الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام ابن تيمية رحمه الله شديد الإنكار على هؤلاء. فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجعلت محتسبا على الفتوى؟، فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب؛ ولا يكون على الفتوى محتسب؟ "
الوقفة الثالثة: الورع عن الفتيا
.
لخطورة الفتيا وعظيم شأنها كان السلف الصالح من هذه الأمة - رضوان الله عليهم - يهابونها، ويتورعون عن خوض غمارها - مع تأهلهم لها، وبلوغهم رتبتها - بل ويتدافعونها بينهم، ويذمون من يسارع إليها؛ فقهًا منهم لحديث عبيد الله بن جعفر السابق مرفوعًا:«أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» (1)
وقد تعددت عبارتهم في التحذير من الجرأة على الفتوى والقول على الله بلا علم؛ ومن ذلك:
ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «أيها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم".
(1) سنن الدارمي 1/ 258 - 259 حديث رقم 159.
إن الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} » (1)
وفي رواية لمسلم: «من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم» (2)
وروى الدرامي في سننه عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال في خطبته: «من علم علما فليعلمه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به فيمرق من الدين، ويكون من المتكلفين» (3)
وله عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "من أفتى بفتيا يعمى عنها، فإثمها عليه"(4)(5)
وكان ابن عيينة رحمه الله تعالى يقول: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما". رواه ابن عبد البر (6)
(1) صحيح البخاري، باب قوله (وما أنا من المتكلفين)، من كتاب بدء الوحي، حديث رقم 4809، صحيح مسلم أبواب صفة القيامة والجنة والنار، حديث رقم 7244.
(2)
المرجع السابق حديث رقم 7245.
(3)
سنن الدارمي 1/ 274، حديث 180.
(4)
المرجع السابق 1/ 261، حديث 162.
(5)
المرجع السابق 1/ 261، حديث 162. ') ">
(6)
ينظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 318. ') ">
وقال أبو حصين عثمان بن عاصم رحمه الله تعالى: "إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر"(1)
قال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه قال: في المسجد - فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا. يسأل أحدهم عن المسألة فيردها إلى هذا؛ وهذا إلى هذا؛ حتى ترجع إلى الأول"
وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا حتى لا يجدوا بدًا من أن يفتوا".
وقال: "أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها"(2)
(1) ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية 2/ 65. ') ">
(2)
ينظر: أخلاق العلماء للآجري ص 102 - 103، والآداب الشرعية لابن مفلح 2/ 66 - 67. ') ">
وسئل الشعبي رحمه الله تعالى: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم؟.
فقال للسائل: "على الخبير وقعت. كان إذا سُئل الرجل، قال لصاحبه: أفتهم. فلا يزال حتى يرجع إلى الأول"
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ما رأيت أحدًا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة، أسْكَتَ عن الفتيا منه"(1)
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لولا الفَرَقُ من الله تعالى أن يضيع العلم، ما أفتيت؛ يكون لهم المهنأ وعلي الوزر"
وقال ابن وهب رحمه الله تعالى: سمعت مالكًا رمه الله تعالى يقول: "العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق"(2)
وجاء عن مالك أنه قال: "ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام، لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه
(1) ينظر: الفقيه والمتفقه 2/ 350 رقم 1078، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي ص 16. ') ">
(2)
المرجع السابق 2/ 65. ') ">
والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب، وعليًا، وعلقمة (1) - خيار الصحابة - كانت ترد عليهم المسائل، وهم خير القرون الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا؛ فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم" (2)
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية المروذي عنه: "إن الذي يفتي الناس يتقلد أمرا عظيما. أو قال: يقدم على أمر عظيم، ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي"
قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: "وقلَّ من حرص على الفتوى؛ وسابق إليها؛ وثابر عليها؛ إلا قل توفيقه؛ واضطرب في أمره، وإذا كان كارهًا لذلك، غير مختار له ما وجد مندوحة عنه؛ وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره؛ كانت المعونة له من الله أكثر؛
(1) هكذا جاء في المطبوع. وعد علقمة - وهو ابن قيس النخعي - من الصحابة سهو أن سبق قلم فهو مخضرم في عداد كبار التابعين ولد في عهد الرسالة وتوفي سنة 61 هـ. [ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء 4/ 53 - 61].
(2)
ينظر: ترتيب المدارك 1/ 179. ') ">