المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: (معنى الآية والأقوال فيه) - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌(الأمن الفكري)

- ‌خطاب الشكر من مقام خادم الحرمين الشريفين

- ‌الفتاوى

- ‌باب زكاة العروض:

- ‌ لا تجب الزكاة في العروض عند الوارث)

- ‌ الأرض المعدة للتجارة، والمقطعة)

- ‌ أموال شركة الكهرباء، والعقار، والسيارات، ومكائن الماء)

- ‌ ملك بيتا للسكن ثم أعده للإيجار)

- ‌ تقوم العقارات عند الحول ولو هبطت قيمتها)

- ‌ تجزئ زكاة العروض عرضًا إذا كان أنفع للفقير)

- ‌ هل تدفع زكاة الأجرة بعد المؤونة)

- ‌ الدور التي تبنى للتأجير):

- ‌ عنده سيارة يتكسب عليها):

- ‌ سيارات النقل لا زكاة فيها):

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم دفع الزكاة للإخوة الذين تجب النفقةعليهم وحكم قضاء دين الوالد أو الولد من الزكاة

- ‌ هل يجوز دفع زكاة المال للأشراف من بني هاشم

- ‌حكم أخذ آل البيتمما يسمى بالضمان الاجتماعي

- ‌حكم صرف الزكاة لأسرة واحدة

- ‌حكم إعطاء المدينالزكاة كلها لقضاء دينه

- ‌الزكاة لا تعطى لكافرإلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم

- ‌عادة المناخ تبرع سنوي من الدولة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ هل تجب طاعة الوالدين إذا منعا ابنهما عن دورات حفظ القرآن الكريم

- ‌ يرفع صوته في بعض أذكار الصلاة تطبيقًا للسنة لكن مع إيذاء المصلين

- ‌ هل للمعصية تأثير على أهل المعاصي

- ‌ عطس أحد المصلين بجواري وسمعته يقول: (الحمد لله)

- ‌ بعض الناس يدخلون المسجد والإمام في الركوع، ثم يرفعون أصواتهم للإمام حتى ينتظر

- ‌ من آداب الدعاء أن يكون المأكل والمشرب حلالاً

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌الاستعاذة والبسملة والاستفتاح

- ‌ هل دعاء الاستفتاح قبل التكبير أم بعده

- ‌ هل تقرأ البسملة في الصلاة بالفاتحة سرا أو جهرا

- ‌ هل يؤتى بدعاء الاستفتاح بين التكبير والقراءة

- ‌ الدليل على جواز إخفاء (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة الجهرية

- ‌البحوث

- ‌الوقفة الأولى: حقيقة الفتوى

- ‌الوقفة الثانية: القول على الله بغير علم

- ‌الوقفة الثالثة: الورع عن الفتيا

- ‌الوقفة الرابعة: جواب من سئل وهو لا يعلم

- ‌الوقفة الخامسة: شروط الفتيا

- ‌الوقفة السادسة: نقل الفتيا [فتوى المقلد]:

- ‌الوقفة السابعة: التيسير في الفتوى

- ‌الوقفة الثامنة: تتبع الرخص

- ‌الوقفة التاسعة: الإفتاء بغير المشهور في البلد

- ‌الوقفة العاشرة: جملة وصايا

- ‌معالم نقدية للعبّاد والصوفية

- ‌مقدمة:

- ‌منهج البحث:

- ‌تمهيد في التعريف بالتصوف، ونشأته، وتطوره

- ‌المبحث الأول: الانحراف في منهج التلقي

- ‌المبحث الثاني: دعوى عبادة الله تعالى محبة، لا خوفا، ولا رجاء

- ‌المبحث الثالث: مسألة الشوق إلى لقاء الله تعالى

- ‌المبحث الرابع: مسألة الرضا بالقضاء

- ‌المبحث الخامس: مسألة السماع والغناء

- ‌المبحث السادس: الصلة بين التوكل والأخذ بالأسباب

- ‌المبحث السابع: مفهوم الزهد في الدنيا

- ‌المبحث الثامن: التكلف في العبادة

- ‌المبحث التاسع: مسألة الكرامات والخوارق

- ‌الخاتمة:

- ‌عقد التوريد- رؤية تأصيلية

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول:تعريف العقد لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثانيتعريف التوريد لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثالثالألفاظ ذات الصلة بعقد التوريد

- ‌المطلب الأولصيغ عقد التوريد

- ‌المطلب الثانيأنواع عقد التوريد

- ‌المبحث الثالث: حكم عقد التوريد

- ‌المطلب الأولحكم طريقة إبرام عقد التوريد

- ‌المسألة الأولىحكم المناقصة

- ‌المسألة الثانيةحكم الممارسة

- ‌المسألة الثالثةحكم التأمين المباشر

- ‌المطلب الثانيحكم عقد التوريد

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولىحكم عقد التوريد من خلال العقود

- ‌الفرع الأولعقد الاستصناع وعلاقته بعقد التوريد

- ‌الفرع الثاني: عقد السلم

- ‌الفرع الثالثالعقد على الغائب المبيع على الصفة

- ‌الفرع الرابعمسألة الشراء المستمر

- ‌الفرع الخامسمسألة بيع ما يتكرر قطفه

- ‌المسألة الثانيةحكم عقد التوريد من حيث هو عقد مستقل

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأولحكم عقد التوريد انطلاقا من قاعدة أصل العقود

- ‌الفرع الثانيحكم عقد التوريد من حيث اشتماله

- ‌النقطة الأولىبيع الإنسان ما لا يملك

- ‌النقطة الثانيةالجمع بين البيع والإجارة

- ‌النقطة الثالثةبيع الدين بالدين

- ‌النقطة الرابعةالبيع بسعر السوق

- ‌المبحث الرابع حكم الشرط في عقد التوريد

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأولاشتراط الضمان

- ‌المطلب الثانياشتراط البيع بثمن معين

- ‌المطلب الثالثشرط القصر

- ‌المطلب الرابعالشرط الجزائي

- ‌ملخص البحث وخاتمته

- ‌حضانة الجدة في الفقه الإسلامي

- ‌المقدمة:

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌المبحث الأولتعريف الحضانة ووقتها

- ‌المطلب الأول: تعريف الحضانة في اللغة

- ‌المطلب الثاني: الحضانة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: حق الحضانة

- ‌المطلب الرابع: وقت الحضانة

- ‌المبحث الثانياستحقاق الجدة للحضانة

- ‌ثانيًا: الأدلة الخاصة في حضانة الجدة:

- ‌المبحث الثالثشروط حضانة الجدة

- ‌الشرط الأول: ألاّ تكون الحاضنة زوجًا لأجنبي من الصغير

- ‌الشرط الثاني: أن تكون عاقلة

- ‌الشرط الثالث: أن تكون بالغة

- ‌الشرط الرابع: أن تكون عدلاً

- ‌الشرط الخامس: ألاّ تكون مرتدة

- ‌الشرط السادس: أن تكون حرة

- ‌الشرط السابع: أن تكون قادرة على القيام بشؤون الصغير

- ‌الشرط الثامن: أن تكون خالية من الأمراض المعدية

- ‌الشرط التاسع: أن تكون حضانتها للصغير في مكان آمن

- ‌المبحث الرابعمسقطات حضانة الجدة

- ‌المبحث الخامسالترتيب بين الجدات والأب

- ‌المبحث السادسالترتيب بين الجدات

- ‌المبحث السابعأثر إسقاط الأم حقها من الحضانة على حضانة الجدة

- ‌الخاتمة

- ‌دراسة لقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}

- ‌المبحث الأول: علاقة الآية بسياقها:

- ‌المطلب الأول: علاقة الآية بسياقها في السورة:

- ‌المطلب الثاني: علاقة الآية بالمكي من القرآن

- ‌المطلب الثالث: علاقة الآية بسياق القرآن

- ‌المبحث الثاني: معاني ألفاظ الآية:

- ‌المبحث الثالث: دلالات التركيب في الآية:

- ‌المبحث الرابع: (معنى الآية والأقوال فيه)

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الرابع: (معنى الآية والأقوال فيه)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري» (1)

الثانية: من جهة إرادة الخالق سبحانه، فإنه أراد منهم العبادة شرعًا ولم يأمرهم بالكفر أو الشرك بل أمرهم بها.

(1) شعب الإيمان للبيهقي 4/ 134 رقم 4563، والفردوس 3/ 225 رقم 4506 وانظر الجامع الصغير 2/ 81، والدر المنثور 6/ 117 وفيض القدير 4/ 469.

ص: 363

‌المبحث الرابع: (معنى الآية والأقوال فيه)

مما تقدم في المباحث السابقة يتضح أن معنى قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} إلا لآمرهم بالعبادة الشرعية على جهة الابتلاء؛ لأنظر من يحسن عملاً فيطيع أمر ربه ويمتثل شرعه، ومن يسيء فيعصي ويكفر.

فالآية عامة تشمل جميع المكلفين من الثقلين والمقصود بالعبادة فيها العبادة الشرعية المعلقة بطاعة الأمر والنهي الشرعيين، وتدل على هذا المعنى أدلة:

1 -

أن الاستقراء من كتاب الله دال على أن المراد بعبادة الله في استعمال القرآن العبادة التي أمرت بها الرسل، وهي عبادته وحده لا

ص: 363

شريك له، هي التوحيد المطلوب من الخلق، هي العبادة التي تكون مخالفتها والخروج عن مقتضاها بعبادة غير الله.

قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ} وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} قال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} وقال: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} .

ونحو هؤلاء الآيات، وفي آيات عديدة قرن الله الأمر بالعبادة بالنهي

ص: 364

عن الشرك، فذكرهما معًا جميعًا مقترنين، وفي ذلك دلالة بينة على أن المراد بالعبادة التوحيد وإفراد الله بها؛ لأنه نهي عن عبادة غير الله مع الله وأمر بالتوحيد، وإفراد الله بالعبادة، قال الله:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ} وقال: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} وقال: {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .

2 -

ما تقدم ذكره من أن المعنى المعبر عنه بالفعل في الآية هو الإرادة، أي أريد أن يعبدون، وقد تقدم ذكر أدلة ذلك، وتقدم بيان تعيُّن أن يكون المراد بالإرادة هنا الإرادة الشرعية التي هي الأمر والنهي

ص: 365

والتكليف بهما فقط.

3 -

أن هذا المعنى: (إلا لآمرهم بالعبادة ابتلاءً) دلت عليه آيات أخرى في كتاب الله، وجاءت دلالتها له على وجهين: إما مفسرة له، أو شاهدة له.

أما المفسرة فنحو قوله سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} وقوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} .

فالتصريح في هؤلاء الآيات بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً يفسر قوله: {لِيَعْبُدُونِ} في الآية (1)(2)

ومن الآيات المفسرة أيضًا: قوله سبحانه:

(1) انظر أضواء البيان 7/ 673.

(2)

انظر أضواء البيان 7/ 673. ') ">

ص: 366

{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} فهذا هو الذي أراده الله من خلق خلقه أن يأمرهم بألا يعبدوا إلا الله.

وأما الشاهدة فنحو قوله سبحانه: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} فهذا إنكار من الرب سبحانه على أن يحسب الإنسان أنه يترك سدى بلا أمر ولا نهي يبتليهم به، وأنكر سبحانه عليه ظنه أن ما يمده به ربه من مال وبنين هو لمجرد تزويده بالخيرات، وبيَّن أن الأمر ليس كذلك وأن خلقه إنما هو لتكليفه وابتلائه فإن عبد الله فهو أهل لفضل الله في الدنيا والآخرة، قال سبحانه:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} .

ص: 367

وهذا الإنكار من الرب شاهد لمعنى قوله {لِيَعْبُدُونِ} في آية الذاريات هذه.

فهذه الأدلة ودلائل أخر ستأتي في الجواب عن الأقوال الأخرى تدل على أن معنى {لِيَعْبُدُونِ} : لآمرهم أن يعبدوني.

وهذا التفسير هو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) فقد ذكر عنه أنه قال في تفسير الآية: "إلا ليعبدون، أي: إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي"(2) وهو قول مجاهد أيضًا فقد قال: "لآمرهم وأنهاهم"(3) ووصف ابن تيمية هذا المروي عن مجاهد بأنه معروف بالإسناد الثابت عنه (4) وقال عكرمة: "إلا ليعبدون ويطيعون، فأثيب العابد، وأعاقب الجاحد"(5) وعن الربيع بن أنس: "ما خلقتهما إلا للعبادة"(6) ونسبه ابن عطية لابن عباس أيضًا (7) وهذا المعنى هو الصواب؛ للأدلة المذكورة.

(1) انظر تفسير السمعاني 5/ 264، وزاد الميسر 8/ 42، وتفسير القرطبي 17/ 155، وتفسير النسفي 4/ 188. ') ">

(2)

تفسير البغوي 4/ 235، وانظر درء تعارض العقل والنقل 8/ 477، والفتاوى 8/ 52. ') ">

(3)

تفسير السمعاني 5/ 264، وتفسير القرطبي 17/ 56، ودرء التعارض 8/ 478. ') ">

(4)

الفتاوى 8/ 52. ') ">

(5)

تفسير القرطبي 17/ 56. ') ">

(6)

درء التعارض 8/ 478 والفتاوى 8/ 52، وتفسير ابن كثير 4/ 239. ') ">

(7)

المحرر الوجيز 5/ 182. وانظر روح المعاني 27/ 21. ') ">

ص: 368

ولكن ثمة أقوال أخرى لا يسلم حمل الآية على واحد منها من خطإ.

وهذه الأقوال هي:

القول الأول: أن المعنى: إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللوا، إلا لأستعبدهم، فالمراد بالعبادة تعبيده لهم، وقهره لهم ونفوذ قدرته ومشيئته فيهم وأنه أصارهم إلى ما خلقهم له (1) فهي عبودية القهر والخضوع لربوبيته لا العبودية الشرعية عبودية الطاعة وامتثال الأمر والنهي، وعلى هذا المعنى حمل ابن تيمية رحمه الله المروي عن زيد بن أسلم أنه قال في:{إِلا لِيَعْبُدُونِ} : "ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة"(2) وقول وهب بن منبه: "جبلهم على الطاعة وجبلهم على المعصية"(3) وذكر ابن تيمية رحمه الله أن قول ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: "إلا ليقروا بالعبودية طوعًا وكرهًا"(4) فُسِّر بهذا

(1) انظر تفسير السمعاني 5/ 264، وتفسير البغوي 4/ 235، وزاد المسير 8/ 43، وتفسير القرطبي 17/ 56، والفتاوى 8/ 45.

(2)

أخرجه الطبري في التفسير 27/ 8، وانظر تفسير البغوي 4/ 235، وتفسير القرطبي 17/ 56، والدر المنثور 6/ 116، ونقله ابن تيمية عن ابن أبي حاتم في الدرء 8/ 480، وانظر الفتاوى 8/ 45.

(3)

نقله ابن تيمية في الدرء 8/ 480 عن ابن أبي حاتم. ') ">

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير 10/ 3313 رقم 18668، والطبري في التفسير 27/ 8. ') ">

ص: 369

المعنى المذكور، ولكنه صحح تفسيره بمعنى آخر هو القول الثاني الآتي (1) وقد قال القرطبي في قول ابن عباس هذا:"فالكره ما يُرى فيهم من أثر الصنعة"(2)

وهذا المعنى وإن كان صحيحًا في نفسه إلا أنه ليس هو مراد الآية لوجوه:

أولاً: أن المخلوقات كلها خاضعة لله متذللة له نافذة فيها قدرته ومشيئته، فليس هذا خاصًا بالجن والإنس، وهما المذكوران دون سواهما، فذكرهما خاصة يدل على عبودية مرادة منهما خاصة دون سواهما، وهي عبودية الطاعة والامتثال للأمر الشرعي والابتلاء فيها.

ثانيًا: ما تقدم من أنه لا يراد بعبادة الله في القرآن "إلا العبادة التي أمرت بها الرسل، وهي عبادته وحده لا شريك له، والمشركون لا يعبدون الله، بل يعبدون الشيطان، وما يدعونه من دون الله، سواء عبدوا الملائكة أو الأنبياء والصالحين أو التماثيل والأصنام المصنوعة، فهؤلاء المشركون قد عبدوا غير الله، كما أخبر الله بذلك فكيف يقال: إن جميع الإنس والجن عبدوا الله؛ لكون قدر الله جاريًا عليهم؟! والفرق ظاهر بين عبادتهم إياه التي تحصل بإرادتهم

(1) انظر الدرء 8/ 480 والفتاوى 8/ 49. ') ">

(2)

تفسير القرطبي 17/ 55. ') ">

ص: 370

واختيارهم وإخلاصهم الدين له وطاعة رسوله، وبين أن يعبِّدهم هو وينفذ فيهم مشيئته، وتكون عبادتهم لغيره للشيطان وللأصنام من المقدور" (1)

ثالثًا: أن قوله: {لِيَعْبُدُونِ} يقتضي فعلاً يفعلونه هم، وكونه ينفذ فيهم مشيئته ليس فيه إلا فعله فقط، ليس فيه فعل لهم (2)

رابعًا: أن الآية واردة في سياق ذم من لم يعبده مفردًا إياه بالعبادة وذكر عقوبته في الدنيا والآخرة، كل سياق السورة في ذلك كما تقدم، فلو كان المراد بالعبادة الخضوع لربوبيته لكانت وقعت منهم، ولا محل لذمهم ووعيدهم، والآية فيها معنى التوبيخ لمن لم يعبده مع كونه خلق لذلك.

القول الثاني: أن المعنى: إلا ليذعنوا ويقروا لي بالعبودية، وقد وقعت منهم جميعهم طوعًا وكرهًا، وهذا قول ابن عباس المتقدم قريبًا:"إلا ليقروا بالعبودية طوعًا وكرهًا" وهو اختيار ابن جرير الطبري (3) وقال ابن تيمية في قول ابن عباس هذا: "وهذه العبودية

(1) هذا نص كلام ابن تيمية في الفتاوى 8/ 47. ') ">

(2)

انظر درء التعارض 8/ 481. ') ">

(3)

انظر تفسيره 27/ 8. ') ">

ص: 371

كقوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} " (1) قال رحمه الله: "وفسرت طائفة (الكره) بأنه جريان حكم القدر فيكون كالقول قبله" يقصد القول بخضوعهم لربوبيته، قال: "والصحيح أنه انقيادهم لحكمه القدري بغير اختيارهم (2) كاستسلامهم عند المصائب وانقيادهم لما يكرهون من أحكامه الشرعية، فكل أحد لا بد له من انقياده لحكمه القدري والشرعي، فهذا معنى صحيح" قال رحمه الله:"لكن ليس هو العبادة"(3) وقوله: "ليس هو العبادة" هو وجه دال على أن هذا المعنى غير مراد بالآية وأن العبادة في إطلاق الشرع لا يراد بها هذا المعنى.

وثمة وجه آخر وهو المذكور رابعًا في نقد القول الأول الذي قبل هذا.

القول الثالث: أن المعنى: إلا ليوحدون، وقد وقع التوحيد منهم جميعًا، فأما المؤمنون فيوحدونه في الرخاء والشدة، وأما الكافرون

(1) الفتاوى 8/ 49 والآية الأولى رقمها 83 من سورة آل عمران والثانية رقمها 15 من سورة الرعد. ') ">

(2)

هكذا في موضعه والصواب الموافق لسياق الكلام: **باختيارهم** لأنهم يختارون الاستسلام للمصائب كارهين. ') ">

(3)

الفتاوى 8/ 49. ') ">

ص: 372

فيوحدونه في الشدة والبلاء دون الرخاء، بدليل قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وهذا قول الكلبي (1) قال الألوسي: (ولا يخفى بعد ذلك عن الظاهر والسياق)(2) وهو كما قال.

وقد ذكر الألوسي قولاً قريبًا من هذا، وهو أن التوحيد واقع منهم جميعًا في الآخرة وأن توحيد المشرك في الآخرة يدل عليه قوله سبحانه:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (3) وهذا أشد بعدًا من سابقه.

القول الرابع: أن المعنى: خلقهم للعبادة، وقد وقعت منهم جميعهم إلا أن من العبادة عبادة تنفع ومن العبادة عبادة لا تنفع {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} هذا منهم عبادة وليس تنفعهم مع شركهم، وهذا قول السدي (4) ولكن مجرد الإقرار بالخالق ليس هو العبادة المرادة، ولو كان هو العبادة المرادة بالآية، لم يكن ثمة وجهٌ لذم ووعيد هؤلاء المذمومين في الآيات؛ لأنهم أتوا بهذا الإقرار.

(1) انظر درء التعارض 8/ 479، وتفسير القرطبي 17/ 56. ') ">

(2)

روح المعاني 27/ 21. ') ">

(3)

وانظر المرجع السابق. ') ">

(4)

انظر درء التعارض 8/ 478، والفتاوى 8/ 50 وتفسير ابن كثير 4/ 239. ') ">

ص: 373

القول الخامس: أن المعنى: إلا ليعرفون، وهو مروي عن مجاهد (1) وابن جريج (2) وقتادة (3) قال البغوي:"وهذا أحسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} "(4) قال ابن تيمية في هذا القول: "هذا المعنى صحيح، وكونه إنما عرف بخلقهم يقتضي أن خلقهم شرط في معرفتهم، لا يقتضي أن يكون ما حصل لهم من المعرفة هو الغاية التي خلقوا لها، وهذا من جنس قول السدي، فإن هذا الإقرار العام هم مشركون (5) فيه، كما قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} لكن ليس هذا هو العبادة"(6) وقال الألوسي: "وتعقب بأن المعرفة الصحيحة لم تتحقق في كل بل بعض قد أنكر وجوده عز وجل كالطبيعيين اليوم"(7)

وقد وجَّه أبو السعود هذ القول توجيهًا لطيفًا، فجعل المراد بالمعرفة

(1) انظر تفسير البغوي 4/ 235، والفتاوى 8/ 50 والدرء 8/ 479. ') ">

(2)

انظر الفتاوى 8/ 50 وتفسير ابن كثير 4/ 239. ') ">

(3)

انظر الفتاوى 8/ 50. ') ">

(4)

تفسيره 4/ 235، ونسب ابن تيمية ذات الكلام إلى الثعلبي في الدرء 8/ 479. ') ">

(5)

هكذا في الأصل ولعلها: **مشتركون**. ') ">

(6)

الفتاوى 8/ 50 - 51. ') ">

(7)

روح المعاني 27/ 21. ') ">

ص: 374

المعرفة المعتبرة الحاصلة بعبادته، لا ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة (1)

وهذه الأقوال الخمسة جميعها واردة على أن المراد بالجن والإنس عام غير مخصوص.

القول السادس: أن الآية خاصة في أهل طاعته من الفريقين الذين وقعت منهم العبادة، فيكون المعنى من وجدت منه العبادة فهو مخلوق لها، ومن لم توجد منه، فليس مخلوقًا لها.

وهو قول سعيد بن المسيب، إذ قال:"ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني" وقال الضحاك والفراء وابن قتيبة: هذا خاص لأهل طاعته (2)

وكذا قال الكلبي وسفيان (3)

ونسبه ابن عطية لزيد بن أسلم أيضًا (4) واستدل له البغوي (5) بقراءة ابن عباس: (وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون)(6)

(1) انظر تفسيره 4/ 145. ') ">

(2)

انظر زاد المسير 8/ 42، والفتاوى 8/ 40. ') ">

(3)

تفسير البغوي 4/ 235، وانظر تفسير القرطبي 17/ 55. ') ">

(4)

المحرر الوجيز 5/ 183. ') ">

(5)

انظر تفسيره 4/ 235. ') ">

(6)

نسب هذه القراءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابن خالويه في مختصر القراءات الشاذة 145، وكذا ابن عطية في المحرر 5/ 183، ونسبها إلى أبي بن كعب السمعاني في تفسيره 5/ 264.

ص: 375

مع قوله في الآية الأخرى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} فيكون من خلقهم لجهنم لم يخلقهم لعبادته.

وهذا القول كما قال ابن تيمية رحمه الله: "هو قول ضعيف مخالف لقول الجمهور ولما تدل عليه الآية، فإن قصد العموم ظاهر في الآية، وبين بيانًا لا يحتمل النقيض، إذ لو كان المراد المؤمنين فقط لم يكن فرق بينهم وبين الملائكة، فإن الجميع قد فعلوا ما خلقوا له، ولم يذكر الإنس والجن عمومًا. ولم تذكر الملائكة مع أن الطاعة والعبادة وقعت من الملائكة دون كثير من الإنس والجن"(1) فذكر رحمه الله في كلامه هذا وجهين من الجواب:

الأول: لفظ الآية وظهور العموم فيه.

الثاني: عدم ذكر الملائكة ولو كانت الآية خاصة بالمؤمنين لذكروا فإن الله خلقهم عابدين لا تمكن منهم المعصية.

ثم ذكر رحمه الله بعد الكلام المتقدم وجهًا ثالثًا وهو سياق السورة وموقع الآية فيه، فإنه استدل بذكر عقوبات الدنيا والآخرة في السورة لمن لم يعبده والوعيد الذي توعد به من لم يعبده وقوله بعد الآية {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} كل هذا يدل على أن الآية تقتضي ذم وتوبيخ من لم يعبد الله؛ لأن الله خلقه لشيء، فلم يفعل

(1) الفتاوى 8/ 40 - 41. ') ">

ص: 376

ما خلق له، فإذا قيل: لم يرد إلا المؤمنين كان هذا مناقضًا لسياق السورة وصار كالعذر لمن لا يعبده ممن ذمه الله ووبخه، وغايته أن يقول: أنت لم تخلقني لعبادتك وطاعتك، ولو خلقتني لها لكنت عابدًا وإنما خلقت هؤلاء فقط لعبادتك، وأنا خلقتني لأكفر بك وأشرك بك وقد فعلت ما خلقتني له كما فعل أولئك المؤمنون ما خلقتهم له، قال رحمه الله:"فهذا وأمثاله مما يلزم أصحاب هذا القول، وكلام الله منزه عن هذا"

فجميع هذه الأقوال الستة غلط، ومنشأ الغلط في حمل الفعل (يعبدون) على الوقوع، ثم من حمل العبادة على العبادة الشرعية عبادة الطاعة والامتثال جعل الآية خاصة بالمؤمنين؛ لأنهم هم الذين وقعت منهم عبادة الطاعة دون سواهم، أو جعلها عامة واعتبر توحيد الكفار حال الشدة هو العبادة الواقعة منهم، أو اعتبر إقرارهم بالربوبية هو العبادة الواقعة منهم، ولكن لا تنفعهم. ومن حمل العبادة على العبادة العامة عبادة القهر والخضوع، جعل الآية عامة؛ لأن هذه العبودية العامة واقعة من العموم، وكذا من حمل العبادة على المعرفة.

والصواب ما قدمناه من أن المراد بالعبادة العبادة الشرعية عبادة

ص: 377

الطاعة والامتثال وأن الفعل (يعبدون) معبر به عن إرادته لا عن وقوعه، وأن ما وصف بكونه مرادًا بلا وقوع له فليس المراد به إلا إرادة التكليف به، والأمر به فقط، فليس المراد بقوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وقوع العبادة بل الأمر بها على وجه الابتلاء. والله الموفق للصواب لا شريك له.

ص: 378

بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بالمملكة العربية السعودية حول ما يجري في القدس

وبيت المقدس من قتل وحصار وتشريد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد:

فإن القدس وبيت المقدس، أرض مباركة نص القرآن على مباركتها في أكثر من موضع منها قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ، وقوله:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} ، وقوله:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} .

ص: 379

والمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: " المسجد الحرام "، قال: قلت: ثم أي؟ قال: " المسجد الأقصى "، قلت: كم كان بينهما؟ قال:"أربعون سنة» . الحديث. أخرجه البخاري ومسلم، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال للصلاة فيها، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى» .

وهو أحد المساجد التي تضاعف فيها الصلاة كما جاء في حديث أبي الدرداء رفعه «الصلاة في بيت المقدس بخمس مائة صلاة» ، قال الحافظ في الفتح 3/ 67: قال البزار: إسناده حسن.

لذلك ولما لبيت المقدس والقدس من فضل ولما له من مكانة في الشريعة الإسلامية ومكانة في نفوس المسلمين واستشعارا للمسؤولية، فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية تابعت ولا تزال تتابع بكل ألم ما جرى ويجري من التعديات والممارسات الظالمة التي تزداد يوما بعد يوم

ص: 380

وإخراج أهل الدور من دورهم، وتشريد الآلاف من ممتلكاتهم، والاستيلاء على بيوتهم، ومزارعهم، ومساكنهم؛ ليقيم عليها اليهود مغتصباتهم التي يسمونها مستوطنات، وما يقومون به من اعتداء على المصلين والمتعبدين وإقامة الجدار العازل، وتشديد الحصار الاقتصادي وسحب الهويات، والاعتقالات، وتدني مستوى الخدمات وإغلاق المؤسسات الخيرية، ومضايقة السكان بشتى ألوان المضايقات ولا شك أن هذا إجرام وظلم وبغي في حق القدس والمسجد الأقصى وأهل فلسطين، وهذه الأحداث الأليمة توجب على ولاة أمر المسلمين الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين، والتعاون معهم ونصرتهم، ومساعدتهم، والاجتهاد في منع اليهود من الاستمرار في عدوانهم، واعتداءاتهم على المسجد الأقصى، وإنهاء الاحتلال الظالم، كل في ميدانه وموقعه، قياما بالمسؤولية، وبراءة للذمة.

هذا وإننا نوصي إخواننا المسلمين في فلسطين والقدس بتقوى الله تعالى والرجوع إليه سبحانه، كما نوصيهم بالوحدة على الحق وترك الفرقة والتنازع لتفويت الفرصة على العدو الذي استغلها وسيستغلها بمزيد من الاعتداءات والتوهين.

ص: 381

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يعز دينه، ويعلي كلمته وأن ينصر أولياءه، ويخذل أعداءه ويجعل كيدهم في نحورهم، ويكفي المسلمين شرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو عضو الرئيس

أحمد بن علي سير المباركي صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

عضو عضو عضو

محمد بن حسن آل الشيخ عبد الله بن محمد خنين عبد الله بن محمد المطلق

ص: 382