الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميثاق والعهد على أهل الكتاب أن يؤمنوا به، فوجب الوفاء بذلك الميثاق والعهد، واكتفى - سبحانه - بذكر الأنبياء في الآية لأن العهد على المتبوعين عهد على الأتباع، ولأنه إذا وجب على الأنبياء الإيمان به ونصره فوجوب ذلك على من اتبعهم أولى وأحرى.
وهذا هو معنى ما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما حيث قالا: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.
بشارات الكتب السابقة بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام:
وليس لأهل الكتاب أي عذر في عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد بشرت كتبهم بنبوته وأشارت إلى ذلك، نجد هذا حكاية عنهم في القرآن الكريم، ونجد له شاهدا من الواقع التاريخي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتفق هذا كله مع النصوص في كتبهم التي يعتمدون هم عليها، سواء في العهد القديم أوالجديد. وإليك شيئا من البيان لذلك كله:
حكى الله تعالى ذلك في القرآن الكريم:
أما القرآن الكريم، فقد حكى الله تعالى أن التوراة والإنجيل قد احتوى كل منهما على إشارات إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وصفته وصفة
أصحابه. فقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1). {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (2). {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (3).
وهم يعلمون صدقه عليه الصلاة والسلام وصدق الكتاب الذي أنزل عليه، فترى علماءهم الصادقين يقرون بذلك، وإنهم ليعلمون أنه الحق من ربهم فيصدقونه، وإذا تلا عليهم الآيات تراهم يخرون للأذقان سجدا:{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (4). {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} (5){وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} (6){وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (7).
وهذه صفته عليه الصلاة والسلام وصفة أصحابه عندهم في كتبهم، كما حكاها الله تعالى في القرآن الكريم:
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2)
سورة البقرة الآية 89
(3)
سورة الشعراء الآية 197
(4)
سورة المائدة الآية 83
(5)
سورة الإسراء الآية 107
(6)
سورة الإسراء الآية 108
(7)
سورة الإسراء الآية 109
وحكى الله تعالى بشارة عيسى عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (2).
وتجمعت هذه الشواهد كلها لتعطي أهل الكتاب علما يقينيا بمعرفة نبوته صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (3).
ولكن فريقا منهم يكتمون هذا الحق والعلم اليقيني مع علمهم بأنه حق، وفي هذا ما فيه من البشاعة والجحود، فقال الله تعالى عنهم:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (4).
وبعد شهادة الله تعالى ليس هناك شهادة، فهو سبحانه أصدق القائلين وخير الشاهدين.
(1) سورة الفتح الآية 29
(2)
سورة الصف الآية 6
(3)
سورة الأنعام الآية 20
(4)
سورة البقرة الآية 146
ولهذه البشارات شواهد سجلها التاريخ:
ولتقوم الحجة على أهل الكتاب أكثر نستدعي شهودا منهم، وهم أولئك الذين سجل التاريخ شهاداتهم واعترافاتهم بأنهم ينتظرون نبيا سوف يبعثه الله، وقد بشرت به كتبهم، فقد سبقت آنفا الإشارة إلى عدد من رؤساء النصارى الذين أسلموا في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لما بلغتهم دعوته، لأنهم عرفوها أولا وعرفوا نبيها من كتبهم التي بشرت به، فما كانوا يرجمون الغيب، بل يعترفون بحق وجدوه مجسدا في كتبهم:
فهذا إمبراطور الروم يكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لكتاب النبي الذي يدعوه فيه إلى الإسلام: " وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى ابن مريم ". وفي كتاب آخر يقول: " قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه "(1).
وهذه الحجة يقيمها المسلمون على النجاشي من الإنجيل، فلا يعترض على ذلك ولا يرده، فقد قال له عمرو:". . . وقد أخذنا الحجة عليك من فيك، الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور، وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي كاليهود في عيسى ابن مريم ". فقال النجاشي: أشهد بالله إنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وإن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وإن العيان ليس بأشفى من الخبر " (2).
(1) انظر الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة د. محمد حميد الله 111 - 114
(2)
انظر فيما سيأتي البشارة الثالثة في كتاب أشعياء من العهد القديم
وهذا المقوقس عظيم القبط في مصر يقول في كتابه للرسول صلى الله عليه وسلم: وقد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام (1). فما الذي أعلمه بذلك؟ هل كان يرجم الغيب ويتبع الظنون والأوهام؟
وهذا (مري) حاجب الحارث بن أبي شمر الغساني يقول لشجاع بن وهب رضي الله عنه: " إني قرأت في الإنجيل، وأجد صفة هذا النبي بعينه، فكنت أراه يخرج بالشام، فأراه قد يخرج بأرض العرب. وهذه الشهادة صريحة في أنه وجد صفة النبي بعينه في الإنجيل.
وذاك رجل الدين النصراني في عمورية الذي لازمه سلمان بوصية من سلفه الذي هو على دينه، يقول عندما حضرته الوفاة: " ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين فيهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة.
وخالدة بنت الحارث اليهودية عمة عبد الله بن سلام تقول له وتسأله لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: يا ابن أخي أهو النبي الذي كنا نبشر به أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، ثم أسلمت. فقولها: نبشر به، دليل على أن هناك بشارة، فمن أين جاءت إن لم تكن في كتبهم يعرفها علماؤهم؟
وذاك أيضا أبو ياسر بن أخطب يقول لقومه بعد أن سمع من النبي وحادثه: يا قوم أطيعوني، فإن الله عز وجل قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه.
(1) الوثائق السياسية، 136.