الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفارسية أو الرومية، وأكثرهم تحكمهم السلطات القبلية المختلفة، فكانوا مشتتين لا رابطة تجمعهم.
3 -
وأما حالتهم الاقتصادية:
فإنما تقوم على السلب والنهب والمعاملات الربوية وأكل الخبائث فكانوا يستحلون ما حرم الله من الميتة والدم، ويحرمون ما أحل الله، حيث حرموا أنواعا من بهيمة الأنعام وهي البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، فرد الله عليهم بقوله:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (1).
4 -
وأما حالتهم الأسرية:
فكانوا يئدون بناتهم خشية العار، ويقتلون أولادهم تقربا إلى الأصنام أو يقتلونهم خشية الفقر، وكان أحدهم يتزوج ما شاء من النساء دون تقيد بعدد ولا التزام بحقوق الزوجية، وكانوا يحرمون النساء والصغار من الميراث، بل كانوا يرثون زوجة الميت من بعده كما يرثون ماله. . . هذا مجمل حال جاهلية العرب.
(1) سورة المائدة الآية 103
تحقيق الإسلام للأمن ووسائل توفره:
ولما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم انجابت هذه الظلمات، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، كما قال سبحانه:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1).
(1) سورة إبراهيم الآية 1
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، وقال سبحانه:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (2)، وقال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (3).
وبذلك تحول مجتمع العرب الذين دخلوا في هذا الدين إلى مجتمع يسوده الأمن ويحكمه الوحي الإلهي، وتوجهه العقيدة السليمة وتظلله راية التوحيد. وقد بين الله سبحانه مقومات هذا الأمن وأسبابه التي يتحقق بتوفرها ويزول بزوالها وهي كما يلي:
إصلاح العقيدة بإخلاص العبادة لله وترك عبادة ما سواه والبراءة منها ومن أهلها وملازمة العمل الصالح قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) فربط سبحانه حصول هذه المطالب العالية، الاستخلاف في الأرض، والتمكين من الدين، وإبدال الخوف بالأمن، ربطها بتحقق شيئين هما: عبادة الله سبحانه، وترك الإشراك به. وقد بعث الله بذلك جميع الرسل كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ} (5)
(1) سورة الأنبياء الآية 107
(2)
سورة آل عمران الآية 164
(3)
سورة آل عمران الآية 103
(4)
سورة النور الآية 55
(5)
سورة النحل الآية 36
{رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وهما حق الله على عباده. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (2)» .
ومن مقومات الأمن وأسبابه بعد التوحيد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4) فربط سبحانه حصول النصر على الأعداء الذي يتوفر به الأمن للمسلمين لأن من انتصر على عدوه فقد أمن شره ربط ذلك بإقام الصلوات الخمس التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وإيتاء الزكاة التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وخصص هذين الركنين لما لهما من الأهمية؛ لأن الأول إحسان فيما بين العبد وبين ربه بإخلاص العبادة له، وهذا هو الأساس الذي ينبني عليه الدين كله.
والثاني: إحسان فيما بين العبد وبين إخوانه، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يتحقق بهما نصرة دين الله، وقدم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يكون عاملا بما يأمر به ومتجنبا لما ينهى عنه وصالحا في نفسه قبل أن يكون مصلحا لغيره.
هذا وكما أن هذه الأمور هي أهم مقومات الأمن وأسباب النصر في الدنيا فهي كذلك أسباب الأمن في الدار الآخرة قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (5) أي لم يخلطوا عبادتهم بشرك
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2856)، صحيح مسلم الإيمان (30)، سنن الترمذي الإيمان (2643)، سنن ابن ماجه الزهد (4296)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 238).
(3)
سورة الحج الآية 40
(4)
سورة الحج الآية 41
(5)
سورة الأنعام الآية 82
{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (1) وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (2){فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (3) وقال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} (4) وقال تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (5) فنالوا الأمن بالجنة بسبب إيمانهم في الدنيا وإخلاصهم العبادة لله وابتعادهم عن الشرك، قال الإمام ابن كثير: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك. كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء المطلق. بمعنى أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في الآية الأخرى، يعني قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (6){جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} (7)، وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه. . . انتهى.
ومن أسباب الأمن اجتماع الكلمة وطاعة ولاة الأمور بالمعروف، قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (8) وقال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (9) فالاجتماع قوة والفرقة تضعف كيان المجتمع.
(1) سورة الأنعام الآية 82
(2)
سورة الدخان الآية 51
(3)
سورة الدخان الآية 52
(4)
سورة الحجر الآية 46
(5)
سورة سبأ الآية 37
(6)
سورة فاطر الآية 32
(7)
سورة فاطر الآية 33
(8)
سورة آل عمران الآية 103
(9)
سورة الأنفال الآية 46
ومن مقومات الأمن شكر النعمة ومن أسباب زواله كفر النعمة، قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1). وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (2)، وقال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (3) وقال عن سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (4){فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} (5){ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (6){وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (7){فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} (8). وهكذا نجد في هذه الآيات أن استقرار الأمن مربوط بشكر النعمة وأن زواله مقرون بكفرها، كما نجد أن توفر الأمن لا بد أن يسبق توفر الغذاء، مما يدل على أن الضرورة إليه أشد من الضرورة إلى الغذاء لأنه لا يمكن التلذذ بالغذاء لو توفر مع عدم الأمن والاستقرار، ولهذا كان في دعاء الخليل عليه السلام تقديم طلب الأمن على طلب الرزق كما ذكر
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2)
سورة الأنفال الآية 53
(3)
سورة النحل الآية 112
(4)
سورة سبأ الآية 15
(5)
سورة سبأ الآية 16
(6)
سورة سبأ الآية 17
(7)
سورة سبأ الآية 18
(8)
سورة سبأ الآية 19