الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلَ:
474 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 239، م: 282].
ــ
أنواعه من ماء السماء والأرض مما ينبع منها أو لا كالبحر، والراكد والجاري، والقليل والكثير، والمستعمل وغيره، وسؤر الحيوانات وغيره، وماء الحياض والشمس وغيرها مما ذكر في الباب، والضابط في جواز الوضوء أن يكون ماءً مطلقًا طاهرًا غير متغير أوصافه، والمراد بالمطلق ما لا يضاف إلى شيء غيره، كماء الباقلاء وماء الحمص وماء الورد مما لا يفارق اسمه الإضافة في وقت، واحترز بذلك عن إضافة مفارقة كماء النهر وماء البحر، فوجود هذه الإضافة كعدمها، والفرق بين الإضافتين أن الأولى لا يصح فيها نفي الماء، وفي الثانية يصح نفيه، أي: بالإطلاق، فتدبر. واللَّه أعلم.
الفصل الأول
474 -
[1](أبو هريرة) قوله: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) الماء الدائم: الساكن الراكد، من دام الشيء: إذا سكن ومكث، فقوله:(الذي لا يجري) صفة كاشفة تؤكد الأولى، وقيل: احترز عن الدائم الذي يجري بعضه في البرك، فكأنه أراد الذي لا يجري بكله، وفي بعض الشروح: قال ابن الأنباري: الدائم من الأضداد يقال للساكن وللدائر، ومنها أصاب الإنسان دُوَام، أي: دُوار، فهو لتخصيص أحد معنيي المشترك، ولا يخلو عن تكلف.
وقوله: (ثم يغتسل فيه) الرواية المشهورة في (يغتسل) الرفع، أي: لا يبل ثم هو يغتسل فيه، أي: يبعد عن العاقل أن يبول في الماء وهو يغتسل فيه، فهو عطف على جملة (لا يبولن)، وقد يروى بالجزم على (يبولن)، فيفهم على التقديرين تنجس الماء
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: "لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ. . . . .
ــ
بالبول، ولهذا يقيد بالماء القليل، والكثير في حكم الجاري، وقيل: ولو كان كثيرًا أيضًا، فإنه وإن لم يتنجس لكن لعله يتغير بسبب تعاقب الناس عليه بالبول تأسيًا به، فيكره البول فيه نهي كراهة، وستعرف معنى القليل والكثير، والماء وإن كان كثيرًا لا يجوز الوضوء إذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وقد جوز النصب بإضمار (أن) وإعطاء (ثم) حكم (1) واو الجمع في مثل: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وتعقب بأنه يقتضي أن يكون المنهي عنه هو الجمع بين البول والاغتسال دون إفراد البول، وليس كذلك، بل البول منهي عنه سواء أريد الاغتسال فيه أم لا، كما يدل عليه حديث جابر، وقد قال بعض الشافعية في الماء الجاري أيضًا إذا كان قليلًا بالكراهة، ثم تخصيص الاغتسال بالذكر اتفاقي، وحكم الوضوء أيضًا كذلك، وكذلك تخصيص البول، والتغوط كذلك.
هذا، وقد أغرب شيخ شيوخنا في الحديث الشيخ ابن حجر المكي وقال: هذا التفصيل كله في غير الليل، أما فيه فيكره قضاء الحاجة في الماء مطلقًا؛ خشية أن يؤذيه الجن، لما قيل: إن الماء بالليل مأوى لهم.
وقوله: (وفي رواية لمسلم) لا يظهر وجه ذكر هذا الحديث بهذه العبارة، وليس هذا رواية في الحديث الأول، بل هو حديث برأسه، وإن كان بيانًا لحكم الماء الراكد، فالظاهر أن يقول: وعنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم. . .) الحديث، وبهذا النسق ذكر في (المصابيح)، وحديث جابر الآتي أولى بأن يذكره بهذه العبارة.
وقوله: (لا يغتسل) يروى بالرفع والجزم، والمراد ههنا أيضًا القليل، فإن الكثير
(1) قال القاري نقلًا عن ميرك: فيه نظر؛ لجواز أن يكون مثل قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42] والواو للجمع، والمنهي ههنا الجمع والإفراد، بخلاف قوله: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، "المرقاة"(2/ 171).
وَهُوَ جُنُبٌ". قَالُوا: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا. [م: 283].
475 -
[2] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 281].
476 -
[3] وَعَن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ،
ــ
في حكم الجاري كما عرفت.
وقوله: (يتناوله تناولًا) أي: يغترف منه بيده مثلًا ثم يغتسل به خارجه، وفيه دليل على أن الجنب إذا أدخل يده فيه ليتناول الماء لا يتغير به حكم الماء، وإن أدخل فيه ليغسلها من الجنابة يتغير حكمه، إما إلى النجاسة أو إلى عدم الطهورية.
475 -
[2](جابر) قوله: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد) يدل بظاهره على كون البول فيه منهيًّا عنه، وإن لم يجتمع مع الاغتسال، والمراد بالراكد الدائم، فركود الماء ودوامه وسكونه واحد، وعلى ما نقل في بعض الشروح من الفرق بين الدائم والراكد بأن الأول ما ينبع، والثاني ما لم ينبع يمكن أن يوجه التقييد بالراكد بأن الساكن الذي ينبع في حكم الجاري كما جاء في بعض الروايات الفقهية، فلا ينجس بالبول فيه ما لم يتغير، واللَّه أعلم.
476 -
[3](السائب بن يزيد) قوله: (ذهبت بي خالتي) لم تسم كذا في مقدمة الشيخ (1).
وقوله: (وجع) الوجع محركة: المرض، والوجع بكسر الجيم: المريض كخجل،
(1)"فتح الباري"(1/ 335).