الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحضارية. لكن عناصر إبداع الحضارة ليست هي هذه (الماديات) التي تنشأ تلقائيا وتزدهر في الطور الثاني للحضارة، حيث تتجاوز الحضارة مرحلة الميلاد والتكون، وتزيح كل أخطار الميلاد، وتقف على أقدامها فتية قوية، وتبدأ في إفراز بعض قوتها من خلال عدد من المجالات الاقتصادية والمادية:
وعند توافر عنصر الانطلاق لأمة من الأمم في طريق التحضر، حتى ولو كانت الأمة ذات سابقة حضارية فإن عليها أن تهتم بتوفير العناصر الثلاثة الأساسية - محافظة على الترتيب والنسب- حتى تضع قطارها أولا فوق القضبان الصحيحة.
قال الله تعالى في الآية الكريمة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) ففي الآية يوجد (الإنسان) الذي (يعمل صالحا) وهو مؤمن (بالعقيدة والفكرة). فمثل هذا الإنسان العامل (كل عمل صالح مادي أو عقلي أو روحي) عن إيمان ومنهج وفكر، وهو الإنسان الذي يستطيع أن يصل إلى الحياة الطينية اللائقة بالإنسان، ولقد تحدث الله في كتابه المنزل عبر مئات الآيات، كما تحدثت السنة الشريفة عن تفصيلات العناصر الثلاثة وكيفية الوصول إلى الوضع الصحيح لكل منها.
(1) سورة النحل الآية 97
الإنسان في القرآن:
أما العنصر الأول وهو (الإنسان) فقد حظي بكثير من الاهتمام من القرآن ومن سنة الرسول الفعلية (بخاصة) حيث عاش الرسول جزءا كبيرا من فترة رسالته يبني هذا الإنسان، ويصنعه في مكة، ثم في المدينة، حتى تكون أفضل جيل عرفته البشرية على الإطلاق.
ويبين الله في كتابه الوظيفة الحضارية المنوطة بالإنسان على الأرض
فيقول: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (1). ويقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (2). إن هذا الإنسان المخلوق من: {مَاءٍ دَافِقٍ} (3){يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (4) هو الإنسان الذي كرمه الله واختاره لصناعة الحضارة: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (5) إنه هو نفسه الذي سجدت له الملائكة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} (6). وهو الذي تعلم الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (7) وهو الحر الذي يختار طريقه بإرداته: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (8){وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (9).
على أن الإنسان بالرغم من كل هذه المكانة التي أعطاها له الله تعالى، ومن كل الأسلحة التي زوده بها - لن يستطيع الإسهام الصحيح في فعل إيجابي وخالد إلا إذا حافظ على عبوديته لله والالتزام بمنهجه:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (10) فإذا ارتكس وسار في طريق الانحراف والضلال فإنه يهبط إلى أسفل سافلين: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} (11). ومن هنا نفهم من كتاب الله تعالى أن
(1) سورة البقرة الآية 30
(2)
سورة النور الآية 55
(3)
سورة الطارق الآية 6
(4)
سورة الطارق الآية 7
(5)
سورة الإسراء الآية 70
(6)
سورة البقرة الآية 34
(7)
سورة البقرة الآية 31
(8)
سورة البلد الآية 10
(9)
سورة البقرة الآية 148
(10)
سورة التين الآية 4
(11)
سورة التين الآية 5