الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعريف الأول، أو المعنى الخاص للعقد هو المقصود في هذا البحث باعتبار أن الإجارة - التي يتناول هذا البحث الاختلاف بين العاقدين فيها - من العقود التي لا تتم إلا بوجود إرادتين.
المطلب الثاني
تعريف التوريد لغة واصطلاحًا
تعريف التوريد لغة:
التوريد في اللغة مشتق من الوِرد بالكسر وهو الإشراف على الماء وغيره، والوِرد والتورُّد والاستيراد بمعنى واحد، يقال: أورده: أحضره المورد كاستورده، وتورَّد: طلب الوِرد، وورَّدَت الشجرةُ توريدًا نَوَّرَت، وورَّدَت المرأةُ حمَّرتْ خدها (1)(2)
وقد ورد الورد في القرآن بقريب من هذا المعنى، قال الله تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} ، وقال تعالى:{فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} .
قال في الصحاح: "ورد فلان ورودا: حضر، وأورده غيره
(1) انظر: لسان العرب: 3/ 456، والقاموس المحيط، ص:415.
(2)
انظر: لسان العرب: 3/ 456، والقاموس المحيط، ص:415. ') ">
واستورده أي أحضره (1)
ومن هذا يتبين لنا أن التوريد في اللغة يدور على معنى الإحضار والجلب إلى مكان الماء أو إلى غيره.
تعريف التوريد اصطلاحًا:
يعتبر عقد التوريد من العقود المعاصرة؛ ولذلك فإنه لا يوجد له تعريف في كتب الأقدمين، ولكن توجد له تعريفات في بعض الكتب القانونية والبحوث المعاصرة، وسأختار من هذه التعريفات ثلاثة نماذج:
1 -
فقد عرفته محكمة القضاء الإداري في مصر بأنه (اتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة يتعهد بمقتضاه الفرد أو الشركة بتوريد منقولات معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عام مقابل ثمن معين)(2)
ويبدو من هذا التعريف أن عقد التوريد جزء من العقود الإدارية التي يكون أحد طرفيها شخصا من أشخاص القانون العام، وهذا غير مسلَّم؛ لأن عقود التوريد، وإن كان الغالب فيها أن تكون
(1) الصحاح للجوهري: 2/ 549. ') ">
(2)
انظر: الأسس العامة للعقود الإدارية، ص:121. ') ">
الدولة أو أحد مرافقها طرفا فيها، إلا أن ذلك ليس مطردًا، فقد يكون طرفا العقد أفرادًا أو مؤسسات خاصة (1)
كما أن عقود التوريد لا تختص بالمنقولات، فقد تكون عقودًا صناعية.
2 -
وذكر الدكتور مصطفى الزرقاء بأنه: (التعهد بتقديم اللوازم والأرزاق والمواد الأولية للدوائر الحكومية والشركات والمعامل والمدارس)(2)
وهذا التعريف - وإن كان يكشف بصورة عامة عن مضمون عقد التوريد - إلا أنه لا يشتمل على العناصر الضرورية لتعريف هذا العقد وتمييزه عن غيره، ويتضح ذلك بمقارنته بالتعريفين الآخرين.
3 -
وعرفه مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 107 (1/ 12) بشأن عقود التوريد والمناقصات في دورته الثانية عشرة بالرباط عام 1421 هـ بأنه: "عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعا معلومات مؤجلة بصفة دورية خلال فترة معينة لطرف
(1) انظر: عقد التوريد (دراسة شرعية)، للدكتور عبد الله المطلق، بحث منشور في مجلة جامعة الإمام/العدد العاشر/جمادى الآخرة/1414 هـ /ص 24.
(2)
المدخل الفقهي العام: 2/ 710. ') ">
آخر، مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه"
وحيث إنني سأتناول حكم عقد التوريد من منظور شرعي فإني سأنطلق من هذا التعريف باعتباره جامعا للعناصر المهمة في تعريف التوريد والمميزة له عن غيره من العقود.
وإذا تأملنا هذا التعريف وجدناه يشتمل على العناصر التالية:
1 -
أن التوريد يعتبر عقدًا، ولفظ العقد نظام عام يشمل كل ارتباط ملزم بين طرفين، بغض النظر عن طبيعة ذلك العقد هل هو في البيوع أو الأنكحة أو غيرهما.
2 -
أن هذا العقد يشتمل على تعهد، أو وعد يلتزم به أحد أطراف العقد في المستقبل، ويكون مسؤولا عن الوفاء به، ومعنى هذا أن عقد التوريد لا يتم على سلعة حاضرة وقت العقد، وإنما يتم على تعهد بإحضار سلعة في وقت معين، وهذه نقطة مهمة لها تأثيرها في صحة العقد، وسأتناولها بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله تعالى.
3 -
أن هذا العقد يكون بين طرفين (مورد ومستورد) ولم تحدد
طبيعة الطرفين، فيجوز أن يكون بين مرفقين عامين أو مؤسستين خاصتين، أو بين مرفق عام ومؤسسة خاصة، حيث إن ذلك لا تأثير له في الحكم من منظور شرعي.
4 -
أن العقد يتم على التعهد بتسليم سلع، والسلع هنا لفظ عام يشمل كل أنواع السلع المنقولة وغير المنقولة.
5 -
أن إحضار هذه السلع له أجل معين محدد في العقد.
6 -
أن إحضار هذه السلع يكون بصفة دورية، أي دائمة ومتكررة، وليست مرة واحدة منقطعة.
7 -
أن ثمن السلعة يكون محددا في العقد، ولا يكون مجهولا.
8 -
أن الثمن يمكن أن يدفع بعضه مقدما، ويمكن أن يؤجل كله إلى تسليم السلعة، وهذه أيضا نقطة مهمة حيث إن تعجيل الثمن أو تأجيله له تأثير على تكييف العقد من الناحية الشرعية كما سيضح فيما بعد إن شاء الله تعالى.