المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

641 -

[1] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،

ــ

الفصل الأول

641 -

[1](أنس) قوله: (ذكروا النار والناقوس) أول القصة ما ذكر في الفصل الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن المسلمين كانوا حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيَّنون للصلاة) الحديث.

وقال التُّورِبِشْتِي: هذا الحديث إما أن يكون مبسوطًا فاختُصر، وإما أن يكون أنس قد حدَّث به على ما هو عليه، فلم يضبط الراوي، وحدث به حين علاه السنُّ فلم يتذكر القصة فيه.

وقوله: (ذكروا النار)، قال بعضهم: نوقد نارًا ونرفعها، فإذا رآها الناس أقبلوا إلى الصلاة، وقوله:(والناقوس)، في (القاموس) (1): الناقوس: الذي يضربه النصارى لأوقات صلاتهم، خشبة كبيرة طويلة، وأخرى قصيرة، واسمها الوبيل، وفي (مجمع البحار) (2): خشبة طويلة تضرب بخشبة هي أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم، وكذا قال السيوطي في (شرح صحيح البخاري)(3).

وقال الكرماني (4): الناقوس: الذي يضربه النصارى لوقت الصلاة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 535).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 791، 792).

(3)

"التوشيح"(2/ 640).

(4)

"شرح الكرماني"(5/ 2).

ص: 394

فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. . . . .

ــ

وفي (فتح الباري)(1): ووقع لابن ماجه عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى)، ووقع في بعض النسخ:(بل قرنًا)، وهي رواية مسلم والنسائي (2)، والبوق والقرن معروفان، والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضًا الشبّور بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة، انتهى. وفي (القاموس) (3): البوق بالضم: الذي ينفخ فيه ويزمر.

ثم الظاهر من هذا الحديث أن النار لليهود والناقوس للنصارى، وعليه كلام الطيبي (4).

وذكر في بعض شروح (الهداية): أنه أشير إلى الناقوس فقيل: هو للنصارى، وأشير إلى النفخ في القرن فقيل: هو لليهود، وأشير إلى إيقاد النار فقيل: هو للمجوس.

ولكن يختلج أن المجوس ليس لهم صلاة، فالمراد أن إيقاد النار من دأبهم سواء كان للإعلام لوقت العبادة أو لا، وهم يعبدون النار.

وقال التُّورِبِشْتِي: المشهور عن اليهود أنهم كانوا ينفخون في قرن، وقد ذُكر ذلك في حديث الأذان، ولم تُذكر النار إلا من حديث أنس هذا، فلعلهم صنعوا الأمرين، أو كانوا فريقين: فريق يوقد النار وفريق ينفخ في القرن.

وقوله: (فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة) هذا مذهب الأئمة الثلاثة

(1)"فتح الباري"(2/ 80)، وانظر:"سنن ابن ماجه"(ح: 707).

(2)

"صحيح مسلم"(377)، "سنن النسائي"(626).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 802).

(4)

"شرح الطيبي"(2/ 192).

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتمسكهم بهذا الحديث، وقال الترمذي (1): وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: حديث أنس حسن صحيح، وهو قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وأورد حديثًا آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد اللَّه بن زيد قال:(كان أذان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة)، وقال بعض أهل العلم: الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة.

وقال الشيخ ابن الهمام (2): روى أبو داود عن ابن أبي ليلى عن معاذ رضي الله عنه، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال:(فاستقبل القبلة) يعني الملك (قال: اللَّه أكبر) إلى آخر الأذان، قال:(ثم أمهل هُنيةً، ثم قام فقال مثلها إلا أنه زاد بعد ما قال: حي على الفلاح: قد قامت الصلاة)، وقال: إن ابن أبي ليلى لم يدرك معاذًا، وهو مع ذلك حجة عندنا، إذ روى ابن أبي شيبة (3) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسندٍ قال في (الإمام): رجاله رجال الصحيحين، قال:(ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه رأيت في المنام كأن رجلًا قام وعليه بردان أخضران، فقام على حائط، فأذن مثنى مثنى)، الحديث، ولابن ماجه قال -يعني أبا محذورة-:(علمني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة: اللَّه أكبر اللَّه أكبر)، الحديث، وفيه الترجيع، والإقامة سبع عشرة كلمة: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، إلى آخره، وفيه تثنية التشهدين والحيعلتين، وقد قامت الصلاة، وللترمذي: علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة.

(1)"سنن الترمذي"(1/ 370)، وانظر: رقم الحديث (ح: 194).

(2)

"فتح القدير"(1/ 243).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2118).

ص: 396

قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُهُ لِأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلَّا الإِقَامَة. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 603، م: 378].

ــ

وأما الاستدلال للشافعي رحمه الله بالحديث المتفق عليه فلا يخفى أن ما رويناه نصٌّ على العدد، وعلى حكاية كلمات الأذان، فانقطع الاحتمال بالكلية، بخلاف: أمر أن يوتر الإقامة، فإن بعد كون الآمر هو الشارع، فالإقامة اسم لمجموع الذكر، وتعليق الإيتار بها نفسها لا يراد على ظاهره، وهو أن يقول: الإقامة التي هي مجموع الذكر مرة لا مرتين، فلزم كونه إما إيتار ألفاظها كما ذهب إليه، أو إيتار صوتها بأن يَحْدُرَ فيها كما هو المتوارث، فيجب الحمل على الثاني ليوافق ما رويناه من النص الغير المحتمِل. كيف وقد قال الطحاوي: تواترت الأخبار عن بلال رضي الله عنه أنه كان يُثَنِّي الإقامة حتى مات، وعن إبراهيم النخعي: كانت الإقامة مثل الأذان، حتى كان هؤلاء الملوك فجعلوها واحدة واحدة للسرعة إذا خرجوا، يعني: بني أمية، كما قال أبو الفرج ابن الجوزي: كان الأذان والإقامة مثنى مثنى، فلما قام بنو أمية أفردوا الإقامة، انتهى كلام ابن الهمام.

وقال الشُّمُنِّي: روى الطحاوي والبيهقي في (الخلافيات) عن أبي العميس قال: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري يحدث عن أبيه عن جده: (أنه رأى الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى).

وقوله: (قال إسماعيل) أحد رواة الحديث، شيخ شيخ البخاري ومسلم، وهذا القول أيضًا مذكور في الصحيحين، لكنه ذكره البخاري بلفظ: إسماعيل بن إبراهيم، ومسلم: إسماعيل بن عُلَيَّة، وإبراهيم اسم أبيه وعلية اسم أمه.

قوله: (إلا الإقامة) أي: إلا لفظ (قد قامت الصلاة) فإنه يثنَّى.

قوله: (متفق عليه) الاستثناء مذكور في الحديث المتفق عليه، وقد تفرد بهذا

ص: 397

642 -

وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: "قُل: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ تَعُودُ فَتَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،

ــ

البخاري أيضًا، ولم يذكر فيه الاستثناء، فأخذ به مالك رحمه الله، فعنده يوتر الإقامة، أي: قوله: (قد قامت الصلاة) أيضًا.

642 -

[2](أبو محذورة) قوله: (وعن أبي محذورة قال: ألقى علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التأذين فقال: قل: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، اللَّه أكبر اللَّه أكبر) هكذا وقع في نسخ (المشكاة) و (المصابيح): (اللَّه أكبر) أربع مرات كما هو المعهود في الأذان، قال الشيخ ابن الهمام (1): روى مسلم التكبير في أوله مرتين، وبه يستدل مالك رحمه الله، ورواه أبو داود والنسائي التكبير في أوله أربعًا وإسناده صحيح، انتهى.

وقال النووي في شرح هذا الحديث (2): وقع التكبير في أكثر الروايات مرتين، وبه قال مالك، وهو عمل أهل المدينة، ووقع في بعض طرق الفارسي في (صحيح مسلم) أربع مرات، وبه قال الثلاثة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله والجمهور؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.

وقوله: (ثم تعود. . . إلخ)، وهذا هو الترجيع، وهو من الرجع، يعني معاودة الكلام، وفي اصطلاح الفقهاء: هو إعادة الشهادتين بعد ذكرهما بخفضِ الصوت أرفع

(1)"فتح القدير"(1/ 241).

(2)

"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/ 317).

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من الصوت الأول، وهو سنة عند مالك والشافعي رحمهما اللَّه، واختلفت الرواية عن أحمد، وظاهر مذهبه عدم الترجيع، وقال أئمة مذهبه: الخلاف في الاختيار، ولا خلاف في جواز الأمرين من غير كراهة، وقيل عنه: يكره الترجيع، ونُقل عنه: أنه قال: قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم عن أذان أبي محذورة، فأقرَّ بلالًا على أذان عبد اللَّه بن زيد، ولا ينافيه ما قيل: إن أذان عبد اللَّه بن زيد كان بالمدينة، وأذان أبي محذورة كان بعد فتح مكة.

والترجيع ليس بسنة عندنا.

وقال في (الهداية)(1): ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير، وكان ما رواه تعليمًا فظنه ترجيعًا.

وقال الشيخ ابن الهمام (2): منها حديث عبد اللَّه بن زيد بجميع طرقه، ومنها ما في (سنن أبي داود) عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن خزيمة وابن حبان، فاحتمل أن يكون ذلك في حديث أبي محذورة؛ لأنه لم يمدّ بها صوته على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(ارجع فَمُدَّ بها صوتك)، وهو المراد بقول المصنف:(وكان ما رواه تعليمًا) أي: تعليمًا لكيفية أذانه، فظنه ترجيعًا، واستشكل بما في (أبي داود) بإسناد صحيح عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول اللَّه! علمني سنة الأذان، قال:(تقول: اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، تخفض بها صوتك، ثم ترفع بها صوتك)، هذا وقد روى الطبراني عن أبي محذورة ولم يذكر فيه ترجيعًا، فيعارض رواية أبي محذورة فيتساقطان، ويبقى

(1)"الهداية"(1/ 43).

(2)

"فتح القدير"(1/ 241 - 242).

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما قدمناه من حديث ابن عمر، وحديث عبد اللَّه بن زيد سالمًا من المعارض، ويترجح عدم الترجيع؛ لأن حديث عبد اللَّه بن زيد هو الأصل في الأذان، وليس فيه ترجيع، فيبقى معه إلى أن يتحقق خلافه، لكن خلافه متعارضٌ فلا يرفع حكمًا تحقّق ثبوتُه بلا معارض، انتهى.

وقال التُّورِبِشْتِي: حديث أبي محذورة عند من لا يرى الترجيع مؤول على أن أبا محذورة لم يرفع صوته بتلك الكلمات التي هي علم الإيمان ومنار التوحيد، فأمره أن يرجع فيمد بها صوته، ذكر ذلك أبو بكر الرازي، وهو تأويل حسن مستقيم، تشهد له قصة الحال بالإصابة، وذلك أن أبا محذورة كان في جماعة من مشركي مكة، شردوا في الجبال بعد فتح مكة، فسمعوا منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينادي بالصلاة، فطفقوا ينادون ويستهزؤون به، فبلغ الصوت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم، فأتي بهم، فقال: أيكم الذين سمعت صوتهم؟ فأشاروا إلى أبي محذورة فأطلقهم وحبسه.

ثم قال: قم فأذن بالصلاة، فقال أبو محذورة: فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقمت بين يديه فألقى إلي التأذين هو بنفسه، وذكر الحديث، فكأنه لشدة كراهته تهاون في رفع الصوت، فأمره أن يرجع، فيمد صوته بالشهادتين؛ لأنهما كانتا هما الموجبتين لكراهته.

وقال: وعلى هذا الذي ذكرت أراه محتملًا لوجه آخر، وهو أن يكون قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الشهادتين عرض الإسلام عليه، وإنما استحسنا التأويل؛ لأن الترجيع لم يذكر في شيء من الأحاديث إلا في حديث أبي محذورة، لا في حديث بلال، وهو زعيم المؤذنين، وإليه المرجع في سنة الأذان فهو المتبوع، ولم يرو عن ابن أم مكتوم ولا عن سعد القَرَظ مؤذن مسجد قباء، ولم يرو عن أحد الترجيع إلا ما رُوي عن أبي

ص: 400

حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 379].

ــ

محذورة، وما يدل على أن الترجيع من صلب الأذان كقوله:(علمني الأذان تسع عشرة كلمة)، والأشبه أنه حسب ذلك لقصور فهمه ساعتئذ عما خوطب به، ولا نكر (1) في هذا، فقد ابتلي بأعظم من ذلك من هو أقدم منه صحبةً وأوفر علمًا، انتهى.

وذكر السغناقي من الأسرار: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة بذلك لحكمة رويت في قصته، وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام أشدَّ البغض، فلما أسلم أمره رسول اللَّه بالأذان، فلما بلغ كلمات الشهادة خفض صوته حياء من قومه، فدعاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعرك أذنه وقال له: ارجع وامدد بها صوتك.

وقوله: (حي على الصلاة) حي بفتح الياء اسم لفعل الأمر، يقال: حي على الثريد، وقال في (المشارق) (2): حي على الصلاة وحي على الفلاح، وإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، وحي هلا بكم، وحي على الوضوء، معنى هذا كله: أقبِلْ وهلمَّ على الوضوء والصلاة، وعلى ذكر عمر عند ذكر الصالحين، قال السلمي: حي اعجل، هلا صلة.

وقال أبو عبيد: معناه عليك بعمر، [أي: ] ادع عمر، وقيل: معنى حي هلمَّ، وهلا جئنا، وقيل: هلا أسرع، جُعِلا كلمةً واحدةً، وقيل: هلا اسكن، وحي أسرع، أي: أسرع عند ذكره، واسكن حتى ينقضي، يقال: حي على، وحي هلا على وزنها مقصور غير منون، وبهذا جاءت الرواية في ذكر عمر، وحي هلًا منون على المصدر:

(1) كذا في (ر) و (ب)، وفي (د):"ولا نكير".

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 344).

ص: 401