الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابها، أو نظر إليهم على أنهم جاءوا في غير زمانهم أو أنهم الطبقة الدنيا في المجتمع.
وقد يدفع هذا بعض العاملين في حقول الغير إلى أن يتلمسوا لأنفسهم طرقا في الحياة تقربهم من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يتمتع به أنصار النظرية المادية، وبهذا التلمس يفقدون مكانتهم النفسية والفكرية، وتخلع عنهم أردية القيادة الصالحة، ويحار الناس بين قوى مادية قوية مستعلية، وقوى روحية ضعيفة مستخزية، وتصل الحضارة إلى مرحلة الانحطاط الفكري والأخلاقي والاجتماعي الشامل.
المرحلة الثالثة: مرحلة الانهيار:
في هذه المرحلة تبدأ الحياة الاجتماعية بالتعرض للضربات الداخلية والخارجية نتيجة اختلال نسيجها الداخلي وتمزق كيانها الفكري والنفسي.
لقد ظن الناس أنهم سيفلتون من الناموس الكوني، أو أنهم - لمجرد أنهم يهود أو نصارى أو مسلمون - لن يتعرضوا للجزاء الحتمي، ولربما تمنوا أن يكونوا - وحدهم في سلسلة الحضارات - الحلقة التي لا تخضع للناموس الكوني، لكن حركة التاريخ تمضي بقدر الله إلى غايتها متجاوزة أمانيهم التافهة:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (1).
لقد أصبح البناء الاجتماعي هشا يقوم على أسس فاسدة، فلا أمل بالتالي في علاجه، بل لا بد من إسقاطه:{أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2)
(1) سورة النساء الآية 123
(2)
سورة التوبة الآية 109
ولقد اختل النسيج كله واختلطت المعايير، وتقطعت خيوط الأخلاق:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (1)، فلم يبق إلا أن تتهاوى الضربات من الخارج ومن الداخل.
وللإشارة إلى الضربات التي تهوي من الخارج يقول الحديث النبوي الشريف: «توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت (2)» .
وأما الضربات من الداخل فتتمثل في الفتن والمشكلات التي تقع بين المسلمين من الداخل، حيث تتفتت وحدتهم، وينقسمون شيعا وأحزابا، تتوزعهم الأفكار والمذاهب والأطماع وتظهر لهم الأقليات المعادية للإسلام حقيقتها فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل (3)» ، ويصبح (القتل) هو الشيء الشائع في كل الأيام حتى لا يدري الناس فيم يقتلون أو فيم يقتلون «والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول على أي شيء قتل (4)» .
(1) سورة الرعد الآية 25
(2)
رواه أبو داود
(3)
رواه مسلم
(4)
رواه مسلم
وهكذا تتعاون ضربات الداخل والخارج على إزهاق هذه الحضارة التي فقدت شروط البقاء، وفقدت فيها الروح مكانتها، وضاع العقل، واختل الميزان في يد الإنسان، وانهارت الحقوق الآدمية للفرد، وطغت الجماعة ممثلة في حزب أو دولة وأصبحت الأخلاق بلا رجال يحمونها وأصبحت الحضارة في مجموعها وفي عناصرها الأساسية غير مؤهلة للبقاء.