الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ذلك يتضح الفرق بين طريقة العز في تفسير آيات الأحكام حيث يورد الأقوال دون مناقشة، وطريقة القرطبي حيث يناقش الأقوال ويرجح بينها غالبا، فهو أكمل من العز وإن كان يؤخذ عليه الاستطراد في تفصيل الخلاف وذكر جزئيات المذاهب مما يشتت ذهن القارئ عن تدبر معنى الآية وما تقصد إليه.
ونكتفي بهذين المثالين خشية الإطالة، وللمزيد من ذلك يمكن مراجعة تفسير العز لقوله تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} (1) الآيتان (78، 79) من سورة الأنبياء، ومراجعة تفسيره للآيات (28) إلى (34) من سورة الحج، مع مقارنة ذلك بالتفاسير التي تعنى بآيات الأحكام.
(1) سورة الأنبياء الآية 78
موقفه من الإسرائيليات
الإسرائيليات هي الأخبار والأساطير التي تروى عن أهل الكتاب في أخبار الأولين وقصص الأنبياء والمرسلين، وغالبا ما تكون هذه الأخبار كاذبة وباطلة؛ لأن أكثرها ينقل من التوراة والإنجيل وقد أصابهما التحريف، وقد اختلفت مواقف المفسرين من هذه الأخبار، فبعضهم يكثر منها كالطبري والثعلبي، ومنهم من ينقل منها على حذر ويتعقبها بالرد والنقد كابن عطية وابن كثير، أما العز فقد قلل منها تبعا للماوردي بل إنه حذف بعض الأخبار التي أوردها الماوردي واختصر ما ذكره منها، وإليك أمثلة توضح ذلك:
1 -
قوله تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (1).
(1) سورة طه الآية 66
قال العز عند تفسير هذه الآية في عدد السحرة: وكانوا سبعين ألف ساحر، أو تسعمائة: ثلاثمائة من العريش، وثلاثمائة من الفيوم، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية، أو اثنين وسبعين، اثنان من القبط، وسبعون من بني إسرائيل، كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء.
ذكر العز في عدد سحرة فرعون ثلاثة أقوال؛ فالقول الأول رواه الطبري في تفسيره (16/ 184) عن القاسم بن أبي بزة. والقول الثاني عن ابن جريج، وفي هذين القولين تفاصيل لم يذكرها العز هنا كما أن الطبري روى أخبارا أخرى في عددهم لم يذكرها العز عنه، أما القول الثالث فنسبه الماوردي في تفسيره (3/ 21) إلى أبي صالح عن ابن عباس، وذكره الثعلبي في كتابه (قصص الأنبياء)(ص164) عن مقاتل. ولم يرد خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد عددهم، وهذه الأخبار التي ذكرها العز أخبار إسرائيلية وهي كما ترى متناقضة ولا فائدة من ذكرها، ولو كان في ذلك فائدة تعود على المكلف في دينه أو دنياه لأخبر بها القرآن، وظاهر القرآن أنهم كانوا كثيرين.
قال تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} (1){يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} (2) والله أعلم بعددهم.
فنلاحظ من هذا أن العز قد أورد هذه الأخبار الإسرائيلية باختصار وبدون تعقيب بينما نجد الطبري وابن كثير قد توسعا فيها ولم يعقبا عليها أيضا وكان الأولى بالعز أن يتعقب هذه الأخبار بالرد، أو ينزه تفسيره
(1) سورة الشعراء الآية 36
(2)
سورة الشعراء الآية 37
منها لئلا تشغل القارئ لتفسير كتاب الله عن تدبر معانيه ومعرفة مقاصده وهداياته راجع التعليق على هذه الآية من تفسير العز.
2 -
قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (1).
قال العز في قصة بلاء أيوب: كان ذا مال وولد فهلك ماله ومات أولاده، ثم بلي في بدنه فقرح وسعى فيه الدود واشتد بلاؤه فطرح على مزبلة بني إسرائيل، ولم يبق أحد يدنو منه إلا امرأته.
ذكر الماوردي هذه القصة في تفسيره عن الحسن مطولة في إحدى وعشرين سطرا، وقد رواها الطبري عنه في ثلاثة وأربعين سطرا، كما رواها عن وهب بن منبه مطولة جدا في حدود ثمان صفحات من القطع الكبير، وذكرها أكثر المفسرين في تفاسيرهم مطولة، ولم يعقبوا عليها بالرد مع أن أكثر ما ورد فيها كذب وباطل لا يليق أن ينسب إلى الأنبياء.
وقد اختصرها العز هنا في سطرين تقريبا، وما ذكره العز هنا من رمي أيوب عليه السلام على مزبلة بني إسرائيل ونفور الناس منه أمر لا دليل عليه من القرآن، ولم يرد به خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا يليق بنبي من أنبياء الله أن يصل إلى هذا المستوى من المهانة بأن يرمى على المزبلة وينفر الناس عنه، فأين عشيرته عنه أن تواسيه وتداويه وأين أتباعه المؤمنون به، فالله تبارك وتعالى يبتلي رسله بالمرض والألم وغير ذلك من صنوف البلاء، ولكن لا يبتليهم بما ينفر الناس عنهم فكان
(1) سورة الأنبياء الآية 83
الأولى بالعز أن يرد على مثل هذا الباطل أو ينزه تفسيره منه، والصواب في قصة بلاء أيوب أن نقف على ما أخبر الله به عنه في هذه السورة، وسورة (ص)، فقد ابتلاه الله في ماله وولده وجسده فصبر على ذلك الابتلاء بما استحق عليه الثناء من الله تعالى، وصار مضرب المثل، فكشف الله عنه ذلك وأثابه أعظم الثواب، فلا يجوز لنا أن نتزيد على ما أخبر به القرآن عنه مما لم يثبت به خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما روي في تلك القصة من أباطيل بني إسرائيل مما لا تجوز حكايته، فكان الأولى بمن ذكرها من المفسرين أن يبين بطلانها، أو يعرض عنها لئلا يشغل الدارس لتفسير القرآن عن تدبر معاني آياته والعمل بما فيها، فإن مثل هذه الحكايات الباطلة تثير اللبس والشكوك، نسأل الله العافية من ذلك، وقد ذكر هذه القصة القرطبي في تفسيره، ونقل كلاما طويلا للقاضي ابن العربي في مناقشتها وإبطالها (1).
وراجع ما ذكره العز من الإسرائيليات في مآرب عصا موسى عليه السلام وتعليقنا على ذلك عند تفسير الآية (18) من سورة طه، وما ذكره عند تفسير الآية (69) من هذه السورة، وما ذكره من تفسير الآية (94) من هذه السورة أيضا، وتعقبه بالرد. وتعقيبه على الإسرائيليات قليل جدا.
(1) راجع: تعليقنا على هذه القصة عند تفسير العز لهذه الآية