الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
654 -
[1] عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 387].
ــ
كان في المسجد ولم يجب لم يكن آثمًا لحصول الإجابة الفعلية، فلا حاجة إلى الإجابة القولية، واختلفوا في قارئ القرآن يجيب أو لا يجيب؟ ونقل السغناقي: أن الأفضل أن يمسك ويجيب، وقيل: إن كان في المسجد مضى في قراءته.
الفصل الأول
654 -
[1](معاوية) قوله: (المؤذنون أطول الناس أعناقًا) قال عياض (1): الرواية فيه عندنا بفتح الهمزة جمع عُنق، فقيل: المراد أن الناس في الكرب وهم في الرَّوح، وقيل: معناه انتظارهم الإذن لهم في دخول الجنة وامتداد آمالهم وأعينهم وتطلعهم برؤوسهم وأعناقهم لذلك، وقيل: معناه الإشارة إلى القرب من كرامة اللَّه تعالى ومنزلته، وقيل: معناه أكثر الناس أعمالًا، يقال: لفلان عنق من الخير، وقيل: معناه أنهم يكونون رؤساء يومئذ، والسادة توصف بطول الأعناق.
وحكى الخطابي والهروي أن بعضهم رواه بكسر الهمزة، والإعناق: الإسراع، يريد إلى الجنة، انتهى.
وقال التُّورِبِشْتِي (2): وهذا قول غير معتدٍّ به روايةً ومعنى، انتهى. وفيه ما فيه، وبعد تسليم عدم اعتداده رواية فهو في معنى الوجه الذي رجحه فلا معنى لعدم الاعتداد معنى.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 160).
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 193).
655 -
[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذا نُودِيَ للصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِي النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: . . . . .
ــ
655 -
[2](أبو هريرة رضي الله عنه) قوله: (إذا نودي للصلاة) إنما قال بهذه العبارة إشارة إلى علة الحكم.
وقوله: (أدبر الشيطان له ضراط) وفي رواية الأصيلي: (وله ضراط) بالواو، والجملة الاسمية تقع حالًا بالواو وبدونها، ويروى:(ضريط) كنهاق ونهيق، وهو ريح وصوت يخرج من الدبر، قال في (الفتح) (1): قال عياض: ويمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ونفرته، وفي رواية لمسلم:(له حُصاص) بمهملات مضموم الأول، فقد فسّره الأصمعي وغيره بشدة العدو.
وقال الطيبي (2): شبّه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سمّاه ضراطًا تقبيحًا له، واللَّه أعلم.
وقال بعض العلماء: يشبه أن يكون المنع عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن من هذا المعنى لئلا يكون متشبهًا بالشيطان.
وقوله: (حتى إذا ثوب) المراد بالتثويب ههنا الإقامة كما مر.
وقوله: (حتى يخطر) أي: يحول ويحجز، يريد الوسوسة، أي: يسوِّل له الأماني
(1)"فتح الباري"(2/ 85).
(2)
"شرح الطيبي"(2/ 203).
اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 608، م: 389].
ــ
ويحدثه الأحاديث، وهو بوزن يضرب، وأكثر الرواة على ضم الطاء، ومعناه المشي والسلوك، أي يدنو فيمر بين المرء وقلبه فيشغله، كذا في (مجمع البحار) (1). وفي (القاموس) (2): خطر الرجل بسيفه ورمحه: رفعه مرة ووضعه أخرى، وفي مِشيته: رفع يديه ووضعه أخرى (3)، ويجوز أن يكون من الخاطر بمعنى الهاجس، أي: سببًا للخواطر.
وقوله: (لما لم يكن يذكر) أي: لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله، وفي رواية لمسلم:(لما لم يكن يذكر من قبل)، ومن ثم استنبط أبو حنيفة -رحمة اللَّه عليه- للذي شكا إليه أنه دفن مالًا، ثم لم يهتد لمكانه أنه يصلي ويحرص على أن لا يحدث نفسه من أمر الدنيا، ففعل فذكر مكان المال في الحال، كذا في (فتح الباري)(4).
وقوله: (حتى يظل) بفتح الظاء، أي: يصير، مضارع ظل من الأفعال الناقصة، ووقع عند الأصيلي:(يضل) بالضاد، أي: ينسى، ومنه قوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: 282].
واختلفوا في السبب في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، ومن أحسن ما قيل فيه: إن على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها؛ لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف القرآن
(1)"مجمع بحار الأنوار"(2/ 65).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 306).
(3)
كذا في المخطوط، وفي "القاموس": ووَضَعَهما خَطَرانًا فيهما.
(4)
"فتح الباري"(2/ 86).
656 -
[3] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 609].
ــ
والصلاة، فإن النفس تحضر فيها فيفتح الشيطان أبواب الوسوسة، بل عدم وقوع الوسوسة والرياء هو الدليل على تباعد الشيطان. وقيل: إن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بل يقع على وفق الأمر فيفر من سماعها، وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرِّط، فلو قدر أن المصلي وَفَّى بجميع ما أمر به فيها لم يقربه، كذا في (الفتح)(1)، ويلزم منه أن من لحن في الأذان ولم يأت به كما هو قد لا يفر منه الشيطان، واللَّه أعلم.
656 -
[3](أبو سعيد الخدري) قوله: (لا يسمع مدى صوت المؤذن) المدى بفتح الميم والدال بمعنى الغاية، فيه سلوك طريقة البرهان وإثبات أنه إذا شهد من سمع الأخفى؛ لأن غاية الصوت يكون أخفى كان غيره بالشهادة أولى، أي: يشهد له بالإيمان والفضل والكرامة من سمع صوته من القريب والبعيد من الجن والإنس والحيوانات والنباتات والجمادات، ويؤيده ما في رواية ابن خزيمة (2):(لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس) كما ذكر في (الفتح)(3).
وقد يقال: المراد بقوله: (ولا شيء) الملائكة، وقيل: إن الملائكة داخلة في
(1)"فتح الباري"(2/ 86 - 87).
(2)
"صحيح ابن خزيمة"(ح: 389).
(3)
"فتح الباري"(2/ 88)،
657 -
[4] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،
ــ
الجن؛ لأنهم يَسْتَجِنُّونَ (1) من الأبصار، ولا يذهب عليك أنه إذا أريد بالشيء ما يشمل النباتات والجمادات ففي قوله:(يسمع) جمع بين الحقيقة والمجاز، اللهم إلا أن يثبت لها حقيقة السمع كالكلام والتسبيح، أو يحمل على عموم المجاز، ثم قيل: إن اللفظ عام، والمراد به خاص بالمؤمنين، فإن الكافر لا تقبل منه الشهادة، وفيه ما فيه.
657 -
[4](عبد اللَّه بن عمرو بن العاص) قوله: (إذا سمعتم المؤذن) ظاهره أن يقول ذلك حال سماع المؤذن، ولا يتقيد بفراغه، وكذا الحال في الذكر المذكور، لكنه يحتمل أن يراد من الأذان إتمامه؛ لأن المطلق يحمل على الكامل، فالمراد الوقت الموسع، أو المراد تأخير هذا الذكر عنه بدلالة (ثم)، ثم الأمر إما للوجوب، وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية خلافًا للجمهور، وخالف الطحاوي أصحابه [فوافق] الجمهور، كذا في (فتح الباري)(2).
وقوله: (فقولوا مثل ما يقول) ظاهر في أنه يقول عند الحيعلتين إياهما دون الحولقة، فبهذا الطريق أيضًا يحصل الإجابة، إلا أن يقيد بقرينة الأحاديث الأخر.
وقوله: (فإنه من صلى علي صلاةً صلَّى اللَّه عليه بها عشرًا) هذا جزاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابت دائمًا، غير مختص بوقت استماع الأذان، ولا يخلو لفظ الحديث عن إشعار به، كأنه قال: هذا جزاء الصلاة علي دائمًا، فصلّوا علي في هذا الوقت؛
(1) اسْتَجَنَّ: استتر، "القاموس المحيط" (ص: 1093).
(2)
"فتح الباري"(2/ 95).
ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ،
ــ
فإنه وقت شريف مبارك يستجاب فيه الدعاء، فإن قلت: كيف جاز أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة وعلى المصلي عشرًا؟ قلت: الوحدة قيد فعل المصلي، وهو التصلية لا الصلاة نفسها؛ فإنه لم يقل: اللهم صل عليه صلاة واحدة، بل دعا اللَّه وسأل منه أن يصلي عليه، ولعله سبحانه يصلي على حبيبه أكثر، وأكثر مما يشاء المصلي، ويجد جزاءه عشرًا بحكم:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فافهم، أو تكون الصلاة الواحدة النازلة من جناب القدس على الحبيب المصطفى أفضل وأكمل وأتم من العشر الصلوات التي تصل إلى المصلي بمراتب لا تعدّ ولا تحصى.
وقوله: (ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة) والوسيلة في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، قيل: ما يتقرب به إلى الكبير، وقال في (القاموس) (1): الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك، والدرجة والقرب، ووسّل إلى اللَّه توسيلًا: عمل عملًا يقرب (2) إلى اللَّه تعالى كتوسَّل، انتهى. والمراد بما ورد في الحديث: القرب من اللَّه تعالى، وقد وقع في حديث مسلم هذا تفسيرها بـ (منزلة في الجنة)؛ لأن التوصل إليها يكون قريبًا من اللَّه سبحانه، فيكون كالقربة التي يتوصل بها إليه تعالى فيرجع إلى الأول، وكذلك في الحديث الآتي عن جابر رضي الله عنه.
وقول الطيبي (3): أما الوسيلة المذكورة في الدعاء المروي [عنه] بعد الأذان فقيل:
(1)"القاموس المحيط"(ص: 895).
(2)
كذا في النسخ المخطوطة: "يقرب إلى اللَّه"، وفي "القاموس":"تقرب به إليه".
(3)
"شرح الطيبي"(2/ 203).
وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [م: 384].
658 -
[5] وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،
ــ
هي الشفاعة، يشهد لها قوله في آخر الدعاء:(حلت له شفاعتي)، لا يخلو عن خفاء؛ لأن مضمون الحديثين واحد، وهو: من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم، فما الفرق؟ ويمكن أن يحمل الوسيلة في الحديثين على حصول القرب والدرجة يحصل بها من القدر والعزة له صلى الله عليه وسلم ما تيسر به الشفاعة، والمراد بـ (المنزلة في الجنة) المنزلة عند اللَّه تعالى، وإنما قال:(في الجنة)؛ لأن أثرها يظهر في مراتب الجنة ودرجاتها، فافهم.
وقوله: (وأرجو) تواضع وتأدب منه صلى الله عليه وسلم للحضرة الإلهية، كقول الخليل عليه الصلاة والسلام:{أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82]، بل يحتمل أن يكون ذلك تيقنًا بالوقوع؛ لأن رجاء الحبيب لا يخيب.
وقوله: (أكون أنا هو) من إقامة الضمير المرفوع مقام المنصوب، والضمائر يستعار بعضها لبعض كقولهم: ما أنا كأنت، ويحتمل أن يكون الجملة خبرًا لـ (أكون).
658 -
[5](عمر) قوله: (قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه) يدل على تعيين
ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 384].
659 -
[6] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ،
ــ
(لا حول ولا قوة إلا باللَّه) عند الحيعلتين، وما اشتهر عند بعض الناس من قولهم:(ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن) في الفلاح فلم نجد له أصلًا.
قال في (سفر السعادة)(1): ولم يثبت حديث في الجمع بين الحوقلة والحيعلة، ولا في الاقتصار على الحيعلة، انتهى. وأنت خبير بأن بعض هذا الحديث الصحيح يحكم بأن يقول ما قال المؤذن من غير ذكر الحوقلة في الحيعلتين، وظاهره الاقتصار على الحيعلة، وقد ذكر في بعض شروح (الحصن الحصين): وللحنابلة وجه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة (2)، واللَّه أعلم.
وقوله: (من قلبه) قيد في جميع ما مرّ، ويدل عليه حديث أبي هريرة في آخر الفصل الثالث:(وإذا قال: الصلاة خير من النوم قال: صدقت وبررت).
659 -
[6](جابر) قوله: (حين يسمع النداء) أي: بعد إتمامه وإكماله.
وقوله: (اللهم رب هذه الدعوة التامة)، وفي (الفتح) (3): زاد البيهقي: اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة، والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ
(1)"سفر السعادة"(ص: 225).
(2)
في "التقرير": ومال ابن الهمام إلى الجمع بينهما، وقال بعضهم: العمل بالحوقلة أولى؛ لأنها مفسرة. انظر: "العرف الشذي"(1/ 54)، و"مرقاة المفاتيح"(2/ 560).
(3)
"فتح الباري"(2/ 95).
وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا. . . . .
ــ
الْحَقِّ} [الرعد: 14]، وقيل لدعوة التوحيد:(تامة)؛ لأن الشرك نقص، أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، وقال ابن التين: وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو: لا إله إلا اللَّه، كذا في (الفتح)، ولو ضم (محمد رسول اللَّه) لكان أحسن وأتم؛ لأن أتم القول هو المجموع.
وقوله: (والصلاة القائمة) إشارة إلى مضمون قوله: (حي على الصلاة)، وتلميح إلى قوله تعالى:{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [البقرة: 3]، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء، وبالقائمة الدائمة، من قام على الشيء: إذا داوم عليه، فيكون بيانًا للدعوة التامة وتأكيدًا، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها، وهو الأظهر، كذا في (فتح الباري)(1).
وقوله: (والفضيلة) أي: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون [منزلة أخرى، أو] تفسيرًا للوسيلة.
وقوله: (وابعثه مقامًا محمودًا) أي: يحمد القائم فيه، أي: ابعثه يوم القيامة، فأقمه مقامًا محمودًا، أو ضمَّن (ابعثه) معنى أقمه وأعطه.
وقال النووي: ثبتت الرواية بالتنكير، فكأنه حكاية للفظ القرآن، و [قد جاء] في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري بالتعريف عند النسائي، وكذلك في (صحيح ابن خزيمة) وابن حبان، وفي الطحاوي والطبراني والبيهقي، كذا في (الفتح)(2)، وتعقب البيهقي على من أنكر ذلك كالنووي.
(1)"فتح الباري"(2/ 95).
(2)
"فتح الباري"(2/ 95).
الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 614].
660 -
[7] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى الْفِطْرَةِ"، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .
ــ
وقوله: (الذي وعدته) وزاد في رواية البيهقي: (إنك لا تخلف الميعاد)، وقوله:(الذي) إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى رواية التعريف الظاهر كونه صفة، والمراد بالمقام المحمود مقام الشفاعة، وقيل: إجلاسه على العرش أو الكرسي، وهو أيضًا علامة الإذن في الشفاعة، ووقع في (صحيح ابن حبان):(يبعث الناس فيكسوني ربي حلةً خضراءَ، فأقول ما شاء اللَّه أن أقول، فذلك المقام المحمود)، والمراد بالثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة، كذا في (الفتح)(1).
وقوله: (حلَّتْ) أي: استحقت ووجبت، أو نزلت عليه، من حلَّ يحُلُّ بالضم بمعنى نزل، واللام بمعنى على كما مرّ من رواية مسلم، ووقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود:(وجبت له).
اللهم صلّ وسلّم على هذا النبي الكريم العظيم سيد المرسلين وشفيع المذنبين، واجعلنا من زمرته وحزبه في الدنيا والدين، آمين يا رب العالمين.
660 -
[7](أنس) قوله: (يغير) من الإغارة، وهو الركض الشديد لإرادة القتل أو النهب.
وقوله: (على الفطرة) أي: أنت على فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها، فهذا
(1)"فتح الباري"(2/ 95 - 96).
"خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ". فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعزًى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 382].
661 -
[8] وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّه رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنبُه". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 386].
662 -
[9] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ". . . . .
ــ
شهادة على إيمانه.
قوله: (خرجت من النار) تأكيد له، ومعناه: خرجت لإيمانك من استحقاق النار، أو إنك وإن عصيت ودخلت النار تخرج منها آخرًا.
وقوله: (راعي مِعْزى) بكسر الميم وسكون العين المهملة مقصورة، وقد يمد بخلاف الضأن، كذلك المعز بالفتح وبالتحريك، والماعز واحد المعز للذكر والأنثى، والجمع مواعز، وقرئ قوله تعالى:{وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] بسكون العين وفتحها.
661 -
[8](سعد بن أبي وقاص) قوله: (من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده. . . إلخ) هكذا لفظ الحديث، ويحتمل أن يقوله عند الشهادتين، أو بعد فراغ من الأذان، واللَّه أعلم.
662 -
[9](عبد اللَّه بن مغفل) قوله: (بين كل أذانين صلاة) أكثرهم على أن المراد بالأذانين الأذان والإقامة، إما على التغليب، وإما على أن الأذان اسم لكل واحد
ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 627، م: 838].
ــ
من الأذان والإقامة حقيقة؛ لأن الأذان بمعنى الإعلام، والإقامة إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول وقتها، والمعنى بين كل أذان وإقامة صلاة نافلة، ونكِّرت ليتناول كل عدد أراده المصلي، كركعتين وأربع أو أكثر، ولا يستبعد ذلك إلا من يكره النافلة بين أذان المغرب وإقامتها كأبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، وقد جاء في حديث البخاري (1) عن أنس أنه قال:(كان المؤذن إذا أذن للمغرب قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب)، وزاد مسلم (2): فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صُلِّيت من كثرة من يصليهما، وظن بعضهم أنها كانت راتبة المغرب.
قال التُّورِبِشْتِي (3): وإنما ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى كراهة النافلة قبل صلاة المغرب بحديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه[أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن عند كل أذان ركعتين ما خلا صلاة المغرب) (4)، وقد روي عن النخعي أنه قال: ركعتان قبل المغرب بدعة، وقال]: (إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يصلوها)(5)، وما رواه أنس وغيره من الصحابة فهو منسوخ، وكان في الأول حيث نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبين لهم بذلك وقت الجواز، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ما رأيت يصليهما على
(1)"صحيح البخاري"(ح: 625).
(2)
"صحيح مسلم"(ح: 837).
(3)
"كتاب الميسر"(1/ 195).
(4)
أخرجه البيهقي في "سننه"(2/ 474).
(5)
انظر: "مشكل الآثار"(14/ 116، رقم: 5495).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا) (1)، إشارة إلى نسخه من قبل رؤيته.
هذا، ولا يجوز حمل الحديث على ظاهره بأن يراد بالأذانين حقيقتهما؛ لأن الصلاة مفروضة بين أذاني وقتين، والحديث ناطق بالتخيير لقوله عليه الصلاة والسلام في الثالثة:(لمن شاء)، وأيضًا لا فائدة معتدًا بها في هذا الحكم؛ لأنه قد علم بالضرورة فرضية الصلوات في الأوقات الخمس، وقال بعضهم: لا مانع من حمله على ظاهره؛ لأن تقديره: بين كل أذانين صلاة نافلة مع المفروضة.
وقيل: المراد بقوله: (صلاة) وقت الصلاة، والمقصود ينبغي أن يجعل بين الأذان والإقامة مقدار وقت صلاة، كما مر في الفصل الثاني من (باب الأذان) من حديث جابر رضي الله عنه:(واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل والشارب) الحديث، والبخاري ترجم الباب بقوله:(باب كم بين الأذان والإقامة)، ثم أورد هذا الحديث، وقيل: يحتمل أن يكون المراد الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة؛ لأن منتظر الصلاة في الصلاة.
وقال ابن الجوزي: فائدة هذا الحديث أنه يمكن أن يتوهم متوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها، فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز، كذا ذكر في (فتح الباري)(2).
وهذه توجيهات ومحتملات بعيدة، والصواب أن المراد بيان أن مع كل فريضة نفلًا، وينبغي أن يصلي بينهما نافلة لشرف الوقت وكثرة الثواب، وأما الإشكال بالمغرب
(1) انظر: "مسند عبد بن حميد"(804).
(2)
"فتح الباري"(2/ 107).