الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
العقد على الغائب المبيع على الصفة
والفرق بين هذا العقد وبين العقدين السابقين (الاستصناع والسلم) هو أن الاستصناع خاص بما فيه صناعة، أما هذا فهو عام، والفرق بينه وبين السلم أن السلم يشترط فيه تعجيل الثمن اتفاقًا، أما في هذا العقد فمختلف في ذلك كما سيأتي.
وقد اختلف في العقد على الغائب المبيع على الصفة، وذلك على قولين:
القول الأول: أن العقد على الغائب المبيع على الصفة جائز، وبهذا قال الحنفية - في المعتمد عندهم (1)(2) – والمالكية (3) وهو أحد الوجهين عند الشافعية (4) وهو الصحيح من مذهب الحنابلة (5)
واستدلوا بما يلي:
1 -
قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، فيدخل في عمومها
(1) انظر: الاختيار لتعليل المختار: 2/ 5، والبناية شرح الهداية 6/ 302.
(2)
انظر: الاختيار لتعليل المختار: 2/ 5، والبناية شرح الهداية 6/ 302. ') ">
(3)
انظر: مقدمات ابن رشد: 2/ 76، ومواهب الجليل: 4/ 296. ') ">
(4)
انظر: الحاوي: 6/ 22، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج: 4/ 263. ') ">
(5)
انظر: الكافي لابن قدامة: 3/ 22، والمقنع: 11/ 99 والإنصاف: 11/ 100. ') ">
الغائب المبيع على الصفة (1)
2 -
قوله (2) صلى الله عليه وسلم: «من اشترى ما لم يره، فهو بالخيار إذا رآه» (3)
ونوقش الاستدلال بهذا الحديث بأنه تفرد به عمر بن إبراهيم الأهوازي، وهو من الوضاعين (4)
3 -
أن الرؤية لو كانت شرطا في صحة بيوع الأعيان، للزم اشتراط رؤية جميع المبيع، ومعلوم أن مشتري الصبرة، يجوز له
(1) انظر: الحاوي: 6/ 18. ') ">
(2)
انظر: الهداية: 2/ 37، والحاوي: 6/ 18. ') ">
(3)
أخرجه الدارقطني: (3/ 4)، والبيهقي:(5/ 268)، عن أبي هريرة مرفوعا، وضعفاه بعمر بن إبراهيم الكردي، فقال الدارقطني: **فيه عمر بن إبراهيم الكردي، يضع الحديث، وهذا باطل، لم يصح، لم يروه غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين من قوله**، ونقل البيهقي كلامه فأقره عليه. وأخرجه الدارقطني - أيضا - (3/ 4)، والبيهقي: 5/ 268) عن مكحول مرسلا، وضعفاه بالإرسال، وبأن فيه أبا بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف. وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: 3/ 6:**
…
وفيه - يعني المرفوع - عمر بن إبراهيم الكردي، مذكور بالوضع، وجاء من طريق أخرى مرسلة، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والراوي عنه أبو بكر بن أبي مريم، ضعيف
…
ونقل النووي اتفاق الحفاظ على تضعيفه، وطريق مكحول المرسلة - على ضعفها - أمثل من الموصولة).
(4)
انظر: الحاوي: 6/ 20. ') ">
شراؤها إذا رأى بعضها، فثبت أن رؤية المبيع ليست شرطا في صحة العقد عليه (1)
القول الثاني: أن العقد على المبيع الغائب على الصفة لا يجوز، وهذا وجه عند الشافعية، هو أصح الوجهين، والمعتمد عند المتأخرين منهم (2)
واستدلوا بما يلي:
1 -
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه «نهى عن بيع الملامسة» (3)
والملامسة بيع الثوب المطوي، فإذا لم يجز ذلك للجهل بالمبيع، وإن كان حاضرا كان الأولى ألاّ يجوز إذا كان غائبًا (4)
ويمكن أن يناقش الاستدلال بهذا الحديث بأن الصفة ترتفع بها الجهالة، فلا يرد الاستدلال به على المنع من هذا البيع.
2 -
ما روي من "أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الغرر» (5)
(1) انظر: الحاوي: 6/ 18. ') ">
(2)
انظر: الحاوي: 6/ 22، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 4/ 263. ') ">
(3)
انظر: الحاوي: 6/ 19.
(4)
انظر: الحاوي: 6/ 19. ') ">
(5)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: (2/ 376، رقم: 8871)، وأبو داود في البيوع، باب في بيع الغرر (3/ 245، رقم: 3376)، والترمذي في البيوع، باب ما جاء في كراهية الغرر (3/ 532، رقم: 1230)، وابن ماجه في التجارات، باب النهي عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (2/ 739)، كلهم عن أبي هريرة. قال الترمذي:**حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم).
والعقد على المبيع الغائب بالصفة يتطرق إليه الغرر من وجهين (1)
أ - عدم العلم بسلامته.
ب - عدم العلم بالوصول إليه.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال من وجهين:
أ - أن الغالب السلامة، كما أن العلم بسلامة المبيع يمكن عن طريق السؤال عنه، خاصة بعد تطور وسائل الاتصال.
ب - أن ما يمكن أن يعترض به من الغرر مدفوع بالخيار، فإذا رأى المشتري المبيع، ولم يجده على الوصف ثبت له الخيار عند البعض، وعند غيرهم لا يلزمه حتى يراه ويرضى به.
الترجيح:
لعل الراجح - والله أعلم - هو جواز العقد على الغائب المبيع على الصفة؛ وذلك لأن الأصل في العقود الإباحة، ولم يرد دليل
(1) انظر: الحاوي: 6/ 19. ') ">
صالح لرفع هذا الحكم.
اشتراط قبض الثمن في العقد على الغائب المبيع على الصفة:
واختلف القائلون بصحة هذا البيع هل يشترط فيه قبض الثمن على قولين:
القول الأول: أنه لا يشترط قبض الثمن في العقد على الغائب المبيع على الصفة، وهذا مذهب الحنفية (1) والمالكية (2) واختاره القاضي من الحنابلة (3)
واستدل له بأنه بيع حال، فلم يشترط فيه قبض الثمن، قياسا على بيع العين الحاضرة (4)
القول الثاني: أنه يشترط قبض الثمن في العقد على الغائب المبيع على الصفة (5) وهذا القول هو الصحيح في مذهب
(1) انظر: الاختيار لتعليل المختار: 2/ 5، والبناية شرح الهداية: 6/ 302. ') ">
(2)
انظر: مقدمات ابن رشد: 2/ 76، ومواهب الجليل: 4/ 296. ') ">
(3)
انظر: المغني: 6/ 35، والإنصاف: 11/ 104. ') ">
(4)
انظر: المغني: 6/ 35. ') ">
(5)
يفرق الحنابلة بين نوعين من المبيع على الصفة، الأول: ما كان معينا، والثاني ما كان موصوفا غير معين، فيشترطون قبض الثمن في الثاني دون الأول.
الحنابلة (1)
واستدل لهذا القول بأن المبيع الموصوف إذا كان غير معين فهو في حكم السلم، فلا بد فيه من قبض الثمن (2)
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - عدم اشتراط قبض الثمن في العقد على الغائب المبيع على الصفة؛ وذلك لمباينته للسلم، إذ إنه بيع، ولا يختلف عن البيع إلا في كون المبيع غير حاضر في مجلس العقد، والبيع لا يشترط فيه قبض الثمن.
والصلة بين عقد التوريد وبين العقد على موصوف في الذمة وثيقة جدًّا، حيث إن كلاًّ منهما يتم التعاقد فيه على سلعة موصوفة غير مسلمة وقت العقد؛ ولهذا فقد عرف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عقد التوريد بأنه:"عقد على موصوف في الذمة بثمن مؤجل معلوم إلى أجل معلوم"
(1) انظر: المقنع: 11/ 103، والإنصاف: 11/ 104. ') ">
(2)
انظر: المغني: 6/ 34 - 35. ') ">