المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يوجب الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب آداب الخلاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب السواك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب سنن الوضوء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الغسل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أحكام المياه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلَ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب تطهير النجاسات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب المسح على الخفين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب التيمم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الغسل المسنون

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب الحيض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌13 - باب المستحاضة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تعجيل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب فضائل الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الأذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فيه فصلان

- ‌ الْفَصْل الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الستر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب السترة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب صفة الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب القراءة في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

391 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 162، م: 278].

392 -

[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3295، م: 238].

ــ

ثم المراد بالسنن ههنا أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله من الفرائض والسنن، يقال: جاء في السنة، أي: في الحديث، كذا قال الطيبي (1).

الفصل الأول

391 -

[1](أبو هريرة) قوله: (فلا يغمس يده) روي بنون التأكيد وبدونه.

وقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده) قالوا: كان أهل الحجاز أكثرهم يومئذ يستنجون بالأحجار لقلة الماء بأرضهم، فإذا نام عرق محل الاستنجاء، وربما أصابت يده ذلك الموضع، فأمروا بأن لا يغمسوها في الإناء حتى يغسلوها ثلاثًا لاحتمال ورود النجاسة عليها غالبًا، وهو أمر ندب واستحباب احتياطًا في أمر العبادات وليس بواجب، لأنه مبني على أمر موهوم أو مظنون، وأصل الماء واليد على الطهارة عند الأكثرين غير أن أحمد بن حنبل حكم بإيجاب الغسل ونجاسة الماء.

392 -

[2](أبو هريرة) قوله: (فليستنثر) في (القاموس)(2): نثر الشيء ينثره

(1)"شرح الطيبي"(2/ 61).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 446).

ص: 115

393 -

[3] وَقِيْلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهَ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ،

ــ

نثرًا ونثارًا: رماه متفرقًا، والنثرة: الخيشوم وما والاه، أو الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف، واستممر: استنشق الماء، ثم استخرج ذلك بنفس الأنف كانتثر، والخيشوم من الأنف ما فوق نخرته من القصبة وما تحتها، وقد ذكر في الأحاديث الاستنشاق وحده، وهو إدخال الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه، والاستنثار وحده وهو إخراجه منه بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى، ويستلزم ذلك ذكر الاستنشاق لكونه تابعًا له، وقد يذكر كلاهما وهو ظاهر، وبيتوتة الشيطان على الخيشوم محمول على الحقيقة، وموكول علمه ومعرفته إلى علم الشارع؛ فإن اللَّه خص نبيه عليه الصلاة والسلام بأسرار تقصر عن دركها العقول والأفهام، وقد يأول بما يجتمع فيه من الأخلاط والمخاط والغبار والأقذار في أقصى الأنف القريب بمقدم التجويف الأول من الدماغ الموجب لانسداد طريق الإدراك وتطرق الفكرة والكسل المانع من أداء حق التلاوة والخضوع والخشوع وفوات رعاية آداب الصلاة، وهي مرضاة للشيطان، فنسب إليه كما قيل نحو ذلك في أكل الشيطان مع من ترك التسمية، وإدراكه المبيت في بيت لم يذكر اسم اللَّه فيه، وأمثال هذا كثيرة في الأحاديث، والأول هو الطريق الأقوم، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.

393 -

[3](عبد اللَّه بن زيد) قوله: (ثم مضمض واستنثر) أي: استنشق، هذا يحتمل كونهما بغرفة واحدة، وكون كل منهما بغرفة على حدة سيجيء الكلام فيه تفصيلًا.

ص: 116

بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى يرجع إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَلأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ "الْجَامِعِ". [ط: 2/ 24، ح: 45، ن: 97، د: 118].

394 -

[4] وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدِ بْنِ عَاصِمٍ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَضْمَضَ وَاستَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا،

ــ

وقوله: (بمقدم رأسه. . . إلخ)، تفسير لقوله:(فأقبل بهما وأدبر)، فالمراد بالإقبال الإذهاب من جانب القدام إلى الخلف، وبالأدبار عكسه.

وقوله: (رواه مالك والنسائي، ولأبي داود نحوه) اعتراض على صاحب (المصابيح) بذكره في الصحاح، فإن ما ذكره ليس إلا في (الموطأ) و (سنن النسائي) ولأبي داود نحوه، والذي في الصحيحين إنما هو بلفظ ذكره المؤلف بقوله:(وفي المتفق عليه) إلى قوله: (وفي رواية: فأقبل بهما وأدبر) ومن هذا القول إلى قوله: (ثم غسل رجليه)، وهذه رواية من المتفق عليه بدل:(فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر)، وصاحب (المصابيح) ذكرها فيما حكم عليه المؤلف أنها رواية مالك والنسائي، وما ذكر المؤلف من الروايات سوى هذه الرواية مذكورة في (المصابيح) موجودة في الصحيحين، فافهم، فإنه لا يخلو عن قلق، وقد ذكر الطيبي (1) اعتذار المؤلف عن ذلك.

394 -

[4](عبد اللَّه بن زيد) قوله: (فمضمض واستنشق من كفة واحدة) قال

(1)"شرح الطيبي"(2/ 65).

ص: 117

ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [خ: 185، 186، 191، 192، 199، م: 235].

وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رجلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاث غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ. وَفِي أُخْرَى: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَفِي أُخْرَى لَهُ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ.

ــ

الشيخ (1): كذا في رواية أبي ذر، وفي نسخة: من غرفة واحدة، وللأكثر: من كف بغير هاء، ثم قال: قال ابن بطال: المراد بالكفة الغرفة، ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث بالكف، ثم قال: والمراد بكفة فعله لا أنها تأنيث الكف، وقال صاحب (المشارق) (2) قوله: من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وغرفة، أي: ملأ كفه.

واعلم أنه صلى الله عليه وسلم غسل في بعض الأحيان مرة مرة اقتصارًا على مقدار الفرض الذي لا يصح الوضوء بدونه، وفي بعضها: مرتين مرتين مبالغة في تطهير، وسماه نور على نور، وجعله سببًا لمزيد الثواب ومضاعفة الأجر، وفي بعضها: ثلاثًا ثلاثًا، وهذا غاية

(1)"فتح الباري"(1/ 297).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 561).

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مرتبة التطهير والمبالغة، وهو أحد معاني إسباغ الوضوء الذي وقع في الأحاديث الأمر به، والترغيب فيه، والزيادة على الثلاث تعدي وإسراف وظلم منهي عنه كما جاء في الحديث، ولكنها لا تبطل الوضوء، وفي بعضها:(غسل بعض الأعضاء ثلاثًا)، وبعضها: مرتين، وبعضها: مرة، وفيها صور شتى، ثم إنه قد ورد في الأرجل المرات، وقد ورد الغسل مطلقًا من غير ذكر المرات، ولكن بقيد التنقية والتنظيف، ولذا لم يقل بعضهم بتثليث الغسل في القدمين، كذا في شرح ابن الهمام (1).

وقد وقع في بعض الروايات غسل الأعضاء كلها مطلقًا بلا ذكر عدد، وظاهره في المرة الواحدة، أو كان مقصود الراوي في ذلك المقام بيان أصل الغسل فسكت عن بيان العدد، والكل لبيان الجواز وتوسيع الأمر، والغالب التثليث، ونقل الشُّمُنِّي من (الفتاوى الظهيرية) أن من اكتفى بالمرة أثم عند البعض لتركه السنة المشهورة، ولم يأثم عند آخرين لإتيانه بالمأمور به وصحة الحديث الوارد فيها، وقال محمد في (موطئه) (2): الغسل ثلاثًا أفضل، والاكتفاء بمرتين كفاية، والغسل مرة إن كان بالإسباغ والإكمال أيضًا يكفي، وقال: هذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، انتهى.

ونقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال (3): لا أحب الزيادة على الثلاث، وإن زاد لا أقول: إنه حرام، والصحيح من مذهبه كراهة الزيادة على الثلاث كراهة تنزيه، وذهب قوم إلى أن الزيادة مبطلة للوضوء كما في الصلاة من زيادة ركعة مثلًا، وهذا القياس فاسد، وقد ورد بعد ما توضأ ثلاثًا ثلاثًا أنه قال: هكذا الوضوء، فمن زاد أو

(1) انظر: "فتح القدير"(1/ 33).

(2)

"التعليق الممجد"(1/ 49).

(3)

انظر: "المجموع شرح المهذب"(1/ 439)، و"فتح الباري"(1/ 234).

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نقص أساء وظلم وتعدى، ولم يذكر في بعض الروايات النقصان وهذا أصح، وأخرج ابن خزيمة هذا الحديث في (صحيحه) وتكلم في ذكر النقصان، وخطأ راويه؛ لأن ظاهره ذم النقص عن الثلاث وليس الأمر كذلك، وقال بعضهم: الإساءة يتعلق بالنقصان، والظلم بالزيادة.

بقي الكلام في المضمضة والاستنشاق، قال في (المواهب اللدنية) (1): قال النووي: وفي كيفية المضمضة والاستنشاق خمسة أوجه، الأصح أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق، والثاني: يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق منها ثلاثًا، والثالث: يجمع أيضًا بغرفة لكن يتمضمض منها ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها ثم يستنشق، والرابع: يفصل بينهما بغرفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثًا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا، والخامس: يفصل بست غرفات، يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث، قال: والصحيح الأول، وبه جاءت الأحاديث الصحيحة، انتهى.

هذا وقد وجدنا ألفاظ الحديث فيها مختلفة، وقع في أكثرها: فغسل كفيه ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثم يديه، فظاهره يدل على وصل المضمضة والاستنشاق وإن لم يكن قطعيًّا، وفي بعضها: غسل يديه ثم مضمض ثم استنشق ثم غسل الوجه، وهو ظاهر في الفصل، والذي ذكر المؤلف من رواية:(فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء) فمحتمل للوجهين فصلًا ووصلًا، ولكن وقع في بعض الأحاديث صريحًا أنه مضمض واستنشق بغرفة واحدة أو كفة واحدة.

(1)"المواهب اللدنية"(4/ 37).

ص: 120

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمشهور من مذهب الشافعي رضي الله عنه الوجه الأول من الوجوه الخمسة، والمشهور من مذهب إمامنا الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه الفصل بين المضمضة والاستنشاق على الوجه الخامس، ومتمسكه حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رواه أبو داود (1) قال: دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق، وقد جاء عنه أيضًا قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا من كف واحد، رواه ابن ماجه (2)، لكن رجحنا الرواية الأولى عنه؛ لأن الفم والأنف عضوان فلا يجمع بينهما بماء كسائر الأعضاء، وقد ثبت في أصول الفقه أن الحديث الذي يوافق القياس يقدم على ما يخالفه، وقد تكلموا في حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده بأن جد طلحة مجهول، ولم يثبت صحبته مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذكر في (جامع الأصول) (3): طلحة بن مصرف من أعلام التابعين وأثباتهم، وجده كعب بن عمرو، وقيل: عمرو بن كعب، وقال الشُّمُنِّي في شرح (النقاية): وقال البيهقي في (كتاب المعرفة): كان عبد الرحمن بن مهدي يقول: جده عمرو بن كعب له صحبة، وقال في (سننه) عن يحيى بن معين أنه قال: المحدثون يقولون: إنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأهله يقولون: لا صحبة له، انتهى.

قال الشيخ ابن الهمام (4): وذلك غير قادح بعد ما اعترف به أهل الشأن، وعبد الرحمن بن مهدي من كبار أئمة المحدثين في درجة الإمام أحمد بن حنبل

(1)"سنن أبي داود"(139).

(2)

"سنن ابن ماجه"(404).

(3)

"جامع الأصول"(12/ 543).

(4)

"فتح القدير"(1/ 35).

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رحمهم الله، وكذلك يحيى بن معين من كبار الأئمة، ولما قالوا بصحبته ثبت المدعى، وعدم وقوف أهل بيته لا يقدح في ذلك، وأخرج ابن سعد حديثًا من جد طلحة في (باب المسح) بلفظ: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمسح هكذا، فثبت أن له صحبة، كذا قال الشيخ ابن الهمام.

وبالجملة قد علم أن فعله صلى الله عليه وسلم في غسل أعضاء الوضوء كان مختلفًا على ما هو عادته الشريفة المستمرة في السنن والمستحبات، وأيضًا كان عمله صلى الله عليه وسلم في المضمضمة والاستنشاق وكيفيتهما أيضًا مختلفًا، ولهذا لم يذهب أحد من الأئمة بوجوب أحد الوجوه، وعند الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز وصل المضمضة والاستنشاق وبغرفة واحدة كما نقل الشُّمُنِّي من (الفتاوى الظهيرية)، وكذا يجوز عند الشافعي الفصل بينهما بمياه جديدة. وروى الترمذي (1) عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: جمع المضمضة والاستنشاق بكف واحد جائز، وفصلهما بمياه جديدة أحبّ إلي، فارتفع الاختلاف، واللَّه أعلم.

ولقد وقع شيء من الإطناب في الكلام في هذا المقام تحصيلًا للمقصود وتحقيقًا للمرام، ونتممه بذكر مسح الرأس والاختلاف فيه ليتم شرح الباب فنقول معتصمًا بتوفيق الملك الوهاب: اعلم أن أكثر الأحاديث في المسح جاءت مطلقة بلا تقييد بعدد، وجاءت مقيدة بمرة واحدة أيضًا، وهذه الأحاديث صحيحة، ووقع في رواية النسائي والترمذي وأبي داود مرتين أيضًا وسموها بالضعف، وأما تثليث المسح فلم يجئ في حديث صحيح سوى ما جاء في الحديث أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا، والوضوء شامل للغسل والمسح.

(1)"سنن الترمذي"(27).

ص: 122

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال الشافعي رحمه الله بتثليث المسح بهذا الحديث وبقياس المسح على الغسل، وجوابه أن قوله: توضأ ثلاثًا ثلاثًا محتمل، والأحاديث الصحيحة التي جاءت في عدم تكرار المسح عين المراد به، وبين أن التثليث باعتبار الغالب من الأعضاء ومخصوص بالأعضاء المغسولة، وبناء المسح على التخفيف، فقياسه على الغسل وبناؤه على الإكمال والإسباغ قياس مع الفارق، وأيضًا تثليث المسح بماء جديد قد يفضي إلى الغسل الذي حقيقته جريان الماء، وهو خلاف وضع المسح، وأيضًا قد وقع في الحديث الذي ذكر فيه المسح مرة أن من زاد أو نقص أساء وتعدّى وظلم، فلا تكون الزيادة على مرة واحدة سنة.

وقال في (فتح الباري)(1): لم يجئ في طريق من الصحيحين ذكر عدد المسح، وعليه أكثر العلماء إلا الشافعي رضي الله عنه يقول: بأن تثليث المسح مستحب، وقال أبو داود: أحاديث أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وهي صحاح الباب كلّها دالة على أن مسح الرأس مرة واحدة، وقد بالغ أبو عبيد وقال: لا أعلم أحدًا من السلف ذهب إلى استحباب التثليث في المسح إلا إبراهيم التيمي، ولكن في هذا القول نظر، لأن ابن أبي شيبة وابن المنذر حكاه عن أنس وعطاء وغيرهما، وصحح ابن خزيمة وغيره التثليث في حديث عثمان رضي الله عنه، وزيادة الثقة مقبولة، انتهى.

وأورد في (جامع الأصول)(2) من حديث عثمان رضي الله عنه رواية ذكر فيها مسح الرأس ثلاثًا، ونقل الشيخ ابن الهمام (3) عن البيهقي أنه قال: روي بوجوه غريبة تكرار المسح

(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 298).

(2)

"جامع الأصول"(8/ 76).

(3)

"فتح القدير"(1/ 52).

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في حديث عثمان، ولكنها لمخالفتها الأحاديث الصحيحة ليست بحجة عند أهل العلم، انتهى.

وأخرج الترمذي (1) عن وائل بن حجر: ثم مسح على رأسه ثلاثًا ومسح أذنيه ثلاثًا، وكل ما جاء من هذا القبيل إن صح فهو محمول على التكرار بماء واحد لا بماء جديد كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه، وذكر الشُّمُنِّي من (الفتاوى الظهيرية) أن تثليث المسح بماء جديد بدعة، وقد جاء في رواية غرسه عن أبي حنيفة رضي الله عنه تثليث المسح بماء واحد، فقال في (الهداية) (2): إنه مشروع ومروي عن أبي حنيفة، وفي بعض شروح (الهداية) أنه روى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لو مسح ثلاثًا بماء واحد كان مسنونًا، هذا الكلام في سنة المسح، وأما فرضه فقد ذهب مالك رضي الله عنه أن مسح كل الرأس فرض، وعند أبي حنيفة فرضه مسح ربع الرأس، وفي رواية: قدر ثلاث أصابع باعتبار أن الواجب إلصاق اليد بالرأس، والأصابع أصل اليد، ولهذا تجب بقطعها دية اليد، والثلاث أكثرها، وللأكثر حكم الكل، وعند الشافعي رضي الله عنه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح وإن كان ثلاث شعرات بل شعرة واحدة، ومذهب أحمد رضي الله عنه عند عامة أصحابه كمذهب مالك رضي الله عنه، وفي رواية كمذهب الشافعي، وفي أخرى كمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وفي رواية: مسح أكثر الرأس، وفي رواية: للنساء مسح البعض، وللرجال مسح كله، ودلائل الكل ذكرتها في (شرح سفر السعادة)(3).

(1) لم نجده في "سنن الترمذي"، نعم رواه البزار في "مسنده"(4488)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 49) مطولًا وفيه:"ثم مسح على رأسه".

(2)

"الهداية"(1/ 16).

(3)

"شرح سفر السعادة"(ص: 37).

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسمعت شيخي علي بن جار اللَّه مفتي بلد اللَّه الحرام ينقل عن بعض مشايخه أنه قال: الإنصاف في مسألة المسح مع مالك رحمه الله، وأقوى ما يرده حديث مسح الناصية، وقالوا: هو محمول على أن ذلك مع العمامة كما جاء مفسرًا في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة: وكان صلى الله عليه وسلم إذا مسح على ناصيته أتمه بالمسح على العمامة، وسيجيء ذلك.

ثم اعلم أن كيفية مسح كل الرأس الذي هو سنة أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدّها إلى قفاه على وجه يستوعب الرأس، ثم يمسح بإصبعيه أذنيه، ولا يكون الماء مستعملًا بهذا؛ لأن الاستيعاب بماء واحد كما هو مذهبنا لا يكون إلا بهذا الطريق، ولأنه لا يحتاج إلى تجديد الماء لكل جزء من أجزاء الرأس، فالأذن أولى لكونه تبعًا له، وفي (المحيط) (1): والمستحب في الاستيعاب أن يضع من كل واحد من اليدين ثلاث أصابع على مقدم رأسه، ولا يضع الإبهام والسبابة، ويجافي كفيه ويمدها إلى القفاء، ثم يضع كفيه على مؤخر رأسه ويمدهما إلى مقدمه، ثم يمسح ظاهر كل أذنيه بإبهام، ومسح باطنهما بمسبحة، ذكر كلا من هذين الطريقين الشُّمُنِّي، ونقل الأول عن (شرح الكنز) والثاني عن (المحيط)، فتدبر.

وقال الشيخ ابن الهمام (2): وأما مجافاة السبابتين مطلقًا ليمسح بهما الأذنين والكفين في الإدبار ليرجع بهما على الفودين (3) فلا أصل له في السنة؛ لأن الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال، والأذنان من الرأس حتى جاز اتحاد بلتهما، ولأن أحدًا ممن

(1) انظر: "المحيط البرهاني"(1/ 47).

(2)

"فتح القدير"(1/ 16).

(3)

الفَوْدُ: مُعْظَمُ شَعْرِ الرأسِ مما يَلي الأُذُن، وناحِيةُ الرأسِ. "القاموس المحيط" (ص: 307).

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حكى وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه ذلك، فلو كان ذلك من الكيفيات المسنونة وهي غير متبادرة لَنَصُّوا عليها.

ثم اعلم أنه لم يرو في الكتاب حديث في مسح الرقبة، وقال صاحب (سفر السعادة) (1): لم يثبت في مسح الرقبة حديث، وهو مستحب عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو مختار بعض الشافعية أيضًا، ويروون في ذلك حديثًا (2):(من مسح قفاه مع رأسه وقي من الغل يوم القيامة)، وروي هذا الحديث موقوفًا ومرفوعًا، لكن سنده ضعيف، وأورد الشيخ ابن الهمام حديث الترمذي في ذلك عن وائل بن حجر: ثم مسح على رأسه ومسح أذنيه وظاهر رقبته، وحديثًا من أبي داود: أنه صلى الله عليه وسلم مسح الرقبة مع مسح الرأس (3)، وقال: عند البعض هو بدعة، ولم يذكره في (الهداية) من السنن والمستحبات، وقال الشُّمُنِّي: مسح الحلقوم بدعة.

(1)"سفر السعادة"(ص: 20).

(2)

انظر: "كتاب الطهور" للقاسم بن سلام (1/ 384).

(3)

وأخرج أبو داود حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: "رأيت رسول اللَّه يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال وهو أول القفا". قال شيخنا في هامش "البذل"(1/ 582): وفي رواية أحمد: "وما يليه من مقدم العنق"، بسطه صاحب "الغاية". استدل به صاحب "المغني"(1/ 151) على مسح الرقبة، واستدل أيضًا برواية ابن عباس:"امسحوا أعناقكم مخافة الغُلِّ"، واستحبابه رواية لأحمد، والقديم للشافعي، وفي رواية الدارقطني:"حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه"، كذا في "غاية المقصود". قال ابن رسلان: استدل به على ما قال البغوي والغزالي: إنه يستحب مسح الرقبة، وصحح الرافعي أنه سنة، ومقتضى كلام الحموي أن فيه قولين، وليس بسنة في الجديد، ثم ذكر عدة الروايات في إثباته، فارجع إليه. وقال الشعراني: قول مالك والشافعي: إنه ليس بسنة، وقال أبي حنيفة وأحمد وبعض الشافعية: مستحب، وبسطه في "تحفة الطلبة" لمولانا عبد الحي (ص: 17).

ص: 126

395 -

[5] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 157].

396 -

[6] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 158].

397 -

[7] وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 230].

ــ

395 -

[5](عبد اللَّه بن عباس) قوله: (مرة مرة) في (القاموس)(1): المرة: الفعلة الواحدة ولا يستعمل إلا ظرفًا، وفي (الصراح) (2): مرة: يكبار، مرارًا موات: بارها، وقال الكرماني (3): قوله: (مرة) منصوب على الظرف، أي: توضأ في زمان واحد، ولو كان ثمة غسلتان أو غسلات لكل عضو من أعضاء الوضوء لكان التوضؤ في زمانين أو أزمنة، إذ لا بد لكل غسلة من زمان غير زمان الغسلة الأخرى، أو منصوب على المصدر، أي: توضأ مرة من التوضؤ، أي: غسل الأعضاء غسلة واحدة، وكذا حكم المسح.

396 -

[6](عبد اللَّه بن زيد) قوله: (مرتين مرتين) قد علم وجه إعرابه في شرح قوله: مرة مرة.

397 -

[7](عثمان رضي الله عنه) قوله: (أنه توضأ بالمقاعد) أي: مواضع قعود الناس بالسوق أو غيره، وفي الحواشي: هي صُفَّة بناها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه خارج المسجد

(1)"القاموس المحيط"(ص: 441).

(2)

"الصراح"(ص: 213).

(3)

"شرح الكرماني"(2/ 206).

ص: 127

398 -

[8] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْر فَتَوَضَّؤُوا وَهُمْ عُجَّالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .

ــ

ليقعد الناس ويتكلموا ويتناشدون الشعر فيه، ويقال له: رحبة، وفي شرح الشيخ: اسم موضع بالمدينة يقعد فيه الناس.

398 -

[8](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (حتى إذا كنا بماء بالطريق) أي: كنا نازلين بموضع فيه ماء كنهر أو حوض أو بئر، كان الناس يسكنون عنده، كائن في طريق مكة.

وقوله: (تعجل قوم عند العصر) أي: توضؤوا مستعجلين خوفًا من فوات العصر ومضي وقته.

وقوله: (وهم عجال) صححوه بكسر العين وتخفيف الجيم، وبضم العين وتشديد الجيم، جمع عاجل كقيام جمع قائم، وحفاظ جمع حافظ.

وقوله: (وأعقابهم تلوح) أي: يبدو يبوستها.

وقوله: (لم يمسها الماء) بيان له، وكان القوم كانوا حديثي عهد بالإسلام من سُكّان البوادي فتجوّزوا في غسل أرجلهم لجهلهم بأحكام الشرع الشريف، فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوعيد عن ترك الواجب.

وقوله: (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وفي رواية البخاري ومسلم (1): فنادى بأعلى صوته.

(1)"صحيح البخاري"(60)، و"صحيح مسلم"(241).

ص: 128

"وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 241].

ــ

وقوله: (ويل للأعقاب من النار) ويل كلمة يقولها كل مكروب، وأصلها الهلاك والعذاب، وقيل: شدة العذاب، وقيل: وادٍ في جهنم، ورواه ابن حبان (1) من حديث أبي سعيد، والأعقاب جمع عقب بفتح العين وكسر القاف: مؤخر القدم، يقال بالفارسية لها: باشنة، أي: لأصحاب الأعقاب اللائحة، واللام للعهد، وقيل: العقب يختص بالعذاب إذا قصر في غسلها، فلعلهم يعذبون في الأعقاب خاصة لأجل هذا التقصير.

وقوله: (أسبغوا الوضوء) أي: أكملوه وأتمّوه، ولا تتركوا جزءًا من أجزاء الأعضاء غير مغسول.

وقال بعض العلماء: المراد بالإسباغ ههنا إكمال الوضوء وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه، وهذا فرض، والإسباغ الذي هو التثليث سنة، والإسباغ الذي هو التسييل هو شرط، والإسباغ الذي هو إكثار الماء من غير إسراف فضيلة، وبكل هذا يفسر الإسباغ باختلاف المقامات، ثم في هذا الحديث وأمثاله دليل على وجوب غسل الرجلين، وأن المسح لا يجزئ، وعليه جمهور الفقهاء في الأعصار والأمصار، وأنه لا يجب المسح مع الغسل كما هو مذهب الظاهرية، ولم يثبت خلاف هذا من أحد ممن يعتدّ به في الإجماع، والذين وصفوا وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى صفات متعددة متفقون على غسله الرجلين، وقوله صلى الله عليه وسلم:(ويل للأعقاب من النار) وعيد وتهديد عظيم لمن ينكر الغسل، فهو دليل الوجوب، وهذا الوعيد وقع في أحاديث كثيرة لا تحصى، كذا قال النووي (2).

والكلام ههنا كثير نتحاشى من ذكره مخافة التطويل، لكن المقام جدير بذكره،

(1)"صحيح ابن حبان"(6/ 508، ح: 7467).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(3/ 129).

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فنقول وباللَّه التوفيق وعلى فضله التعويل: اعلم أنه قد اختلفت الأمة في غسل الرجلين ومسحهما، فذهب داود بن علي الظاهري إلى أنه يجب المسح، والغسل احتياطًا؛ لأن الكتاب ورد بهما، وروي عن الحسن البصري وعن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري التخيير بينهما، وذهب قوم إلى فرضية مسح ظاهر القدمين ووجوب الابتداء من الأصابع والانتهاء إلى الكعبين عملًا بظاهر أخبار المسح وإن كانت ضعيفة مع قلتها وبظاهر قراءة خفض:{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]، وفي القراءة بالنصب معطوفة على محل رؤوسكم عطفًا على الأقرب، ولأن هذه الواو قد تكون بمعنى مع، وهي تنصب نحو: استوى الماء والخشبة حملًا لما يحتمل وجهين على ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا دفعًا للتعارض، وقالوا: أخبار المسح والغسل في هذا الباب آحاد، فلا تقبل على مخالفة ظاهر الكتاب، والصحيح ما ذهب إليه عامة العلماء، ولهم في إثبات فرضية غسل الرجلين ثلاثة طرق.

الأول: وإليه ذهب من أصحابنا الإمام أبو جعفر الطحاوي: أن السبيل في القراءتين كالسبيل في الآيتين، وقد تعارضتا فوجب المصير إلى السنة.

وقد اشتهرت الأخبار المتواترة معنى المخرجة في الأصول الستة وغيرها برواية عثمان وعلي وعبد اللَّه بن زيد بن عاصم حاكي وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنس وجابر وأبي هريرة وعبد اللَّه بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غسل قدميه في وضوئه للصلاة إذا كانتا باديتين وأمر بذلك، وأوعد على تركه، وهي علامة الوجوب كذا في (شرح السنة)(1)، وفي تعداد تلك الأخبار تطويل، ولكن علينا أن نذكر بعضها تيمنًا وإلزامًا للحجة، فقد جاء في روايات أبي داود والترمذي والنسائي عن عبد خير وزر بن حبيش

(1) انظر: "شرح السنة"(1/ 314).

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي حية وابن عباس وحسين بن علي رضي الله عنهم عن علي رضي الله عنه أنه توضأ ليعلمهم فغسل رجليه، ثم قال: من سرّه أن ينظر إلى وضوء رسول اللَّه فهذا وضوؤه.

وأخرج الطحاوي (1) عن علي رضي الله عنه أنه دخل الرحبة، ثم قال رضي الله عنه لغلامه: ائتني بطهور، فأتاه بماء وطست فتوضأ فغسل رجليه، وقال: هذا طهور رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لأبي داود (2) عن عبد خير أنه قال: صلى علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، وفي أخرى لأبي داود (3): أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا إلى أن قال: ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله اليسرى ثلاثًا، وفي رواية للنسائي (4) عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: دعاني أبي علي رضي الله عنه بوضوء فقربته له. . . إلى أن قال: ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين، ثم اليسرى كذلك.

وأخرج الطحاوي (5) عن عبد الملك بن سليمان أنه قال: قلت لعطاء: أبلغك عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على القدمين؟ فقال: لا، وأما ما روي عن عباد بن تميم عن عمر (6) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على القدمين، وما روي عن

(1)"شرح معاني الآثار"(158).

(2)

"سنن أبي داود"(112).

(3)

"سنن أبي داود"(111).

(4)

"سنن النسائي"(95).

(5)

"شرح معاني الآثار"(214).

(6)

"شرح معاني الآثار"(157).

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

علي (1) رضي الله عنه أنه صلى الظهر، ثم قعد للناس على كرسيه، ثم أتي بماء فمسح بوجهه ويديه، ومسح برأسه ورجليه، وشرب فضله قائمًا ثم قال: إن ناسًا يزعمون أن هذا يكره، وإني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصنع مثل ما صنعت، وهذا وضوء من لم يحدث، وسائر ما ورد في ذلك، فقد ذكر عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أنهم كانوا يمسحون حتى أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء، فدل ذلك على أن حكم المسح الذي كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه، على أنه ليس في حديث علي رضي الله عنه أن فرض الرجلين هو المسح؛ لأن فيه أنه قد مسح وجهه ويديه، وكان ذلك المسح غسلًا، فكذلك يحتمل أن يكون مسحه لرجليه أيضًا كذلك، يدل على ذلك ما ذكر من الروايات عنه رضي الله عنه.

الطريق الثاني: التمسك بالإجماع، قال الإمام علاء الدين العالم رحمة اللَّه عليه في (تحفة الفقهاء) (2): إن العلماء رحمهم الله أجمعوا على وجوب غسل الرجلين إذا كانتا باديتين بعد وجوب الاختلاف فيه، والإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم، هذا، وقد قيل في مسائل أصول الفقه: المختار أن الإجماع الذي ندر مخالفته حجة؛ لأنه يدل على وجود راجح أو قاطع، إذ لو قيل: يكون متمسك المخالف النادر راجحًا، وأن الكثيرين لم يطلعوا عليه وخالفوه غلطًا أو عمدًا كان في غاية البُعد، لكن ذلك الإجماع لا يتناول الإجماع المعروف عند الأصوليين الذي يكفّر منكره، وأيضًا المخالف النادر إذا نشأ بعد الاتفاق فلا عبرة لمخالفته أصلًا، ثم إن مدار صحة هذا الطريق على الطريق الأول إذ لا بد للإجماع من سند، والسند ههنا هو السنة، ولا يلزم أن يكون السند قطعيًّا،

(1)"شرح معاني الآثار"(151).

(2)

"تحفة الفقهاء"(1/ 11).

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بل قد يكون ظنيًا كالقياس وخبر الواحد، ويصير بالإجماع عليهما قطعيًّا، وإن كان السند قطعيًّا كما فيما نحن فيه من السنة المشهورة المتواترة المعنى فهو أقوى وأحكم، والكلام في الإجماع وأقسامه كثير، فليقتصر على هذا المقدار.

الطريق الثالث: التمسك بالكتاب، بيانه أن نصب اللام في {أَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] قراءة شطر القراء السبعة الذين ثبتت قراءتهم بالتواتر كما حقق في موضعه، وهم نافع وابن عامر والكسائي وحفص راوي عاصم رحمهم الله، والجر أيضًا قراءة شطر القراء السبعة وهم ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر راوي عاصم رحمهم الله، فنصب اللام للعطف على المغسول، وإدخال الممسوح بين المغسولات إشارة إلى انتداب هذه الهيئة أو افتراضها، والعطف على المغسول هو ظاهر تلك القراءة، فلا يجوز ترك هذا الظاهر إلى العطف على محل الممسوح إلا بدليل؛ لأن العطف على المحل بمنزلة المجاز من الحقيقة مع أن العطف على المحل إنما يجوز عند عدم الالتباس، لا تقول: ضربت زيدًا ومررت بعمر وبكرًا، وأنت تريد عطف بكر على عمر محلًا، وخفض اللام للعطف على الممسوح وهو ظاهر تلك القراءة، لكنه يحتمل أن يكون العطف على الممسوح لفظًا فقط للجوار، والمعنى على العطف على المغسول ويسمى هذا جرّ الجوار، وهي كثيرة في لغة العرب وواقعة في القرآن وغيره.

وقد جعل أئمة النحو للعطف على الجوار بابًا وجوّزوا الجرّ للجوار مع العاطف وبدونه، وأخطأ من جعلها لغة رديئة غير فصيحة، ومما يدل على عدم كون الأرجل ممسوحة أن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة، فلما كان ظاهر قراءة النصب وهو العطف على المغسول معينًا للغسل، وظاهر قراءة الخفض محتملًا للغسل وجب الحمل المحتمل على المتعين دفعًا للتعارض، ونقل عن شيخ الإسلام خواهر زاده أنه إذا قيل

ص: 133

399 -

[9] وَعَنِ الْمُغيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ. . . . .

ــ

بالمسح يبقى مقتضى النصب غير معمول به بخلاف العكس، فإن المسح معمول بالغسل؛ لأن المسح بعض الغسل، ففيما ذهبنا إليه عمل بالنص من كل وجه، وفيه خروج عن عهدة الواجب بيقين وتحصيل للطهارة كاملًا، وتمسك بالأصل في باب الوضوء وهو الغسل، إذ هو المطهر حقيقة وحكمًا، ولهذا بدأ اللَّه تعالى به، ثم نقل الحكم إلى المسح في الرأس دفعًا للحرج إذ في غسله من الحرج ما ليس في غسل الوجه واليدين والرجلين إذ كانتا باديتين، ولأن الرجلين أحق بالغسل لوقوعها في مواطئ النجاسة والتلوث من غيرهما من الأعضاء.

وقال بعض العلماء -منهم الشافعي رحمة اللَّه عليه- في تأويل القراءتين: بالنصب أريد به قوم، والجر أريد به آخرون يعنون من يجب عليه الغسل ومن يجوز له المسح، قال شيخ الإسلام خواهر زاده: فعلى هذا في قراءة الجر ذكر الرجل وأريد به الخف للاتصال جوارًا، وقد أشار اللَّه عز وجل إلى الغسل والمسح بنصب اللام وخفضها بلاغةً وإيجازًا، انتهى. وصحة هذا الطريق الثالث أيضًا مبني على الطريق الأول، إذ فصل الخطاب أن تقييد ظاهر الكتاب وتعيين بعض محتملاته على سبيل القطع لا يجوز إلا بمثل ما ذكر من السنة المشهورة المتواترة معنى.

نعم يجوز أن يحصل لظاهر الكتاب قطعية الدلالة باعتبار لحوق القرائن كما قال الأصوليون في إفادة خبر الواحد إذا احتفت به القرائن، وهذا قول من قال من المشايخ: البيان ملتحق بالمبين، واللَّه أعلم وعلمه أحكم.

399 -

[9](المغيرة بن شعبة) قوله: (فمسح بناصيته وعلى العمامة) لمسح بقية الرأس إتمامًا لوظيفة مسح الفريضة كما هو مذهب مالك رحمة اللَّه عليه، أو

ص: 134

وَعَلَى الْخُفَّيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 274].

400 -

[10] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ: . . . . .

ــ

لاستيعاب الرأس كما هو السنة بعد ما مسح أدنى ما يطلق عليه اسم المسح عند الشافعي رحمة اللَّه عليه، أو ربع الرأس عند أبي حنيفة رحمة اللَّه عليه تكميلًا للطهارة في الجملة وهو أمر مستحسن، وأما مسح العمامة مستقلًا بدون مسح الرأس كما على الخف فمنعه أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما مطلقًا، وجوز أحمد الاقتصار عليه بشرط الاعتمام على طهر، وأن تكون العمامة تحت الحنك، أو تكون [لها] ذؤابة وكونها ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس، كذا في بعض الشروح، وربما ينظر قوله:(وعلى الخفين) إلى هذا المعنى.

وقال التُّورِبِشْتِي (1): قد جوز المسح على العمامة جمع من فقهاء أصحاب الحديث، وأكثر ما يدور [عليهم] علم الفتيا في بلاد الإسلام على خلاف ذلك، ومنهم من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم بعد مسح الواجب أن يقصروا من الاستيعاب على مسح العمائم، هذا، ثم يحتمل أنه مسح بناصيته فسوّى عمامته بيديه، فحسب الراوي أنه مسح عليها.

400 -

[10](عائشة) قوله: (يحب التيمن) أي: الابتداء باليمين.

وقوله: (ما استطاع) إشارة إلى شدة المحافظة عليه.

وقوله: (في شأنه) أي: في أفعاله، أي: كان يؤثر اليمين في الأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن.

(1)"كتاب الميسر"(1/ 145).

ص: 135