الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب الغسل المسنون
ــ
11 -
باب الغسل المسنون
أورد المؤلف في هذا الباب من الغسل المسنون أربعة: غسل الجمعة، وبعد غسل الميت، وبعد الحجامة، وعند الإسلام، ولم يذكر للعيدين مع أنه مسنون أو مندوب عند الأئمة إذ لم يصح عند المحدثين حديث في ذلك، ولم يذكر المؤلف في باب العيدين أيضًا حديثًا في ذلك، وما وجدناه في (جامع الأصول) من الكتب الستة، وما وجدنا في الكتب سوى حديثين حكموا عليهما بالضعف، أحدهما: ما ذكره الشُّمُنِّي من رواية ابن ماجه في (سننه) والطبراني في (معجمه) والبزار في (مسنده) عن الفاكه بن سعد قال (1): كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة، والفاكه بن سعد رضي الله عنه ثبت صحته، بل بلغ حد الشهرة، ولم يعرف له غير هذا الحديث.
وقال الشيخ ابن الهمام (2): هذا حديث ضعيف كذا ذكره النووي وغيره، وذكر في شرح (كتاب الخرقي) (3) هذا الحديث وقال: كان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، وقال: رواه عبد اللَّه بن أحمد في (زوائد المسند) وابن ماجه.
وثانيهما ما ذكر السيوطي في (جمع الجوامع) عن الشعبي عن زياد بن عياض الأشعري أنه قال لقوم: كل فعل رأيته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجدتكم تفعلونه إلا أنكم لا تغتسلون يوم العيدين، رواه ابن منده وابن عساكر وقال: صحيح عن عياض،
(1)"سنن ابن ماجه"(1316)، و"المعجم الكبير"(18/ 320، رقم: 828)، وانظر:"نصب الراية"(1/ 85).
(2)
"فتح القدير"(1/ 66).
(3)
"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 366).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: زياد غير محفوظ، انتهى.
وقد ذكر في (جامع الأصول)(1) من (الموطأ) أن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل، وفي رواية: كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وقالوا: شدة مبالغته رضي الله عنه في متابعة السنة تقتضي أنه قد صح الحديث في ذلك، قاله صاحب (سفر السعادة)(2)، ولم يذكر المؤلف غسل يوم عرفة أيضًا، ولم يذكره أيضًا في الأحاديث الواردة في مناسك الحج مع ذكر الفقهاء إياه، ولم يذكر الغسل للإحرام مع وروده في الأحاديث، فكأنه اكتفى بذكره في موضعه، ولكن غسل الجمعة أيضًا مذكور في بابه، فتدبر.
قال في (الهداية)(3): وسن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة والعيدين ويوم عرفة وللإحرام، واللَّه أعلم.
ثم إنهم قد اختلفوا في غسل يوم الجمعة، فالأكثر على أنه سنة ومستحب وهو مذهبنا ومذهب الشافعي والمختار في مذهب أحمد وعند مالك رحمهم الله، وفي رواية عن أحمد واجب؛ لأنه قد ورد بصيغة الأمر كما جاء في رواية البخاري ومسلم والترمذي (والموطأ) والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (4): قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من جاء منكم يوم الجمعة فليغتسل)، وفي (الموطأ) (5) عن ابن السباق: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال
(1)"جامع الأصول"(7/ 331).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 104).
(3)
"الهداية"(1/ 20).
(4)
"صحيح البخاري"(894)، و"صحيح مسلم"(844)، و"سنن الترمذي"(1457)، و"الموطأ"(231)، و"سنن النسائي"(1376).
(5)
"موطأ مالك"(144).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في جمعة من الجمع: (يا معشر المسلمين! إن هذا يوم جعله اللَّه عيدًا فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك)، وجاء بصريح لفظ الوجوب أيضًا كما رواه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي:(غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وفي أخرى:(الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم)، وفي أخرى:(على كل محتلم، وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجد)، وقال عمر رضي الله عنه: أما الغسل فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فاللَّه أعلم أواجب هو أم لا، ولكن هكذا جاء في الحديث، كذا عند البخاري.
وجاء عند مسلم في الطيب: (ولو من طيب المرأة)، وفي (الموطأ) (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: غسل الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة، وغيره من الأحاديث في معنى ما ذكرنا، لكن القائلين باستحباب الغسل يقولون: كما أنه وردت أحاديث ظاهرة في وجوب غسل الجمعة كذلك جاءت أحاديث في الاكتفاء بالوضوء أيضًا كالحديث المذكور في الكتاب عن سمرة بن جندب، كما روى الترمذي وأبو داود والنسائي، وقال في شرح (كتاب الخرقي) (2): رواه الخمسة إلا ابن ماجه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس رضي الله عنهم، وقال: حديث سمرة حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم اختاروا الغسل يوم الجمعة ورأوا أن يجزئ الوضوء عن الغسل.
(1)"موطأ مالك"(228).
(2)
"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(1/ 362).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروى الخمسة (1) إلا النسائي عن ابن عمر وأبي هريرة أن عمر رضي الله عنه بينما هو يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين، وفي رواية أبي هريرة من رواية الأوزاعي: إذ دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فنادى عمر: آية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد على أن توضأت، فقال عمر رضي الله عنه: والوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل، وفي حديث أبي هريرة: ألم تسمعوا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)؟ .
وقال الشافعي رحمه الله: ومما يدل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة كان على الاختيار لا على الوجوب، وحديث عمر حيث قال لعثمان رضي الله عنهما: والوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة، فلو عَلِمَا أن أمره على الوجوب لا على الاختيار لم يترك عمر عثمان رضي الله عنهما حتى كان يرده ويقول له: ارجع واغتسل، ولما خفي على عثمان رضي الله عنه ذلك مع علمه، ولكن دلّ الحديث على أن الغسل يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء ذلك.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة)، الحديث، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محمد رحمه الله في (الموطأ) (2): الغسل أفضل يوم الجمعة [وليس بواجب]، وفي هذا آثار كثيرة، وبهذا تحقق أن صيغة الأمر ولفظ الوجوب في هذا الباب للندب
(1)"صحيح البخاري"(878)، و"صحيح مسلم"(845)، و"سنن أبي داود"(1115)، و"سنن الترمذي"(494)، و"سنن ابن ماجه"(1088).
(2)
انظر: "التعليق الممجد"(1/ 299).