الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اشتهر العز عند الباحثين بذلك، كما اشتهر بأنه فقيه مجتهد، أما كونه مفسرا فغير مشهور مع أن له تفسيرين:
أحدهما: اختصار تفسير الماوردي " النكت والعيون " وقد قمنا بتحقيقه.
والآخر: ألفه ابتداء في تفسير القرآن الكريم ولا يزال مخطوطا.
ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يكشف الجانب التفسيري من حياة العز بن عبد السلام العلمية، وقبل الشروع في ذلك نمهد له بترجمة موجزة عن العز تتناول نسبه ومولده وأعماله ومواقفه وشخصيته العلمية.
ترجمة العز بن عبد السلام:
نسبه:
هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السلمي المغربي الأصل الدمشقي ثم المصري الشافعي، الملقب بسلطان العلماء، وقد اشتهر بالعز بن عبد السلام.
مولده:
ولد بدمشق سنة (577هـ) وقيل: سنة (578 هـ)، وتوفي بالقاهرة سنة (660هـ).
أعماله ومواقفه:
بعد أن تعلم العز ونضج، بدأ يزاول حياته العملية في التدريس والإفتاء والقضاء والخطابة آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، فكان لا يخشى في الله لومة لائم، وقد اشتهر بمواقفه العظيمة في إقامة الحق وتغيير المنكر. فكانت له مواقف مع حكام عصره، فقد أنكر على حاكم دمشق الصالح إسماعيل بن الكامل تحالفه مع الصليبيين ضد أخيه نجم الدين أيوب حاكم مصر، وتسليمه لهم بعض حصون المسلمين ليساعدوه في محاربة أخيه الذي كان يريد أن ينتزع دمشق منه، فأنكر الشيخ عليه وعرض به في الخطبة ولم يدع له كالعادة. فلما علم الصالح إسماعيل بذلك أمر بعزله عن الخطابة واعتقاله، ثم أفرج عنه بعد محاورات ومراجعات، فاتجه العز بعد ذلك إلى مصر، فوصلها سنة 639 هـ فرحب به حاكمها نجم الدين أيوب، فولاه الخطابة والقضاء فبدأ العز نشاطه في مصر بإقامة السنة ومحاربة البدعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلم، وكانت له مواقف عظيمة مشهورة منها بيعه لأمراء المماليك الذين كان يستعملهم الملك نجم الدين في خدمته وجيشه وتصريف أمور الدولة، فأبطل العز تصرفهم بالبيع والشراء؛ لأن المملوك لا ينفذ تصرفه شرعا
وقد ضايقهم ذلك وعطل مصالحهم فراجعوه، فقال: لا بد من إصلاح أمركم بأن يعقد لكم مجلس فتباعوا فيه، ويرد ثمنكم إلى بيت مال المسلمين، ثم يحصل عتقكم بطريق شرعي فينفذ تصرفكم، فلما سمعوا هذا الحكم ازدادوا غيظا وقالوا: كيف يبيعنا هذا الشيخ ونحن ملوك الأرض، ورفعوا الأمر للملك فغضب، وقال: هذا ليس من اختصاص الشيخ، وليس له شأن به فلما علم العز بذلك عزل نفسه عن القضاء وقرر الرحيل من مصر إلى الشام، فتبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان، وجاء من همس في أذن الملك قائلا " متى راح الشيخ ذهب ملكك "، فخرج الملك مسرعا ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله. فرجع العز ونفذ شرع الله بأن باع أمراء المماليك ورد ثمنهم إلى بيت مال المسلمين. فهذا الموقف العظيم قد خلد ذكره وأقام منار الحق، وأخضع الملك والأمراء المتكبرين على الشعب لحكم الله، وحقق المساواة بين الحاكم والمحكوم أمام شرع الله. وقد اعتزل العز القضاء سنة (640هـ) وتفرغ للإفتاء والتدريس والتأليف. وقد تخرج عليه طلاب كثيرون. منهم شيخ الإسلام ابن دقيق العيد مجدد القرن الثامن، فقد تأثر به في عمله وسلوكه. وهو الذي لقبه "بسلطان العلماء ". ومنهم جلال الدين الدشناوي، وكان زاهدا ورعا وقد انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي بقوص إحدى مدن صعيد مصر. ومنهم أبو شامة المقدسي المؤرخ الكبير الجامع بين فنون العلم، فقد لازم العز كثيرا وسافر معه وسجل كثيرا من أخباره.
شخصيته العلمية:
نبغ العز في علوم متعددة فترك فيها مؤلفات كثيرة غالبها رسائل
صغيرة وهو من الذي قيل فيهم: علمهم أكثر من تصانيفهم.
قال الذهبي: " وقرأ الأصول والعربية ودرس وأفتى وصنف، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرج به أئمة وله التصانيف المفيدة والفتاوى السديدة "(1). وقد ترك لنا مؤلفات متنوعة في الفقه وقواعده تدل على سعة علمه وبعد نظره ودقة ملاحظته وكثرة اطلاعه. قال أكثر مترجميه: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، وقال ابن الحاجب: إنه أفقه من الغزالي (2)، وذكرت كتب التراجم أنه أول من ألقى التفسير دروسا في مصر (3).
فيظهر من هذا أن تدريس التفسير توقف فترة من الزمن بمصر واقتصر فيه على التأليف، فأعاد العز تدريسه، فكان أول من ألقاه دروسا بجانب العلوم الأخرى.
وقد اشتهر العز عند الباحثين بأنه فقيه مجتهد ولم يشتهر بالتفسير مع أنه ترك لنا ثروة عظيمة في التفسير احتوتها مؤلفاته المتعددة في التفسير وعلومه، فله تفسير كامل للقرآن الكريم، كما قام باختصار تفسير الماوردي " النكت والعيون " الذي أنا بصدد دراسته، وألف في مجاز القرآن كتابه " الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز "، أبرز فيه ما اشتمل عليه كتاب الله من فنون البيان والمعاني، وحقق ما فيه من إعجاز لم يستطع العرب الفصحاء أن يأتوا بمثله رغم ما كانوا يجيدون من فنون القول.
(1) راجع: النجوم الزاهرة (7/ 208)
(2)
راجع: طبقات الشافعية لابن السبكي (8/ 214).
(3)
راجع: حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 315) وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 199).
كما ألف في متشابه القرآن كتابه " فوائد في مشكل القرآن " أجاب فيه على إشكالات قد ترد على بعض الآيات، وجل هذه الإشكالات لغوية أو نحوية أو بلاغية.
والدارس لمؤلفات العز في التفسير وعلومه يلحظ تضلعه في اللغة وتمكنه من علم المعاني والبيان وسعة علمه بذلك، لذا عني بالمعاني البيانية واللغوية، وقد يستطرد فيذكر أصول الكلمات اللغوية، ويستشهد عليها بالشعر، فهو يرى أن تفسير القرآن يتوقف على معرفة اللغة، وقد أوضح ذلك في كتابه "الإشارة إلى الإيجاز" فقال "ص279 ": وتتوقف معرفة القرآن على معرفة اللغة والإعراب.
قال ابن عباس: إذا أشكل عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر، فإنه ديوان العرب. فما كان موجبا للعمل جاز أن يستدل عليه بالآحاد والبيت والبيتين من الشعر، وما كان موجبا للعلم فلا يستدل عليه بمثل ذلك.
هذا وهناك ضروب أخرى للتفسير، وقواعد للترجيح ذكرها في الفصول التي ختم بها كتابه "الإشارة إلى الإيجاز " من ص259 إلى آخر الكتاب. تركت إيرادها خشية الإطالة، وكلها تدل على سعة علم العز بالتفسير وتمكنه منه وبعد نظره فيه، والذي أعانه على ذلك تمكنه من اللغة وعلم المعاني والأصول، ولكن يلاحظ عليه أنه لم يطبق تلك القواعد في تفسيره المختصر فاكتفى بسرد أقوال المفسرين، وبيان المعاني التي يحتملها اللفظ دون ترجيح إلا في حالات قليلة كما سيأتي بيانه.