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يتَوَضَّأ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 135، م: 225].
301 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ،
ــ
إلا بالطهارة كالصلاة ومس المصحف، وأورد على هذا القول أيضًا: أن وجه إيجاب مجرد إرادة الطهارة غير ظاهر؛ لأنها لا تستلزم لحوق الشروع الذي يستلزم عدم الطهارة في الصلاة لو لم تعدم الطهارة، وهذا إنما يرد لو كان مراد القائل بسببه مجرد الإرادة، وأما إذا كان بشرط القيام إلى الصلاة أو المراد الإرادة المقارنة بالصلاة المستلحقة لها فلا، والمختار أن سبب وجوب الطهارة وجوب ما لا يحل إلا بها، ولا شك أن وجوب الشيء يستلزم إيجاب شرطه، ثم المراد وجوب الأداء وإلا فأصل الوجوب بدخول الوقت ولا يجب الطهارة به بل عند القيام إلى الصلاة، فتدبر.
الفصل الأول
300 -
[1](أبو هريرة) قوله: (لا تقبل صلاة من أحدث) أي: لا تصح حتى يتوضأ، خص منه فاقد الماء فإنه يتيمم، وفاقد الطهورين (1) ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: تسقط الفَرْضية، وثانيها: يؤخر، وثالثها: يصلي، فإن مات قبل وجدان الماء والتراب لم يأثم، وإن وجد يقضي.
301 -
[2](ابن عمر) قوله: (لا تقبل صلاة بغير طهور) قد علم أن الطهور
(1) وفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يؤخر عنده، وقالا: يَتَشَبَّهُ بالمصلين وجوبًا، وبه يفتى، وإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الإِمَامِ. انظر:"الدر المختار"(1/ 85).
وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 224].
302 -
[3] وَعَن عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ (1)، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:"يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيتَوَضَّأ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 132، 269، م: 303].
ــ
بالضم بمعنى الطهارة، وبالفتح بمعناه وبمعنى ما يتطهر به، وقد صحِّح ههنا بالضم وبالفتح أيضًا، والمراد معنى الطهارة، والغلول: الخيانة من الغنيمة، وقد يجيء بمعنى مطلق الخيانة، قال في (القاموس) (2): الغلول: الخيانة، وغلَّ غلولًا: خان كأغلَّ، أو خاص بالفيء، والظاهر أن المراد ههنا مطلق الخيانة، والجمع بين هذين الحكمين لجريان الكلام فيهما أو لمناسبةٍ بين الوضوء والتصدق باعتبار كون كل منهما مطهّرًا.
302 -
[3](علي) قوله: (كنت رجلًا مذاء) أي: كثير المذي وهو بسكون الذال: البلل اللزج الرقيق يخرج عند الملاعبة بشهوة بلا دفق، و (مذاء) فعَّال بالتشديد ومَذَى وأمذى، وقال النووي في (شرح مسلم) (3): وأشهر لغاته فتح فسكون، ثم كسرُ ذال وشَدةُ ياء، وكذلك لفظ الودي وهو ماء غليظ يخرج بعد البول، وقيل: التشديد أفصح من السكون، وفي (الصحاح) (4): قال الأموي: مذي وودي ومني ثلاثتهن مشددات.
(1) وجه الحياء أن فِي السُّؤَالِ عَنْ كَثْرَتِهِ تَعْرِيضًا بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ ابْنَتِهِ الَّتِي يَسْتَحْيِي مِنْ إِظْهَارِهَا، لأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يُفْصِحُ بِهِ أُولُو الأَحْلَامِ خُصُوصًا بِحَضْرَةِ الأَكَابِرِ الْعِظَامِ، وَعَلَّلَ الْحَيَاءَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ أَنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ السُّؤَالِ وَالتَّعَلُّمِ مَذْمُوم، "مرقاة المفاتيح"(1/ 359).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 957).
(3)
"شرح النووي"(3/ 213).
(4)
"الصحاح"(6/ 2491).
303 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَوَضؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 352].
قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ الأَجَلُّ مُحْيِيُ السّنةِ رحمه الله: هَذَا مَنْسُوخٌ بِحَدِيث ابْن عَبَّاسٍ.
304 -
[5] قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 207، م: 354].
305 -
[6] وَعَن جَابر بن سَمُرَة أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ . . . . .
ــ
303 -
304 - [4 - 5](أبو هريرة، وابن عباس) قوله: (توضؤوا مما مست النار) المراد بالوضوء ههنا المعنى اللغوي وهو النظافة، وهو ههنا غسل اليد والفم لإزالة الدسومة، ويسمى هذا وضوء الطعام، وقيل: هذا منسوخ؛ لقول جابر في الصحيح: (كان آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار)(1)، نعم القول بنسخه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما يتوقف على العلم بتاريخهما وتقدُّم الأول، ولا يكفي فيه تأخر صحبة ابن عباس؛ لأنه لا يقتضي تأخر السماع، وقد عرف الكلام في ذلك في أصول الحديث، فتدبر.
305 -
[6](جابر بن سمرة) قوله: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ . . . إلخ) هذا أيضًا محمول على أحد التأويلين المذكورين من إرادة المعنى اللغوي أو النسخ، وقد يقال
(1) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(43)، وابن حبان في "صحيحه"(1134)، وأبو داود في "سننه"(192)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(394).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على إرادة المعنى اللغوي: غسل اليد والفم مستحب مطلقًا، فما وجه تخصيص ذلك بلحم الإبل، والتخيير في لحم الغنم، فنقول: ذلك لنتن رائحة الإبل دون الغنم، فيكون غسل اليد والفم أوكد وأولى في الإبل، وقد استدل بهذا الحديث أكثر أصحاب أحمد بن حنبل في القول بانتقاض الوضوء بأكل لحم الجزور على ما ذكر في كتاب الخرقي (1).
وقال الزركشي في (شرحه)(2): قد رواه أحمد ومسلم، وقال ابن خزيمة: لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الحديث صحيح، وقد رَوَى نحوَه بلفظ الأمر عن البراء بن عازب أحمد وأبو داود والترمذي (3) وصححه، وظاهر الأمر الوجوب، والوضوء إذا أطلق حمل على الشرعي، [لا سيما] وقد قرنه بالصلاة، وفرَّق بينه وبين لحم الغنم مع مطلوبية الوضوء اللغوي فيه، ودعوى النسخ بقول جابر رضي الله عنه:(كان آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار) مردودة، بأن هذه قضية عين ولا عموم لها، ولو سلِّم فالعام لا ينسخ الخاص، بل الخاص يقضي على العام، فتدبر.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه لا ينقض مطلقًا، وقد روي عنه أنه يفرق بين الجاهل بالحديث وغيره لأنه خبرآحاد فيعذر بالجهل به، وقال بعضم: إن عليها استقر قوله.
ثم اختلفوا فيما عدا لحم الإبل من لبنه وسنامنه وكرشه وكبده ومرقه، فمفهوم كلام الخرقي عدم النقض، وهو اختيار الأكثرين منهم، واللَّه أعلم، انتهى.
(1) انظر: "مختصر الخرقي"(1/ 8).
(2)
"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 74).
(3)
"مسند أحمد"(4/ 303)، و"أبو داود"(184)، و"سنن الترمذي"(81).
قَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ" قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: "نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ"، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِل؟ قَالَ: "لَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 36].
306 -
[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 362].
ــ
و(المرابض) جمع مربض بكسر الباء، في (القاموس) (1): هو مأوى الغنم، وفي (مجمع البحار) (2): هو موضع ربض الغنم وهو كالجلوس للإنسان، وقيل: كالاضطجاع له وكالبروك للجمل، وفي بعض الشروح عن النووي قال: النهي من الصلاة في مبارك الإبل نهي تنزيه، وسبب الكراهة ما يخاف من نفارها وتشويشها على المصلي، وقد جاء في حديث البراء:(سئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا فيها؛ فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة)، وفي حديث أبي هريرة: فإنها من دواب الجنة.
306 -
[7](أبو هريرة) قوله: (فلا يخرجن من المسجد) كناية عن عدم انتقاض الوضوء؛ لأنه يستلزم الخروج للتوضؤ.
وقوله: (حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) قال الطيبي (3): معناه: حتى يتيقن
(1)"القاموس المحيط"(ص: 592).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 28).
(3)
"شرح الطيبي"(2/ 26).
307 -
[8] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: "إِنَّ لَهُ دَسَمًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 211، م: 358].
308 -
[9] وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْح بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، فَقَالَ:"عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 277].
ــ
الحدث، لا أن سماع الصوت أو وجود الريح شرط، فإنه قد يكون أصمَّ لا يسمع الصوت، وقد يكون أخشم لا يجد الريح، انتهى.
قلت: لا حاجة إلى اعتبار كونه أخشم وأصم، فإنه قد يخرج بحيث لا يسمع الصوت ولا يجد الرائحة وإن لم يكن أصم وأخشم لخفائها وعدم نتنها، هذا إن حمل الريح على معنى الرائحة، وإن حمل على معنى الريح الذي هو مفرد الرياح فالأمر ظاهر، لأنه إما أن يكون ظاهرًا يُسمع صوته أو خفيًا لا يسمع، ولكنه يجد أنه خرج ريح فينتقض، فافهم.
307 -
[8](عبد اللَّه بن عباس) قوله: (شرب لبنا) يشمل بإطلاقه لبن الإبل وغيره، فيكون حجة على من فرق من الحنابلة بينهما في نقض لبن الإبل دون غيره، وقد نقل الزركشي في (شرح كتاب الخرقي)(1) أنه جاء في بعض الأحاديث (توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها) رواه أحمد.
وقوله: (إن له دسما) فيقاس عليه كل ما له دسم بهذه العلة.
308 -
[9](بريدة) قوله: (صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد) ومنه
(1)"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 76).
309 -
[10] وَعَن سُوَيْد بْن النُّعْمَان: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بالصَّهْبَاءِ وَهِي مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثمَّ صَلَّى وَلَمْ يتَوَضَّأْ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 209].
ــ
يعلم فساد ما قيل: إن وجوب الوضوء لكل صلاة كان من خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، نعم أخرج البخاري وأبو داود والترمذي (1) عن أنس رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، ولا يلزم منه وجوبه عليه، لعله كان يفعله عزيمةً واستحبابًا، وأخرج أحمد وأبو داود (2) من حديث عبد اللَّه بن حنظلة بن عامر الغسيل: أنه صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بالوضوء لكل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، ولما شق عليه أُمر بالسواك عند كل صلاة، ووُضح عنه الوضوء إلا من حدث، وقال بعضهم: كان الوضوء فرضًا لكل صلاة لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ثم نسخ هذا، ولكن في نسخ أحكام سورة المائدة كلام، واللَّه أعلم.
309 -
[10](سويد بن النعمان) قوله: (فأمر به) أي: بالسويق، أي: بتثريته، والثرى: الندى، أو التراب الندي، أو الذي إذا بلَّ يصير طينًا، وثَرِيَت الأرضُ كرضي: نَدِيت، وثرَّى التربةَ تثرية: بلَّها، وثرَّى الأقط: صب عليه ماءً، ثم لتَّه، والمكان: فرشه.
(1)"صحيح البخاري"(214)، و"سنن أبي داود"(171)، و"سنن الترمذي"(58).
(2)
"مسند أحمد"(5/ 225)، و"سنن أبي داود"(47).