الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحساء حينذاك من بني خالد (سليمان بن محمد بن عريعر) لحاكم العيينة (ابن معمر) - وكان للأول ما يشبه النفوذ السياسي على الثاني - وأذعن ابن معمر لتهديده وأمر الشيخ بالخروج من البلد، فاختار الشيخ الدرعية واتجه إليها لما يعرفه من سيرة لحاكمها (محمد بن سعود) إضافة إلى استقلاله وعدم خضوعه لسيطرة أجنبية، لهذا رحب (محمد بن سعود) بالشيخ وتعاهد معه على نصرة الدعوة وحمايتها وتم بينهما ما يعرف تاريخيا بـ (اتفاق الدرعية) - عام 1157هـ (1744) والذي كان بحق نقطة تحول هامة في تاريخ تلك الدعوة وفي حياة الجزيرة العربية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وفي تاريخ اليقظة العربية والإسلامية الحديثة (1).
وبقي الشيخ سنتين يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وذلك برسائله ومناظراته مع أهل البلدان المجاورة فمنهم من قبل واتبع الحق ومنهم من أبى وعارض وحارب الدعوة فأمر الشيخ حينئذ أتباعه بالجهاد (2) دفاعا عن النفس من ناحية ونشرا للدعوة الإسلامية من ناحية أخرى فانتقلت الدعوة إلى المرحلة الجديدة الثالثة وهي (مرحلة الجهاد).
(1) محمد عزة دروزه: نشأة الحركة العربية الحديثة ج1 ص75.
(2)
حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام ج1 ص33 (ط أبا بطين).
حقيقة الدعوة ومصادرها:
قبل الدخول في تفاصيل الدعوة وأفكارها نحب أن نشير إلى أمرين هامين:
أولهما: أن لقب (الوهابية) لقب لم يختره أتباع الدعوة لأنفسهم لكنه أطلق من قبل خصومهم على اختلافهم تنفيرا للناس منهم وإيهاما للسامع
أنهم جاءوا بمذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى، واللقب الذي يرضونه ويسمون به هو (السلفيون) ودعوتهم (الدعوة السلفية).
وثانيهما: أن هذه الدعوة السلفية ليست ذات مذهب خاص بها، وإنما هي الدعوة إلى الإسلام بكل مبادئه وتعاليمه الخالصة من شوائب الشرك والوثنية والبدع، وكما قال الدكتور طه حسين: إن تعاليم الدعوة جديدة وقديمة معا، فهي جديدة بالنسبة للمعاصرين، ولكنها قديمة في حقيقة الأمر لأنها ليست إلا الدعوة القديمة إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من كل شوائب الشرك والوثنية (1).
ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قامت وهي تهدف إلى تصحيح العقيدة الإسلامية في نفوس أتباعها وتطهيرها مما علق بها من أدران الشرك والبدع والخرافات بحيث يعترف المخلوق بسلطان الخالق عليه في جميع الأمور فلا يتوجه إلا إليه ولا يتعلق إلا به، كما تهدف إلى تطبيق أحكام الإسلام وشعائره وحدوده وإقامة مجتمع إسلامي يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
وقد اعتمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته على ثلاثة مصادر (2) هامة:
أولها: القرآن الكريم: المصدر الأول للتشريع الإسلامي، ويظهر
(1) طه حسين: الحياة الأدبية في جزيرة العرب ص13 وما بعدها.
(2)
محمد بن عبد الله السلمان: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - تاريخها، مبادؤها، أثرها ص34 - 38.
اهتمام الشيخ به أنه حفظه وهو صغير، ومن يطلع على مؤلفات ورسائل الشيخ يدرك اهتمام الشيخ وتقديره لكتاب الله تعالى من حيث تقديمه على جميع الأدلة النقلية والعقلية واستشهاده به دائما.
ثانيها: السنة النبوية: وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي. وقد اهتم الشيخ بدراسة السنة النبوية منذ صغره، ومؤلفات الشيخ ورسائله تدل على اهتمام الشيخ بالسنة النبوية، ويكفي أنه اختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليسهل على أتباعه قراءتها.
ثالثها: آثار السلف الصالح: من الصحابة والتابعين وتابعيهم وخاصة الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل). ولكن تأثر الشيخ انصب على ثلاثة من علماء السلف الصالح وهم (الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد ابن قيم الجوزية) حيث اهتم بمؤلفاتهم، وتأثر بآرائهم وأفكارهم.
وإذا كانت آراء الباحثين والمؤرخين قد اختلفت في حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هل هي حركة دينية (1) أم سياسية (2) أم للأمرين معا (3)، فالواقع أن الدعوة جامعة للأمور الدينية والسياسية معا؛ لأن الإسلام بطبيعته دين ودولة. والإصلاح الذي نادت به الدعوة لم يكن الغرض منها دينيا محضا - كما زعم بعض الباحثين (4)، حقيقة أن الدعوة اهتمت بالإصلاح الديني أكثر من اهتمامها بالإصلاح الفكري ولكن ذلك يرجع إلى أن الانحراف الديني في العالم الإسلامي في ذلك
(1) Qeyamuddin،. Ahamad. The wahabi Movement in India p 22.
(2)
توفيق الطويل: ضمن كتاب الفكر العربي في مائة سنة ص277.
(3)
صلاح العقاد: دعوة حركة الإصلاح السلفي. المجلة التاريخية المصرية ج7 ص90.
(4)
عبد المتعالي الصعيدي: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري ص439.
الوقت يفوق تدهوره السياسي، وفوق هذا وذاك فإن إصلاح العقيدة الإسلامية في نفوس المجتمع الإسلامي أساس كل إصلاح، ومن هنا نستطيع أن نرد على أولئك الباحثين الآخرين الذين ينقدون ويعيبون على الدعوة الإصلاحية في نجد عدم الاهتمام بالتقدم الحضاري الذي يشهده العالم وقت ظهورها (1) فمبادئ الدعوة - تبعا للإسلام الحق - لا تتنافى مع التقدم الحضاري النافع إذا سار بهدي القرآن والسنة النبوية وآثار السلف الصالحين، ولعل الظروف الصعبة التي أحاطت بالدعوة وأتباعها في تاريخها الطويل هو الذي صرفها عن الأخذ بتلك الحضارة، أما أن ينسب إلى الحضارة وأدواتها أنها ربما قامت عوائق في طريق الدعوات الدينية الإصلاحية السليمة، ومن أجل ذلك تفاداها محمد بن عبد الوهاب، فإن ذلك غير صحيح، إذ ربما كانت هذه الحضارة أيسر تسخيرا في التوصل السريع والنشر العاجل (2).
وحينما عارض بعض (جماعة الإخوان) المتزمتين في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله دخول بعض أسباب الحضارة كالسيارة والتلغراف ونحوها قام علماء الدعوة في ذلك الوقت بإبطال اعتراضهم وبيان الحق في ذلك (3). وأيا كان الأمر فإن مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم تقف في يوم من الأيام حائلا أمام الأخذ بما ينفع في التقدم الحضاري بشرط ألا يكون ذلك مخالفا لأحكام الإسلام وتعاليمه (4) ولعل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تقدم حضاري - في هذا الوقت - في جميع مجالات الحياة خير شاهد على ما نقول.
(1) حسين مؤنس: الشرق الإسلامي في العصر الحديث ص194.
(2)
عبد العزيز سيد الأهل: داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب ص11.
(3)
رشيد رضا (جامع): (مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر) ط المنار 1346هـ.
(4)
محمد خليل هراس: الحركة الوهابية ص47 - 51.