الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبل أن ننهي حديثنا عن مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يحسن بنا أن نقول: إن دعوة الشيخ تتلخص في مبدأين (1) رئيسيين:
أولهما: الدعوة إلى توحيد الله تعالى في عبادته وإخلاص العبادة لله تعالى قولا وعملا والبعد عن كل ما ينافي ذلك. ويندرج تحت الدعوة إلى هذا المبدأ جميع المبادئ الستة السابقة.
ثانيهما: الدعوة إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى كما فصلناه سابقا.
(1) أحمد عبد الرحيم مصطفى: حركة التجديد الإسلامي في العالم العربي الحديث ص32.
ثالثا: أثر الدعوة في العالم الإسلامي
عوامل انتشارها: من أجل الرغبة في نشر مبادئ الدعوة والدفاع عنها أمام خصومها قامت معارك عمت معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية نقلتها من حال إلى حال، حولتها من الانقسام إلى الوحدة ومن الانحراف والجهالة والعصيان إلى التوحيد والعلم والعبادة وأصلحتها في أخلاقها ومعاملاتها وكانت عاقبتها خيرا للإسلام والمسلمين في الدين والدنيا. هي صراع بين الحق والباطل انتهت بانتصار دعوة الحق وأصحابها (1) وقامت دولة إسلامية عزيزة الجانب مرهوبة الأركان وحدت الإمارات المتناحرة تحت لوائها وامتدت من البحر الأحمر غربا إلى الخليج العربي شرقا ومن الشام شمالا إلى اليمن جنوبا (2). توفرت لها كل مقومات الدولة في
(1) علي الطنطاوي: محمد بن عبد الوهاب ص34 - 40 وحسن خزعل: حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص338.
(2)
عبد الله الشبل: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب حياته ودعوته ص62.
مفهوم ذلك العصر وعرفت - تاريخيا - باسم (الدولة السعودية الأولى) حتى إذا سقطت تلك الدولة على يد محمد علي باشا والي مصر من قبل العثمانيين عام (1233هـ - 1818م) - قامت بعدها (الدولة السعودية الثانية) من عام 1238 - 1309هـ (= 1823 - 1891م) ثم الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود عام 1319هـ (1901م) وقد سرى روح الدفاع عن الدعوة السلفية الإصلاحية في الدولتين السعوديتين الثانية (1) والثالثة كما سرى ذلك في الأولى. لكن إذا كانت الدعوة السلفية قد وطدت أقدامها في مساحات واسعة من شبه الجزيرة العربية - دينيا وسياسيا - في ظل الدولة السعودية بجميع أدوارها فإنها تعدت في انتشارها إلى بلاد داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها حتى أنارت عقول الأمة الإسلامية من سومطرة شرقا إلى نيجيريا غربا. هذه الميزة تدفعنا إلى البحث عن عوامل نجاحها، وأسباب انتشارها وخاصة في آسيا وأفريقيا، ويمكن تلخيصها بما يلي:
طبيعة الدعوة وكون مبادئها توافق الفطرة السليمة وهذا عامل في انتشارها فهي سهلة الفهم بعيدة عن التعقيدات والأمور الفلسفية لأنها هي الإسلام بعينه. صاحب الدعوة (الشيخ محمد بن عبد الوهاب) وقوة إيمانه بدعوته وجهاده في سبيلها مهما بلغ الثمن، وتعددت التضحيات.
القوة السياسية للدعوة وهي التي تمثل أنصار الدعوة من (آل سعود) وما بذلوه من التضحية بأنفسهم وأموالهم في سبيل نجاح هذه الدعوة وإقرارها.
(1) عبد الفتاح أبو عليه: الدولة السعودية الثانية ص24.
بيئة الدعوة (نجد) من حيث بساطة أهلها وتقشفهم أعدهم لتحمل مشاق نشر الدعوة، بالإضافة إلى بعد (نجد) عن عصا الدولة العثمانية ونفوذ رجال الدين والمتصوفين وفقهاء المذاهب المختلفة الذين سيحاربون الدعوة - بعد ذلك - خوفا على مراكزهم.
دور علماء الدعوة وما قاموا به من نشر مبادئها في كثير من المناطق بأنفسهم أو بمؤلفاتهم ورسائلهم.
عصر الدعوة: من حيث ما أصاب المسلمين فيه من انحراف ديني وتدهور سياسي بالإضافة إلى تقهقره الاجتماعي، وتخلفه الاقتصادي جعل من الدعوة أمام الناس المنقذ الوحيد لهم.
موسم ومكان الحج: فهو أكبر وسيلة لنشر مبادئ الدعوة خاصة في وقت خضوع الحجاز لدولة الدعوة من سنة 1217هـ - 1228هـ (= 1802 - 1813م) وما امتاز به من أمن واستقرار وتطبيق لمبادئ الإسلام على الوجه الصحيح، وكذا الحال حينما دخلت الحجاز في ظل الدولة السعودية الثالثة عام 1343هـ، فآمن كثير من الحجاج بالدعوة بسبب ذلك وعادوا إلى أوطانهم داعين لها بحماس.
العلاقات التجارية: سواء كانت علاقات فردية يقوم بها أتباع الدعوة مع غيرهم أو علاقات دولية تقوم بها الدولة السعودية مع جيرانها. كان لهذه العلاقات دور في نشر مبادئ الدعوة إلى حد كبير.
كما يجب ألا ننسى دور خصوم الدعوة وبخاصة المفكرين منهم
فإنهم روجوا للدعوة ولفتوا الأنظار إليها من حيث لا يريدون كما قال الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
…
أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
…
ما كان يعرف فضل طيب العود (1)
باجتماع هذه العوامل وتكاتفها صار للدعوة رصيد كبير من الأنصار والمؤيدين بل والتابعين المتأثرين بأفكارها ومبادئها.
ولما كان العالم الإسلامي الذي انتشرت فيه الدعوة يتركز في قارتي آسيا وأفريقية فإن انتشار الدعوة تركز تبعا لذلك في القارتين المذكورتين، وإذا وجد تأثير لها في خارج محيط العالم الإسلامي- كدول أوروبا (2) مثلا - فهم مع قلتهم ذوو أثر طفيف.
أولا: في قارة آسيا: كانت أهم المناطق التي تأثرت بالدعوة في آسيا هي:
أ- اليمن وأطراف الجزيرة: ففي اليمن وجد مجموعة من العلماء تأثروا بالدعوة وأهمهم الشيخ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني (1099 - 1182هـ)(3) والشيخ محمد بن علي الشوكاني (1172 - 1250هـ)(4). وفي أطراف الجزيرة انتشرت الدعوة في قطر والبحرين والمنطقة الشمالية الغربية من عمان.
(1) حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام ج1 ص34.
(2)
أحمد عبد الغفور عطار: محمد بن عبد الوهاب ص208.
(3)
عبد الله محمد حبشي: تاريخ الدعوة الوهابية من مخطوط. يمني، مجلة العرب (رجب عام 1392هـ).
(4)
أحمد أمين: زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص21 و 22.
وعند القبائل التابعة لبعض مشايخ الساحل العماني خاصة القواسم (1) والقبائل المنتشرة في بادية الشام. بل وجد في العراق عند أهل السنة من يعتبرون أتباعا للدعوة السلفية ومؤيدين لها وعلى رأسهم الشيخ (محمود شكري الألوسي 1273 - 1342هـ)(2).
ب - في الهند وباكستان: انتشرت الدعوة هناك على يد الزعيم الهندي المسلم (أحمد بن عرفات الباريلي 1201 - 1246 هـ = 1786 - 1831م) الذي حج إلى مكة عام 1236هـ والتقى ببعض دعاة الدعوة هناك فتأثر بهم وعاد لوطنه داعيا لها فاصطدم مع (السيخ) الوثنيين. وجاهد في القضاء على البدع والخرافات عند قومه المسلمين حتى أسس دولة مستقلة في (البنجاب) لم تلبث أن اصطدمت مع الاستعمار الإنجليزي الذي تعاون مع (السيخ) فقضى عليها. ولكن بقيت دعوته الإصلاحية في أتباعه، ومن المؤيدين للدعوة في الهند وباكستان (أحمد خان)(1237 - 1316 = 1817 - 1898م) الذي كان له جهود في محاربة البدع والخرافات عند المسلمين هناك كما كان له جهود علمية من أهمها تأسيس (كلية عليكرة) ولقد أجمع أكثر المؤرخين على أن لأتباع الدعوة السلفية في بلاد الهند دروا كبيرا في ظهور (الثورة الهندية الاستقلالية) والتي نالت بها الهند استقلالها عام 1367هـ (1947 م)(3).
جـ - في أندونيسيا: تركز انتشار الدعوة في أندونيسيا على جزيرة (سومطرة) ويرجع تاريخ ذلك الانتشار إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري
(1) انظر صالح محمد العايد: دور القواسم في الخليج العربي ص157 (ط بغداد 1976م).
(2)
عبد الرحمن عبد اللطيف آل الشيخ: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص468.
(3)
لوثروب ستودارد: حاضر العالم الإسلامي ترجمة عجاج نويهض تعليق شكيب أرسلان ج1 ص263
(التاسع عشر الميلادي) حينما حج ثلاثة أشخاص من مسلمي أندونيسيا إلى مكة واتصلوا هناك بدعاة الدعوة السلفية وعلمائها فتأثروا بهم وعادوا إلى أوطانهم يدعون للدعوة بحماسة حتى صار لهم أتباع كثيرون فاصطدموا بقوات الاستعمار الهولندي فدامت الحروب بينهم ستة عشر عاما (1). وهي وإن كانت قد انتهت بتغلب قوات الاستعمار، إلا أن أتباع الدعوة ظلوا متمسكين بأفكارهم فاستطاعوا نشرها بالطرق السلمية ولاقوا نجاحا كبيرا تبدو آثاره واضحة حتى الآن، ولقد كان لانتشار مجلة المنار التي أسسها الشيخ (رشيد رضا) وأفكارها أثر في انتشار الدعوة بشكل أكبر.
د - في التركستان: ففي سنة 1288هـ (1871م) ظهر داعية للدعوة اسمه (صوفي بارال الخوقندي) من (قوقند) بالتركستان الغربية. الذي اعتنق دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتحمس لنشرها بين المسلمين هناك. وتزعم الثورة ضد روسيا القيصرية، فهاجم حاميتها قرب (طشقند) إلا أن القوات الروسية تغلبت عليه وعلى أتباعه في نهاية الأمر، فاقتصر نشاط أتباعه على الدعوة السلمية.
هـ - في الصين: فقد ظهر في مقاطعة (فالصو) في الصين داعية إسلامي اسمه (الشيخ فوح ماكويوان) في عام 1311هـ (1894م) حيث اعتنق دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أدائه لفريضة الحج. فحارب البدع والشركيات عند المسلمين هناك فاجتمع حوله الأنصار والأتباع وتسموا بـ (الإخوان) وصار لهم نشاط إصلاحي كبير. واستمر
(1) توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون ص410
ذلك حتى قيام الثورة الشيوعية في الصين عام 1949م (1).
ثانيا: في قارة أفريقية: فأهم المناطق التي تأثرت بالدعوة فيها ما يأتي:
أ- في مصر: قامت في مصر حركة إصلاحية على يد عالمين يعتبران من قادة الفكر الإسلامي في العصر الحديث وهما (السيد جمال الدين الأفغاني 1255 - 1315هـ = 1839 - 1897م) و (الشيخ محمد عبده 1266 - 1323هـ = 1840 - 1905م) وقد قام جمال الدين الأفغاني برحلات عديدة إلى أقطار العالم الإسلامي ومنها مصر التي بث فيها أفكاره القائمة على مكافحة الاستعمار الأجنبي عن بلاد المسلمين عن طريق عودة المسلمين إلى إسلامهم الصحيح، وتنقية عقيدة المسلمين مما شابها من بدع وخرافات وانحراف وفساد وكان من أبرز تلاميذه في مصر الشيخ محمد عبده الذي تحمس لأفكاره ودعا إليها.
كما دعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى الذي ران على علماء المسلمين في ذلك الوقت (2). وبهذا يقرر كثير من الباحثين تأثرهما بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبرز ذلك في (مجلة العروة الوثقى). التي أسساها في باريس عام 1300 هـ (1883م) ثم ظهر الشيخ (محمد رشيد رضا 1282 - 1354هـ = 1865 - 1935م) الذي هاجر من الشام إلى مصر عام 1315هـ (1897م) وهو يعتبر شخصية سلفية من تلاميذ (الأفغاني ومحمد عبده) وكان بحق أكبر مناصر وداع لحركة الدعوة
(1) فهمي هويدي: المسلمون في الصين وعصابة الأربعة، مجلة العربي، العدد 265 ديسمبر 1981 م ص87
(2)
Kerr.M.Islamic Reform PP 154-153، aoust. I Bid، P 559
السلفية في مصر خاصة والعالم الإسلامي عامة في العصر الحديث، فقد ألف عدة كتب مناصرة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأسس (مجلة المنار) في مصر عام 1315هـ والتي استمرت في الصدور حتى وفاته عام 1354 هـ (1935م) وكانت أكبر مناصر للدعوة هناك. كما طبعت مطبعة المنار بمصر عددا من مؤلفات علماء الدعوة السلفية في نجد وناشريها (1). وقد كان لنشاط رشيد رضا السلفي نجاح كبير في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وظهر أتباع عديدون مؤيدون للدعوة السلفية، كما ظهرت جمعيات عديدة تدين بالولاء والتبعية للدعوة السلفية ومن أبرزها في مصر (جمعية أنصار السنة المحمدية) التي أسسها (محمد حامد الفقي) تلميذ رشيد رضا في مصر - وتصدر هذه الجمعية حتى الآن مجلة شهرية باسم (التوحيد).
ب- في ليبيا: ظهرت دعوة إصلاحية في ليبيا بزعامة (محمد بن علي السنوسي 1202 - 1276 = 1787 - 1859م) الذي ذهب في إحدى رحلاته إلى مكة للحج عام 1253هـ والتقى هناك بدعاة الدعوة وعلمائها فتلقى منهم مبادئ الدعوة واقتنع بها وبنى عليها أساس دعوته الإصلاحية، فحارب البدع والخرافات التي توجد في مسلمي بلاده، كما دعا إلى الاجتهاد وحارب التقليد، وإن كان شاب دعوته بعض مبادئ التصوف كالزوايا، كما أن دعوته كانت سليمة خالصة انتشرت بالطرق السلمية ولاقت نجاحا كبيرا وكان لأتباع السنوسي دور كبير
(1) محمد بن عبد الله السلمان: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص335 وما بعدها
في محاربة الاستعمار الإيطالي والفرنسي في شمال أفريقيا.
ج- في الجزائر: فإن الوجه السلفي لها يتمثل في (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) بزعامة (عبد الحميد بن باديس 1305 - 1359 = 1887 - 1940) الذي اطلع على مبادئ الدعوة السلفية حينما أدى فريضة الحج إلى مكة، كما اجتمع ببعض علماء الدعوة وقادة الفكر والإصلاح في المشرق العربي. وقد أسس ابن باديس جمعيته على أساس من المبادئ السلفية فدعا إلى إصلاح عقيدة الجزائريين من أنواع البدع والخرافات. ودعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد والجمود الفكري. وذلك بالتعميق في القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد كان لجمعيته دور كبير في محاربة الاستعمار الفرنسي والذي نال الجزائر بها استقلاله عام 1382هـ (1962م).
د- في السودان: ظهرت حركة إصلاحية في السودان أطلق عليها اسم (الحركة المهدية) وتزعمها (محمد عبد الله أحمد 1845 - 1885) الذي دعا إلى محاربة الفساد والبدع والخرافات عند المسلمين كما أعلن الجهاد لتحرير بلاده من الاستعمار الإنجليزي. وقد ضمن دعوته كثيرا من مبادئ التصوف وهو ما تنكره دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتحاربه - كما سبق - ورغم ذلك يصر بعض من الباحثين على تأثر
المهدي بالدعوة السلفية في نجد خاصة في دعوته إلى محاربة البدع في الدين وأنواع الفساد وقد توفي مهدي السودان في الخرطوم عام 1885م دون أن يتعدى تأثير دعوته السودان نفسها.
هـ - في غرب أفريقيا: ظهر تأثير الدعوة السلفية في منطقة غرب أفريقيا في قبيلة إسلامية كبيرة اسمها قبيلة (الفلبي) وكان ذلك في مطلع القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) وذلك على يد الداعية المسلم (عثمان دانفوديو) الذي عاد من مكة حاجا بعد أن التقى بدعاة السلفية فيها وتأثر بآرائهم وعاد إلى بلاده وكله حماسة وغيرة من أجل إصلاح عقيدة المسلمين هناك على أساس الإسلام الخالص من كل شوائب الشرك والفساد والخرافات. ونجح في ذلك وصار له أتباع كثيرون حارب بهم قبائل الهوسة الوثنية عام 1217هـ (1802) وأسس مملكة (سوكوتو) الإسلامية هناك والتي قدرت مساحتها بأربعمائة ألف كيلو متر مربع وسكانها عشرة ملايين من الأنفس وقد استمرت هذه المملكة حتى بعد وفاة مؤسسها (عثمان دانفوديو) سنة 1231هـ (1816م)، لكن لم تلبث أن اصطدمت بقوات الاستعمار البريطاني. وانتهى ذلك بقيام الإدارة البريطانية في (نيجيريا) عام 1318هـ (1900م) بينما بقي أتباعها متحمسين للدعوة ناشرين لها سلميا ومن أبرز هؤلاء الأتباع الداعية المسلم (أحمد بللو) الذي اغتيل في رمضان عام 1385هـ (1966م) بعد عودته من مكة معتمرا رحمه الله (1).
(1) محمود شاكر: نيجيريا ص88 وأحمد عبد الغفور عطار: محمد بن عبد الوهاب ص217
وبعد: فقد رأينا مدى انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أصقاع مختلفة من العالم الإسلامي. وقد أثبتت الدعوة نجاحها في أكثر البلدان التي دخلتها من ناحية تصحيح عقيدة المسلمين من شوائب الشرك والبدع والخرافات والتي كادت أن تشوه الإسلام وتفسد جماله وتذهب بروعته. ولا يستطيع منصف ينظر في حال المجتمع الإسلامي خلال القرنين الماضيين ويغفل دور هذه الدعوة المباركة في نشر الوعي الإسلامي بين المسلمين ثم دورها في إيقاظ شعلة الحركات التحريرية ضد الاستعمار الأوروبي، ثم أيضا أثرها الكبير على اليقظة الفكرية والنشاط العلمي بين المسلمين الذي برزت آثاره عن طريق ما يقع بين أنصار الدعوة وخصومها من محاجات ومناقشات علمية نافعة حتى التقى المجتمع الإسلامي أخيرا مع هذه الدعوة عن طريق العلم الذي لا تقف أمامه الأباطيل والأكاذيب والمفتريات من ناحية، وعن طريق التعمق والبحث بأمور الدين ودراستها دراسة عميقة من ناحية أخرى.
وإذا كانت الدعوة نجحت من ناحية تصحيحها عقيدة أتباعها فإن دورها في هذه الناحية لا يزال في طريقه إلى التمام، فلا زال في العالم الإسلامي مجتمعات تعيش في ظلام القرون الماضية وبحاجة إلى توجيهها نحو الدعوة السلفية وتعاليمها المباركة. وهو واجب علماء المسلمين اليوم.
وعلى الله قصد السبيل.