الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتفسير العز لكلمة {يَفْرُطَ} (1) من الآية [45: طه]، وتفريقه بين النفش والهمل كما في الآية [78: الأنبياء].
(1) سورة طه الآية 45
طريقة عرضه لآيات الأحكام
أكثر العز من ذكر أقوال العلماء عند تفسير آيات الأحكام بدون نسبة الأقوال إلا في حالات قليلة، فلذا لم تتضح أقوال أئمة المذاهب، وفي عرضه لهذه الأقوال لا يرجح بينها غالبا، ولا يستطرد في عرض التفاصيل الجزئية، كما يفعل القرطبي في تفسيره والفخر الرازي وغيرهما ممن اعتنوا بتفسير آيات الأحكام واختصوها بالتأليف كالجصاص الحنفي المذهب، وابن العربي المالكي والكيا الهراس الشافعي، فقد تأثر تفسيرهم بالصبغة المذهبية بل إن بعضهم يتعصب لمذهبه ويأول الآية على ما يوافق مذهبه، ويشنع على من خالفه، ولم يظهر شيء من ذلك على تفسير العز لآيات الأحكام مع أنه إمام من أئمة الشافعية فلم ينتصر لمذهبه بل عرض الأقوال دون مناقشة ولا استطراد رغبة في الاختصار، وعدم تشتيت ذهن القارئ لتفسير آيات الله، ولكن يؤخذ عليه عدم بيان القول الراجح بدليله إيضاحا للحق ودفعا للبس، وكذا عدم نسبة الأقوال، وإليك أمثلة توضح ذلك:
1 -
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (1).
ذكر العز في المراد بالمسجد الحرام قولين: الأول أن المراد به نفس المسجد، فعلى هذا معنى استواء العاكف وهو المقيم به، والبادي وهو الوافد إليه في حكم المسجد، أو حكم النسك.
(1) سورة الحج الآية 25
والقول الثاني: أن المراد به جميع الحرم، فعلى هذا استواؤهما في الأمن في الحرم وأن لا يقتلا به صيدا، أو استواؤهما في دوره ومنازله فعلى هذا لا يجوز بيع دور مكة ولا كرائها على خلاف بين الفقهاء، وممن قال بذلك أبو حنيفة وخالفه الشافعي. فقال بجواز بيع دور مكة وكرائها وله أدلة على ذلك ليس هذا مكان بسطها.
فيلاحظ من هذا أن العز عرض الأقوال عرضا سريعا بدون نسبة ولا مناقشة وترجيح، ولو رجعنا إلى تفسير الفخر الرازي (23/ 24) لوجدنا أنه يفصل الخلاف في هذه المسألة ذاكرا الأدلة ومرجحا قول الشافعي مع التوجيه.
2 -
قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (1) قال العز في تفسير هذه الآية: {وَالْبُدْنَ} (2) الإبل عند الجمهور، أو الإبل والبقر، أو ذوات الخف من الإبل والبقر والغنم حكاه ابن شجرة، سميت بدنا لأنها مبدنة بالسمن {شَعَائِرِ اللَّهِ} (3) معالم دينه أو فروضه {فِيهَا خَيْرٌ} (4) أجر، أو ركوبها عند الحاجة وشرب لبنها عند الحلب.
ثم ذكر معاني: {صَوَافَّ} (5) ثم قال: {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (6) سقطت إلى الأرض، وجب الحائط سقط، وجبت الشمس: غربت {فَكُلُوا} (7) يجب الأكل من المتطوع به أو يستحب عند الجمهور ولا يجب، كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على أنفسهم.
(1) سورة الحج الآية 36
(2)
سورة الحج الآية 36
(3)
سورة الحج الآية 36
(4)
سورة الحج الآية 36
(5)
سورة الحج الآية 36
(6)
سورة الحج الآية 36
(7)
سورة الحج الآية 36
ذكر العز في معنى البدن ثلاثة أقوال الأول نسبه للجمهور، والثاني لم ينسبه.
وقد نسبه الماوردي إلى جابر وعطاء (1) والثالث نسبه العز إلى ابن شجرة وحكم عليه الماوردي بالشذوذ، ولو رجعنا إلى تفسير القرطبي لوجدناه قد فصل القول في هذه المسألة وذكر فيها رأي أئمة المذاهب، فنقل عن الشافعي أنه قال بالقول الأول، وعن مالك وأبي حنيفة أنهما قالا بالقول الثاني، وذكر أدلة كل مذهب وثمرة الخلاف في ذلك، ورجح قول الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة:«من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة (2)» الحديث. فتفريقه عليه السلام بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة لا يقال عليها: بدنة، والله أعلم، وأيضا قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (3) يدل على ذلك، فإن الوصف خاص بالإبل. والبقر يضجع ويذبح كالغنم، على ما يأتي (4).
وذكر العز الخلاف في حكم الأمر في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} (5) فأورد فيه قولين للعلماء، نسب الثاني منهما إلى الجمهور، بينما نجد القرطبي في تفسيره يفصل القول في هذه المسألة فينقل عن الشافعي أن الأكل مستحب، والإطعام واجب، فإن أطعم جميعها أجزاه، وإن أكل جميعها لم يجزه، وهذا فيما كان تطوعا، فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئا حسبما تقدم بيانه (6).
(1) راجع: تفسيره (3/ 81)
(2)
صحيح البخاري الجمعة (881)، صحيح مسلم الجمعة (850)، سنن الترمذي الجمعة (499)، سنن النسائي الجمعة (1388)، سنن أبو داود الطهارة (351)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1092)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 460)، موطأ مالك النداء للصلاة (227)، سنن الدارمي الصلاة (1543).
(3)
سورة الحج الآية 36
(4)
راجع: تفسيره (12/ 61)
(5)
سورة الحج الآية 36
(6)
راجع: تفسيره (12/ 64).