الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمكانية إقلاع الأمة من جديد يكون أمرا ميسورا. مهما كانت ضآلة الأشياء التي تملكها، ومهما كانت خسائرها - إبان مرحلة السقوط - في عالم الأشياء، فالأفكار تبقى هي الرصيد المخزون للأمة عندما تفقد الأشياء لقد كانت الفكرة الإسلامية هي التي أطلقت قطار الحضارة الإسلامية، وضمنت له الاضطراد في التاريخ، وكان الإنسان المسلم المعبأ بهذه الفكرة عن يقين جازم، والذي يحس بأنه مبتعث بها في التاريخ ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله - كما قال ربعي بن عامر في وجه رستم - كانت الفكرة وكان إنسانها هما اللذان أنجزا ميلاد الحضارة الإسلامية (ولقد واصل المجتمع المسلم بالفكرة تطوره، وأكمل سبكه روابطه الداخلية بقدر امتداد إشعاع هذه الفكرة في العالم)(1).
4 -
ولقد مرت بالأمة الإسلامية هزائم كثيرة وتعرضت لصنوف من الاحتلال التتري والصليبي والاستعماري لكنها استطاعت تجاوز المحنة بفضل الله ثم بفضل الفكر الذي كان يقودها، ومن هنا تبدو خطورة (غزو الأفكار) - بواسطة التنصير والشيوعية واليهود - في العالم الإسلامي، وهو ما عمد إليه الاستعمار بعد أن أدرك عدم جدوى الغزوات العسكرية التي لم يكسب منها شيئا إلا ما تعلمه في جامعات المسلمين ومدارسهم، وهو يغزوهم أو يحاربهم، ورجع به إلى بلاده، فالأفكار هي الرصيد الصحيح الذي تلجأ إليه الأمم، وهي الوقود المخزون في الباطن والأعماق إذا انتهت البضائع من أسواق (الأشياء) في مراحل الاستهلاك أو الاستنزاف الحضاري!!
(1) انظر بتصرف مالك بن نبي شروط النهضة 68 طبع بيروت
3 -
الأشياء وقيمتها الحضارية:
إن قيمة الأرض في الإبداع الحضاري قيمة لا تنكر، فهي مناط
الزراعة، وهي مناط الرعي، وهي - بدرجة ما - مرتبطة بالتصنيع. وبقدر ما يستطيع الإنسان استغلال الأرض الاستغلال الأمثل، وتطوير عطائها وتوجيهه بقدر ما يستطيع إبداع حضارة إنسانية موجهة.
- وأمامنا أمثلة حية في عصرنا، حيث تقهر الحضارة في ميلادها وفي دورتنا الحالية في التاريخ بتأثير القهر الاستعماري الأمريكي الذي يفرض على السودان وعلى مصر وغيرهما عدم زراعة القمح بصورة تكفيهما أو تكفي للتصدير، وتبقى الأرض في بلاد كثيرة في العالم الإسلامي في مرحلة بدائية الاستغلال بينما يزرع الياباني الأراضي التي فوق الجبال، وبينما يزرع الشخص الأمريكي وحده ألف هكتار، بينما هذا. . . تحرم الأمم المستعمرة (وإن حملت اسم الاستقلال) من تطوير زراعتها، ويستأجر الاستعمار رجالا يضمنون الحفاظ على تخلفها، ويضمنون أيضا إجهاض الفكر وإنهاك الإنسان.
لقد حث الله تعالى وجاءت السنة بمئات الآيات والأحاديث التي تحث على (العمل) وعلى استغلال الأرض، وعلى الصيد والزراعة والصناعة والتجارة.
{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (1).
{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} (2).
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (3).
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} (4).
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة النحل الآية 5
(3)
سورة النازعات الآية 31
(4)
سورة يس الآية 80
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (1).
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} (3).
{ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (4).
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (5){تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} (6).
{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (7).
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا} (8)(أي أصواف الأنعام){وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (9).
{وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (10).
{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} (11)(أي في الجنة){حَرِيرٌ} (12).
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} (13).
{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} (14).
(1) سورة الحديد الآية 25
(2)
سورة النحل الآية 14
(3)
سورة هود الآية 37
(4)
سورة هود الآية 41
(5)
سورة القمر الآية 13
(6)
سورة القمر الآية 14
(7)
سورة النحل الآية 81
(8)
سورة النحل الآية 80
(9)
سورة النحل الآية 80
(10)
سورة الغاشية الآية 16
(11)
سورة الحج الآية 23
(12)
سورة الحج الآية 23
(13)
سورة الإنسان الآية 15
(14)
سورة النحل الآية 81
(15)
سورة الإنسان الآية 13
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} (2){فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} (3).
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} (5){وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (6).
{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} (7){فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} (8).
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (9){أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (10).
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (11).
ولعل حديث الرسول الكريم «إن قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها (12)» من أقوى الأدلة على احترام الإسلام لاستغلال الأرض وعالم الأشياء الموجهة للخير والمتناسقة مع حاجات الإنسان وأهدافه من الحياة.
وعندما يزهد الإسلام في الدنيا - في بعض الآيات كما ذكرنا -
(1) سورة آل عمران الآية 49
(2)
سورة الرحمن الآية 10
(3)
سورة الرحمن الآية 11
(4)
سورة لقمان الآية 20
(5)
سورة الحجر الآية 19
(6)
سورة الحجر الآية 20
(7)
سورة الأعلى الآية 4
(8)
سورة الأعلى الآية 5
(9)
سورة النازعات الآية 30
(10)
سورة النازعات الآية 31
(11)
سورة النحل الآية 10
(12)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 184).