المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

564 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 233].

ــ

صَلَاهُ؛ لأن الصلاة يتلو فيه اللاحقُ -أي: المقتدي- السابقَ، أي: الإمام، هذا وقد جاء صلا اللحمَ بالتخفيف: إذا شواه، وبالتشديد إذا حرقه وألقاه في النار، وصليت العصا بالنار: إذا لينتها وقومتها، وهذه المعاني أيضًا تصلح لأن يجعل منقولًا عنها، والصلاة كأنها تشوي نَفْس المصلي وتحرق ذنوبه بنار المجاهدة والمغفرة، وتقوِّمها من اعوجاج فيها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإلى المعنى الأخير أشار الطيبي (1) بنقله عن الشيخ الأجلِّ شهاب الدين السهروردي رحمه الله ذكره في (عوارف المعارف)، فتدبر.

الفصل الأول

564 -

[1](أبو هريرة) قوله: (الصلوات الخمس) الظاهر بملاحظة قرينه أن يكون المعنى: الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، فيكون التكفير لما وقع بين اليومين، ويحتمل أن يكون المعنى: من صلاة إلى صلاة، فيكون التكفير لما وقع في كل صلاتين، والثاني هو المراد؛ للأحاديث المصرِّحة بذلك.

وقوله: (والجمعة إلى الجمعة) أي: صلاتها، (ورمضان إلى رمضان) أي: صومه.

وقوله: (لما بينهن) أي: من الصغائر.

ثم ظاهر الحديث أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر، فإن لم تُجتنب الكبائر لم تُكفَّر الصغائر، وكذا قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ

(1)"شرح الطيبي"(2/ 147).

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، لكن علماءنا حملوا على معنى الاستثناء بدلالة ما ثبت عندهم أن المكفَّر هي الصغائر دون الكبائر.

وفي (مجمع البحار)(1) من النووي في شرح مسلم في حديث: (كانت كفارة لما قبلها ما لم يؤت كبيرة) أي: مكفرة للذنوب كلها غير الكبائر، ولا يريد اشتراط الغفران باجتنابها، وفي تعليقه للترمذي: لا بد في حقوق الناس من القصاص ولو صغيرةً، وفي الكبائر من التوبة، ثم ورد وعد المغفرة في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان فإذا تكرر يُغفر بأولها الصغائر وبالبواقي يُخفف عن الكبائر، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة يرفع بها الدرجات، انتهى.

وبما ذكر ينحل ما يقال: إنه إذ كفّر ما بين الصلاتين فماذا يبقى للجمعة، وإذا كفر بين الجمعات فماذا يبقى لرمضان؟ تأمل، والمشهور في توجيهه أن المراد إثبات صلاحية التكفير لكل من الأمور، فإذا اجتمعت فهو نور على نور؛ كالسرج المجتمعة في البيت، وكحمل جماعة الحجر الذي يستقل به كل منهم، وذكر في بعض الشروح أن الخمس مكفرة في حق المحافظ عليها، والجمعة في حق من لم يحافظ عليها، ورمضان في حق من لم يحافظ عليهما، ومعناه أن المجموع مكفِّر.

فإن قلت: فيلزم من هذا التكفيرُ بدون اجتناب الكبائر إذ ترك الصلوات الخمس والجمعة كبيرة كما ذكر بعض العلماء، قلنا: قد عرفت أن معنى الشرط غير مراد بل المراد معنى الاستثناء، هذا والظاهر أن المراد بالمحافظة رعاية الآداب والسنن والمستحبات كما فسروا بها في الأحاديث، فافهم.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 427).

ص: 313

565 -

[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنهِ شَيْءٌ؟ " قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 528، م: 667].

ــ

ثم المفهوم من الحديث اشتراط اجتماع الصلاتين أو الجمعتين أو رمضانين، فلو كانت أول صلاة أو جمعة أو رمضان لم يكفَّر ما قبلها، والظاهر أنها تكفر لما قبلها، وورود الحديث باعتبار الغالب، واللَّه أعلم.

565 -

[2](عنه) قوله: (لو أن نهرًا بباب أحدكم) أي: لو ثبت أن نهرًا جارٍ أو يجري بباب أحدكم أو كائن فيه لما بقي الدرن؟ فوضع الاستفهام موضعه تقريرًا وتأكيدًا، ولهذا زيدت (من) الاستغرقية، والنهر بفتح الهاء وسكونها: ما بين جنبتي الوادي من مجرى الماء، ثم سمي بذلك الماء لسعته، والنهر محركة: السعة، أنهره: وسَّعه، ولذلك سمي النهار لسعة ضوئه.

وقوله: (لا يبقى) بفتح أوله، و (شيء) بالرفع في السؤال والجواب، وفي رواية البخاري مكان: هل يبقى من درنه شيء): (ما تقول ذلك يُبْقي من درنه) بالخطاب العام، وفي رواية له:(ما تقولون) بلفظ الجمع، و (ذلك) إشارة إلى الاغتسال.

وقال الشيخ (1): فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن، وشرطه أن يكون مضارعًا مسندًا إلى المخاطب، متصلًا باستفهام، و (يبقي) بضم الياء من الإبقاء، وفيه تصريح بتأثير الصلاة في رفع الذنوب، ولم يذكر في روايته لفظ (شيء) وكذا في الجواب، وما ذكر في الكتاب لفظ مسلم، ويُعْلِم ذلك أن المؤلف قد ينسب الحديث

(1)"فتح الباري"(2/ 11).

ص: 314

566 -

[3] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ. . . . .

ــ

إلى الشيخين ويحكم بكونه متفقًا عليه مع اختلاف في لفظيهما، وقد يصرح بالاختلاف ولعل ذلك فيما يفحش التفاوت والاختلاف، فتدبر.

566 -

[3](ابن مسعود) قوله: (إن رجلا) قيل: هو أبو اليسر بفتح الياء التحتانية وفتح السين المهملة، الأنصاري، كان يبيع التمر، فأتته امرأة فأعجبته فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه فقبلها، فقالت له: اتق اللَّه فتركها وندم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: غيره.

وقوله: (أصاب من امرأة قبلة) وفي رواية غير الشيخين: فغمزها وقبّلها ثم فرغ، فخرج فلقي أمير المؤمنين خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه فأخبره، فقال: تب ولا تعد، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال الشيخ: لم أقف على اسم المرأة، لكن قد جاء في بعض الأحاديث أنها من الأنصار.

وقوله: (فأخبره) أي: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وصلى الرجل، دل عليه الجزء الآتي، وجاء في رواية: فقال: أنتظر أمر ربي، فلما صلى صلاة العصر نزلت فقال: أصليت؟ فقال: نعم، فقال: اذهب فإنها كفارة لما عملت (1).

وقوله: ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}) قالوا: المراد بطرفي النهار صلاة الفجر والظهر إذ هما في الطرف الأول من اليوم، والعصر والمغرب إذ هما في الطرف الثاني منه، وجَعْلُ المغرب فيه تغليب أو من مجاز المجاورة، وفسر صاحب (الكشاف) وتبعه

(1) في "التقرير": أشكل في أن القبلة كبيرة، أجيب بأن الصغيرة باعتبار الفرق، أو يقال: إن توبته علمت بالقول، فصارت الصلاة متمّمةً له.

ص: 315

وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا؟ قَالَ: "لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ". . . . .

ــ

البيضاوي (1)(طرفي النهار) بالغدوة والعشية، وفسّرا صلاة الغدوة بصلاة الصبح، وصلاة الزلف بالمغرب والعشاء، ولكن البيضاوي خص صلاة العشية بالعصر، وصاحب (الكشاف) فسرها بالظهر والعصر؛ لأن ما بعد الزوال عشي، وعلى قول البيضاوي لا تشمل الآية الصلوات الخمس، ولا بأس به.

({وَزُلَفًا}) بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة بسكون اللام كالظلم في ظلمة، من أزلفه: إذا قربه، والمراد بها الساعات؛ لأنها تقرب بعضها مع بعض، ولأنها تقرب من النهار، ودلّ الحديث السابق من أبي هريرة رضي الله عنه أن المراد بالسيئات الصغائر، قال الشيخ: واحتج المرجئة بظاهر الآية على أن أفعال الخير مكفِّرة للكبائر والصغائر، وحمله جمهور أهل السنة على الصغائر، انتهى.

وجوز صاحب (الكشاف)(2) حملها على معنى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وهو يخالف سبب النزول كما لا يخفى.

وقوله: (ألي) بفتح الهمزة استفهامًا والياء مفتوحة أو ساكنة، والظاهر أن صاحب القضية هو السائل عن ذلك، وجاء في رواية:(فقال إنسان: أله خاصة؟ ) وفي أخرى: (فقال معاذ: أله وحده أم للناس كافة؟ ) ويحمل على تعدد القضية.

وقوله: (لجميع أمتي كلهم) قال الشيخ (3): سقط (كلهم) من رواية المستملي.

(1)"الكشاف"(3/ 131)، و"تفسير البيضاوي"(3/ 125).

(2)

انظر: "الكشاف"(3/ 131).

(3)

"فتح الباري"(2/ 8).

ص: 316

وَفِي رِوَايَةٍ: "لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4687، م: 2763].

567 -

[4] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَليَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ:"أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَو حَدَّكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6823، م: 2764].

ــ

وقوله: (وفي رواية: لمن عمل بها) وهي أيضًا عامة؛ لأن (من) الموصولة بالفعل من صيغ العموم.

567 -

[4](أنس) قوله: (إني أصبت حدًا) أي: موجِبه، ظاهره أنه ارتكب كبيرة، وقد حكم صلى الله عليه وسلم بغفرانه بواسطة صلاته معه، إلا أن يقال: زعم الرجل أنه يوجب الحد، أو أراد بالحد ما يشمل التعزير، وأيضا الظاهر من عدم سؤاله صلى الله عليه وسلم وتنقيرهِ أنه فعل صغيرة أو كبيرة أن المغفرة تعمهما، إلا أن يقال: إنه علم صلى الله عليه وسلم بالقرينة أو الوحي أنه لم يصب حدًا فلذلك لم يسأله، ولذلك أيضًا قال الرجل ثانيًا.

وقوله: (فأقم فيّ كتاب اللَّه) أي: أقم بما يكون من شأني حدًّا كان أو غيره، فافهم. وأقول وباللَّه العصمة والتوفيق: لعل هذا من خصوصيات الصلاة معه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال: (أليس قد صليت معنا؟ )، والحديث السابق في الصلاة مع غيره، وقد روى صاحب (الكشاف) هنالك أنه صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بأن يتوضأ ويصلي ركعتين، واللَّه أعلم.

وقوله: (فأقم فيّ) قال أولًا: (فأقم الحد علي)، وههنا قال:(فأقم فيّ) تفننًا، ويمكن أن يجعل (فيّ) متعلقًا بكتاب اللَّه، أي: النازل في شأن هذا الحكم، قدِّم عليه

ص: 317

568 -

[5] وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: . . . . .

ــ

للاهتمام، ووجهه الطيبي (1) بما حاصله: أن للحد استعلاءً على العبد ولحكم اللَّه استقرارًا فيه، ولا يخفى ما فيه من الخفاء.

568 -

[5](ابن مسعود) قوله: (أي الأعمال أحب إلى اللَّه تعالى؟ ) وفي رواية: أي العمل أفضل؟

وقوله: (الصلاة لوقتها) وفي لفظ البخاري: (على وقتها)، قال الشيخ (2): اتفق أصحاب شعبة على لفظ (على وقتها)، وخالفهم علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم، فقال:(الصلاة في أول وقتها)، أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقه، قال الدارقطني: ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه، وقد أطلق النووي في (شرح المهذب) أن رواية:(في أول وقتها) ضعيفة، لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة والحاكم وغيرهما، وكل من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد، ويمكن أن يكون أخذه من لفظه على؛ لأنها يقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فتعين أوله، وقال: اللام في لوقتها للاستقبال مثل قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي: مستقبلاتِ عدتهن، وقيل: للابتداء كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وقيل: بمعنى (في) أي: في وقتها، وقيل في رواية:(على وقتها): على بمعنى اللام ففيه ما تقدم، وقيل: لإرادة الاستعلاء على الوقت، وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه.

وقوله: (ثم أي؟ ) قيل: إنه غير منون لأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصلُه بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة،

(1) انظر: "شرح الطيبي"(2/ 149).

(2)

"فتح الباري"(2/ 10).

ص: 318

"بِرُّ الْوَالِدَيْنِ" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 527، م: 85].

ــ

ثم يؤتى بما بعده، وجزم بعضهم بتنوينه لأنه معربٌ غير مضاف، وتعقِّب بأنه مضاف تقديرًا، والتقدير: ثم أيّ العمل أحب؟ فيوقف عليه بلا تنوين، كذا ذكر الشيخ.

وقوله: (بر الوالدين) كذا للأكثر، وللمستملي (ثم بر الوالدين) بزيادة (ثم).

وقوله: (حدثني بهن) هو مقول عبد اللَّه بن مسعود، وفيه تقرير وتأكيد بسماعه.

وقوله: (ولو استزدته) والظاهر أن المراد: من هذا النوع، وهي مراتب أفضل الأعمال، قال الشيخ (1): ويحتمل أن يريد من مطلق المسائل المحتاج إليها، وفي رواية الترمذي (2):(فسكت عني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني)، فكأنه استشعر منه مشقة، وفي رواية مسلم:(فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه) أي: شفقة عليه لئلا يسأم، كذا قال الشيخ، وبمكن أن يكون عدم الاستزادة رعاية للأدب، وترك السؤال عن مسائل شتى في وقت واحد.

واعلم أنه قد اختلفت الأحاديث في بيان أفضل الأعمال كما ورد أن خير أعمال الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام، وأن أفضل الأعمال أن يسلم المسلمون من يده ولسانه، وأن أحب الأعمال إلى اللَّه أدومها، وأن الذكر خير الأعمال، وأن أفضل الأعمال جهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة، وقد ورد: أحسن العمل وأجمله حج مبرور، وأمثال ذلك، ومحصل ما قال العلماء في تطبيقها: إن اختلاف الجواب لاختلاف السائلين، بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات، فالجهاد في ابتداء الإسلام أفضل

(1)"فتح الباري"(2/ 10).

(2)

"سنن الترمذي"(1898).

ص: 319

569 -

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 82].

ــ

الأعمال، وقد تظاهرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن المراد بأفعل التفضيل الفضل المطلق أو المراد: من أفضل الأعمال، فحذفت من وهي مرادة، وإذا أريد بالأعمال البدنية فالإيمان خارج من المبحث. وقد ورد: أفضل الأعمال إيمان باللَّه، وينبغي أن يكون المراد بالجهاد ما ليس بفرض عين، فإنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدمًا عليه.

والأحسن أن يقال: إن المراد أحب وأفضل في بابه، فالصلاة بالليل أفضل في باب العبادة البدنية، والصدقة في باب الجود والمواساة، وإفشاء السلام في باب التواضع، والجهاد في باب إعلاء الدين، وعلى هذا القياس، وقد قيل مثل هذا في تسمية قصة يوسف أحسن القصص ونحو ذلك.

569 -

[6](جابر) قوله: (بين العبد والكفر ترك الصلاة) ظاهر اللفظ أن يكون التقدير: الفارق بين العبد والكفر ترك الصلاة، وهو مشكل فإن الفارق بينهما الصلاة دون تركها، واضطربوا في توجيهه، وذكروا فيه ثلاث وجوه:

أحدها: أن فعل الصلاة هو الحاجز، ولما لم يكن بين المنزلتين منزلة، والتهاون بحفظ حد الشرع كاد يفضي بصاحبه إلى حد الكفر، عبّر عنه بارتفاع البينونة.

وثانيها: أن يؤوَّل ترك الصلاة بالحد الواقع بينهما، فمن تركها دخل الحد وحام حول الكفر ودنا منه، فالمراد أن حد الإسلام إلى ترك الصلاة، فإذا وصل العبد إليه خرج عن الإسلام لانتهاء حده.

وثالثها: أن التقدير: ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر (1)، كذا قالوا.

(1) والمعنى أنه يوصله إليه، قاله القاري (2/ 510).

ص: 320