الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق الإسلام لأمن المجتمع
الدكتور: صالح بن فوزان
الحمد لله رب العالمين، جعل تحقيق الأمن مقرونا بالإيمان الخالص من الشرك فقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (1) والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. . . وبعد:
فإن الأمن مطلب نبيل تهدف إليه المجتمعات البشرية، وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل إمكانياتها الفكرية والمادية، وموضوع حديثنا الآن هو تحقيق الإسلام لأمن المجتمع، وقبل الدخول فيه نريد أن نعرف ما هو الإسلام وما هو الأمن حتى يتبين لنا وجه الارتباط بينهما:
فالإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله، وإذا تحقق الإسلام في المجتمع بهذا المعنى تحقق له الأمن.
والأمن في اللغة: ضد الخوف، وهو سكون القلب.
والأمانة: ضد الخيانة، وآمن به إيمانا: صدقه.
والإيمان: هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة، وأمن البلد
(1) سورة الأنعام الآية 82
اطمأن به أهله فهو آمن وأمين.
ولما كنا أيضا بصدد بيان تحقيق الإسلام لأمن المجتمع فلا بد أن نعرف ما كان عليه الناس عموما والعرب خصوصا قبل بعثة نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وما كان عليه الأمر بعد البعثة وظهور الإسلام، لأن الأشياء تعرف بأضدادها، وبضدها تتميز الأشياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل وقد مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا أو أكثرهم قبيل مبعثه، والناس إذ ذاك أحد رجلين؛ إما كتابي معتصم بكتاب، وإما مبدل وإما منسوخ، أو بدين دارس بعضه مجهول وبعضه متروك.
وإما أمي من عربي وعجمي مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك.
والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما وهي جهل وأعمال يحسبونها صلاحا وهي فساد، وغاية البارع منهم علما وعملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع وأكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلا أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية وإصلاح الأخلاق حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه إن حصل، وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله والاضطراب وتعذر الأدلة عليه، فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من البينات والهدى هداية جلت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين حتى حصل لأمته المؤمنين عموما ولأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع والعمل الصالح
والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما وعملا الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتا تفاوتا يمنع قدر النسبة بينهما. فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى. . . انتهى كلام الشيخ رحمه الله في وصف حال الجاهلية وهو وصف عام لكل الشعوب، وإذا أردنا تفصيله تطلب منا وقتا أوسع ولكن نخص حالة العرب في هذه الحقبة التاريخية لجزيرة العرب لأنها الموطن الذي ظهرت فيه الرسالة فنقول:
1 -
حالتهم الدينية:
كانت حالتهم الدينية من أسوأ الحالات وأشدها اضطرابا، فكانوا يعبدون الأوثان، وكان أقدم أوثانهم اللات في الطائف، والعزى بوادي نخلة، ومناة بين مكة والمدينة، وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها، بل كان لأهل كل دار بمكة صنم في دارهم يعبدونه، وإذا أراد أحدهم سفرا أو قدم منه تمسح به، بل كان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربا وجعل الثلاثة الباقية أثافي لقدره، وكانوا إذا لم يجدوا أحجارا يجمعون الرمل ثم يحلبون عليه الشاة ثم يطوفون به تبركا به وتعظيما له، وبلغ بهم الأمر أنهم يقتلون أولادهم تقربا إلى الأصنام ويسيبون كثيرا من أموالهم لها، كما قال الله تعالى عنهم:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} (1).
2 -
أما حالتهم السياسية:
فكانت أسوأ حالة أيضا حيث تسودها الفوضى والاضطراب وتسلط القوي على الضعيف وغارات القبائل بعضها على بعض بالنهب والسلب، وقيام الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب، وفريق منهم دخل تحت السلطة
(1) سورة الأنعام الآية 140