الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
الحديث عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حديث طويل لا يفي حقه هذه الصفحات ولكن نلم بالموضوع باختصار يقتضينا ذلك أن نركز على ثلاثة جوانب هامة في الموضوع، حتى نخرج بصورة كاملة عن هذه الدعوة الإصلاحية.
الجانب الأول: أحوال ما قبل الدعوة السياسية والدينية في العالم الإسلامي عامة، وفي بلاد نجد خاصة، والتي دفعت الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى القيام بدعوته مع التعريف بصاحب هذه الدعوة وترجمته باختصار.
الجانب الثاني: حقيقة هذه الدعوة ومبادئها الرئيسية.
والجانب الثالث: أثر هذه الدعوة وانتشارها في العالم الإسلامي.
وسنتكلم عن كل جانب بحدة.
أولا: ما قبل الدعوة (سياسيا ودينيا)
أ-
في العالم الإسلامي:
كانت تتزعم العالم الإسلامي سياسيا في شرقه أثناء القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ثلاث دول هامة هي: الدولة العثمانية، والدولة الصفوية في فارس، والدولة المغولية في الهند (1).
(1) عبد المتعالي الصعيدي: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري ص416.
أما الدولة العثمانية: فقد كان سلاطينها في ذلك الوقت من الضعف بمكان بحيث لم يكن لهم من أمر الدولة شيء بل كان الأمر بيد وزرائهم ورؤساء الجيش الإنكشاري الذين لا يعرفون من أمور السياسة شيئا وأما الولاة على أقاليم الدولة فقد ساءت إدارتهم، فهمهم الأكبر جمع الأموال من شعوب ولاياتهم، ومما زاد حال الدولة سوءا التدهور العسكري الذي منيت به في ذلك العصر (1)، فقد أخذت دول أوروبا تتألب عليها من كل جانب، وظهر ما يسمى عند المؤرخين بـ (المسألة الشرقية) أي تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بين الدول الأوربية الطامعة (2).
أما الدولة الصفوية في فارس: (من 906هـ = 1500م - 1135هـ =1722م) فبعد نهايتها عام 1135هـ خلفها أمراء من الأفغان حتى قضى عليهم (نادر شاه) عام 1142هـ (1729م) فنادى بنفسه ملكا ثم أخذ يوسع أملاكه حتى امتدت دولته من الخليج العربي إلى بلاد الهند (3) ولم يلبث أن قتل سنة 1160هـ (1747م) وبمقتله اضطرب أمر بلاد فارس واستمر هذا الاضطراب حتى قيام الدولة القاجارية سنة 1203هـ (1788م)(4)
(1) أحمد السعيد سليمان: محاضرات في تاريخ الدولة العثمانية ص4.
(2)
جلال يحيى: العالم العربي الحديث (المدخل) ص84.
(3)
عبد المتعالي الصعيدي: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري ص350، 417.
(4)
حسين مؤنس: الشرق الإسلامي في العصر الحديث ص 21.
أما الدولة المغولية في الهند: والتي قامت عام 909هـ (1505) فما إن حل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) حتى اضطرب أمرها وأصبحت مرتعا للحروب الداخلية بين أمراء الولايات المختلفة مما سهل على شركة الهند الشرقية الإنكليزية الاستيلاء عليها ولاية بعد ولاية عام (1274هـ =1856 م).
أما المغرب الإسلامي: فلم تكن حالته السياسية بأحسن حظا من مشرقه فتونس والجزائر تابعة للعثمانيين ودولتهم الضعيفة، وفي مراكش توجد دولة السعديين، والتي لم تكن من القوة بحيث تقف أمام حملات الأسبان والبرتغال عليها، إضافة إلى وجود فتن داخلية بين العرب والبربر، وبين قبائل (الهوسا) مع بعضها وبينها وبين قبائل (الغولان).
هذه لمحة موجزة عن حالة العالم الإسلامي السياسية في مشرقه ومغربه وبالجملة فهي حالة سيئة تدل على ما يعانيه العالم الإسلامي في تلك الحقبة من فساد سياسي عام. أما حال المسلمين على الحدود والثغور الإسلامية فهي بلا شك أشد سوءا وألما بكثير.
أما عن الحالة الدينية في العالم الإسلامي: فالواقع أن انحطاط الحياة الدينية لدى المسلمين لم يكن وليد هذا العصر فحسب وإنما يسبقه بعدة قرون، حينما دخل بالإسلام - في الظاهر - عناصر من أصحاب الملل والحضارات السابقة التي قضى عليها المسلمون في عصورهم الزاهرة، وقد استهدفت هذه العناصر من دخولها الإسلام الكيد له والدس عليه
فنشأت بذلك الفرق والمذاهب الدينية المختلفة (1) وعندما دخلت الدولة العثمانية دور الانحطاط في القرن الثاني عشر الهجري - كما سبق - ازدادت الحالة الدينية سوءا بين المسلمين، ومما زاد في ذلك جمود علماء المسلمين في تلك الفترة وتمسكهم بالقديم أيا كان خاصة علماء الأستانة وعلماء الأزهر، وقد شجعهم على هذا كره أصحاب السلطة في تلك الفترة للإصلاح أيا كان نوعه، وكثيرا ما يعدون صاحبه كافرا. كما فعلت الدولة العثمانية مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حينما عدت دعوته وحركته الإصلاحية خارجة عن الدين (2)، وبعكس ذلك أطلق أصحاب السلطة العنان لأهل البدع والمتصوفين والبلهاء حتى علا شأنهم عند العامة اعتقدوا فيهم الولاية، (3) وكان لأصحاب الطرق الصوفية منزلة عظيمة عند العامة وأصحاب السلطة، فنشروا بذلك بدعهم بين الناس، ووصل قوة نفوذ أصحاب الطرق الصوفية أن تولى عدد منهم مشيخة الأزهر فترة من الوقت (4) هذا إلى جانب ما كان منتشرا بين عامة الناس في كافة أرجاء الدولة العثمانية، وفي غيرها من بقاع المسلمين من بدع أصابت عقيدة التوحيد في الصميم، فقد انتشرت في البلاد المختلفة قبور الأولياء والصالحين التي بنيت عليها القباب والتي يتجه إليها الناس بأشياء لا يجوز صرفها إلا لله تعالى كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والشفاعة ونحوها، وكثيرا ما كانت تقام عند هذه القبور المنكرات والمفاسد، وقد انتشرت هذه القبور في مختلف البلاد الإسلامية سواء في الحجاز أو اليمن
(1) عبد الله يوسف الشبل: محاضرات في تاريخ الدولة السعودية ص26، 27.
(2)
Nicholson، R. A.، Alileiary history of the Arabs P 467.
(3)
عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج1 حوادث عام 1172 هـ.
(4)
عبد المتعالي الصعيدي: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري ص423.