الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي فيها هذه البشارات الصريحة، فيظهر أن في مكتبة الفاتيكان من بقايا تلك الأناجيل والكتب التي كانت ممنوعة في القرون الأولى، ما لو ظهر لأزال كل شبهة عن إنجيل برنابا وغيره.
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به بغيا وحسدا:
وإذن، فما كان جحود اليهود والنصارى لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بغيا وحسدا، فاستحقوا اللعنة على كفرهم، وللكافرين عذاب مهين:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (1){بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (2)
علاقة الإسلام بالأديان الأخرى:
عرفنا فيما سبق أن الإسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعا، عليهم الصلاة والسلام، فإذا أخذنا كلمة الإسلام بهذا المعنى (نجدها لا تدع مجالا للسؤال عن العلاقة بين الإسلام وبين سائر الأديان السماوية، إذ لا يسأل عن العلاقة بين الشيء ونفسه، فهنا وحدة لا انقسام فيها ولا أثنينية).
ولكن السؤال هنا عن الإسلام بمعناه الخاص، وهو الدين الذي
(1) سورة البقرة الآية 89
(2)
سورة البقرة الآية 90
أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم، أي العلاقة بين المحمدية وبين الموسوية والمسيحية:
وللإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نقسم البحث إلى مرحلتين:.
المرحلة الأولى: في علاقة الشريعة المحمدية بالشرائع السماوية السابقة، وهي في صورتها الأولى لم تبعد عن منبعها، ولم يتغير فيها شيء بفعل الزمان ولا بيد الإنسان.
وهنا يعلمنا القرآن الكريم: أن كل رسول يرسل، وكل كتاب ينزل، قد جاء مصدقا ومؤكدا لما قبله، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن مصدق ومؤيد للإنجيل والتوراة، ولكل ما بين يديه من الكتاب. إذ هناك تشريعات خالدة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الأصقاع والأوضاع. وهناك تشريعات أخرى جاءت موقوتة بآجال طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها، وتجيء الشريعة التالية بما هو أوفق وأرفق بالأوضاع الناشئة الطارئة. وقد جاء القرآن الكريم فغير الله تعالى فيه بعض الأحكام التي جاءت في التوراة والإنجيل، وقوفا بها عند وقتها المناسب وأجلها المقدر لها في علم الله سبحانه وتعالى، وما كان فيها من الأحكام صحيحا موافقا لقواعد السياسة الدينية لا يغيره، بل يدعو إليه ويحث عليه. وما كان سقيما قد دخله التحريف فإنه يغيره بقدر
الحاجة، وما كان حريا أن يزاد فإنه يزيده على ما كان في الشرائع السابقة (1).
وعلى هذا، فإن الإسلام قد اعترف بالشرائع السابقة كما نزلت على الرسل السابقين، على أنها شرائع، وديانات توحيد في الذات والصفات والألوهية، فالله سبحانه وتعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو المتفرد بالعبادة، وهو الخالق لكل شيء، العليم بكل شيء، السميع البصير اللطيف الخبير، الموصوف بكل صفات الكمال المنزه عن كل صفات النقص.
فالنصرانية التي اعترف بها القرآن الكريم هي التي تعتبر المسيح عليه السلام عبدا لله ورسولا من عنده ليس إلها ولا ابن إله، وهي التي يقول الله تعالى على لسان نبيها عليه السلام:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (2).
والنصرانية التي اعترف بها القرآن الكريم هي التي تبشر كتبها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتطالب الذين حضروا دعوته من بعدها: أن يؤمنوا بها، كما جاء في القرآن الكريم على لسان المسيح عليه السلام.
واليهودية التي اعترف بها الإسلام هي التي جاء بها موسى عليه السلام، ديانة توحيد، تؤمن بالله وباليوم الآخر، ولا تبيح قتل النبيين، والتي توجب الإيمان بالكتب التي اشتملت على بيانها الشريعة المطهرة،
(1) حجة الله البالغة للدهلوي 1/ 90 - 91، و122 - 133.
(2)
سورة المائدة الآية 117
وتؤمن برسل الله أجمعين. وفيها إيمان بالله تعالى وطاعة له وعبودية خالصة، وتنزيه للرسل عن المعاصي وعصمتهم من الخطايا.
تلك هي الديانات التي يعترف بها الإسلام ويقرها ويمدحها القرآن الكريم ويمدح معتنقيها، قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، إذ هي الإسلام الذي أنزله الله. فلما جاءت شريعة محمد كانت هي الرسالة الخاتمة وهي الإسلام الذي ينبغي أن يفيء إليه الجميع ليكونوا مسلمين حقا.
المرحلة الثانية: أما المرحلة الثانية في بحث العلاقة بين الشريعة المحمدية والشرائع السماوية، بعد أن طال عليها الأمد، فنالها من التغيير والتحريف والتبديل والكتمان ما كان كفيلا بتحويلها عن أصلها من ديانة توحيد إلى ديانات وثنية لا تمت إلى أصلها المنزل إلا بخيط أوهى من خيط العنكبوت أو بنسبة لا حقيقة لها.
وهنا نرى أن القرآن الكريم قد أضاف إلى موقفه منها في المرحلة الأولى صفة أخرى وهو أنه جاء مهيمنا على كتبها وشريعتها - وقد سبق ذلك آنفا - أي حارسا وأمينا عليها، ومن شأنه ألا يكتفي بتأييد ما فيها من حق وخير، بل عليه فوق ذلك أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها.
وهكذا كان من مهمة القرآن الكريم أن يتحدى من يدعي وجود تلك الإضافات التي اخترعوها في تلك الكتب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (1).
(1) سورة آل عمران الآية 93
وبالتالي فالإسلام لا يعترف بدعوة ترفع عيسى عليه السلام إلى مرتبة الألوهية وتنحرف عن التوحيد الخالص لتعتنق التثليث وتؤمن بالخطيئة والكفارة والصلب. . . متأثرة بالوثنية التي كانت سائدة وقت نشر النصرانية في الدول الرومانية، ثم هي تنكر نبوة نبي بعثه الله تعالى وبشرت به كتبها أصلا، كما لا يعترف بدعوة يزعم أهلها في حق الله ما يزعمون من كذب وإفك وكفر، ويصفون أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام بما تقشعر منه الأبدان وترتجف له القلوب - ومن وصف الله سبحانه بالإفك لا يستغرب منه أي كفر بعد.