الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الثانية
الجمع بين البيع والإجارة
من المواضع التي يمكن أن يتطرق من خلالها البطلان إلى عقود التوريد أن فيها جمعا بين بيع وإجارة، حيث إن كثيرا من عقود التوريد غالبا ما تشتمل على بيع سلعة مقرونًا بأداء عمل يتعلق بتلك السلعة، فلا يكون العقد فيها منصبا على السلعة فقط، ولا على أداء العمل فقط، وإنما يكون منصبا عليهما معا، وهذا ما يسميه الفقهاء بالجمع بين البيع والإجارة.
وقد ذكر الفقهاء أنه إذا باعه شيئا واستأجره فلا يخلو الأمر من حالين:
الأولى: أن يكون لأحد العقدين علاقة بالآخر، وليس شرطا فيه، فيصح، كما لو اشترى منه سيارة في جدة، ثم بعد ذلك استأجره لإيصالها للرياض، فلا بأس بذلك.
الثانية: أن يكون أحدهما شرطا في الآخر، وهذا فيه خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول: أن الجمع بين البيع والإجارة على جهة الشرط
لا يصح، وإليه ذهب الحنفية (1)(2) وهو أحد الوجهين عند الشافعية (3) ورواية عند الحنابلة (4)
واستدلوا بما روي من «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة» (5)
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن المراد بهذا الحديث الجمع بين بيعتين لا على وجه قصد البيع، بل من أجل التوسل إلى الربا، مثل أن يبيعه ويسلفه ليحابيه، أو يشتري منه السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها له بأقل من ذلك الثمن (6)
قال ابن القيم: (وللعلماء في تفسيره قولان، أحدهما: أن يقول
(1) انظر: المبسوط: 12/ 348، وبدائع الصنائع: 5/ 252، وفتح القدير: 6/ 446.
(2)
انظر: المبسوط: 12/ 348، وبدائع الصنائع: 5/ 252، وفتح القدير: 6/ 446. ') ">
(3)
انظر: الوجيز: 3/ 86، وحاشية عميرة: 3/ 79. ') ">
(4)
انظر: الإنصاف: 11/ 160، والمبدع: 4/ 56، وشرح منتهى الإرادات: 2/ 30. ') ">
(5)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: (1/ 432، رقم: 9582)، والترمذي في البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة (3/ 533، رقم: 1231) والنسائي في البيوع، باب بيعتين في بيعة (7/ 295، رقم: 4646)، وأبو يعلى (10/ 507، رقم: 6124)، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي:(حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح).
(6)
انظر: مجموع الفتاوى: 29/ 431 - 432، والطرق الحكمية، ص:351 - 352، وإعلام الموقعين: 3/ 119. ') ">
بعتك بعشرة نقدًا، أو عشرين نسيئة
…
وهذا التفسير ضعيف؛ فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة، ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين، والتفسير الثاني: أن يقول: أبيعكها بمائة إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة، وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره، وهو مطابق لقوله:(فله أوكسهما أو الربا، فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأول فيكون أوكسهما، وهو مطابق لصفقتين في صفقة، فإنه قد جمع بين صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة، وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها)(1)
القول الثاني: أن الجمع بين البيع والإجارة على وجه الشرط جائز، وإلى هذا ذهب المالكية (2) وهو الوجه الثاني عند الشافعية (3)
ورواية عند الحنابلة (4) واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (5)
(1) حاشية ابن القيم على شرح سنن أبي داود: 9/ 247. ') ">
(2)
انظر: بداية المجتهد: 2/ 153، وعقد الجواهر الثمينة: 2/ 422، ومنح الجليل: 5/ 386. ') ">
(3)
انظر: الوجيز: 3/ 86، وروضة الطالبين: 3/ 429، والمجموع: 9/ 388. ') ">
(4)
انظر: شرح منتهى الإرادات: 2/ 30، وحاشية الروض المربع: 4/ 398. ') ">
(5)
انظر: الفتاوى الكبرى: 5/ 411، واختيارات ابن تيمية، ص:155. ') ">
واستدل لهذا القول بأن كلا من البيع والإجارة يجوز منفردا، فجاز الجمع بينهما
الترجيح:
لعل الراجح - والله أعلم - هو القول الثاني، وهو جواز الجمع بين البيع والإجارة؛ لأن الأصل جواز ذلك، والحديث الذي استدل به من منع من الجمع بينهما ليس واردا في محل النزاع.
وبناء على ذلك فلا يقدح في صحة عقد التوريد اشتماله على الجمع بين البيع والإجارة، والله أعلم.